كلثوم عودة - ڤاسيليڤا
كلثوم عودة- فاسيليفا (و.1892- ت.1965)، روائية ومستعربة روسية-فلسطينية المولد وأول سيدة تحمل لقب أستاذ في العالم العربي. اعتقلت في فترة حكم ستالين لاحتجاجها على اعتراف روسيا بالدولة العبرية.[1]
وتحتل كلثوم عودة مكانة بارزة بين مؤسسي مدرسة الاستعراب الروسية، ويعود اليها الفضل في تعريف الروس بقدر أكبر بالثقافة العربية واقامة جسر حضاري بين روسيا والعالم العربي. وكان طريقها في درب البحث العلمي مليئا بالأشواك حيث لاقت الأمرين لزواجها من روسي أجنبي ولدخولها معترك الحياة مع زوجها الذي فقدته مبكرا في اصعب فترة من تاريخ روسيا حين قامت الحرب العالمية الأولى واعقبتها الحرب الأهلية بعد ثورة أكتوبر 1917 وفترة الحكم الستاليني الذي زج بها في سجونه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
السيرة الذاتية
ولدت كلثوم في عائلة معروفة في الناصرة في 2 أبريل 1892 في دار نصر عودة في حارة الروم وكانت البنت الخامسة لوالدها الذي آمل في أن يرزق بولد. وبعد انهاء المدرسة الابتدائية التحقت بالمدرسة الروسية (السمنار) في بيت جالا، وبعد التخرج منها عادت إلى مدينة الناصرة حيث عملت معلمة في مدارس الجمعية الروسية (المكوسكوبية) في المدينة ومارست نشاطا أدبيا بنشر مقالات في مجلات عديدة منها النفتائس العصرية في حيفا والهلال في القاهرة والحسناء فيبيروت. والتقت كلثوم في الناصرة آنذاك لأول مرة المستشرق الروسي الكبير أغناطيوس كراتشكوفسكي الذي زار فلسطين في فترة (1908 – 1910) ولعب دورا كبيرا في مسيرة حياتها لاحقا.وقد أشار كراتشكوفسكي في كتابه المخطوطات العربية إلى لقائه معها، بينما كتبت عقيلته فيرا كراتشكوفسكايا تقول عن زيارة زوجها إلى الناصرة إلى أنه تعرف هناك إلى معلمتين فلسطينيتين شاركتا في جولات كراتشكوفسكاي في المنطقة واحداهما كلثوم عودة التي تزوجت عام 1913 من الطبيب الروسي ايفان فاسيلييف الذي كان يعمل في مستشفى الجمعية الروسية في الناصرة. علما أن والد كلثوم عارض هذا الزواج لولا تدخل عمها نجيب عودة الذي ذهب معها والدكتور إيفان إلى القدس حيث تم تسجيل عقد قرانهما في الكنيسة الروسية في مسكوبية القدس.
وسافرت كلثوم وزوجها إلى روسيا الذي عمل في فترة الحرب العالمية الأولى في الجبهة وتطوعت كلثوم نفسها كممرضة، وعندما قامت ثورة أكتوبر التحق زوجها ب[الجيش الأحمر] وفي عام 1919 أصيب بالتيفوئد وتوفي تاركا زوجته مع ثلاث بنات صغار بعد خمسة أعوام من الزواج. فعملت كلثوم فلاحة في اوكرانيا من أجل اعالتهم. وبعد هذه الفترة بدأت بتدريس اللغة العربية في كلية اللغات الشرقية في سان بطرسبورگ وحصلت على شهادة الدكتوراه في عام 1928 عن رسالتها حول اللهجات العربية. وقدم كراتشكوفسكي مساعدة كبيرة لها في مسيرتها العلمية لاحقا. ومارست كلثوم في هذه الفترة الترجمة من الروسية الى العربية وبالعكس. فترجمت رواية الكاتب العراقي ذو النون أيوب الارض واليد والماء إلى الروسية وكتاب كراتشكوفسكي عن محمد عياد الطنطاوي إلى العربية.
