ملحق لرحلة بوگانڤيل
ملحق لرحلة بوگانڤيل، أو حوارات بين أ و ب حول متاعب ربط الأفكار الأخلاقية ببعض الأفعال الجسمانية التي لا تحتملها فرنسية: Supplément au voyage de Bougainville, ou dialogue entre A et B sur l'inconvénient d'attacher des idées morales à certaines actions physiques qui n'en comportent pas هو حوار فلسفي من تأليف دني ديدرو، نُشِر في 1772، وكـُتب كرد فعل لكتاب رحلة حول العالم لبوگانڤيل.
ويستخدم ديدرو الحوارات لمناقشة الرق والاستعمار والعقيدة الكاثوليكية ومواضيع أخرى مميزة لعصر التنوير. ويُعد من أكثر كتاباته تطرفاً.
كان لويس أنطوان بوجينفيل قد نشر لتوه (1772) كتابه "رحلة حول العالم" عدد فيه خبراته وتجاربه في هايتي وغيرها من جزر المحيط الهادي الجنوبي ووقع بصر ديدرو على بعض أجزاء من هذا الكتاب تبين تفوق الحياة البدائية في بعض النواحي على المدنية. ورغبة من ديدرو في إبراز نواحي التفوق والسمو هذه، كتب في 1772 بما هو معهود فيه من حيوية وخيال وتميز وشغف، "ملحق لرحلة بوجينفيل"، وهو كتاب لم ير النور إلا في 1796. وأختار ديدرو رجلاً عجوزاً من أهالي تاهيتي أورد بوجنيفيل ذكره، وتخيل أنه يلقي خطاباً يودع فيه أمير البحر لدى الفرنسيين الراحلين عن الجزيرة: "وأنت يا زعيم عصابة اللصوص المطاع الذين يمتثلون لأوامرك، إغرب بسفينتك عن شواطئنا. فنحن أبرياء سعداء، وكل ما تستطيع أن تفعل لنا هو أن تفسد علينا سعادتنا. إننا ننهج نهج الفكرة النقية، ولكنك تسعى لمحو أساس هذه الفطرة من نفوسنا. وهنا كل الأشياء ملك لكل الناس، أما أنت فتبشر بتفريق غريب بين ما هو "ملك لك" وما هو "ملك لي" وكل بناتنا وزوجاتنا كانت لنا جميعاً على الشيوع، ولكنكم شاركتمونا هذه الميزة ودفعتم بهن إلى لوثات من الجنون، ولم يكن لهن بها عهد من قبل.. وتناحرتم وقتل بعضكم بعضاً من أجلهن، وعدن مضرجات بدمائكم... نحن أحرار، ولكن تأمل كيف أنكم نقشتم على أرضنا عنوان عبوديتنا في المستقبل.. إنكم كتبتم على هذا النصل المعدني "هذا البلد بلدنا" ...ولكن لماذا فعلتم هذا؟ هل لأنكم حططتم رحالكم هنا؟ وهل إذا رسا احد أبناء تاهيتي ذات يوم على شواطئكم، ونقش على حجر عندكم" هذا البلد تابع لأهل تاهيتي" فماذا عساكم ترون في مثل هذا العمل؟ ..إن هذا التاهيتي الذي تريدون أن تمسكو به وكأنه حيوان ليس أخاً لكم.. وأي حق لكم عليه ليس له حق مثله عليكم؟ إنكم جئتم إلينا، فهل سطونا عليكم؟ وهل أعملنا السلب والنهب في مراكبكم؟.. كلا. لقد أحترمنا ذاتنا في شخصكم... اتركونا لنا عاداتنا واعرافنا، أنها أحكم وأشرف من عاداتكم وأعرافكم. وليست بنا من حاجة أو رغبة في مقايضة ما تسمونه جهلنا بالمعرفة القيمة لديكم"(48).
