مدونة: الترميم في القاهرة الإسلامية.. كيف ولماذا ولمن؟
الترميم في القاهرة الإسلامية.. كيف ولماذا ولمن؟، هي مدونة للمعماري ناصر الرباط، أستاذ الآغا خان لتاريخ العمارة الاسلامية بمعهد مساتشوستس للتكنولوجيا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
المدونة
لاتوجد مدينة في العالم الإسلامي تعادل مدينة القاهرة القديمة في ثرائها المعماري والفني الذي يغطي كل العهود الإسلامية منذ عصر الفتوحات وحتى القرنين التاسع عشر والعشرين عندما هبت رياح المعاصرة على المنطقة وطعمت ثقافاتها بتأثيرات اصطلح على النظر إليها على أنها غريبة غربية ومغّربة فالقاهرة، تلك الرائعة المعمارية والعمرانية العابقة بروائح التاريخ، تحتوي في مساحة لاتتجاوز الكيلومترين المربعين على أكثر من مئتي أثر معماري من الدرجة الأولى، بالإضافة لأكثر من مئتي أثر آخر في المناطق المتاخمة لقلب المدينة التاريخية عدا عن المئات منها التي اختفت في القرن العشرين، القرن نفسه الذي شهد العديد من محاولات الترميم والمحافظة على الآثار في العالم أجمع فوفقاً لجرد في المصادر التاريخية المملوكية والعثمانية أجراه في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي الباحث الألماني الراحل مايكل ماينكة (Michael Meinecke) احتوت القاهرة التاريخية التي امتدت من الحسينية شمالاً وحتى الفسطاط جنوباً ومن القرافة شرقاً حتى النيل غرباً في عصورها الأزهى الغابرة على أكثر من ألفين ومئتي مبنى مهم من مساجد ومدارس وخانقاوات وزوايا وتكايا ووكالات وأرباع وسبل وبيمارستانات وقصور لم يبق من هذه المباني المهمة سوى تحديداً عندما قام العالم الانكليزي المتمصر كريزيول (K. A.C. Creswell)، عاشق القاهرة وساكنها لأكثر من خمسين سنة، بمسحه في العشرينات من القرن المنصرم وتأتي تقديرات وزارة الثقافة اليوم في مصر لتضع الرقم بحدود المئتين وخمسين، الكثير منها في حالة يرثى لها بسبب الاهمال والتسيب وتباين المسؤوليات والمصالح التجارية والضغط السكاني المهول والمأساوي فالقاهرة التاريخية اليوم مدينة مهددة في مستقبلها المعماري والعمراني والسكاني والكثيرون من محبي هذه الدرة المعمارية الاسلامية ودارسيها يخافون عليها من عاديات الزمن وإهمال الناس، ويتعاملون مع مبانيها كما لو أنها في طريقها للاختفاء في أية لحظة قريبة فالكل يصور، ويرسم، ويصف، ويوثق، ويفهرس، ويبوب كل ما يراه تحسباً عليه من الاختفاء والزوال وتاليهما النسيان، ويصرخ، وينادي، ويجتمع، ويتباحث في محاولة لرأب الصدع وانقاذ المدينة وآثارها وليس هذا الخوف بمبالغ فيه، فكثير من المباني التاريخية المهمة إما مهجور أو مساء استعماله إلى درجة تشويهه إما عمداً أو مع النوايا الحسنة التي تروم انقاذه أو استغلاله هذا على السطح، وأما ماخفي تحت الأرض فأدهى وأعظم فالمياه الجوفية مثلاً، من مياه حلوة ومالحة وبين بين، مازال منسوبها في ارتفاع مستمر تحت كافة منطقة القاهرة، وهي تتسرب إلى الأعلى أكثر ما تتسرب تحت أرض القاهرة الإسلامية بالذات وتنخر في أساسات مبانيها التاريخية القديمة، الهشة أصلاً، مسببة تضعضعاً خطيراً في توازنها الانشائي ربما أدى مع الزمن إلى انهيارها والتلوث الجوي من عوادم السيارات ومحارق الزبالة المفتوحة