زارت كلثوم الناصرة في عام 1928 للقاء أهلها وجابت فلسطين والتقت في القدس المفتي أمين الحسيني، ولدى عودتها إلى موسكو مارست كلثوم التدريس في معهد الاستشراق.
كتب عنها
كتبت المستشرقة ناتاليا لوتسكايا إحدى تلميذاتها عنها تقول: "لقد علمتنا كلثوم عوده الكثير والكثير فقد غرست في قلوبنا حب الشرق وحب فلسطين. لقد غرست في قلوبنا محبة شعبكم الذي ناضل وما زال يناضل من أجل حريته واستقلاله. لقد تعلمنا الكثير من كلثوم التي كنت ترى دوما في عينيها الشوق والحنين الى الوطن..".
وكتب الشاعر توفيق زياد عنها بعد زيارته للإتحاد السوڤيتي يقول: "إنها تواصل تدريس اللغة العربية وتعمل في جامعة لينينگراد. إن اسم كلثوم عودة معروف على أوسع نطاق في الأوساط السوفيتية ذات الصلة بالاستعراب والعمل الدبلوماسي والأدب العربي والبلاد العربية عموما. إن أعدادا كبيرة من المستعربين قد درست اللغة العربية جيلا بعد جيل على يديها".
وكتب السياسي المخضرم الروسي يڤگني پريماكوڤ عن دورها في تعليمه اللغة العربية ومساعدتها له في الحصول على زمالة الدراسات العليا بالرغم من وجود مصاعب لديه في تعلم اللغة العربية.
اعتقالها في عهد ستالين
وعانت كلثوم كثيرا لدى اقامة دولة اسرائيل وتوجيهها رسالة إلى ستالين تحتج فيها على إعتراف الاتحاد السوفيتي بالدولة العبرية. وزج بها في السجن ولم ينقذها سوى تدخل كراتشكوفسكي وكبار العلماء الروس للدفاع عنها.
تكريمات
منحت كلثوم عودة وسام الصداقة بين الشعوب السوفيتي كما منحتها منظمة التحرير الفلسطينية وسام القدس تقديرا لدورها الثقافي والسياسي في روسيا.
مذكراتها
وكتبت كلثوم عودة سيرة حياتها نفسها بقولها: "لقد استقبل ظهوري في هذا العالم بالدموع. والكل يعلم كيف تُستَقبَل ولادة البنت عندنا نحن العرب، خصوصا إذا كانت هذه التعسة خامسة اخواتها ، وفي عائلة لم يرزقها الله صبيا. وهذه الكراهة رافقتني منذ صغري. فلم أذكر أن والديَّ عطفا مرة عليَّ وزاد في كراهة والدتي لي زعمها أني قبيحة الصورة. فنشأت قليلة الكلام كتوما أتجنبُ الناس، ولا همَّ لي سوى التعلم، ولا أذكر أن أحدا في بيتنا دعاني في صغري سوى "يا ستي سكوت" أو "يا سلولة" ، وانكبابي على العلم في بادئ الامر نشأ من كثرة ما كنت أسمع من والدتي "مين ياخدك يا سودة. بتبقي طول عمرك عند امرأة أخيك خدَّامة". وكان ثمة شبحٌ مهولٌ لهذا التهديد، إن عمتي لم تتزوج، وكانت عندنا في البيت بمثابة خادم. فهال عقلي الصغير هذا الأمر، وصرت أفكر كيف أتخلص من هذا المستقبل التعس، لم أر بابا إلاّ بالعلم ولم يكن سوى مهنة التعليم في ذلك الوقت تُباح للمرأة. وقد كانت العادة قبل الحرب أن من يكون أول تلميذ في المدارس الروسية الابتدائية يتعلم في القسم الداخلي مجانا وبعدها يحصل على رتبة معلم. فعكفت على العمل وبلغت مُرادي. والفضل في هذا لوالدي، إذ إن والدتي المرحومة قاومت بكل ما لديها من وسائل دخولي المدرسة. فهل كنت سعيدة في حياتي؟ نعم. إني وجدت في نفسي خُصلتين هما من أهم العوامل في هناء عيشي: الإقدام على العمل مع الثبات فيه، والمحبة، محبة كل شيء، الناس والطبيعة والعمل. هذه الخصلة الثانية هي التي تساعدني دائما في أحرج مواقف حياتي. إن تذليل المصاعب لبلوغ المراد هو أكبر عوامل السعادة. فإذا اقترنت هذه بسعادة من يحيط بنا أيضا، فهناك هناء العيش حقا. قضيت خمس سنوات بين أولئك البنات اللواتي كنت أعلمهن. وقد أحببتهن حبا ساعدني على أن أعيش مع كل واحدة منهن بعيشتها الصغيرة، وأن أساعدهن على قدر طاقتي. وقد قابلنني بالمثل، فكنت دائما أرى وجوها باسمة ضاحكة وكن يرافقنني في كثير من نزهاتي. وأذكر أني زرت مرَّة إحدى صديقاتي وكانت ابنتها تتعلم عندي ولها اثنتا عشرة سنة من العمر. ووجدت صديقتي في الفراش. فأخبرتني في أثناء الحديث بأنها غضبت أمس على ابنتها إذ قالت لأبيها : إذا ماتت أمي فتزوج معلمتي، فهي تكون لي أما... شعرت بسعادة لم أشعر بمثلها من قبل ملأت قلبي، إذ إن أولئك الصغيرات يحببنني كما أحبهن. وفي وقت فراغي كنت أزور أطراف المدينة، حيث يعيش الفلاحون، وأتفقد أطفالهم الصغار المهملين وقت الحصاد، وكان قلبي يتقطع ألما عندما أرى تلك العيون الملتهبة بالرمد ، فأغسلها بمحلول حامض البوريك، وبعد تنظيفها أنقط محلول الزنك عليها. أظن أن بعض الأطباء الذين لم يجعلهم الزمن آلهة بل ظلَّوا بشرا ، يدركون تلك السعادة التي كنت أشعر بها. عندما كنت أرى بعد أيام تلك العيون سليمة صافية، وتلك الأيدي الصغيرة تطوق عنقي . هذا الشعور كثيرا ما كان ينسيني تعبي ، عندما كنت في ساحة الحرب في البلقان وفي روسيا . ألم أكن سعيدة لتعافي كل جندي، أو لتخفيف آلامه ! ألم يرقص قلبي طربا عندما كنت أزور المريض وأراه متجها إلى الصحة، وأرى عائلته سعيدة لشفائه ؟ بلى إني كنت أحب الجميع فأتألم لآلام كل فرد وأفرح لفرحه، ولهذا لم تشعر نفسي أنها غريبة، مع أن لي مدة طويلة في الغربة. والأمر الثاني، وأهميته لا تقل عن الأول وهو حسباني أن كل عمل شريفا، فلست أخجل من أي عمل كان، ما دام غير ماسِّ بشرفي ولا بشرف غيري. ولا أذكر من قال من الروسيين: ينبوع الحياة في داخلنا. فيا لها من حكمة بالغة. نعم، إن ينبوع الحياة فينا، فإذا قدرنا أن نروي جميع مظاهر حياتنا به، صارت حياتنا وردة زاهرة تتغلب برائحتها العطرة وجمالها على الأشواك التي هي كثيرة جدا في طريقنا. فلا تؤلمنا هذه الأشواك كما لو كانت وحدها. ومن لا يرتوي لا بُدَّ له من أن يقف كالعطشان فتجف حياته وتصير صحراء، والسعادة كالسراب فيها يركض وراءه فلا يصل إليه ولو كانت لديه الملايين. تعلمت أن أجد الجمال في كل ما يحيط بي، طبيعيا كان أو من صنع البشر، فجمال الطبيعة كان دائما يسَكِّن اضطراب نفسي، لأنه رمز الخلود، وأما صنع البشر فإنه كان يجدد قواي ويكسبني إعجابا بعقل الإنسان، فأنكب على العمل كالنملة. فأنا، ولا مبالغة، كنت في جميع أطوار حياتي سعيدة أشتغل راغبة لا مُلزَمَة".