قصر الأفراح

قصر الأفراح
المؤلفمحمد عبد السلام العمري
البلدمصر
اللغةالعربية
الناشر
الإصدار2004

قصر الأفراح، هو كتاب من تأليف محمد عبد السلام العمري، نُشر في 2005.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فكرة الكتاب

انحازت الأعمال الروائية للروائي محمد عبد السلام العمري الى النسق التقليدي في الرواية العربية بما ينطوي عليه هذا الانحياز من قناعة بأهمية الدور الاجتماعي للإبداع، وقد ذهبت العديد من رواياته هذا المذهب، غير أن اللافت أن منطقة الخليج العربي حازت الجزء الأكبر من اهتماماته، وتعد رواية 'قصر الأفراح' نموذجا دالا على ذلك، لأنها تنكأ جرحا غائرا في اللحظة العربية الراهنة، هي الأكثر سوادا بكل المقاييس. وربما أصابت قارئ الرواية بأنواع من الهلوسة والكوابيس لأيام متصلة بفعل درجات العنف المتفاوتة التي تضج بها أحداث الرواية، وهي ليست كوابيس متصلة بفعل الوسواس القهري أو الخوف المؤجل، بل لأن الأحداث الروائية بكشفها عن درجات قبح لا متناهية تزيح بعيدا كل نظر جمالي وترسخ العمق الإنساني وتدفعه للوقوف في بؤرة المشهد بصرف النظر عن موقفنا منه سلبا كان أو إيجابا.

رواية العمري تشريح للقيمة البدوية بامتياز، هذه القيمة التي تحققت لها انتقالات شديدة السلبية عبر العقود الماضية بفعل الثروة والقوة المدعومتين بالجهل المروع والقسوة التي تجسدت في صهر الصحراء على مدار القرون. وسنجد صورا مختلفة لتلقي المجتمع الخليجي لرسالة العلم والتعليم والحب والعدل والحرية، وسنرى كيف تم انتهاك كل هذه القيم بفظاظة يعجز الخيال عن تصورها. ليس هذا فحسب، بل إن مجموع هذه القيم المجتمعية عادة ما يتم الترسيخ لها في إطار خدمة الفئات المنوط بها المال والقوة والنفوذ فتظل قيمة فئوية، يتم تفريغها من محتواها كلية، فإقامة الحد بقطع الرقبة بسيف السياف في القرن الحادي والعشرين يتم باسم الإسلام، وباسم الشريعة لكنه عادة ما ينفذ فيمن تريد السلطة التخلص منهم أو من الفقراء المعدمين، ويتم تفريغ القيمة الحقيقية للفعل ألا وهي إقامة العدل، وسنجد أمثلة غير محصورة داخل الرواية. تبدأ الرواية من رغبة حاكم المدينة في بناء مجمع قصور شديدة الفخامة لابنته الوحيدة نجوى الأميرة بالوراثة، انتظارا لقدوم ابن عمها الذي يتعلم في احدى الدول الأوروبية ليتم الزواج الذي رتبت له العائلة منذ سنوات، حيث تمت الخطوبة منذ طفولتهما على عادة الأسر الحاكمة. غير أن تداعيات كثيرة تحدث في الطريق لتفجر المشهد بكامله وتسوقه الى طريق أكثر سوداوية من كل التراجيديا الشكسبيرية. فنجوى الفتاة الرقيقة والجميلة التي ما زالت في مراحل تعليمية مبكرة تقع في غرام 'علي' الفتى ابن التاسعة عشرة، وهو وحيد رجل من أعيان المدينة ومالك لأكبر ترسانة لشحن البترول في البلاد وأكبر ترسانة لمصانع تجميع السيارات، كما انه ينحدر من عائلة كبيرة، لكن لا تسري في عروقها دماء شريفة، هي دماء الأسرة الحاكمة، وتستمر العلاقة السرية حتى تسفر عن حمل نجوى سفاحا في الوقت الذي كان أبوها ـ حاكم المدينة ـ قد أقام علاقة مع 'ميار' ابنة رجل مسن ووحيدته لكنه أيضا ينحدر من عائلة الراسي المعروفة، وميار هذه في الأصل رفيقة ابنة الحاكم نجوى، وهي العلاقة التي تسفر أيضا عن الحمل سفاحا، كل ذلك يتم وسط أجواء شديدة السرية في مجتمع مغلق يقدس القيمة البدوية للشرف ويبذل من أجلها كل مرتخص وغال. وعندما يتم افتضاح الأمر بالنسبة لكلا الضحيتين، يصاب حاكم المدينة الشيخ سالم بجنون الانتقام ويفكر في أقصى ما يمكن فعله في الفتى 'علي' الذي كانت جريمته الوحيدة هي الحب رغم انه عرض تقديم كل أملاك عائلته مهرا لنجوى ـ وهي أملاك لكثرتها أصابت الرجل بالهوس ـ غير أن ذلك لن يحدث أبدا ـ بل لن يحدث له مع أي امرأة أخرى ـ على حد تعبير الحاكم الذي قرر إنهاء حياة 'علي' وبالقانون.