والصناعات الصغيرة الملوثة يأكل سطوح هذه المباني التي يغطي معظمها الحجر الجيري سريع التآكل، وتأتي الألوان المختلفة والأصبغة المتنوعة والملصقات الملونة من كل مقاس ومع كل نوع من الصموغ لكي تكمل التشويه والحت المستمر الذي تزيد تسارعه أحياناً كثيرة تقنيات التنظيف بالرمل المضغوط التي يفضلها العديد من مدعي الترميم وقد جاء زلزال أكتوبر ليزيد الطين بلة، فبعد أن كان التدهور المعماري والانشائي بطيئاً نسبياًً، وأحياناً غير محسوس أو مجهول، أتى الزلزال ليضرب ليس فقط البنى المعمارية في القاهرة الاسلامية، ويدمر أو يزعزع بعضها وإنما أيضاً، وبشكل صارخ وبتار، ليضرب كل الادعاءات السابقة عن سيرورة عمليات المحافظة والترميم التي حكمها التقاعس والاتكال والتسيب وعن المخططات الكبرى لترميم آثار القاهرة الاسلامية وإعادة ادماجها في الحياة العمرانية المعاصرة فمنذ حل لجنة حفظ الآثار الاسلامية في القاهرة، أو الcomit كما عرفت بالفرنسية، في الخمسينات من القرن العشرين إثر الاندفاعة الوطنية لثورة يوليو، والقاهرة تفتقد لسلطة قوية تحافظ على آثارها وتفرض رأيها بشأن هذه المحافظة إما بالقوة أو بالدبلوماسية كما كانت ال comit تفعل على الرغم من وجود المجلس الأعلى للآثار الإسلامية والقبطية وانتشار أجهزته في شتى أرجاء المدينة ولعل الانفصال الشيزوفريني في ملكية المباني الأثرية، حيث أن المجلس الأعلى للآثار لايملك التصرف قانوناً إلا بحوالي من مجموع الآثار على حين تسيطر وزارة الأوقاف على معظم باقيها، وحده من أهم المسببات في تدهور الآثار فوزارة الأوقاف لها اهتمامات مالية واستثمارية وتوظيفية في التعامل مع المباني الموجودة في عهدتها قد تتعارض، وكثيراً ماتكون هي كذلك، مع متطلبات الترميم والمحافظة على هذه المباني بل إنها أحياناً تكون السبب الأول في زوالها واليوم، وبعد مضي ثماني سنين على الزلزال تناوب فيها على المدينة وعلى أهلها الرخاء والشقاء، مازالت آثار القاهرة الإسلامية موضوعاً ساخناً وورشة مفتوحة وميداناً للجدال والصراع والتنافس ومازالت غالبية آثار القاهرة الإسلامية نفسها تعاني وتنتظر بعضها رمم ترميماً دقيقاً ومتأنياً وحساساً ومطابقاً لقواعد الترميم العالمية كما حددتها وثيقتي البندقية ولاهور ، كما في حال قصر بشتاك وبيت السحيمي وسبيل نفيسة البيضا على سبيل المثال لاالحصر والعديد منها خضع لعمليات تجميل كما حصل في الجامع الأزهر وبيت الهراوي وبيت زينب خاتون وسبيل عبد الرحمن كتخدا مؤخراً، وحول لوظائف حديثة ثقافية وترفيهية وسياحية وبعضها خضع لما هو أنكى عمليات إعادة بناء أفقدته طابعه الأثري وجعلته يبدو كما لو أن البناء رفع يده عنه البارحة، وهو ابن سبع قرون، كما هي حال المساجد الفاطمية من جامع الحاكم إلى المسجد الأقمر إلى مشهد الجيوشي على سطح المقطم إلى مسجد لؤلؤة الصغير في سفحه التي استلمتها فرقة البهرة الاسماعيلية وأعادتها مراكز دينية نشطة ومحملة بذكريات عصر ذهبي مُتخيل، لانعرف عن تفاصيله المعمارية، أو حتى العقائدية، الكثير والبعض الكثير من تلك الآثار مازال ينتظر تدخلاً أو نظرة اهتمام ما أما المدينة القديمة ككل فهي مازالت من دون أي مخطط عام أو حتى تصور مبدأي ينظم عمليات الترميم العديدة التي تجري فيها والسؤال