ويمضي حكيم تاهيتي فيذكر الأوربين بما قوبلوا به من ترحيب حار، وكيف أسكنوهم وأطعموهم وأحبوهم. ولم يكن في الجزيرة "وصية سادسة" (كما افترض ديدرو) كما لم يكن ثمة حقد ولا حسد. فلم يفهم نساء الجزيرة ما تحدث به قسيس السفينة عن الخطيئة والعار، وأحطن البحارة بكل الكرم والرعاية. وماذا كانت النتيجة؟ إن مرض الزهري الذي لم يعرفه سكان الجزيرة من قبل، ظهر الآن بين نسائها، ثم انتقل إلى رجالها. ويتوسل الرجل العجوز إلى الزائرين أن يرحلو إلى غير رجعة. وأضاف ديدرو "وناقشة بين القسيس وأورو" وهو مواطن من تاهيتي كان قد تعلم الأسبانية، صدرت إليه الأوامر بأيواء القسيس في كوخه. ويعرض أورو على القسيس أن يختار لمشاركته فراشه بين زوجته وإحدى بناته، ويوضح القسيس أن قانونه الأخلاقي يحرم عليه قبول مثل هذا العرض الكريم. ولكن إحدى البنات تمسه بيدها فيصبح رجلاً. ويقضي القسيس الأيام الثلاثة التالية يشرح لأورو الأخلاق المسيحية والليالي الثلاث التالية مضاجعاً البنات واحدة تلو الاخرى، اما الليلة الرابعة، وكأنما أرتبط بكلمة الشرف، فأنه يخصمها لزوجة مضيفة(49) وأمدت محاولات القسيس لتحويل أورو إلى المسيحية ديدرو بصحيفة سارة بهيجة. القسيس- ما هو الزواج عندكم؟ أورو- أتفاق على المشاركة في كوخ واحد، والمشاركة في سرير واحد كلما طاب لنا نفعل ذلك. القسيس- وإذا رغبتم عن ذلك. أورو- نفترق . القسيس- وماذا يحدث للأبناء؟ فيقول أورو إن هذه ليست مشكلة : تعود السيدة بأبنائها إلى بيت أبيها، وسرعان ما يتزوجها رجل آخر يسعد بقبول أبنائها، لأن الأولاد في المجتمع الزراعي كسب أقتصادي عظيم. القسيس- هل يستطيع الوالد أن يضاجع أبنته، والوالدة أبنها، والأخ اخته والزوج زوجة رجل آخر؟ أورو- ولم لا؟ القسيس- أظن أنه حتى هنا- مهما يكن من أمر، لايضاجع الأبن أمه غالباً . أورو- لا.اللهم إلا إذا كان احترام هذا الأبن لأمه شديداً(50). ويخرج القسيس من هذا وهو يكاد يحبذ كل التحبيذ طرق معيشة أهل تاهيتي، ويقر بأنه" اغرى بخلع ملابسه الكهنوتية في السفينة ليقضي بقية أيام حياته بين أبناء الطبيعة هؤلاء.
وينتهي ديدرو إلى مثل ما أنتهى إليه صديقه القديم روسو، الذي كان يناقش في كتابه "بحث في الفنون والعلوم" (1750) و"بحث في منشأ عدم المساواة" (1755) "هل تريدون لمحة موجزة عن كل تعاستنا وشقائنا تقريباً؟ هاكم هذه اللمحة. لقد وجد إنسان صناعي، ونشبت حرب أهلية أستمرة طيلة الحياة.. وكان الإنسان الطبيعي في بعض الأحيان هو الأقوى، كما حطمه في أحيان أخرى الإنسان الصناعي الأخلاق. وفي كلتا الحالتين يعامل العملاق بقسوة ويضيق عليه الخناق ويعذب، ويسام الخسف.. إنه دائماً تعس منكوب".
وكان ديدرو بطبيعة الحال لا يعرف إلا القليل عن أهل تاهيتي، وكان بوجينفيل قد وصفهم بأنهم متمسكون بالخرافات والمحرمات، يرهبون أرواحاً شريرة خيالية، يستسلمون للكهنة، ناهيك بالعديد من أنواع الحشرات والأمراض. إن ديدرو الذي كان يضيق ذرعاً بالزواج بواحدة، لم يكن في حاجة إلى أن يدرك لماذا وضعت ضرورات النظام الاجتماعي مثل هذه القيود الكثيرة على الغرائز الجنسية غير المشروعة لدى الجنس البشري، وكان نموذجاً آخر للفكر الفردي الذي يتصور نفسه أحكم وأعقل من عادات البشر وأعرافهم .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .