قمة رضوى
في صفر سنة 1364هـ/24 يناير سنة 1945م ، قام الملك فاروق بزيارة غير رسمية إلى المملكة العربية السعودية ، وتقابل العاهلان بالقرب من جبل رضوى، الذي يشرف على مدينة ينبع، وشكر الملك فاروق للملك عبدالعزيز تجاوبه مع مشروع الجامعة العربية التي أوعز بها الإنجليز. الزيارة جاءت قبل أسبوعين من مرور الرئيس الأمريكي فرانكلن روزڤلت ورئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل بمصر، حيث قابلا، كل على حدى، الملكين السعودي والمصري، وذلك في طريق عودتهما من مؤتمر يالطا. ورافق تشرشل وزير خارجية أنتوني إيدن، صاحب فكرة إنشاء جامعة الدول العربية.
في سهل منبسط بين شرم ينبع وجبل رضوى يوم 10/ صفر/ 1364 هـ الموافق 25/1/1945 ، أُقيمت خلال ثلاثة أيام مدينة كاملة من الخيام بسرادقات الجلوس والنوم والفُرش الوثيرة والمقاعد الضخمة الفخمة ، تتلألأ الأضواء في كل جانب منها نُقل كل ذلك الى هذا السهل الأجرد محمولاً من بلدان بعيدة ، يصحبه فريق كبير من العمّال ، وعدد من المُهندسين والاخصائيين بالاضاءة وتوزيع المياه وتنظيم الحُجر وتنسيق المفارش ، حيث قابل الملك عبد العزيز ضيفه ( فاروقاً ) آخر من حكم مصر من أسرة محمد علي.[1]
وكان من بواعث هذه الزيارة ، شعور الملكين بشدة الحاجة الى وضع حدّ لمخلّفات الماضي القريب ، واقامة سياسة ثابتة بين الدولتين على أسس من التعاون والتفاهم ، وكان من مظاهر الزيارة أن أمر الجامعة العربية ظلّ الى ذلك الحين ، بين المد والجزر ، كان للملك عبدالعزيز رأي ، وللاخرين من زعماء العرب اراء ، وتفاهم الملك عبد العزيز وضيفه ، على أمور كان من جملتها البت في انشاء الجامعة .
وصدرت في خلال الاجتماع أربعة بلاغات رسمية عن الديوان الملكي السعودي ، الأول في 12 صفر 1364 يشير الى أن التقاءهما كان في صباح الأربعاء المواقع 10/2/1364هـ الموافق 25/1/1945م، والثاني في اليوم نفسه ، بتبادل الأحاديث بينهما في المُخيم الملكي ، وان فاروقاً يتوجه بعد ظُهر ذلك اليوم الى المدينه المنورة ، والبلاغ الثالث في 14 / 2 / 1364 هـ الموافق 29 / 1 / 1945 م، ويذكر عودة الفاروق من المدينة الى مخيمه في سفح رضوى يوم 13 / 2 / 1364 هـ ، وأن المُحادثات استمرت في سرادق الملك عبدالعزيز الى منتصف الليل ، والبلاغ الرابع في 19 / 2 / 1364 هـ الموافق 2 / 2 / 1945م ، ويذكر تبادل الهدايا والأوسمة وتبادل العلمين السعودي والمصري باحتفال عسكري اشتركت فيه ثُلتان من الجيش السعودي وجيش البحرية المصرية رمزاً للصداقة بين البلدين .
ثم يُشير الى انتهاء الزيارة ، وان فاروقاً أبحر في الساعة العاشرة والنصف عربية من مساء ذلك اليوم عائداً الى مصر وليس في هذا كله مايشفُ عن روح الاحاديث ، وتبودلت في عشية اليوم نفسه برقياتان بين الملكين الأولى من يخت فاروق والثانية من سفح رضوى بالتحيات والتمنيات .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ماذا تم في المقابلة؟
وفي مساء اليوم الذي وصل فيه فاروق الى القاهرة 17 صفر 1364 الموافق 2 فبراير 1945م ، وزعت وزارة الخارجية المصرية على الصحف بياناً عن الرحلة شبه رسمي جاء فيه :
كانت الزيارة شخصية ولم تكن للبحث في موضوعات معينة ولكنها في الواقع كانت أعظم من أي زيارة رسمية أوسياسية يقصد بها حل مشكلة معينة لأنها دعمت ماتم من اتفاقات وفتحت الطريق امام اتفاقات جديدة وحلت أموراً ومكنت صداقة وأوجدت محبة وجعلت اتحاد العرب امراً ملموساً .
أصداء اللقاء
وكان للقاء صدى بعيد في كبريات الصحف العالمية أذكر على سبيل المثال فقرات منها :
قالت جريدة صنداي أوبزرڤر اللندنية :
أن اجتماع الملكين علامة متواضعة على أن هناك رغبة شديدة في توحيد البلدان العربية في الشرق الأوسط وهي علامة لم تكن منتظرة لأن العلاقات بين مصر والأسرة الوهابية ( كذا ) كانت على أضعف حلاتها منذ الحرب التي نشبت بين محمد على الكبير وراس الأسرة الوهابية في القرن الماضي فإذا كان سليلا هذين البيتين قد أتفقا على ما تقتضيه الضرورة في القرن العشرين ونسيا المنازعات القديمة فإنهما يستطيعان تغيير الموقف السياسي في الشرق الأوسط تغييراً تاماً .
وقالت ( التايمز ) :
ان اجتماع الملكين كان نتيجة عظيمة لمؤتمر الاتحاد العربي التمهيدي الذي عقد في مصر في آخر العام الماضي ، والمعروف انهما يشعران بضرورة توثيق العلاقات بين الدول العربية ولكن يلوح ان ملك المملكة العربية السعودية تناول هذا المشروع بشىء من الحذر على أن موافقته عملياً على البروتوكول تدل على انه يقدر تماماً الأهداف التي يرمي اليها القائمون بحركة الاتحاد العربي، وقد ترتب على ماله من نفوذ عظيم في جميع انحاء العالم العربي ان اصبح انضمامه الى البروتوكول بمثابة ضمان لإنشاء الجامعة نهائياً وقد لايكون من الأمور الهامة ان تكون زيارة الملك فاروق لغرض سياسي مقصود، ولكن من المحقق ان زيارة ملك مصر مع ماله من علاقات متينة بالعالم الغربي للملك عبد العزيز بن سعود وله المركز القوي في قاعدة العظمة العربية ستعود بأنفع النتائج .
وقالت النيويورك تايمز الأمريكية :
إن اجتماع الملكين له أهمية سياسية كبيرة في شؤون العالم العربي ولا خلاف في انه خطوة كبيرة لتحقيق امال العرب بالوحدة وله اهمية دولية عظيمة لأن مشاكل الشرق الأوسط تتناول العالم بأسره بما في ذلك قضايا فلسطين والنفط والطيران المدني والمنافسات في تلك البلاد المترامية الأطراف .
وقالت ( البورص ايجبسيان ) المصرية :
ان المشاورات العربية التي قامت بها حكومة الوفد قد اصبحت بعد اتفاق الملكين مهمة من مهام الدولة ، وكل الخلافات في وجهات النظر التي عجز رؤساء الوزارات عن التغلب عليها قد ذللها الملكان فيمكننا أن نقول اليوم ان الوحدة العربية على وشك ان تصبح حقيقة رسمية حية فعالة .
ثم تقول ( وسيكون اتفاق الملك فاروق مع الملك بن سعود فاتحة لاتفاق امير شرقي الاردن ووصي العراق ورئيسي جمهوريتي سورية ولبنان ) .
وفي الجورنال ديجيپت:
ان زيارة الملك فاروق للملك عبد العزيز قد فتحت الطريق امام الحكومات العربية للقيام بعمل سريع منتج يتناول جميع نواحي حياتها العامة ، ويؤكد الملك عبدالعزيز ان المبدأ الأساسي الذي يجب ان تقوم عليه الوحدة العربية هوالاستقلال الكامل لكل دولة ، والاحترام المطلق لحدودها وعدم اندماج دول في اية وحدة سياسية ، ولكنها وحدة روحية وتعاون في كل النواحي وتضامن في سبيل الدفاع عن كل من هذه الدول اذا هدمت .
وفي مجلة تايم الأمريكية:
لم يكن هذا الاجتماع مجرد رمز لاتحاد الطرفين وانما يبشر بالجامعة العربية نفسها وقد كان تحقيق انشاء هذه الجامعة من دون اشتراك المملكة العربية فيها كالسراب في الصحراء وما كان ذلك لمعارضة الملك ابن سعود لهذه الفكرة ولكن لأنه يعتقد ان الله قد عهد اليه بمهمة توحيد صفوف العرب جميعاً وجعلهم امة واحدة .
انظر أيضاً
الهامش
- ^ "قمة رضوى". فاروق مصر.