نفسه مازال مطروحاً منذ نيف وقرن من الزمن، أي منذ إنشاء الcomit، وهو كيف يمكن لهذه المدينة الجميلة والحية والعتيقة أن تحافظ على مبانيها الأثرية وعلى طابعها التقليدي المميز وهي على عتبة القرن العشرين لكي تبقى موئلاً لسكانها وللزوار ولدارسي الماضي في آن واحد الجواب كان نوعاً ما واضحاً على عهد الcomit تُكشف المباني القديمة ويُزال ماحولها مما يحجبها عن أنظار الزوار وتُرمم أو يُعاد بناء ماتهدم منها لكي تعود كلاً متكاملاً يعكس اسلوباً معمارياً واضحاً هو اسلوب فترتها التاريخية نفسها، مملوكية أو فاطمية أو عثمانية، بكافة مميزاته الشكلية والفراغية والتزينيية ولم يكن النسيج العمراني نفسه مشكلة بالنسبة للcomit، ربما لأن اهتمام أعضاءها، الذين كانت غالبيتهم من الآثاريين الأوروبيين، كان منصباً فقط على المباني التاريخية ذات القيمة المعمارية والفنية من دون ماحولها، أوربما لأن المدينة القديمة كانت ماتزال صغيرة والازدحام معقولاً والتوسع في الأحياء الجديدة الخارجية مستمر على قدم وساق، وربما أيضاً لأنها كانت ماتزال تحتفظ بالكثير من بناها العمرانية والسكانية والاجتماعية كما تطورت خلال قرون عديدة بطريقة عضوية ومن دون هزات حضارية غالبة أومؤثرات خارجية قاهرة كما حدث لها في ذلك الوقت بالذات ولكن الزمن تغير، فالعصر الذي كان على القاهرة أن تلجه في نهاية القرن التاسع عشر، عصر النهضة على الطريقة الأوروبية، والذي أدى إلى ظهور قاهرتين متوازيتين ومستقلتين، قد ولى وحل محله ماهو أعقد وأصعب في بداية القرن الواحد والعشرين عصر ما بعد الحداثة، عصر رأس المال الدولي والاستثمارات متعددة المصدر ومتعددة المنفذ، والمواصلات الآنية والاكترونية صوتاً وصورة وفعلاً من جهة، وعصر الضياع الفكري والثقافي والتكدس السكاني الهائل وانخفاض مستويات المعيشة والخدمات انخفاضاً حاداً من جهة أخرى هذا هو التحدي الكبير الذي يواجه المخططين لمستقبل القاهرة الاسلامية اليوم والذي لابد من وضع بعض التصورات حوله لئلا نجد أنفسنا وقد أنقذنا بعض المباني الأثرية ولكن المدينة نفسها بقضها وقضيضها قد ضاعت علينا نحن في الحقيقة بحاجة ماسة إلى وقفة نقدية نراجع فيها ماتم من ترميم وإصلاح ونحاول أن نفهم ملامح وأهداف هذا الترميم اليوم وفي المستقبل القريب مع استمرار الضغط السكاني بتهديد كل البنى المعمارية والتحتية في المدينة، ومع ازدياد حدة المشاكل الاقتصادية التي تطال المجتمع والأفراد وتدفعهم إلى مزيد من الاستغلال العشوائي للمدينة ولمبانيها القديمة، ومع تصاعد وتيرة الحديث عن مشاريع ضخمة لتنشيط الاستثمار السياحي والثقافي في المدينة القديمة وإعادة تأهيل لمجموعة من أهم مبانيها التاريخية لتوظيفها في خدمة هذا الاتجاه الاستثماري السياحي كنفق الأزهر ومشروع باب العزب في القلعة وهما المشروعان اللذان أثارا الكثير من اللغط مؤخراً في خضم هذه المسائل الكبيرة والمهمة اقتصادياً وسكانياً وآثارياً، لابد من المحافظة ليس فقط على العمارة الإسلامية الرائعة في شوارع القاهرة القديمة كقطع متحفية وإنما المحافظة على المدينة نفسها كسكن وموئل لأهلها وزوارها، وهذا يتطلب جهداً مضاعفاً في الحفاظ على المباني نفسها وفي تثقيف الناس وتأمين متطلباتهم الحياتية في المدينة