أما أمها الأميرة الفاتنة فكان تعليقها فاضحا للفوارق الطبقية داخل المجتمع البدوي عندما قالت عن الفتى: كيف استطاع هذا الشاب تخطي كل هذه العقبات؟ وكيف واتته الجرأة، وكيف ساعدته أعصابه على أن يقوم بمثل هذا الفعل؟ تتساءل ألم يخف؟ ألم يحس بالفارق بين دم ودم، بين لحم ولحم؟ كيف تخطى كل هذه الحواجز النفسية والجسدية ؟! أما الشيخ الحاكم الذي كان مؤرقا بمشكلة حبيبته السرية ميار التي هددته بنشر الفضيحة على أوسع نطاق، فقد وجد لها الحل مؤخرا عندما قرر في سرية تامة بعد أن بدأ يراقب مهاتفات ابنته نجوى مع حبيبها علي، وعندما اتفقا على موعد جديد منع الفتاة من الخروج، في الوقت نفسه دعا حبيبته ميار الى نفس الموعد ونفس المكان الذي سيأتي إليه 'علي' تلبية لنداء الحب، وعندما حضرت ميار فاجأها بطعنة نافذة وترك خنجره في صدرها وألقاها على الأرض وانتحى جانبا مع قوة من الشرطة حتى دخل علي الذي تصور أن نجوى بانتظاره ففوجئ بفتاة أخرى مجندلة وعندما أخذته المفاجأة بما رأى ودقق النظر فوجئ بالشيخ وقوة البوليس يقبضون عليه بتهمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد.

يساق علي ابن التاسعة عشرة الى السجن ليلقى أشد أنواع التعذيب التي يمكن أن يلاقيها بشر غير انه يرفض الاعتراف بقتل فتاة لا يعرفها، ولم يقتلها في الحقيقة، وتعم المدينة شائعات ضخمة ومنشورات سرية ببراءة علي والعلم اليقيني بالفاعل الحقيقي، لكن قوة البطش تقطع الألسنة وتخرسها حتى يستمر مسلسل التعذيب الذي يصوره المؤلف في أبشع صورة ممكنة. في الوقت نفسه تذهب نجوى وأمها بجوازات سفر تحمل أسماء وهمية الى القاهرة لتفتيت جنينها بالموجات الصوتية حتى تتخلص منه وينتهي الأمر بعد ذلك بالزفاف الكبير في مجمع القصور، وهو زفاف لا يمكن أن تحيط به أسطورة مهما كانت لفداحة التكاليف ومظاهر البذخ التي يمكن أن يغطي نصفها ميزانية دولة عالم ثالثية. غير أن حفل الزفاف الذي أقيم في نفس يوم مقتل علي بسيف السياف، كان موعدا مع الانتقام الرهيب أيضا. حيث تقبع في الخلفية ثارات عائلية قديمة لا تنتهي بين عائلة حسين الشريف الأب، وبين عائلة الشيخ سالم حاكم المدينة، وهي الثارات التي توّجها مقتل 'علي' على هذا النحو المأساوي والذي تيقن معه حسين الشريف والمدينة كلها أن الحاكم هو مدبرها الحقيقي. وفي نهاية ليلة العرس تحيط شاحنات البترول الضخمة بمجمع القصور لتفرغ كميات هائلة من البنزين الذي يصل عمقه في بعض المناطق المحيطة الى ستين مترا ثم تشتعل النيران لتأتي على الأخضر واليابس.

هذه هي الصورة البانورامية التي تدور فيها أحداث رواية 'قصر الأفراح' لمحمد عبد السلام العمري، حيث تتضافر فيها قدرات السرد الروائي مع اللغة الخاصة، الحادة والشفيفة لتقديم عالم فريد وخاص ومليء بالزخم والقوة والإثارة. وتبدو القدرة الخاصة لدي الكاتب في إمكانية تحويل هذا الخطاب الصارخ بالألم الى دراما سردية متناغمة ومؤتزرة تعيد قراءة الواقع الخليجي بوعي كامل ومعرفة خاصة ومعمقة.

