محمد كمال الدين السنانيري
محمد كمال الدين السنانيري (و. 11 مارس 1918 - ت. 8 نوفمبر 1981)، هو أحد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين. شارك السنانيري في الغزو السوڤيتي لأفغانستان عام 1979 وعند عودته، اعتقل عدة مرات، وتوفى في المعتقل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
حياته
ولد محمد كمال الدين بن محمد علي السنانيري في القاهرة في 11 مارس 1918 ونشأ في أسرة ميسورة الحال، وتلقى تعليمه في المدارس المدنية، وحصل منها على الشهادتين الابتدائية والثانوية، ولم يستكمل تعليمه العالي في الجامعة، وفضل العمل في الحكومة، فالتحق بوزارة الصحة، عقب حصوله على الشهادة الثانوية سنة عام 1934. وبعد أربع سنوات من العمل الحكومي قدم استقالته من وظيفته، وأعد نفسه للسفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية لدراسة الصيدلة في إحدى جامعاتها للعمل بعد رجوعه في الصيدلية التي يملكها أبوه، غير أن أحد علماء الدين أقنعه بعدم السفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، فاستجاب له السنانيري، وعدل عن السفر بعد أن أعد عدته، وهيَّأ نفسه لمغادرة البلاد.[1]
التحاقه بجماعة الإخوان المسلمين
في هذه الفترة كانت دعوة جماعة الإخوان المسلمين تلقى نجاحًا بين الناس، ويقبل عليها كثير منهم، وامتد نشاطها إلى أماكن كثيرة في البلاد، وكان لطريقتها في الدعوة وتمسكها بالإسلام دينًا ودُنْيا، خلقًا وسلوكًا، علمًا وعملاً، حركة ونشاطًا، أبلغ الأثر في تعاطف الناس معها، وانضمام كثيرين إلى صفوفها، وكذلك لم يكن غريبًا أن يجد السنانيري ضالته في جماعة الإخوان المسلمين، فانضمَّ إليها عام 1941، وعَمِل معها بكل طاقته؛ ولذلك تقدم الصفوف، وأُوكل إليه القيام بعدد من المهام الدعوية والتنظيمية. ولم تشغله أعماله الدعوية ومسئولياته عن متابعة أسرته، فقد توفي أبوه تاركًا ثلاثةً من الأشقاء وثلاثًا من الشقيقات، فقام على أسرته خير قيام، يسعى لها، ويحرث في حقول الدعوة وميادينها، ويغرس الغراس التي ستؤتي أكلها بعد ذلك.
صدام الجيش والإخوان
اصطدمت حركة الجيش بجماعة الإخوان سنة 1954 بعد أن فشلت - أي حركة الجيش - في احتوائها أو اختراقها ورغبتها في حكم البلاد حكمًا منفردًا دون اعتبار بشرع أو دين أو احترام لقانون أو دستور، لذلك قامت بحل جماعة الإخوان، واعتقال كثير من أبنائها، غير أن ما حدث أدى إلى موجة عارمة من السخط الشعبي على رجال حركة الجيش، وقامت مظاهرةٌ عارمةٌ أشرفت عليها جماعة الإخوان المسلمين، واتجهت إلى قصر عابدين، وكان يقود هذه المظاهرة "عبد القادر عودة"، وكان السنانيري واحدًا ممن يشرفون على تنظيم المظاهرة العارمة، التي أجبرت الحكومة على الإفراج عن المعتقلين. غير أن ما حدث جعل رجال الجيش يعيدون الكرة للإطاحة بجماعة الإخوان، ودبَّروا حادث المنشية المعروف؛ للتنكيل بجماعة الإخوان ورجالها، واعتُقِل السنانيري مع من اعتقل عام 1954، وقُدِّم لمحاكمة صورية حكَمت عليه بالسجن، فأمضى في السجن عشرين عامًا، حتى خرج عام 1974.
