مصر والسعودية وحدودهما البحرية في خليج العقبة (بلال المصري)
بلال المصري ساهم بشكل رئيسي في تحرير هذا المقال
|
مصر والسعودية وحدودهما البحرية في خليج العقبة
أشار موقع Cairo Post بتاريخ 30 يوليو 2015 (1) وموقع جريدة العربي الجديد بتاريخ الثاني من اغسطس 2015(2) بالإحالة علي بيان صادر عن الرئاسة المصرية إلي أن مصر والسعودية إتفقتا علي ترسيم حدودهما البحرية بالبحر الأحمر وأن هذا الأمر تم الإتفاق عليه بين الرئيس المصري ووزير الدفاع السعودي الذي شارك أثناء زيارته لمصر في الإحتفال بتخريج دفعة من الأكاديمية العسكرية نهاية يوليو 2015. يعتبر ملف الحدود البحرية بين البلدين من الملفات القليلة المُعلقة، وفي الواقع فإن توقيت التحرك السعودي من أجل فتح هذا الملف الدقيق هو ما يثير القلق لدي البعض والشك لدي البعض الآخر والحيرة لدي آخرين، وقد يفسر تاريخ الملف والعوامل الرئيسية المؤثرة فيه مسألة التوقيت تلك. يُفضل أولاً إلقاء نظرة علي المنطقة التي يتعلق الملف بها وهي البحر الأحمر وخليج العقبة علي وجه التعيين وذلك علي النحو التالي:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
البحر الأحمر
يبلغ طوله 3069 ميل وبإضافة سواحل عدن سيبغ طوله 4347 ميل يُعتبر من أكثر بحار العالم تميزاً بأهميته الإستراتيجية وإرتباطه بإقتصاديات العالم سواء اللوجيستيكية من خلال ما تمثله قناة السويس كممر عبور والمدخل الشمالي للبحر الأحمر لناقلات البترول وناقلات القوات العسكرية لدول ذات علاقة بما يحدث في منطقتي الخليج العربي وباب المندب مدخل البحر الأحمر الجنوبي الذي أصبح في متناول تهديدات الحوثيين وحلفاءهم الإيرانيين الطاقة العالمية أي البترول، ومن المعروف أن كل ميل من ساحل البحر الأحمر يقابله حوالي 57,9 ميل مربع من مسطح البحر الأحمر مما يشير من الوجهة العسكرية والجيوبوليتيكية إلي تفوق قدرة الساحل علي التحكم في والسيطرة علي البحر وتبلغ هذه السيطرة ذروتها في خليج العقبة حيث تقع علي مدخله الحدود البحرية بين مصر والسعودية , ومما يزيد من أهمية النظرة الإستراتيجية والعسكرية الدفاعية و / أو الهجومية للبحر الأحمر ككل ومدخل خليج العقبة حيث تربض جزيرتي تيران وصنافير اللتان من المُفترض أن الحدود البحرية السعودية-المصرية تمر عليها أن هذا البحر يوجد فيه حوالي 500 جزيرة وهي ثلاث أنواع هي الجزر المحيطية والساحلية والمرجانية الحقلية ومعظمها غير آهل أو مهجور من السكان , ويمكن القول أن الكثافة الجزرية للبحر الأحمر تبلغ 2,1 جزيرة لكل ميل مربع من المسطح المائي لهذا البحر , وتملك مصر من هذه النسبة 0,05 % حيث يبلغ طول الساحل المصري علي البحر الأحمر 25% من مجمل طول ساحل البحر الأحمر أي ما يعادل جزيرة واحدة لكل كم مربع من طول الساحل المصري , وفي الحقيقة فإن جزر البحر الأحمر تمثل لمصر نقاط إرتكاز وتحكم وسيطرة عسكرية مما يُشير إلي أن مصر تعنيها هذه الجزر التي يبلغ عددها من الوجهة الفعلية 13 جزيرة وهي:
- جزيرة طويلة وهي رملية ومساحتها 49,25 كم مربع وتبعد عن البر بمسافة 15 كم وتصلح للإبرار الجوي لقوات محدودة .
- جزيرة جوبال وهي رملية في معظمها وتبلغ مساحتها 9,6 كم ومسطحها منخفض إلي حد ما وتبعد عن رأس خشبة بالبر المصري حوالي 20 كم وهي أيضاً صالحة للإبرار الجوي والبحري .
- جزيرة قيسوم وتتكون من جزيرتين طبيعتهما رملية ويشرف الجزء الجنوبي منها علي ممر ملاحي رئيسي , وتبلغ مساحتها 9,76 كم مربع وتبعد عن رأس خشبة بنحو 9 كم وتصلح في أجزاء منها للإبرار البحري .
- جزيرة شدوان وسطحها الشمالي رملي أما الجنوبي فصخري، وتبلغ مساحتها 38,4 كم مربع , وقيمتها العسكرية عالية فهي تسيطر تماماً علي مدخل خليج السويس وتصلح في موضع منها لإستقبال السفن متوسطة الحجم.
- جزيرة الجفتون الصغري وطبيعتها رملية، وتبلغ مساحتها 3,84 كم مربع وهي بجوار جزيرة الجفتون الكبري وميناء الغردقة ويتيح عمق وطبيعة قاع البحر حولها بإستقبال الوحدات الصغيرة .
- جزيرة الجفتون الكبري ومسطحها رملي أيضاً في بعض أجزاءها وتبلغ مساحتها حوالي 12,8 كم مربع وهي قريبة من ميناء الغردقة علي الساحل المصري .
- جزيرة سفاجا وهي تقع شرق ميناء سفاجا ويبلغ طولها 10 كم وعرضها 3 كم وهي تسيطر علي مدخلي خليج السويس والعقبة وعلي خطوط الملاحة من وإلي هذين الخليجين .
- جزيرة الاخوين وتتكون من جزيرتين يفصل بينهما ممر ملاحي عرضه ميل بحري واحد وتقعان علي مسافة 81 ميل بحري من جزيرة شدوان ( شاكر) وعلي مسافة 35 ميل بحري من ساحل شرق القصير , وعند الحافة الجنوبية الشرقية يمكن إحتماء السفن بها من الرياح الشمالية العاصفة ويوجد بالجزيرة منار إرشاد ملاحي .
- جزيرة الزبرجد وتقع علي مسافة 28 ميل بحري جنوب شرق رأس بناس وتبلغ مساحتها 12 كم مربع ويرتفع سطحها بنحو 200 عن سطح البحر .
- جزيرة مكونة، وتقع جنوب رأس بناس بحوالي 6 كم وطولها من الشمال للجنوب 2 كم وتتوسط الممران الملاحيان الشمالي والأوسط المؤديان لميناء برنيس والجزء الجنوبي منها هو الأكثر إرتفاعاً بها إذ يبغ إرتفاعه 34 متر .
- جزيرة حلايب وكدولة وهي مثلثة الشكل تقريباً وطول كل من اضلاعها حوالي 3,5 كم من المرجان وجزيرة كدولة مستديرة الشكل .
تحوز المملكة العربية السعودية عدة جزر لعل من أهمها :
- جزيرة شوشا وتقع علي بعد 8,5 ميل بحري شرق جزيرة صنافير عند مدخل خليج العقبة وهي متدرجة في الإرتفاع من الشمال إلي الجنوب ويصل إرتفاعها عند حدها الجنوبي 61 متر ويوجد شعب مرجاني يمتد لمسافة 2 ميل في الإتجاه الجنوبي الشرقي للجزيرة , ويوجد مرسي للسفن الصغيرة والأعماق حولها تتراوح من 12 إلي 18 متر شرق الجزيرة .
- جزيرة برقان سطحها رملي وتقع علي مسافة 7 ميل شرق جزيرة شوشا وإرتفاعها حوالي 30 متر وتتكون من جزئين , وهناك مرسي جنوب شرقي الجزيرة عمقه 21 متر وآخر في الإتجاه الشرقي أعماقه تتراوح من 12 إلي 27 متر ويمكن إستخدامها كنقطة إرتكاز للقوات البحرية .
- جزر فارسان وتقع شمال جبل الطير بمسافة 70 ميل وتبعد 30 ميل عن الساحل اليمني و150 ميل عن الساحل السوداني ومساحتها 35 x 15 ميل .
خليج العقبة
يبلغ طول الخليج 100 ميل تقريباً من إيلات وحتي جزيرة تيران ( يبلغ طول خليج السويس 170 ميل) ويتراوح عرضه ما بين 7 إلي 8 ميل , وهو ضحل نسبياً عند رأسه ويزداد عمقاً حتي لأنه يصل إلي 2160 تقريباً تقريباً وأعمق نقطة فيه هي تلك التي عند منتصف الخليج ففيها يصل العمق إلي 4600 قدم , وتُقسم جزيرتا تيران وصنافير مدخله الجنوبي الذي يبلغ عرضه 6 ميل إلي 3 أجزاء أو ممرات أوسعها الذي يقع بين الساحل السيناوي وبين جزيرة تيران فعرضه يبلغ 3,7 ميل .
منشأ المشكلة وتطوراتها
يبلغ طول سواحل خليج العقبة الذي من المتوقع أن يتم ترسيم الحدود البحرية المصرية / السعودية عند مدخله نحو 230 كم تقريباً منهم 125 كم لمصر و96 كم للسعودية و15 كم للأردن و4 كم لإسرائيل وبالخليج عدة موانئ أهمها العقبة الأردني وإيلات الإسرائيلي ونويبع في مصر.
