كتاب الفهرست
كتاب الفهرست شهد له ياقوت الحموي بقوله: «مُصَنِّفُ كتاب الفهرست جَوَّدَ فيه ، واستوعب استيعاباً يدل على اطلاعه على فنون من العلم وتَحَقُّقِهِِ لجميع الكتب… وذكر في مقدمة هذا الكتاب أنه صُنِّفَ في سبع وسبعين وثلاثمئة».[1]
فالكتاب تحققت فيه صفة الإجادة تبويباً واستيعاباً لفنون كثيرة وعلوم غزيرة، وشخصيات عديدة، لا تكاد تجد له نظيراً قبله، يدلك على صحة هذا الادعاء أن ياقوتاً لا يكاد يفارقه عندما يذكر مؤلفات الأدباء الذين يجد ذكرهم في الفهرست إدراكاً منه لصفتي الجودة والاستيعاب.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الفصول
بنى النديم كتاب «الفهرست» على عشر مقالات هي بمنزلة الأبواب في التصنيف الحديث، ثم قسم كل مقالة إلى فنون تختلف في عددها.
الكتب المقدسة عند المسلمين واليهود والمسيحيين
ففي المقالة الأولى ثلاثة فنون: تناول الفن الأول لغات الأمم من عرب وعجم ونعوت أقلامها وأنواع خطوطها وأشكال كتاباتها. وهي مقالة مهمة كتبت في موضوعها «رسالة الكتابة» لأبي حيان التوحيدي، وكتاب «صبح الأعشى في صناعة الإنشا» للقلقشندي، مما يكشف عن الإيجاز المدهش الذي كان صفة التعبير العلمي في كتاب «الفهرست».
والفن الثاني أسماء الشرائع المنزلة، على مذاهب المسلمين ومذاهب أهلها. وملحوظٌ دقة تفكير النديم بتعدد الرؤى في الشرائع المنزلة فهي عند المسلمين لها صورة، وهي عند أهلها لها صورة أخرى؛ لأن الرؤى مختلفة والموقع منها مختلف، فقال كلاماً قليلاً وأضمر معاني كبيرة. والفن الثالث في نعت القرآن وأسماء الكتب المصنفة في علومه وأخبار القراء وأسماء رواتهم والشواذ من قراءاتهم. فكأن اللغات خزان يحفظ الأفكار البشرية والشرائع السماوية من غير تمييز للصحيح من العليل ، على أن الله ـ عز وجل ـ حفظ شريعة الإسلام بالقرآن الكريم بتعيين صحيح الشرائع الإلهية من زائفها.
أعمال الصرف والنحو واللغة
وأما المقالة الثانية فهي ثلاثة فنون جعلها في النحويين واللغويين. تناول في الفن الأول أخبار النحويين البصريين، وفي الثاني أخبار النحويين الكوفيين، وفي الثالث من جمع بين المذهبين، ولم يمل بجناحه إلى إحدى المدرستين.
التاريخ والسير والجغرافيا ومثلها
وأما المقالة الثالثة ففيها ثلاثة فنون في أخبار الأخباريين والملوك والندماء، وآدابهم وسيرهم وأنسابهم.
الشعر
وأما المقالة الرابعة ففيها فنان للشعر والشعراء تناول في الأول طبقات الشعراء المخضرمين وفي الآخر طبقات الشعراء الإسلاميين والشعراء المحدثين إلى زمنه.
علم الكلام
وأما المقالة الخامسة ففيها خمسة فنون جعلها في الكلام والمتكلمين، فنذر أولها لابتداء أمر الكلام والمتكلمين من المعتزلة والمرجئة، وثانيها لمتكلمي الشيعة والإمامية والزيدية والغلاة والإسماعيلية، وثالثها لمتكلمي المجبرة والحشوية، والرابع في متكلمي الخوارج وأصنافهم، والخامس في أخبار الزهاد والمتصوفة والمتكلمين على الوساوس والخطرات.
الفقه و الحديث
وأما المقالة السادسة فمجعولة للفقه والفقهاء والمحدثين، وجعلها في ثمانية فنون، ففي أولها أخبار مالك وأصحابه، وفي ثانيها أبو حنيفة النعمان وأصحابه، وفي ثالثها الشافعي وأصحابه، وفي رابعها داود وأصحابه، وفي خامسها فقهاء الشيعة، وفي السادس فقهاء أصحاب الحديث والمحدثين، وفي السابع أبوجعفر الطبري وأصحابه، وفي الثامن أسماء فقهاء الشراة. وهو لا يذكر العلماء في كل ما تقدم إلا وهو يثبت ما صنفوه من كتب.
الفلسفة و العلوم القديمة
وأما المقالة السابعة فمصروفة إلى الفلسفة والعلوم القديمة، وفيها ثلاثة فنون أولها للفلاسفة الطبيعيين والمنطقيين وكتبهم ونقولها وشروحها، وثانيها لأصحاب التعاليم والمهندسين وأصحاب الرياضيات والموسيقيين والحُسَّاب والمنجمين وصناع الآلات وأصحاب الحيل والحركات. وثالثها للطب والمتطببين القدامى والمحدثين وأسماء كتبهم ونقولها وتفاسيرها.
الأساطير و الحكايات و السحر
وأما المقالة الثامنة ففي الأسمار والخرافات والعزائم والسحر والشعوذة، وفيها ثلاثة فنون أولها في أخبار المسامرين والمخرفين والمصورين وأسماء الكتب المصنفة في الأسمار والخرافات، وثانيها في أخبار المعزمين والمشعبذين والسحرة وأسماء كتبهم ، وثالثها للكتب المصنفة في فنون شتى مما يجمعه الباب ولا يُعرَفُ مؤلفوها.
مقالات عن غير الموحدين أمثال الهندوس والبوذيين والصينيين وألمانيين
وأما المقالة التاسعة فقد حوت المذاهب والاعتقادات في فنين جعل الأول لمذاهب الحرانية الكلدانية المعروفين بالصابئة ومذاهب الثنوية من المنانية والديصانية والخرمية والمزدكية وغيرها، والآخر للمذاهب الغريبة الطريفة كمذاهب الهند والصين وغيرهم من أجناس الأمم.
الكيمياء=
وأما المقالة العاشرة ففيها أخبار الكيميائيين والصنعويين من الفلاسفة القدماء والمحدثين وأسماء كتبهم. مما تقدم يتبين أن هذا الكتاب محكم البناء جيد المنهج موصوف بالجودة والاستيعاب، غني بالرؤى والأفكار والعلوم على جهة الكثافة والتركيز، وهو أثر إنساني لا يخص العرب وحدهم بل يتعداهم إلى غيرهم من الأمم.
كما ضمنه آراءه عن أفلاطون و أرسطو و أصل كتاب ألف ليلة و ليلة و الأهرام والسحر والتطير وغيرها من مختلفات المواضيع.
- ^ عبد الكريم محمد حسين. "النديم (محمد بن إسحاق ـ)". الموسوعة العربية.