اعتقاله
وفي أثناء محاكمته تعرض - مثل غيره من الإخوان - إلى تعذيب وحشيٍّ فاق كل خيال، حتى إن والدته لم تتعرف عليه في أثناء حضورها الجلسة الأولى للمحاكمة؛ لشدة ما وقع عليه من عذاب، فقد نحل جسمه، وكسر فكه؛ حتى تغيرت طريقة كلامه، وبلغ من شدة تعذيبه أن شقيق زوجته الأولى - وكان معتقلاً معه - أصيب بالذهول من هول المآسي التي نزلت على السنانيري، ولم تتحمل أعصابه المرهفة آثارالعذاب الوحشية البادية على الجسد الواهن، ففقد عقله، ونقل إلى مستشفى الأمرض العصبيَّة. وظل في السجن لا يلبس إلا الثياب الخشنه، ورفض ارتداء الثياب الداخلية التي كان لكل سجين حق شرائها من مقصف السجن، وعاش سجنه متجردًا من كل ما يعتبره ضابط السجن منحة توهب للسجين ترغيبًا أو يحرم منها ترهيبًا، آثر أن يتجرد من كل ما يمكن أن يحرم منه؛ ليملك من نفسه ما يعجز الآخر أن يملكه منه. وهذا السلوك يجلي نفس السنانيري التي ملكها، وجعلها طوع بنانه، وأخلى قلبه من التطلع إلى الدنيا بعد أن ملأه زهدًا وصلاحًا، يصوم النهار، ويقوم الليل، ويأخذ نفسه بالشدة؛ ولذلك لم يكن غريبًا أن يرفض ما يطلبه منه ضباط السجن من تأييد نظام عبد الناصر طلبًا للسلامة، وطريقًا للخروج من جحيم السجن. وفي فترة سجنه طلق زوجته الأولى بعد أن ضغط رجال المباحث على أهلها لتطلب الطلاق، وكان قد خيَّرها من قبل بين البقاء زوجة له أو الطلاق، ولكنها آثرت أن تظل زوجة له، لكن أهلها أجبَروها على الطلاق منه، ثم مُنَّ عليه وهو في السجن بأن عقد قرانه على "أمينة قطب" أخت الشهيد سيد قطب، وبنى بها بعد خروجه من السجن، ولم يرزق منها بأطفال.
نشاطه بعد الإفراج عنه
بعد خروجه من السجن عاود نشاطه الدعوي، ولم يركن إلى الدعة والراحة بعد المعاناة الطويلة التي تحملها في صبر وثبات، فالدعاة والمصلحون لا يتخلون عن رسالتهم مهما عانوا من تبعاتها. وكان من أبرز نشاطاته دوره في ميدان الجهاد في أفغانستان، التي تعرضت للغزو الروسي، ووقعت في قبضته، وقد بذل السنانيري وقته وجهده في دعم المجاهدين الأفغان، ورأب الصدع بينهم، وإصلاح ذات البين بين قادته الذين أحبوه جميعًا، وعرفوا قدر إخلاصه وحرصه على وحدتهم، ودانوا له بالطاعة والاحترام، فلا يكادون يخالفون له أمرًا في أثناء وجوده معهم.
اعتقاله واغتياله في المعتقل
وبعد عودته من أفغانستان تعرض للاعتقال مع غيره من أبناء الحركة الإسلامية وقادة العمل الوطني في مصر، وكان الرئيس السادات قد أصدر في سبتمبر 1981 - قرارات التحفظ الشهيرة على معارضي سياسته، وألقى بهم في المعتقلات بعد أن اشتدت المعارضة لاتفاقيات الصلح مع إسرائيل، وتعرّض السنانيري في أثناء اعتقاله لتعذيب رهيب؛ أملاً في معرفة معلومات عن التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، ووقع عليه أهوال من العذاب بعد أن تجاوز الستين من عمره، ولم يتحمل جسده هذه الأهوال التي تفنن زبانية التعذيب في إلحاقها به، ولم يكن لمن في سنه أن يتحمل هذه الأهوال ففاضت روحه الطاهرة في 8 نوفمبر 1981. ولم يكتف هؤلاء الجلادون بقتله، بل حاولوا اغتياله معنويًا، فأشاعوا أنه قد انتحر بأن ربط عنقه بفوطة، ثم ربطها بكوع الحوض الموجود بالزنزانة، وصار يجذب نفسه حتى مات، وفى الصباح اكتشف السجَّان الجثة، وجاء الطبيب الشرعي، وعاينها وأثبت سبب الوفاة. ولم يصدق أحد هذه القصة الملفقة، التي لايمكن أن يقبلها عقل طفل صغير، فتاريخ السجون المصرية في عهد الثورة مليء بمثل هذه المآسي، وخبرة رجالها في اغتيال المعتقلين العزَّل أمر يعرفه الناس جميعًا، وتلفيق التهم الكاذبة عن ادعاء هروبهم بعد القيام بقتلهم معروف بين الكافة، ولا يمكن لمن صمد عشرين عامًا ثابت النفس، راسخ الإيمان أن يجزع لاعتقاله فترة قليلة من الزمن، فيقدم على مثل هذا العمل.