وفي الواقع فإن ترسيم الحدود البحرية السعودية / المصرية أصبح بإقتران العامل التاريخي مع العوامل الجغرافية والقانونية والسياسية مشكلة مُركبة إلي حد بعيد , ذلك أن هذه الحدود من المُفترض إن تم الإتفاق علي ترسيمها بشكل رسمي ونهائي - إذن فالأمر لابد والحالة هذه مُرتبط حتماً بمفاوضات لإخضاع العوامل الفنية لعملية الترسيم للعوامل السياسية والتاريخية وليس العكس - فسوف يصطدم هذين العاملين علي الأقل بمسألة السيادة الفعلية التي أصبحت لمصر علي تيران بالتقادم , أما جزيرة صنافير فمصر تقر رسمياً بأن ثلثيها يؤول بموجب القانون الدولي للبحار إلي المملكة العربية السعودية , ولهذا يمكن القول ان عملية ترسيم الحدود بالنسبة لمصر علي الأقل تجاوزت بفعل العامل التاريخي بالمعنيين أي بحكم التقادم وبفعل الحوادث التاريخية في سياق الصراع العربي / الإسرائيلي نطاقها الفني والسيادي لتستقر في النطاق العسكري والإستراتيجي , فخليج العقبة أو خليج إيلات من وجهة نظر الإسرائيليين يعتبر مجالاً حتمياً للإهتمامات العسكرية الإسرائيلية / المصرية منذ إعلان قيام إسرائيل في 15 مايو 1948 وتوجيه العسكرية الإسرئيلية إهتماماتها للنفاذ إلي البحر الأحمر لأهميته الإستراتيجية للوصول الإسرائيلي للقرن الأفريقي والإتصال بإثيوبيا التي كانت قد ضمت إرتريا وموانئها علي البحر الأحمر من خلال فرض الإتحاد الفيدرالي عليها عام 1936 وكذلك الإتصال بآسيا والمحيط الهندي , ولهذا وضعت إسرائيل نصب عينيها في أثناء حرب 1948 التقدم جنوباً في صحراء النقب متجاوزة بذلك نصوص قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة في 29 نوفمبرعام 1947 والذي رفضه العرب , إلي أن وصلوا لقرية أم الرشراش المصرية في 10 مارس 1948 حيث كان يتمركز بها نحو 350 عنصر شرطي وأبادوهم حيث لم يطلق المصريون طلقة واحدة بسبب الهجوم المباغت وربما لإلتزامهم بالهدنة , ونجح الإسرائيليون في إحتلال القرية وأسسوا مكانها عام 1951 مدينة أطلقوا عليها أسم Eilath التي كان تعداد سكانها في 31 ديسمبر 1971 نحو 15,900 نسمة *(3) , ثم أعلنت الحكومة الإسرائيلية في 25 يونيو 1952 عن إعتبار إيلات ميناء لإسرائيل , وكان ذلك التطور السلبي من العوامل الرئيسية لإتفاق المملكة العربية السعودية مع المملكة المصرية بناء علي مساع بذلها أمين عام الجامعة العربية / عبد الرحمن عزام عام 1949 لوضع جزيرتي تيران وصنافير تحت الإدارة المصرية التي بمقدورها وض مدفعيتها الثقيلة في تيران بما يمنع من مرور السفن الإسرائيلية عبر خليج العقبة، وتزامن مع ذلك تقدم [[إمارة شرق الأردن بشكوي إلي الوسيط الدولي للأمم المتحدة بشأن إستيلاء إسرائيل علي قرية أم الرشراش الذي تحري الشكوي الأردنية وأكد أن القوات الإسرائيلية إحتلت أم الرشراش الواقعة علي حدود فلسطين علي خليج العقبة بعد ظهر 10 مارس 1948 , وللأسف فإن الحقيقة التي يمكن قبولها في هذا الشأن أن إتفاق الهدنة المصرية / الإسرائيلية الذي وُقع في 24 فبراير 1949 وإتفاق الهدنة الأردنية الإسرائيلية المُوقع في 3 أبريل عام 1949 كرسا من خلال نصوصهما المُتجاهلة لمسألة إحتلال وإستيلاء إسرائيل لأم الرشراش، فقد تُركت قرية الرشراش تحت سيطرة إسرائيل وفقاً لما " تمليه الإعتبارات العسكرية" بدون إجحاف بالحقوق والمطالبات والمواقف من جهة أي من الأطراف الداخلة في التسوية السلمية النهائية للقضية الفلسطينية , ولما لم تُعقد تسوية نهائية مع إسرائيل إلا بعد وقت طويل فقد تكرس هذا الوضع وأكتسب صفة الوضع الراهن IPSO FACTO , وإزاء هذا الوضع وخشية من تمدد التوسع الإسرائيلي جنوباً في خليج العقبة والتحكم في مدخله قامت مصر بالتزامن مع السعودية بإحتلال جزيرتي تيران وصنافير وقامتا برصد السفن الإسرائيلية الناقلة لمواد إستراتيجية والمارة في خليج العقبة من أجل منعها من المرور في مضيق تيران الواقع في نطاق المياه المصرية , وقدمت كل من الحكومة المصرية والسعودية مذكرتين للحكومة البريطانية في 30 يناير 1949 وللأمم المتحدة في 28 فبراير 1949 بشأن إتفاقهما في هذا الشأن , وأشارت المذكرتان إلي ما نصه " 1- وضعاً في الإعتبار النزوات التي تراود وعبر عنها مؤخراً الجانب الإسرائيلي فيما يتعلق بجزيرتي تيران وصنافير في البحر الأحمر عند مدخل خليج العقبة , فإن حكومة مصر تتصرف وبإتفاق تام مع حكومة العربية السعودية وبفاعلية بحيث أعطيت الأوامر لإحتلال الجزيرتين , وأن هذا الإحتلال قد أصبح حقيقة ماثلة , 2- وبإقدامها علي ذلك فإن مصر وببساطة تريد أن تؤكد حقها (شأنها في ذلك شأن الحكومة السعودية) فيما يتعلق بالجزيرتين المذكورتين آنفاً واللتان بسبب موقعيهما الجغرافي علي بعد لا يقل عن 3 ميل بحري عن الساحل المصري في سيناء و4 ميل بحري تقريباً عن الجانب المُقابل بالسعودية , وكل ذلك لإحباط أية محاولة ممكنة لإنتهاك حقوقها , 3- إن هذا الإحتلال لا يمكن تصوره في حد ذاته بأي طريقة علي أنه قد يكون لإعاقة المرور البرئ بالحيز البحري الفاصل بين هاتين الجزيرتين من جهة الساحل المصري بسيناء , إذن فلا حاجة للقول بأن هذا الممر هو الوحيد الذي يُعد عملياً وسيظل ممراً حراً كما كان في الماضي وبما يتسق مع الممارسة الدولية والمبادئ المُتعارف عليها للقانون الدولي " , ولابد أن يُشار هنا أن مصر كانت تعتبر الموقف في فلسطين دالة علي الإجراءات التي كان عليها إتخاذها للدفاع عن نفسها من الخطر الإسرائيلي ومن هنا يمكن أن نقرأ إنعكاس هذا علي الموقف المصري إزاء خليج العقبة وحظر المرور الإسرائيلي فيه وهو ما دعا إلي إصدار قانون نُشر في الجريدة الرسمية بتاريخ 3 أبريل 1953 قضي بإنشاء مجلس الغنائم المصري تحت رقم 32 وقد صدر بعد زوال سلطة الحاكم العسكري وقتئذ من أجل ضرورة الحفاظ والإبقاء علي الإجراءات التي إتخذتها مصر للدفاع عن نفسها من جراء حالة الحرب التي كانت ما تزال بينها وبين إسرائيل , وهي حالة علي كل حال لا ينهيها إتفاق الهدنة في فبراير 1949 .
بدأ التنازع علي أمر السيادة علي الجزيرتين عندما أخطرت مصر مجلس الأمن الدولي في 15 فبراير 1954 أن الجزيرتين شكلتا أراض مصرية منذ عام 1906 عندما تم تعليم الحدود بين مصر والإمبراطورية العثمانية وأن سجلات الحرب العالمية الثانية تتضمن شواهد رسمية بأن وحدات مصرية أستخدمت الجزيرتين بإعتبارهما جزءاً من النظام الدفاعي المصري خلال الحرب , وبالرغم من هذا فإن الموقف السعودي كان موقفاً أقل ما يُوصف به بأنه كان مسئولاً , ذلك أنه بعد إحتلال القوات الإسرائيلية لشبه جزيرة سيناء فيما سُمي بالعدوان الثلاثي علي مصر وإزاء رفض إسرائيل الإستجابة بتنفيذ قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي قضت بإسحاب القوات الإسرائيلية من شبه جزيرة سيناء وربط إنسحابها بمطالب أهمها ضمان حقها في المرور من قناة السويس وخليج العقبة , قام الملك / سعود بالإتصال بالرئيس / جمال عبد الناصر وأكد إستعداده وجيشه للوقوف صفاً واحداً بالرجال والمال والسلاح مع مصر وقررت المملكة قطع علاقاتها الدبلوماسية بالمملكة المتحدة وفرنسا لإعتدائهما علي مصر وأبلغت الخارجية هذا القرار لسفيري الدولتين في 6 نوفمبر 1956وقررت أيضاً حظر توريد البترول السعودي إليهما , ثم أبرق الملك / سعود للرئيس الأمريكي / Eisenhower طالباً منه إيقاف العدوان علي مصر مُحذراً إياه من أنه إذا لم تعمل الولايات عملاً إيجابياً فسوف يتطور الأمر إلي حدوث هوة كبيرة بين الشرق الأوسط والغرب وقال الملك للسفير الأمريكي " إن الملك عبد العزيز وأنا نفسي كنا نعيش في الخيام منذ خمسين عاماً ولا غضاضة علي أن أعود للخيام مرة أخري إذا وجدت ضرورة لذلك دفاعاً عن العرب وعن مصر , إذ أن عيشة الخيام أفضل لي من أن تتحكم الدول الإستعمارية في العرب " , وأمام الموقف الغربي المؤيد لحق إسرائيل في الملاحة في قناة السويس وخليج العقبة والذي تجلي عندما تعاونت الولايات المتحدة مع أمين عام الأمم المتحدة في تنفيذ القرار الأممي بشأن حرية الملاحة في خليج العقبة فأرسلت في أبريل 1957 نقل شحنة بترول مقدارها 16 ألف طن وصلت لميناء إيلات تحت حراسة قوة الطوارئ الدولية لتؤكد بذلك علي مبدأ حرية الملاحة بخليج العقبة , لذلك رأت المملكة أن هذا الموقف مكافأة لإسرائيل علي عدوانها لذلك عممت الحكومة السعودية في 31 مارس 1957 مذكرة علي بعثات الحكومات الصديقة في جدة وفيها أكدت علي أن الجزيرتين من أملاك السعودية ثم وفي أبريل 1957 قدمت مذكرة للأمين العام للأمم المتحدة في أبريل 1957 وطلبت توزيعها علي الدول أعضاء الأمم المتحدة أشارت فيها إلي إعتداءات إسرائيل علي العرب , وفندت مساعيها لإصطناع حق وهمي للمرور عبر خليج العقبة الذي أوضحت بشأنه أنه خليج عربي تقع في مدخله الجنوبي جزيرتا تيران وصنافير السعوديتان , وأشارت المذكرة في هذا الشأن إلي أن مدخل الخليج لا يزيد عرضه عن تسعة أميال وهو أضيق بكثير من مضايق أخري يعتبرها القنون الدولي مياهاً إقليمية , وهو ما أكدته تماماً " معاهدة القسطنطينية عام 1888 " التي ضمنت حرية الملاحة في قناة السويس وأعتبرت المذكرة بذلك أن خليج العقبة بحيرة عربية مُغلقة لا ينطبق بشأنها مبدأ حرية الملاحة الدولية وأن إعطاءه صفة دولية يعد إعتداء علي سيادة المملكة العربية السعودية وتهديداً لسلامتها الإقليمية وأكدت هذه المذكرة أن الجزيرتين والمضايق الفاصلة بينهما تحت سيادة وقانون المملكة العربية السعودية .