القديمة بما يتلاءم وظروفها الخاصة والأمل ألا ترتكب الهيئات المسؤولة، من حكومية وأهلية، الأخطاء نفسها التي ارتكبتها سلطات مدنية في بلاد مختلفة، خاصة في الاتحاد السوفيتي السابق، حيث حولت بعض المدن الاسلامية الرائعة، خاصة بخارى وخيفا في أوزبكستان، إلى متاحف في الهواء الطلق مبانيها المهمة مرممة أكمل ترميم وأبهاه ولكنها واقفة لوحدها من دون النسيج العمراني الذي كان يدعمها ويظهر أبهتها، والذي أزيل بدعوى اهترائه وعدم ملاءمته لمتطلبات العصر، ومن دون الناس الذين كانوا يعطونها معناها المعماري الحيوي من خلال حركتهم منها وإليها وفيها وهذا لايعني بالضرورة ترك الأمور على عواهنها، أي ترك الوظائف المضرة بالبنى العمرانية والمعمارية كالمعامل والورش الصغيرة التي تفح الملوثات حولها فالتدخل البنٌاء هو الذي يقترح بدائل معيشية ملائمة لكل صناعة ضارة مما لايتسبب بالتضحية بالناس أو بموارد رزقهم في سبيل الحفاظ على العمارة ولنا هنا في مدن الأندلس المعاصرة المثال الملائم حيث أن العديد منها، كقرطبة وغرناطة، قد حافظت على السكان في أحيائها القديمة بل أنها ربطتهم اقتصادياً ومعيشياً بهذه الأحياء وجعلتهم الأكثر حرصاً على المحافظة عليها لارتباط مستوى معيشتهم ارتباطاً مباشراً ووثيقاً بها ولو أن القاهرة أكبر وأعقد من أي من هذه المدن واقتراح حلول مناسبة لمشاكلها الآثارية والسكانية يتطلب دراسات عمرانية واقتصادية وسوسيولوجية متكاملة تتجاوز الحلول المجتزأة وتنظر للفراغ العمراني ككل بحيث أنها تدعم وتستفيد من البنى الاقتصادية التعاضدية والتكافلية الموجودة على الأرض في غالب أحياء القاهرة القديمة كما أكدت دراسات العديد من الانتربولوحيين المصريين والأجانب وتستخدمها في شحذ الشعور بالانتماء وتجذيره من خلال خلق مقومات هذا الانتماء الاقتصادية والمعيشية والصحية والترفيهية وما إليها ولعل في بارك الآغا خان المقترح إقامته على كامل مساحة الكيمان الممتدة على طول السور الشرقي للقاهرة الفاطمية مجالاً لتجربة ميدانية مهمة حيث أن البارك نفسه خارج النسيج العمراني التاريخي ولكنه مواز له ومؤثر فيه ومتلقٍ منه، وبالتالي فهو امتداد عمراني وسكاني له وإن خلا من الأبنية التاريخية وهناك أيضاً ضرورة مهمة أخرى قلما التُفت إليهاتثقيف المواطن العادي المقيم في القاهرة الاسلامية ثقافة تاريخية ومدنية لجعله يشعر أن انتمائه لمدينته مصدر فخر له ومنبع رضى واحساس بالمسؤولية ولن يمكننا الوصول إلى هذه النتيجة بفرض القوانين الصارمة والغرامات الباهظة فقط كما يقترح البعض وإن كان بعضها ضرورياً ككابح وكحل أخير يجب الشروع ببرنامج تثقيفي يطال كل السكان ويتغلغل في حياتهم عبر القنوات الموجودة والمعتادة المدرسة، الجامع، البيت طبعاً، وحتى القهوة، ذلك الملتقى الشعبي المفضل وليس الأمر بحاجة لمجهود كبير أو لموازنات ضخمة وإنما يكفي البدء بتدريب بعض الأفراد المهتمين والملتزمين، كخريجي المعاهد والجامعات الذين لايجدون عملاً في المؤسسات الحكومية المكتظة، لأن يكونوا قدوة ومثلاً ومدرسين في الأحياء الشعبية لينفحوا في المواطن والمواطنة حب مدينتهم الفعلي، ذلك الشعور العارم الذي يغمر قلب كل قاهري وقاهرية، والذي لن يكتمل حقاً إلا باهتمامه بها وحفاظه على معالمها