مراثي زوجته
عرف الأدب العربي مراثي الأزواج لزوجاتهم، وهي تفيض ألمًا وحزنًا على فراق أحبتهم، ومن الشعراء من خصص ديوانًا كاملاً لرثاء زوجاتهم، مثل عزيز أباظة وعبد الرحمن صدقي ومحمد رجب البيومي، غير أن رثاء الزوجات لأزواجهن نادر في الشعر العربي، وقد رثت السنانيري زوجته أمينة قطب في أكثر من قصيدة، وكان لها في ذكرى استشهاده من كل عام قصيدة حزينة مؤثرة، ولو جمعت هذه القصائد في ديوان لكان حدثًا كبيرًا في دنيا الشعر العربي المعاصر.
وكانت أولى تلك القصائد بعد استشهاده هي قولها:
ما عدت أنتظر الرجوع ولا مواعيد المساء
ما عدت أحفل بالقطار يعود موفور الرجاء
ما عدت أنتظر المجيء أو الحديث ولا اللقاء
ما عدت أرقب وقع خطوك مقبلاً بعد انتهاء
وأضيء نور السلم المشتاق يسعد بارتقاء
ما عدت أهرع حين تقبل باسماً رغم العناء
ويضيء بيتي بالتحيات المشعة بالبهاء
وتعيد تعداد الدقائق كيف وافانا المساء؟
وينام جفني مطمئناً لا يؤرِّقه بلاء
ما عاد يطرق مسمعي في الصبح صوتك في دعاء
ما عاد يرهف مسمعي صوت المؤذن في الفضاء
وأسائل الدنيا: ألا من سامع مني نداء؟
أتراه ذاك الشوق للجنات أو حب السماء؟
أتراه ذاك الوعد عند الله؟ هل حان الوفاء؟
فمضيت كالمشتاق كالولهان حُبَّاً للنداء؟
وهل التقيت هناك بالأحباب؟ ما لون اللقاء؟
في حضرة الديّان في الفردوس في فيض العطاء؟
أبدار حق قد تجمّعتم بأمن واحتماء؟
إن كان ذاك فمرحباً بالموت مرحى بالدماء
ولسوف ألقاكم هناك وتختفي دار الشقاء
ولسوف ألقاكم أجل. وعد يصدقه الوفاء
ونثاب أياماً قضيناها دموعاً وابتلاء
وسنحتمي بالخلد لا نخشى فراقاً أو فناء
المصادر
- ^ "الداعية المجاهد محمد كمال الدين السنانيري". موقع المستشار عبد الله العقيل. Retrieved 2013-07-24.
المراجع
- محمد الصايم: شهداء الدعوة الإسلامية في القرن العشرين - دار الفضيلة - القاهرة – 1992.
- عبد الله العقيل: من أعلام الحركة والدعوة الإسلامية المعاصرة - مكتبة المنار الإسلامية - الكويت - 1422 هـ الموافق 2001.
- محمد خيري رمضان: تتمة الأعلام للزركلي - دار ابن حزم - بيروت - 1418 هـ الموافق 1998.
- أحمد رائف: سراديب الشيطان، صفحات من تاريخ الإخوان المسلمين - الزهراء للإعلام العربي - القاهرة – 1410هـ الموافق 1990.