كانت مصر قد أصدرت في بواكير عام 1951 تدابير تتطلب من أي سفينة تعبر مضايق تيران أن تخطر مُسبقاً السلطات المصرية بغية إخضاعها للتفتيش والتي أوضحت بأنه ليس في نيتها حظر المرور البرئ للقطع الحربية أو التجارية للدول الصديقة وأن ممارستها لهذا الحق ليس فيه إجحاف بحق مصر المشروع في إدارة والرقابة علي كقوة مُشاطئة أو في ممارستها حقوقها الإستثنائية في الزيارة أو مصادرة المهربات وقد نصت مجموعة اكسفورد في مادتها الثانية والتسعين علي أن مباشرة هذا الحق تستمر طوال مدة الهدنة ولا تنتهي تلك الإجراءات إلا بمعاهدة صلح وهو ما ورد صراحة في المادة 116 من المجموعة آنفة الذكر( 4) , وبذلك تكون مصر قد أعلنت عن أن القطع الحربية للعدو محظور عليها الولوج لمياه خليج العقبة والمرور من خلال المياه المصرية بما فيها مضايق تيران , وفي يوليو 1951 وافقت المملكة المتحدة علي إمكانية قيام سلطات الجمارك المصرية في السويس أو الأدبية بزيارة السفن البريطانية التجارية أو العسكرية المتجهة مباشرة من السويس للأدبية ومنها للعقبة , وقد طُبقت هذه التدابير علي سفن وقطع بحرية بريطانية متجهة لميناء العقبة الأردني , هذا وقد أصدر مجلس الغنائم المصري حكماً في 2 ديسمبر 1950 في نزاع ضد السفينة الأمريكية "فلاينج تريدر" ضُبطت في بورسعيد تحمل 38 جرار مُفكك مكتوب علي كل منها علامة M.H. Tel Abib وكانت مُرسلة لإسرائيل من قبل شركة أمريكية وثبت من محضر التفتيش عليها أنها كانت مصنوعة من الصلب ومُعدة علي نحو يسمح بإستخدامها في الحرب (5) , كما رضخت للزيارة ولإجراءات التفتيش السفن التجارية الأمريكية أيضاً والتي أرسلت لمحطة الرقابة المصرية إشاراتها .
جرت مناقشات في مجلس الأمن الدولي بجلسة 5 فبراير 1954 وتظلم فيها أبا إيبان من إجراءات الزيارة والتفتيش والغنائم التي تتخذها السلطات المصرية ضد إسرائيل ليس فقط في قناة السويس بل وفي خليج العقبة أيضاً وطالب بوقف هذه الإجراءات ورد عليه في هذه الجلسة ممثل مصر الأستاذ أحمد جلال الدين عبد الرازق , لكن المندوب الإسرائيلي إستأنف كلامه فأشار إلي أن مصر ذهبت إلي أبعد مدي إذ أضحت كل سفينة تدخل خليج العقبة مُهددة بإطلاق النار عليها بمقولة أنها مُتجهة إلي إسرائيل وقال أن مصر قد إحتلت جزيرتين تسيطران علي الطريق ومنهما تُملي إرادتها علي الذين يدخلون الخليج أو يخرجون منه وهو ما يخالف مقتضي قرار مجلس الأمن في أول سبتمبر 1951 وإتفاق الهدنة وهو ما رد عليه المندوب المصري بقوة وبحجة , ثم وفي جلسة 15 فبراير 1954 أُستؤنف النقاش وفيه رد المندوب المصري علي الكلام المتكرر لإسرائيل في هذه النقطة فقال أن الهدنة قائمة لكنها لا تنهي حالة الحرب وأن نص المادة الأولي منها تشير إلي أن الهدنة خطوة نحو السلم ثم تعرض في موضع آخر من كلامه عن خليج العقبة فقال أنه منذ أكتوبر 1951 مرت في الخليج 267 سفينة منها 214 سفينة تحمل قوات بريطانية و35 سفينة ألمانية وخمس سفن تحمل قوات أمريكية وثلاث نرويجية وثلاث يونانية وسفينتان سوريتان وواحدة تركية وأخري تابعة لبنما وأخري من باكستان وواحدة إيطالية وسفينة دانمركية , وأوضح أن هناك عدد لا يُستهان به من تلك السفن كان يحمل بضائع لإسرائيل ولم يجر التفتيش إلا بالنسبة لثلاث سفن منها فمن بين 267 سفينة فُتشت واحدة ولم يُصادر شيئ قط من البضائع سواء أكانت وجهتها إسرائيل أم لا , أما الجزر التي تحتلها مصر وهما جزيرتا تيران وصنافير علي البحر الأحمر فإن القوات المسلحة المصرية تحتل الجزيرتين قبل زحف القوات الإسرائيلية صوب خليج العقبة بزمن طويل , وفي أوراق الحرب العالمية الثانية ما يقطع بأن القوات المصرية كانت تحتل الجزيرتين وتقوم بأعمال مصر الدفاعية أثناء الحرب وسهرت القوات البحرية المصرية بالتعاون مع سلاح الجو المصري علي حماية ظهر قوات الحلفاء في البحر الأحمر ضد هجوم الغواصات وسوف تستمر مصر في الدفاع عن مداخلها , وقد رد المندوب الإسرائيلي فقال في أحد مواضع كلامه أن إسرائيل طلبت بواسطة سفير الولايات المتحدة في تل أبيب من الحكومة المصرية في 14 يناير عام 1950 توضيح بواعث إحتلالها لجزيرتي تيران وصنافير , وأن وزير الخارجية المصري سلم السفير الأمريكي بالقاهرة / جيفري كافري في 28 يناير 1950 رد الحكومة المصرية والذي أشار إلي أن مصر قامت بذلك الإحتلال بالإتفاق مع الحكومة السعودية وأنها فعلت ذلك لتؤكد سيادتها علي الجزيرتين بحكم موقعهما الجغرافي الذي يبعد بأقل من أربعة أميال عن الساحل السعودي , وأشار إلي أن الحكومة المصرية أوردت في الفقرة الثالثة من تلك المذكرة إلي أن ذلك الإحتلال لا يرمي إلي تعويق الملاحة البريئة في الخليج وأن هذا الممر سيظل حراً في إطار ما جري عليه العمل دولياً وأحكام القانون الدولي . * (6)
في تطور مثير للمصرين أعاد ديفيد بن جوريون رئيس الوزراء الإسرائيلي في 25 سبتمبر 1955 تهديده بإستخدام القوة لتأمين حق إسرائيل في إستخدام خليج العقبة وأنه وضع سقفاً زمنياً مداه عام أو أقل كي يتوقف المصريون عن منع إسرائيل من المرور مُردفاً قوله بأنه سيسعي لفتح محادثات مع الرئيس المصري بمجرد إكتمال تسهيلات ميناء إيلات , وكان الرد المصري إزاء ذلك هو مزيد من الإحكام في إجراءات الحظر وفي 5 سبتمبر 1955 أعادت مصر التأكيد علي حظر الملاحة الإسرائيلية في الخليج وأشارت إلي أن مكتب المقاطعة الإقليمي لإسرائيل في الأسكندرية هو الوحيد المخول له إصدار الإذن للسفن للمرور من المياه الإقليمية المصرية في خليج العقبة ومضايق تيران , وفي مناخ ساده تصعيد سياسي ودعائي مُتبادل بين أطراف أزمة السويس بعد قرار الرئيس المصري تأميم شركة قناة السويس , شكلت كل من مصر وسوريا والأردن في 24 أكتوبر 1956 تحالفاً عسكرياً وتم تعييت قائد عسكري لهذا التحالف , وأدعت إسرائيل أنها تواجه خطراً مباشراً وقريباً جداً يتطلب منها تحركاً سريعاً وبالرغم من أن / Hanson Baldwin وهو متخصص في الشأن العسكري كتب وقتئذ في New York Times الأمريكية وأشار إلي " أنه وبعد أن تفقد بنفسه التمركزات والمنشآت العسكرية المصرية قبيل الغزو الإسرائيلي لشبه جزيرة سيناء , أن الجزء الأكبر من الجيش المصري يوجد علي الجهة الغربية من القناة وأنه لا مؤشر فعلي عن أي هجوم مصري وشيك " * (7) .