وطرقاتها ونظافتها وما إلى ذلك والمواطن العادي حساس ومستجيب إذا وجد أن المدرس أو المثل مخلص وصادق وقد كانت السيدة الجليلة ليلى علي إبراهيم عافاها الله عميدة دارسي ومحبي القاهرة الاسلامية وأغزرهم علماً بها، قد بدأت بجهد فردي أعطى ثماراً واعدة على الرغم من صغر المشروع فقد تبرعت ليلى إبراهيم بوقتها وعلمها لكي تقدم لطلبة المدارس الابتدائية في الأحياء التاريخية، الجمْالية في هذه الحالة، دروساً في التذوق الجمالي والعمراني وفي الآداب المدينية وأخذت على عاتقها مهمة تعربف هذه البراعم الواعدة بعظمة وتاريخ المدينة التي يعيشون فيها وبحاجتها لانتمائهم إليها وعنايتهم بها لكي تحافظ على جمالها وقد فاجأها هؤلاء الطلاب باستعدادهم للتعلم والتغير على الرغم من أن المحيط حولهم، من أهل وأقارب وأصدقاء، لايقدم لهم نماذج إيجابية يمكنهم اقتفاء أثرها ولو كان هناك مئة ليلى ابراهيم لكانت النتائج واضحة للعيان الآن هذه النواحي الاجتماعية والمدينية والتثقيفية تمثل الإطار الضروري واللازم لأي مشروع ترميم عمراني ناجح وطويل الأجل فمهما كانت العناية التقنية والمعمارية دقيقة بترميم الأبنية نفسها وهي ليست كذلك اليوم في غالب الأحوال، فهي ستكون غير مجدية إذا كانت النظرة إلى الأبنية محصورة بمداها المعماري الشكلي والاستثماري السياحي من دون التطرق إلى محيطها العمراني والاجتماعي ووظيفتها المفترضة بعد الترميم واندماجها بحياة الناس حولها ولأضرب مثلاً صغيرآً عما يحصل اليوم وعما يمكن عمله للبدء باصلاح الحال سبيل نفيسة البيضا، سبيل عثماني لطيف واقع في واحد من أكثر المواقع أهمية في القاهرة الاسلامية، مباشرة شمال باب زويلة علي امتداد القصبة، وهو قد خضع مؤخراً لعملية ترميم ممتازة على يد المرممة البولونية القديرة أجنسكا دوبروولسكا وبتمويل من معهد البحوث الأميريكي في مصر وهو الآن كامل معافى، ولكنه فارغ ومغلق، وقريباً ستتراكم عليه المهملات ويعود مظهره إلى التدهور وقد قال لي مسؤولو المعهد الأميريكي أنهم اقترحوا على المجلس الأعلى للآثار أن يحول السبيل المرمم إلى مكتبة للحي وللنشرات السياحية ورفض المجلس بحجة أن التحويل قد يضر بالصفة الآثارية للسبيل وهذا والحق رأي غير صائب، خاصة وأنه قد تردد أن وزارة الأوقاف، وهي مالكة السبيل بحكم القانون، كانت ستبيع السبيل والوكالة التي يتبع لها، وبعض المباني الأثرية الأخرى، لمن قد يستخدمهم استخداماً استثمارياً مجحفاً بقيمتهم المعمارية التاريخية فربما أمكن استخدام هذه الحادثة والشائعة لتفعيل تحميل مسؤولية المدينة لسكانها ومساعدتهم تثقيفياً ومادياً وإدارياً على المحافظة عليها والاهتمام بها، وبإطار أوسع لمناقشة وضع الآثار الإسلامية في القاهرة بشكل عام واتخاذ الاجراءات اللازمة لتغيير وضعها السييء الذي يزيده سوءاً اللوائح الجامدة التي لاتأخذ بعين الاعتبار الصورة الكلية والوظيفة الفعلية للمباني، أثرية كانت أم حديثة العمارة وجدت لكي تُستعمل وتؤدي وظيفة معيشية ما وليس فقط لكي تُتأمل أو تستثمر سياحياً أو سياسياً أو إعلامياً كما يحصل اليوم والقاهرة الاسلامية لن تكون تلك الرائعة المعمارية التي نحب مالم تظل أولاً وقبل كل شيء مدينة حية بمبانيها وشوارعها وأمكنتها العامة وسكانها وزوارها