مما يؤسف له أن حملة السويس وفقاً للبريطانيين أو العدوان الثلاثي المُكون من تحالف عسكري فرنسي / بريطاني / إسرائيلي التي بدأت في الهجوم العسكري ضد مصر في 31 أكتوبر 1956 إستهدفت كأولوية أولي إحتلال قناة السويس رداً علي قرار الرئيس المصري في 26 يوليو 1956 بسبب سحب الأمريكان والبريطانيين والبنك الدولي موافقتهم علي تمويل مشروع السد العالي ولأسباب أخري , أما إسرائيل فقد كان من أهم إنجازاتها في هذه الحرب إحتلالها لشبه جزيرة سيناء وغزة وجزيرتي تيران وصنافير وبالتالي إنهاء السيطرة المصرية علي المرور البحري الإسرائيلي عبر مضايق تيران مما يمثل في تقديري خسارة سياسية كبري لمصر في إطارين إستراتيجيين عسكري وسياسي فمن الوجهة العسكري أصبح النيل أو وادي النيل هو ما تدافع عنه العسكرية المصرية , أما من الوجهة السياسية فقد فقدت مصر وضعها الإحتكاري في تحجيم الحركة السياسية الإسرائيلي فإسرائيل حصرت مجهودها الدبلوماسي والسياسي قبل حرب 1956 في التخلص من الحصار البحري الذي ضربته مصر عليها وكان منطقها مقبول سياسياً حيث أن بينها وبين إسرائيل حالة حرب لم تخفض من التهديد المُتبادل بها إتفاقية الهدنة مع إسرائيل , ولهذا نجد الخارجية الإسرائيلية تصرح في بيان لها بأنه في 3 نوفمبر 1956 وللمرة الأولي بعد سبع سنوات من إنشاء إسرائيل أصبح مرور السفن الإسرائيلية وسفن الدول حراً في مضايق تيران . * (8)
حاولت إسرائيل الإستفادة من نتائج عدوانها المُشترك مع فرنسا وبريطانيا علي مصر لذلك إستغلت عامل الوقت لتجني بإطالته أقصي ما يمكنها من فائدة ولهذا فعندما بادرت الولايات المتحدة بدعوة مجلس الأمن الدولي للإنعقاد قدمت إليه مشروع قرار قوي لإيمانها بأن العمل الإسرائيلي ما هو إلا إنتهاك فاضح لميثاق الأمم المتحدة فصدر بهذه الروح قرارمجلس الأمن رقم S\3710 الذي دعا لإنسحاب القوات الإسرائيلية الفوري إلي خلف خطوط الهدنة , كما دعا أعضاء الأمم المتحدة إلي الإحجام عن تقديم أي مساعدة طالما لم تنصاع إلي هذا القرار , وبالطبع عارضت بريطانيا وفرنسا إتخاذ أية تصرف حيال إسرائيل , وعندما دُعيت الجمعية العامة لإنعقاد خاص في الأول من نوفمبر 1956 أعلنت الولايات المتحدة في هذه الجلسة عن أن إعتقادها الراسخ بأن العمل الأنجلو/ فرنسي يعد تهديداً خطيراً لمستقبل الأمم المتحدة ذاتها ومرة أخري أخذت الولايات المتحدة بزمام المبادرة وقدمت مشروع قرار أخذ فيما بعد صيغة القرار رقم A\3256والذي حث علي وقف فوري لإطلاق النار والإنسحاب بلا إبطاء للقوات الإسرائيلية وحظي علي موافقة كاسحة من كل دول المنظمة فيما عدا بريطانيا وفرنسا وإسرائيل ونيوزيلاند وأستراليا الذين عارضوه , وبالرغم من أنها أحد الأطراف الأاربع المُتحاربة فقد قبلته مصر , ثم قدمت المجموعة الأفرو/ آسيوية المكونة من 19 دولة قراراً قوياً في 4 نوفمبر 1956 يقترح وقف إطلاق النار A\3275 وقد قُبل القرار بأغلبية كبيرة , كل ذلك وبريطانيا وفرنسا ظلت ترسل قواتهما لمنطقة القناة علي أمل إبقاءها هناك بعد وقف إطلاق النار لكن ضغط الولايات المتحدة بالتضافر مع الأمم المتحدة وبعض الدول أعضاء الـ Commonwealth بل والرأي العام البريطاني في غالبته بالإضافة إلي التهديد الصادر عن الإتحاد السوفيتي أجبر بريطانيا وفرنسا علي القبول بوقف إطلاق النار في 6 نوفمبر 1956 وحتي هذا التاريخ كانت قواتهما تحتل جزءاً من قناة السويس , وبتزايد الضغوط والتهديدات صدر القرار رقم A\ 3309 ويقضي بوقف إطلاق النار و قبلته إسرائيل في8 نوفمبر 1956 علي مضض .
مررت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 4 نوفمبر 1956 مشروع القرار الكندي الذي أخذ رقم القرار رقم A\3276 والذي يقضي وبموافقة الدول المعنية بإنشاء قوة دولية للطوارئ تابعة للأمم المتحدة لتأمين والإشراف علي وقف العداوات بالإتساق مع شروط القرارات السابقة في هذا الشأن , وعليه فقد تواجدت قوة الطوارئ الدولية للأمم المتحدة UNEF وقوامها 5,000 رجل وتموضعت في منطقة القناة مع إنسحاب القوات البريطانية والفرنسية منها وقامت قوة الطوارئ بالتواجد بين القوات المصرية والإسرائيلية ثم تم توزيعها بعد الإنسحاب الإسرائيلي لخلف خطوط الهدنة في غزة وخط الحدود مع إسرائيل و في شرم الشيخ للإشراف علي مضيق تيران , ولما كانت معظم الدول أعضاء الأمم المتحدة تعتقد بحزم أنه لا يجب أن تستفيد إسرائيل من ثمار عدوانها لذلك صدرت سلسلة من القرارات عن الأمم المتحدة هي القرار A\3385\Revفي 24 من نوفمبر 1956 والقرارA\3501 \Rev في 16 يناير 1957 والقرار A\3517 في الثاني من فبراير 1957 وطالبت هذه القرارات إسرائيل بسحب غير مشروط لقواتها وفوراً من المناطق التي إحتلتها ورأت الولايات المتحدة ضرورة إنصياع إسرائيل لتنفيذ هذه القرارات من أجل الإبقاء علي نفوذها حاضراً في العالم العربي وكذلك لإيقاف خطر التمدد الشيوعي للمنطقة , ولإغراء إسرائيل بقبول هذه القرارات أعلن المسئوليين الأمريكيين (1) أنهم سيؤكدون علي تمركز قوات الطوارئ الدولية في قطاع غزة وشرم الشيخ و(2) أنهم سيعتبرون خليج العقبة ممراً مائياً دولياً و(3) أنهم أعدوا العدة لممارسة الولايات المتحدة الحق في حرية الملاحة في مضيق تيران والإنضمام لباقي الدول لتأمين الإعتراف العام بهذا الحق , (9) وبناء علي ذلك حصلت إسرائيل في 16 مارس 1957 علي ضمانات من حكومة الرئيس الأمريكي / إيزنهاور للمرور عبر المضيق مقابل إنسحابها من شرم الشيخ التي إحتلتها ضمن إحتلالها لسيناء , ولم يكن موضوع إنتشار تمركز القوات الدولية في شبه جزيرة سيناء هو أول مطالب إسرائيل الإستراتيجية كما أشار البعض ممن تعرضوا لهذه الجزئية الهامة في الصراع بين مصر وإسرائيل (10) , بل حرية الملاحة أمام السفن الإسرائيلية التي كانت في يقيني وسيلة إستراتيجية للعسكرية المصرية في إضعاف مجمل قوتها الشاملة من الوجهة الإستراتيجية , ولكن علي أية حال لم يكن أمام مصر إلا أن تقبل القرار ومن ثم قبلت بتمركز عناصر من قوة الطوارئ الدولية في غزة وخط الحدود وكذلك في مواضع حاكمة علي طول الساحل المصري بخليج العقبة وفي الفترة من صيف 1957 حتي مارس 1959 سمحت مصر بدخول 41 سفينة تابعة لشركات إسرائيلية وبعلامات إسرائيلية للمرور عبر قناة السويس لكن في مارس 1957 عادت مصر إلي التشدد في تقييد الحركة الإسرائيلية عبر القناة بعدما لاحظت نمو التجارة بين إسرائيل والشرق الأقصي وشرق أفريقيا، وأستعادت مصر شبه جزيرة سيناء وجزيرتي تيران وصنافير وقطاع غزة الذي عينت مصر له حاكم عام مقره الرسمي بالقاهرة.
عاد الموقف للتوتر بين إسرائيل ودول المواجهة العربية خاصة سوريا ومصر ففي مستهل عام 1967 تصاعدت التهديدات الإسرائيلية بسبب هجمات منظمة فتح علي إسرائيل إنطلاقاً من الأراضي الفلسطينية وكذلك فقد تسبب إرسال إسرائيل لمقاولين للعمل في المناطق المُتنازع عليها في الحدود مع سوريا التي من جهتها أيضاً دعمت عمليات للفدائيين الفلسطينيين داخل شمال إسرائيل بصفة أساسية في تأزيم الوضع هناك وفي 7 أبريل 1967 قامت إسرائيل بغارة جوية ضد سوريا كما أطلقت إسرائيل النار علي موقع حدودي سوري , وأتهمت سوريا إسرائيل بالتوجه نحو الإستيلاء علي المنطقة المنزوعة السلاح بين الجهتين ,ادي تصاعد الموقف السوري الإسرائيلي إلي تعهد الدول العربية علي دعم سوريا , وأدي كل ذلك إلي الضغط علي مصر بإعتبارها أكبر بلد عربي كي تتدخل وإزداد تدهور الموقف في مطلع مايو 1967 مع زيادة كفاءة هجمات الفدائيين الفلسطينيين ضد إسرائيل مما أضطر إسرائيل إلي تقديم شكوي للأمم المتحدة التي أصدرت بياناً تحذيرياً لسوريا وصرح رئيس الوزراء الإسرائيلي / Levi Eshkol في في 7 مايو 1967 بـ " أن إسرائيل ليس لديها خيار سوي إتخاذ تدابير مُضادة بؤر التخريب وحرضيهم "وفي 13 مايو 1967 تلقي الرئيس / عبد الناصر تقارير دبلوماسية من سوريا وروسيا بصفة خاصة تشير إلي أن إسرائيل تعد لعدوان علي سوريا وفي 15 مايو قرر / عبد الناصر وضع قواته في حالة ترقب وإستعداد وفي 16 مايو قام بتحريك أعداد أكبر من قواته بإتجاه سيناء , وأعلنت مصر في 16 مايو أن بعض من قوات الطوارئ الدولية تركت مواقعها علي خط الحدود المصرية الإسرائيلية وبالتالي فإنه علي القوات المصرية أن تتقدم لتشغل مواقعها هناك وفي 18 مايو طلبت مصر رسمياً مغادرة قوات الطوارئ الدولية وحدث ذلك في 19 مايو 1967 ولم يعدهناك من يراقب مدخل خليج العقبة ولإن خصوم عبد الناصر العرب قاموا بإستفزازه بتساؤلهم عما هو فاعله مع أول سفينة إسرائيلية قد تعبر من مضيق تيران , لذلك وبالرغم من إدراكه بأن إعادة إغلاقه في وجه الملاحة الإسرائيلية سوف يؤدي إلي إلزام إسرائيل برد عسكري إلا انه أعلن في 22 مايو 1967 سيُغلق من الآن فصاعداً في وجه الملاحة الإسرائيلية وأمام كل السفن الناقلة لمواد إستراتيجية لإسرائيل , وقد ثارت مساجلات بشأن لجوء إسرائيل لإساتخدام القوة العسكرية بسبب إغلاق مصر لمضيق تيران , فقد كانت هناك وجهة نظر تقول بأن علي إسرائيل في هذه الحالة اللجوء للوسائل السلمية كما تنص علي ذلك المادتين 2 و33 من ميثاق الأمم المتحدة أما المادة 51 من الميثاق فهي ولو أنها تبيح إستخدام القوة إلا ان انها تربط ذلك بمواجهة أي من الدول بهجوم مُسلح *( 11) , وفي الواقع فإن هذه المساجلات تفتقد النضوج الكافي لأنها تنفي عن العلاقة الإسرائيلية العربية وخاصة مع مصر العنصر الصراعي وهو حاكم لأي تصرف من أطرافه , فالواقع يشير إلي أن الموقف وصل إلي ذروة الأزمة وبادرت إسرائيل بالهجوم علي دول المواجهة العربية معها وكانت النتيجة الكارثية أن فقدت هذه الدول أجزاء من أراضيها ومعها القدس الشرقية , فبالنسبة لمصر فقد فقدت قطاع غزة للأبد وشبه جزيرة سيناء ومعها جزيرتي تيران وصنافير التي باتت إسرائيل مُتحكمة فيه لكنها أستعادتهم بموجب معاهدة السلام مع إسرائيل في 26 مارس 1979 .
إتصالاً بموضوع تحديد الحدود البحرية بين مصر والسعودية عند مدخل خليج العقبة حيث يجب أن يمر خط الحدود البحرية علي جزيرتي تيران وصنافير ليحدد أيلولة كل منهما أو هما معاً , لأن المشكلة أن الجزيرتين تقعان داخل نطاق الـ 12 ميل بحري , فإنه من الضروري وبعد إيضاح موقع خليج العقبة ومن ثم جزيرتي تيران وصنافير داخل المسلسل التاريخي الذي جري بين مصر وإسرائيل المشاطئة مع مصر والسعودية والأردن في خليج العقبة الإشارة إلي موقع جزيرتي تيران وصنافير في إطار معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل وملحقاتها التي أشارت في مادتها الثانية بشأن تحديد الخطوط النهائية والمناطق بند (ج) إلي " أن المنطقة "ج" والتي يحدها من الغرب الخط "ب" ( الخط الأخضر) ومن الشرق الحدود الدولية وخليج العقبة تتمركز فيها المنطقة "ج" قوات الأمم المتحدة والشرطة المدنية المصرية فقط , وأن القوات الدولية يجري توزيعها داخل المنطقة "ج" وتؤدي وظائفها المحدودة في المادة السادسة من ملحق هذه الإتفاقية , وتتمركز هذه القوات أساساً في معسكرات تقع داخل مناطق تمركز موضحة بالخريطة المُرفقة بنص المعاهدة في نطاق 20 كم تقريباً علي ان تُحدد مواقعها بعد التشاور مع مصر في ذلك الجزء من المنطقة في سيناء التي تقع في نطاق 20 كم تقريباً من البحر المتوسط وتتاخم الحدود الدولية وكذلك في منطقة شرم الشيخ " , كما أشارت المعاهدة في مادتها السادسة بالبند 2 - (د) إلي ما نصه " ضمان حرية الملاحة في مضيق تيران وفقاً للمادة الخامسة من معاهدة السلام , بالإضافة إلي ذلك فإن الخريطة رقم (1) المُرفقة بالمعاهدة نجد فيها الخط الأخضر يضم جزيرتي تيران وصنافير معاَ بإعتبارهما داخل نطاق المنطقة (ج) أو (C) * (12) , ومن الجدير بالذكر أن القوات الموجودة الآن في المنطقة (ج) ليست تابعة للأمم المتحدة بل هي قوات متعددة الجنسيات تمول تمركزها مصر وإسرائيل والولايات المتحدة حيث لم توثق معاهدة السلام المُشار إليها في الأمم المتحدة .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الموقف السعودي إزاء السيادة علي الجزيرتين
تنشر المملكة عند التعريف بجغرافيتها أن لها 9 جزر بخليج العقبة منهم تيران وصنافير التي تتواجد عليهما الإدارة المصرية , وقد سبق أن حددت المملكة العربية السعودية بحرها الإقليمي بموجب مرسوم ملكي برقم 33 في فبراير 1958 كما أنه صدر في فبراير 1958 مرسوم ملكي قضي بتحديد خط الأساس لكن بإستخدام لغة غامضة وبدون تعيين إحداثيات , من جهة أخري فقد أبرمت السعودية إتفاقات بشأن الحدود البحرية مع عدد من الدول التي تشاركها الإطلال علي فضاء بحري فوقعت مع البحرين إتفاقاً خاصاً بحدود الجرف القاري في فبراير 1958 , وإتفاقاً للحدود البحرية مع قطر في ديسمبر 1965 , وإتفاقاً بشأن حدود الجرف القاري مع إيران في يناير 1969 , وإتفاقاً مع السودان بشأن الإستكشاف و الإستغلال المشترك لسرير البحر الأحمر وموارد التربة الباطنة وذلك في مايو 1974 , ووقعت مع اليمن إتفاقاً للحدود البحرية في يونيو 2000 , ومع الكويت هناك أيضاً إتفاق بشأن حدود الجرف القاري وُقع في يوليو 2000 , وقد وقعت المملكة السعودية إتفاقية قانون البحارعام 1982 وفي أبريل 1996 صادقت السلطات السعودية المُختصة عليها , وفي ديسمبر 2007 وقعت المملكة السعودية والأردن إتفاقاً قضي بترسيم الحدود البحرية بينهما بعد نحو 42 عام من ترسيمهما لحدودهما البرية، و يُلاحظ بالطبع أنه ومنذ آخر إتفاق وقعته المملكة السعودية مع أي من الدول المُطلة علي البحر الأحمر أو الخليج العربي إلا أنها لم توقع إتفاقاً مماثلاً أو مختلفاً بشأن تحديد الحدود البحرية أو الجرف القاري مع مصر التي تشارك السعودية في الإطلال علي خليج العقبة , وبطبيعة الحال فليس هناك إتفاق بين السعودية وإسرائيل لعدم إعتراف المملكة حتي الآن وبصفة رسمية بدولة إسرائيل , علماً بأن المملكة من بين الدول المُوقعة علي إتفاقية " مونتيجوبي" أو إتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 شأنها في ذلك شأن مصر.
هناك عدة ملاحظات في شأن الموقف السعودي من مسألة السيادة علي الجزيرتين من الوجهة الفعلية وهي :
1- أثناء أدائي لفريضة الحج في نوفمبر 2011 وإطلعت في مكتبة الحرم النبوي الشريف علي أطلس المملكة العربية السعودية في طبعته الأولي الصادرة عن وزارة التعليم العالي ( الأمانة العامة للإحتفال بمرور مائة عام علي تأسيس المملكة) بتاريخ 1419 هجرية 1999 ميلادية , وأسترعي نظري أنه وفي أحد خرائطه للأراضي السعودية علي خليج العقبة نجد أن جزيرة تيران وجزيرة صنافير تُركتا دون تلوين ضمن باقي أراضي المملكة علي تلك الخريطة كما انه ليس أمامهما إية إشارة كإشارة نصف الدائرة التي توضع أمام الجزر التابعة للدولة في الخرائط كما جرت العادة بما يعني إنهما غير تابعتان للإقليم السعودي , كما أنه وبمراجعتي للملحق (ألف) الخاص بالأسماء الجغرافية والمُرتبة أبجدياً والتي يتضمنها الأطلس بأكمله تحققت من أن جزيرتا تيران وصنافير غير مُدرجتين في ثبت الأسماء الجغرافية لهذا الأطلس .
2- لا يوجد أي تصرف سيادي سعودي تم إتخاذه علي أرض هاتين الجزيرتين كإقامة نقطة حراسة أو فنار أو مرفأ , وهو ما إتخذه الجانب المصري فهناك قرار من وزير الداخلية المصري برقم 422 لعام 1982 قضي بإنشاء نقطة شرطة مُستديمة بجزيرة تيران وقرار آخر لرئيس مجلس الوزراء برقم 1068 لعام 1983 بإنشاء محمية طبيعية بمنطقة رأس محمد وجزيرتي تيران وصنافير وقرار ثالث لرئيس مجلس الوزراء المصري برقم 2035 لعام 1983 قضي بتعديل بعض أحكام القرار 1068 لعام 1983 بحيث تكون منطقة رأس محمد وجزيرتي تيران وصنافير محصورة بين الحدود الرئيسية لمحافظة جنوب سيناء وكل هذه القرارات نُشرت بالجريدة الرسمية المصرية .
3- قدمت المملكة العربية السعودية دراسة للهيئة الإقليمية لبرنامج حماية بيئة البحر الأحمر وخليج عدن وهي هيئة ضمت وقتها 7 دول من بينهم مصر والسعودية وتناولت الدراسة السعودية المُشار إليها الأوضاع القانونية والبيئية في مجال المحميات الطبيعية ومنها الجزر المُتناثرة بالبحر الأحمر , ولوحظ أن هذه الدراسة السعودية لم تتضمن جزيرتي تيران وصنافير بينما تعرضت للمحميات الطبيعية في جزيرتي فرسان وأم القماري السعوديتان .
4- يوضح السرد التاريخي لعلاقة خليج العقبة وجزيرتي تيران وصنافير بالصراع المصري / الإسرائيلي في شقه العسكري - علي الأقل - أن المملكة العربية السعودية توقفت تماماً منذ زمن طويل عن أي مطالبة لمصر بأحقيتها في السيادة علي الجزيرتين كما لم تطلب من مصر كما يحدث الآن بترسيم الحدود البحرية , فمنذ ما بعد تعميم الحكومة السعودية مذكرة علي البعثات الدبلوملسية المُقيمة بالمملكة والمُؤرخة في 31 مارس 1957 وقيامها بإصدار مرسوم ملكي مُؤرخ في برقم 33 في فبراير 1958 يُحدد خط الأساس لبحرها الإقليمي , لم يصدر عن المملكة ما يتعلق بهذه المسألة , وأعتقد أن إنفراد مصر أمام العالم كله وإسرائيل بالتحكم في الملاحة الإسرائيلية منذ تموضع القوات المصرية علي الجزيرتين في فترة الحرب العالمية الثانية ثم الدفاع عن حقها في جلسات مجلس الأمن في خمسينات القرن الماضي وحتي ما بعد حرب 1967 مباشرة في إغلاق مضيق تيران بحكم تمركز القوات المصرية بالجزيرتين يعطيها الحق ولو بالتقادم في التمسك بالسيادة عليهما إذ لم تورط المملكة العربية السعودية نفسها في مواجهة إسرائيل ومن يدعمها بغلق مضيق تيران كما فعلت مصر , كما لم يتحفظ المندوب السعودي الدائم لدي الأمم المتحدة علي مداخلات مندوبي مصر وإسرائيل وهما يتعرضان لمسألة إغلاق مصر لمضيق تيران امام الملاحة الإسرائيلية وخاصة في جلسات مجلس الأمن الدولي ومنها جلسة 12 مارس 1954 وكان مندوب مصر الدائم لدي الأمم المتحدة وقتها الأستاذ / محمود عزمي حيث تعرض فيها للإجراءات المصرية من أجل إغلاق مضيق تيران أمام الملاحة الإسرائيلية * (13) , ولم تتحفظ المملكة السعودية في حينه علي إنفراد مصر بعملية الإغلاق للمضيق علي هذا النحو أو نازعت مصر في هذا الإنفراد وربما كان الموقف السعودي علي هذا النحو من باب الإكتفاء بنهوض مصر وحدها بمواجهة إسرائيل ومن يدعمها في منطقتها وهو موقف ناشئ عن شدة إحتياج إسرائيل لمنفذ بحري يصلها بأفريقيا وآسيا , يُضاف إلي هذا أن معاهدة السلام المصرية / الإسرائيلية أشارت إلي أنه من ضمن واجبات القوات الدولية ضمان حرية الملاحة في مضيق تيران كما أن الخريطة رقم (1) المُرفقة بهذه المعاهدة يظهر فيها الخط الأخضر الذي يحدد المنطقة (ج) ويضم هذا الخط جزيرتي تيران وصنافير معاَ بإعتبارهما داخل نطاق المنطقة (ج) أو (C) , أي أن هناك إتفاقية أو معاهدة أصبحت لها أو يكاد أن يكون لها الصفة الدولية تشير لجزيرتي تيران وصنافير بإعتبارهما أراض مصرية تتواجد عليها أو بشأنها بجانب القوات أو الوجود المصري بعض من عناصر قوات متعددة جنسيات لمراقبة الملاحة في مضيق تيران بتشاور وموافقة من الحكومة المصرية , ولم تتحفظ المملكة العربية السعودية ولو عبر الوسيلة الدبلوماسية في حينه علي تضمين معاهدة السلام المصرية / الإسرائيلية لجزيرتي تيران وصنافير ضمن واجبات القوة متعددة الجنسيات المُتمركزة في شرم الشيخ أو ضمن المنطقة (ج) أو (C) وفقاً للتقسيم الذي إختصت به هذه المعاهدة شبه جزيرة سيناء من أجل الترتيبات العسكرية والأمنية .
الموقف المصري المُتوقع
يتضح من العرض التاريخي للمسألة أن مصر مارست سيادتها بشكل منفرد ولمدة طويلة علي جزيرتي تيران وصنافير بل ويمكن القول علي خليج العقبة في فترة زمنية ما وهي تحديداً السابقة علي العدوان الثلاثي في أكتوبر 1956 , ومع ذلك فهناك أكثر من عنصر يتكون منهم الموقف المصري الحالي إزاء هذه المسألة وذلك علي النحو الآتي :
1- هناك قرار لرئيس مجلس الوزراء المصري قضي بتحديد إحداثيات الجزيرتين والتي توضح أن جزيرة تيران بأكملها تقع داخل البحر الإقليمي المصري فهذه الجزيرة تبعد عن الساحل المصري في شبه جزيرة سيناء بنحو 3,5 ميل بحري ويوجد جزر أخري في هذه المنطقة التي بين الساحل المصري وجزيرة تيران هي جزيرة شوشة وجزيرة بركان أي في المياه الإقليمية المصرية , وعليه فإن جزيرة تيران وفقاً لإتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 تؤول للسيادة المصرية.
2- بإتباع أساس خط المنتصف في تحديد الحدود البحرية بين مصر والمملكة السعودية نجد أن جزيرة صنافير تقع علي الجانب السعودي , وبالرغم من أن هذه الجزيرة يقع ثلثها داخل النطاق الإقليمي البحري لمصر وثلثاها الآخران يؤولان وفقاً لذلك للمملكة العربية السعودية إلا أن هذه الجزيرة الأصغر مساحة من تيران لا يعتبرها العسكريين المصريين مهمة بأي مقياس عسكري لمصر , ذلك أن جزيرة تيران هي التي يعتبرها العسكريون المصريون إستراتيجية وتوفي إحتياجات الدفاع المصرية ومن ثم فلا يُتصور أن تقبل مصر بترسيم حدودها البحرية مع السعودية بما ينتج عنه أيلولتها للسعودية , لكن هناك ثمة توقع أرجحه مفاده أنه لو سبقت أو لنقل لو أن ترسيم الحدود المصرية / السعودية خضع لعملية تفاوضية فإنه يمكن للجانب المصري اللجوء كملاذ أخير لأسلوب المُقايضة بحيث تتنازل مصر عن الثلث الذي يحق لها في جزيرة صنافير مقابل عدم مطالبة الجانب السعودي بأي حق قد يراه أنه له في جزيرة تيران .
3- بما أنه يجب عند إقدام مصر علي إجراء عملية ترسيم حدودها البحرية مع المملكة العربية السعودية مراعاة ما ورد بالمادتين الثانية والسادسة من معاهدة السلام بينها وبين إسرائيل حيث أشارت هاتين المادتين للجزيرتين علي أنهما أراض مصرية , وعليه فإن أي تغيير في وضعية الجزيرتين بموجب عملية الترسيم قد يعتبر من جهة إسرائيل تغييراً في المعاهدة بحيث من المتوقع أن تقوم مصر من جانبها بالتفاهم المُسبق مع الجانب الإسرائيلي فيما يتعلق بمآل ما تقرره الحكومة المصرية في هذا الأمر وهو بالطبع أمر يحتاج لحرص من جانب مصر إن هي قامت بإشراك إسرائيل في أمر كهذا وإن إعتبره البعض أمر لا يمكن تجنبه في حالة البدأ في عملية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية علي الأقل بسبب علاقة هذه العملية بتحديد الطرف الذي ستؤول إليه السيادة علي مضيق " تيران " مصر أو السعودية ؟ , إذن فلابد أن لإسرائيل إهتمام بناتج عملية تحديد الحدود البحرية لمدخل الخليج الذي يربط إسرائيل بأفريقيا وعلي نحو خاص قاطعها الشرقي , ولهذا فإن علاقة الجانب الإسرائيلي بخليج العقبة من الضروري بيانها حيث أن هذه العلاقة تعلقت أيضاً بنتيجة حربين خاضتهما إسرائيل ضد دول خط المواجهة العربية معها وخاصة مصر , وكانت النتيجة في الحربين فوز إسرائيل بحرية الملاحة في قناة السويس وخليج العقبة .
موقف إسرائيل في خليج العقبة
من المعلوم ان الدول العربية إتفقت علي إتخاذ اللازم نحو فرض مقاطعة لإسرائيل في الأنشطة التجارية وغير التجارية وتم توسيع مدي هذه المقاطعة لتشمل المشروعات الأجنبية التي تتعامل مع إسرائيل بمقاطعتها هي الأخري إن ثبت أن لها تعاملات مع الكيان الإسرائيلي , وكانت أو ضربة في خطوات هذه المقاطعة إغلاق خط أنابيب البترول الذي يبدأ من كركوك بالعراق لينتهي في حيفا , وأمتدت المقاطعة لتصل إلي حد منع مصر الملاحة الإسرائيلية في قناة السويس وخليج العقبة الذي وضعت عام 1949عند مدخله من الجانب المصري المواجه لمضيق تيران مدفعيتها , وأخطرت مصر الولايات المتحدة في 28 يناير 1950 بإحتلالها لجزيرتي تيران وصنافير وشرحت لها طبيعة هذا الإحتلال , وأستمر منع مصر للملاحة الإسرائيلية فيهما حتي بعد توقيع إتفاق الهدنة المصرية / الإسرائيلية , حيث أن الهدنة لم تنه حالة الحرب , وفي عام 1951 صدر قرار من مجلس الأمن الدولي يرفض وجهة النظر المصرية بشأن حقها في منع الملاحة الإسرائيلية والكف عن ذلك , وكانت تكلفة هذا المنع والإغلاق عالية جداً علي الإقتصاد الإسرائيلي الناشئ مما جعل إسرائيل تقرر من ناحية المبدأعام 1955 الإتجاه نحو الحرب * Nadav Safran . From War To War .Pegasus New York .1969page 44 فقد أعتبرت إسرائيل هذه الإغلاق والحصار البحري سبباً كافياً للحرب casus belli , لذلك كان عليها التخلص من هذا الحصار بأي ثمن ولكنها كما تدعي المصادر الإسرائيلية تركت إتخاذ القرار الفعلي لشن الحرب للوقت المناسب والذي كان نهاية أكتوبر 1956 فيما سُمي بالعدوان الثلاثي *(14) , وأحتلت إسرائيل سيناء ثم إنسحبت في أبريل 1957 لتتمركز قوات من الأمم المتحدة ( قوات الطوارئ الدولية ) قبالة مدخل مضيق تيران وأصبحت إسرائيل حرة في الملاحة عبر الخليج وبدأ ميناء إيلات ينتعش خاصة بعد إنشاء خط بترول بين إيلات وحيفا لتغذية إحتياجات إسرائيل من البترول الإيراني , ولكن في سياق تأزم الموقف في الشرق الأوسط وتوتره علي جبهات المواجهة العربية / الإسرائيلية وإتجاه الأحداث نحو الحرب وطلب الرئيس / جمال عبد الناصر من / يوثانت سكرتير عام الأمم المتحدة سحب قوة الطوارئ الدولية وأعقب ذلك إعلان السلطات المصرية إغلاق مضيق تيران أمام الملاحة الإسرائيلية في 23 مايو 1967 بل وإعلانها أيضاً عن تلغيمه , أصبحت إسرائيل مجدداً أمام نفس التحدي السابق والذي أضعف إقتصادها , لكنه في هذه المرة في إعتقادي أشد إيلاماً وأبهظ تكلفة فإسرائيل وضعت إستثمارات ضخمة في بنية أساسية مينائية في إيلات وخط بحري لشركة Zim التي لديها إرتباطات وتعاقدات شتي سيؤدي هذا الإغلاق لمضيق تيران إلي تحملها خسائر من دفع تعويضات كبيرة , بالإضافة إلي الأثر الموجع علي تكاليف الإستيراد خاصة البترول , وكانت لخسارة مصر وسوريا والأردن للحرب ضد إسرائيل في 5 يونيو 1967 نتائج كارثية مختلفة الأبعاد منها إستعادة إسرائيل لحرية الملاحة في خليج العقبة . يبدو الموقف السعودي بعد حرب 1967 في شأن جزيرة تيران مختلفاً إلي حد ما عن الموقف المصري من إتاحة حرية الملاحة لإسرائيل وهي الحرية التي إستعادتها مرتين عنوة بالحرب , إلي أن أصبحت هذة الحرية مُقررة ومُتفق عليها لأسباب مختلفة أولها تغير بنية وطبيعة بل وإتجاه الصراع العربي الإسرائيلي نحو التسوية السلمية التي بدأت بقبول الرئيس / عبد الناصر وإعلانه في مايو 1970 عن قبوله لمبادرة روجرز التي تضمنت وقفاً متبادلاً بين وإسرائيل لإطلاق النار , ففي برقية مُفرج عنها تعلقت بأزمة مضيق تيران مؤرخة في 17 يناير 1968 مُرسلة من وزير الخارجية الأمريكية / Dean Rusk للسفارة الأمريكية في إسرائيل سلم السفير الأمريكي محتواها لوزير الخارجية الإسرائيلي / آبا إيبان , والتي أشار فيها وزير الخارجية الأمريكي لنظيره الإسرائيلي إلي " أن وجود القوات الإسرائيلية المُستمر في جزيرة تيران كان من المسائل التي نوقشت خلال المناقشات الودية التي جرت مع رئيس الوزراء الإسرائيلي / Eshkol في Texas , ولقد لاحظنا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي تحده الرغبة في إظهار بلاده لمؤشرات علنية بشأن ترحيبها بالتوصل إلي تفاهم مع العرب وأقترحت أن يكون إنسحاب قواتكم من تيران كمثال علي ما يدور في خلدنا , ولقد عبر رئيس الوزراء عن تفهمه لوجهة النظر تلك , لكنه أشار إلي أنه سيكون من الصعوبة بمكان التفكير ملياً في موضوع الإنسحاب من تيران في غيبة تأكيدات بالنسبة لنتائج هذا التصرف علي إسرائيل , وحيث أن تبادل وجهات النظر في هذا الشأن مع رئيس الوزراء الإسرائيلي / Levi Eshkol كان مُشجعاً فقد وجهت سفير الولايات المتحدة لدي المملكة العربية السعودية بإستكشاف أكثر لهذه المسألة مع الملك / فيصل , وبالفعل أجري سفيرنا نقاشاً صريحاً عن هذا الموضوع مع جلالته في 13 يناير (1968) , وكان تعليق الملك علي ذلك أن قال بوضوح أنه ينظر إلي جزيرة تيران علي أنها (1) جزء من المملكة العربية السعودية , وأن حكومته منحت إمتياز يغطي الجزيرة و (2) أنه ليس لديه خطة لعسكرة تيران أو إستخدامها لعرقلة حرية الملاحة في مضيق تيران ." ومضي وزير الخارجية الأمريكي ليشير لوزير الخارجية الإسرائيلي إلي " أنه شعر بتشجيع كبير من واقع موقف ملك السعودية حيال هذا الأمر , وأنه بناء علي تأكيداته لسفيرنا , فإني أعتقد أن المشاكل التي يتوقعها الجانب الإسرائيلي إذا ما أنسحبت حكومتكم ( القوات الإسرائيلية) سوف لا تتنشأ , كما أنني وصفة محددة أتوقع ألا يتغير الموقف السعودي بشأن هذا الجزء من الأراضي السعودية ولا أتوقع أيضاً العسكرة أو إستخدامها (تيران) في أي نوع من التدخل في حرية الملاحة عبر مضايق تيران , ولهذا يحدوني الأمل في أن حكومتكم ستنظر الآن في إمكانية إنسحاب قواتكم من الجزيرة بدون تكبد أية نتائج وخيمة علي إسرائيل , وكما أشرت لحكومتكم في وقت مبكر فإن من شأن هذا التصرف (الإنسحاب الإسرائيلي من جزيرة تيران) أن يزيل مشاكل خطيرة عالقة في علاقتكم مع السلطات السعودية , ولذلك فإني أتطلع لتلقي رداً مواتياً من حكومتكم , وسيتم إبلاغه في الحال بالطبع للملك / فيصل وإني لمتأكد من الأثر العملي المفيد لذلك " . وقد ذيل وزير الخارجية الأمريكي خطابه لنظيره الإسرائيلي في شأن إقتراح إنسحاب القوات الإسرائيلية من جزيرة تيران بملاحظة مفادها إبقاء الأمر سرياً .
لكن الطلب (الإقتراح) الأمريكي وُوجه ببعض العقبات فقد طلب وزير الخارجية الإسرائيلية / آبا إيبان أنه وقبل عرض الأمر علي مجلس الوزراء الإسرائيلي فهو بحاجة لبعض التوضيحات منها إن كان يمكن للولايات المتحدة أن تحصل من المملكة العربية السعودية علي إعتراف بأن مضايق تيران ممر مائي دولي , وما إذا كان يمكنها الحصول من المملكة علي تعهد خطي مكتوب بأن جزيرة تيران ستظل غير مأهولة بالسكان بصفة دائمة , وما إذا كانت الولايات المتحدة تقبل مثل هذه التعهدات السعودية بحيث تجعلها مسئولية وإلتزاماً من قبل الولايات المتحدة قبل إسرائيل ( برقية برقم 111432 للسفارة الأمريكية بتل أبيب عام 1967 - الأرشيف الوطني - الملفات المركزية الأمريكية 1967-1969 ) , وفي برقية من القنصلية الأمريكية بجدة تحت رقم 2776 أشارت إلي أن " السفير / Eilts في جدة لدي تقييمة للرد الإسرائيلي علي خطاب وزير الخارجية / Rusk أشار إلي أنه محير جداً , وأبدي ملاحظة مفادها أن إسرائيل إقترحت شروطاً سوف لا يمكن للملك فيصل أن يقبلها , وأن من شأن طرح هذه الشروط الإسرائيلية أن تثير مسألة أخري وهي ما إذا كانت إسرائيل لديها أي نية لترك تيران ما لم تكن مُجبرة علي ذلك .
من الواضح من السياق المُتقدم أن الولايات المتحدة كانت تميل إلي إحداث إختراق للموقف العربي الموحد خاصة بعد مؤتمر القمة العربي في الخرطوم وإعلان اللاءات الثلاث والدعم العربي وخاصة السعودي للمجهود الحربي المصري / السوري , وأستخدمت جزيرة تيران ككعب أخيل بإعتبارها نقطة ضعف كامنة بين المملكة العربية السعودية ومصر , وإني أعتبر رد الملك فيصل علي الجانب الإمريكي في إقتراحه الهادف لتحقيق إنسحاب إسرائيلي من جزيرة تيران إنهاك للإدارة الأمريكية فالملك يدرك أن الجزيرة كانت أحد الأسباب الرئيسية لحرب يونيو 1967 , ويدرك بنفس القدر أن الإسرائيليين وهم يرون الدعم المالي السعودي لمصر / عبد الناصر فإنهم لن يمكنهم حيازة قدر كاف من الثقة في التعهدات السعودية الشفوية , بالإضافة إلي أن جزيرة تيران لم تعد في يد العرب وإستعادتها وحدها وأراضي 4 دول عربية مُحتلة بالقوات الأسرائيلية سيُظهر المملكة وكأنها تلقت ثمن متدن للإنسحاب من قضية العرب والمسلمين الأولي , وكان المكسب السعودي في هذا الموقف هو تأكيد الملك للأمريكيين أن الجزيرة أرض سعودية .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الــتــــقديــر
ستتم عملية ترسيم الحدود البحرية - إن تمت - في ضوء الوضع الحالي وهو سيطرة مصرية كاملة علي جزيرة تيران وسيطرة سعودية كاملة علي جزيرة صنافير حيث تقوم السلطات السعودية بدوريات إنطلاقاً من الساحل السعودي تغطي جزيرة صنافير نتج عنها أحياناً إلقاء القبض علي صيادين مصريين رسوا علي هذه الجزيرة أو كانوا في محيطها , وفي ضوء ما تقدم بيانه يُلاحظ إبتداء ما يلي :
1- أنه وفقاً للمعلومات المُتاحة حتي الآن أن المملكة العربية السعودية هي التي بادرت بالتحرك وطلب ترسيم الحدود البحرية مع مصر بما يمكن بناء عليه إستنتاج أن الرغبة السعودية في إنجاز هذا الترسيم ومع مصر يلبي إحتياج سعودي حالي أو مرتقب للمملكة , وهذا الإحتياج ذا صلة أو ناتج عن التجربة الحالية التي تخوض غمارها السعودية في حربها مع الحوثيين باليمن , وبالتالي مع إيران في اليمن عند المدخل الجنوبي للبحر الأحمر , ولذلك فقد كانت المملكة وليس مصر هي التي تبادر الآن بالسعي للإتفاق علي ترسيم هذه الحدود , منذ أن قام رئيس هيئة المساحة السعودية بزيارتين للقاهرة في 9 يناير وفي يوليو 2012 , لكن الزيارتين لم ينتج عنهما نتيجة إيجابية , لكن من جهة أخري وبما أن هذا التحرك تقوم به المملكة العربية السعودية مُجدداً بحيث يأتي مُتزامناً مع إضطراب الأوضاع في المنطقة بشكل أدي لإستقطابات وتحالفات بل وكذلك خطوط متقاطعة بين القوي الرئيسية بمنطقة الشرق الأوسط ومنها مصر والسعودية , لذلك فمن المتوقع أن تكون إسرائيل طرف غير مباشر في عملية الترسيم تلك أو علي الأقل علي علم بتنسيق أو بدونه بها .
2- إن إعادة المملكة السعودية مطالبتها لمصر بالإتفاق علي ترسيم الحدود البحرية يشبه إلي حد بعيد من ناحية إختيار التوقيت قيام إثيوبيا بالإعلان عن بناءها لسد النهضة في أبريل 2011 , أي ومصر في أضعف حالاتها أو لنقل متورطة أو منكفئة علي نفسها بسبب دقة وضعها الداخلي , وبالتالي فلا يُري التحرك السعودي علي هذا النحو إلا علي أنه إعلاء للمصلحة الذاتية السعودية عن المصلحة العربية فقد كان المتوقع مد اليد السعودية لمساعدة مصر علي تجاوز محنتها الداخلية وتأجيل هذا المطلب الذي صبر عليه السعوديين زمناً طويلاً يزيد عن 55 عاماً أي نصف قرن , ولهذا فهو تحرك يؤكد أنه إحتياج سعودي ملح يتزامن مع إستتباب الأمر لإسرائيل في نطاق خليج العقبة بزوال الرغبة والقدرة العربية تماماًعلي إغلاق مضيق تيران أمام ملاحتها .
3- يأتي التحرك السعودي بعد تطورات تتعلق بفوائد لوجيستيكية إقتصادية غير مسبوقة داخل خليج العقبة أو قريباً منه ففي 9 ديسمبر 2013 وقعت إسرائيل والمملكة الأردنية والسلطة الفلسطينية مذكرة تفاهم في واشنطن لبدء العمل في قناة البحرين برعاية من البنك الدولي وهو مشروع يهدف إلي وصل البحر الميت بخليج العقبة لمواجهة تناقص مستوي مياه البحر الميت بالإضافة إلي أمور أخري ذات مردود إقتصادي , وقد بدأت مرحلته الأولي بتوقيع الأردن وإسرائيل في غياب السلطة الفلسطينية علي إتفاق بشأنها يقضي بإقامة مشروع إعذاب المياه في 26 فبراير 2015 وإيصال المياه المالحة من خليج العقبة للبحر الميت عبر قناة طولها 200 كم , كما أعلنت مصر عام 2015 عن مشروع بإنشاء رافد جديد مواز لقناة السويس من شأنه زيادة السعة المرورية للقناة , كما أنه يأتي بعد أن لعبت المملكة دوراً في دبلوماسية الصراع الدائر في الشرق الأوسط بين إسرائيل والدول العربية من خلال طرحها لما سمي بالمبادرة العربية أو مبادرة الأمير / عبد الله في مؤتمر القمة العربية ببيروت في 28 مارس 2002 , وهذا يعني ببساطة أن المملكة العربية السعودية ربما تمهد لمشروع إقتصادي مفتاحي يتطلب تسوية مسألة حدودها البحرية مع مصر وأن الجزء المصري من هذه الحدود من الضروري بل الحتمي تسويته قبل الإعلان عن الشروع في هذا المشروع الذي أتوقع أن يكون ذا طبيعة بترولية طاقوية تستفيد منه دول الإتحاد الأوروبي , وقد يبرر ذلك التوقع بالإضافة لما تقدم أن المملكة العربية السعودية أقامت مشروعات صناعية وبتروكيميائية في ينبع وأقامت خط البترولاين بمسافة 1220 كم من حقول البترول في شرق السعودية إلي غربها حاملاً ما يُقارب 2 مليون برميل / يوم وهو خط كان في الأصل إمتداد للخط المصري "سوميد " الذي شاركت في تمويل إقامته دول الخليج العربي بنسبة 50% وأكتمل وبدأ الدخول في الخدمة عام 1977 وخُصص أحد خطيه وقتذاك في نقل البترول السعودي , وعليه فمن الطبيعي ألا نصدق أن البترول السعودي سيصل لإسرائيل عبر خليج العقبة مالم نُسقط من حساباتنا إعتبارات منطقية وتاريخية , لكن فيما لو لم نُسقطها فإن خط أنابيب للبترول السعودي يعبر خليج العقبة ليصل لإسرائيل لن يبرره إلا صفقة في سبيلها للإتمام لتسوية الجزء الفلسطيني المرتبط والعالق للآن في معضلة الصراع العربي الإسرائيلي وهو أمر يجد المرء نفسه غير قادر علي تخيله ناهيك عن قبوله .
4 - وقعت جمهورية مصر العربية وجمهورية قبرص بالقاهرة إتفاقاً بتاريخ 17 فبراير 2003 لتخطيط حدود المنطقة الإقتصادية الخالصة مُكوناً من خمس مواد وملحق يبين إحداثيات تعيين المنطقة الإقتصادية الخالصة لمصر وقد أشار الإتفاق في ديباجته إلي معاهدة الأمم المتحدة لقانون البحار المؤرخة في 10 ديسمبر 1982 , من جهة أخري وقعت إسرائيل وقبرص إتفاقاً لتعيين حدود المنطقة الإقتصادية الخالصة في نيقوسيا في 17 ديسمبر 2010 تضمن خمس مواد وأُشير أيضاً في ديباجته إلي معاهدة الأمم المتحدة لقانون البحار المؤرخة في 10 ديسمبر 1982, وهذا يشير إلي إن هناك إمكانية لتكرار الأمر بين السعودية ومصر حيث أن له سابقة , لكن يُلاحظ أن تناول مصر موضوع تعليم حدودها البحرية والبرية مع كل دول الجوار يتم بالأسلوب الهادئ وبلا أي توتر علني او مكشوف Very Low Profile فيما عدا الخلاف الحدودي في حلايب والذي أدارته مصر والسودان بأكبر قدر من التوتر وأثر سلباً علي منظومة العلاقات الثنائية , ويكشف التناول المصري في تناول مسألة تحديد الحدود البحرية مع السعودية وبالتالي مصير جزيرتي تيران وصنافير عن درجة كبيرة من الإختلاف في التعامل مع المملكة السعودية التي بالرغم من رفعة مكانتها في العالم العربي والإسلامي إلا أنها لا تمثل كالسودان رقماً إستراتيجياً في معادلة الأمن القومي المصري , فالسودان مرتبط علي الأقل بالأمن المائي المصري وهو الركن الركين لأمن مصر القومي هذا بالإضافة إلي الجوار الجغرافي المباشر وعلاقته بالمكون والتحركات الديموجرافية المرتقبة بين البلدين .
نــتــيجــة
تأسيساً علي ما تقدم ففي التقدير أن ترسيم الحدود البحرية / المصرية سيكون إتفاقاً بشأن صفقة - أعتبرها صعبة بل أستبعد الإتفاق بشأنها - ستكون - إن تمت - موازية لصفقة أخري من نوعية مختلفة في العلاقات المصرية / السعودية تنسجم طبيعتها مع تطورات الوضع الملتهب المُلتبس وربما القابل بين لحظة وأخري للتغير والتحول في دول منطقة خليج العقبة الأربع وإن تم الإتفاق علي هذه الصفقة الموازية فسيتم ترسيم الحدود البحرية السعودية / المصرية بما ينسجم ولا يغير من الأوزان الحالية للقوي في المنطقة العربية والتي بسبب أموال البترول أصبحت السعودية لها القدح المعلي فيها , لكن علي أية حال فإن عملية الترسيم تواجهها مشكلتان أو صعوبتان الأولي قانونية وتتعلق بالحق المصري , أما الثانية فتتعلق بمبدأ التقادم Obsolescence والذي يتصل بصفة أساسية بجزيرة تيران , وليس لدي مصر من الوجهة المنطقية حيز كبير للمناورة حتي تتنازل عن هذا الحق ما لم تبرره إعتبارات أقوي من الحق وهي بالطبع إفتراضية غير موجودة إلا إذا تم إصطناعها إصطناعاً , أما السعودية فلا يمكن أن يماري أحد في حقها بشأن الجزيرتين لولا أن الدفوع المصرية والتطور التاريخي للمسألة جعلها قابلة للجدل ويؤهلها للدخول إلي حيز التفاوض لحلها.
بــــلال الـــمــصري
سفير سابق لمصر لدي حكومات أنجولا وساوتومي برنسيب والنيجر