فصورة التعليم في المكان الروائي تبدو مدعاة للسخرية والألم في الوقت نفسه، فمدرسة البنين تشهد تجاوزات غير محصورة تصل الى قيام أحد المدرسين الوطنيين بخلع أظافر تلميذ بكماشة حتى يجبره على التعليم، وذلك يتم تحت شعار أهمية تخريج كوادر متعلمة من أبناء الوطن حتى يحلّو محل الأجانب (المصريين تحديدا) الذين افسدوا الكثير. أما مدرسة البنات التي تنتشر فيها ظواهر مفزعة مثل ظاهرة القيء الجماعي، وارتداء احدث خطوط الموضة والتعاطي مع عطور وماكياجات مرعبة وتقتصر الاهتمامات على شؤون البنات مع الرجال والزوجات مع الأزواج وتبادل الخبرات في هذا السياق كيفما اتفق. وعندما تتفاقم المشكلات بسبب المشاجرات المستمرة بين الطالبات والمدرسات واكتشاف أكثر من طالبة في حالة حمل سفاحي تعقد إدارة التعليم العام اجتماعا لبحث المشكلة وتقترح مدرسة مصرية عددا من الاقتراحات التي من شأنها شغل البنات بالتفكير في أشياء أبعد من اهتماماتهن الصغيرة مثل تكوين فريق للكشافة والكرة والتمثيل والغناء، غير أن الاقتراحات تكاد تودي بمستقبلها وإنهاء تعاقدها وترحيلها بدعوى أنها اقتراحات فاجرة وتفسد أخلاق البنات. غير أن الضغوط تجبر المدرسة على الأخذ ببعض هذه المقترحات وعندما يتم بناء فريق للتمثيل والبدء فعلا في نشاط مكثف داخل المدرسة والوصول الى صيغة لعمل فعلي وتقديم مسرحية لفريق التمثيل في نهاية العام الدراسي يأتي المطوعون أو جماعة الأمر بالمعروف كما يسمون أنفسهم ليدمروا كل شيء ويطيحون بحلم البنات والمدرسات بشكل يصل الى جرهن من شعورهن على الأرض وضربهن ضربا مبرحا بدعوى الفجور والفساد.

في المقابل نرى صورة هي الأشد تناقضا في عرس ابنة حاكم المدينة، حيث يتم ارتكاب كافة أنواع الفواحش على مرأى ومسمع كل من أجهزة الدولة وبحضور كبار شيوخ القبائل وكبار رجال الدين بما في ذلك تعاطي الحشيش الى درجة أدت بالجميع الى الغياب الفعلي والسكر البين، بمن في ذلك النساء، حيث كانت تمتد الأيدي إليهن بخراطيم الشيشة المجهزة بالدخان والفحم والحشيش حتى سكرن أيضا وتطوحن تطوحات خيالية. أما صورة التطور المجتمعي فتظل لصيقة بالطابع البدوي الذي يجعل الخيمة لصيقة بالقصر، والخوف من العلم والتعليم شيئا موروثا ومتغلغلا في مواقف السلطات . فالأمير الصغير القادم من الخارج عريسا لنجوى يمنع في المطار من إدخال كرتونتين من الكتب لأن التقارير التي وصلت الى أهله عن فترة تعليمه في الخارج أشارت الى أن أهم ما يقلق في شأن هذا الصبي انه بدأ يقرأ، وهي أزمة كبرى تعني انه على أبواب المعرفة، وكأن السلطة هنا لا بد أن تكون ضد المعرفة أو هي بالتحديد رديف الجهل. كذلك تتجلى صورة البذخ المروع في الإنفاقات الشرهة على كل شيء في المأكل والملبس والمشرب والتمتع غير المعقول بكل معطيات الحضارة والمدنية مع ازدرائهما في الوقت نفسه، واستخدام طاقة بشرية هائلة من كل الأجناس لتوفير هذه الخدمات، وفي نفس الوقت يتم التعامل معهم كخدم. على جانب آخر نرى الوضع الكارثي للحريات الإنسانية بكافة مستوياتها في قصة بطل الرواية علي بن حسين الشريف وكذلك إهدار كافة القيم الجميلة مثل قيمة الحب بالصورة التي رأيناها في سلوك حاكم المدينة الشيخ سالم. إن رواية 'قصر الأفراح' كاشفة بشكل عميق عن مأساة حقيقية في بطن المجتمع العربي الراهن عامة والخليجي على نحو خاص، وهي مأساة تبدو اظهر من أي وقت مضى. لأن سؤال الوجود مطروح لايفتأ أن يتحدد مع كل أحداث الرواية. وستبقى، بالطبع، للرواية وللإبداع عموما قيمته وقدرته الخلاقة على افتضاح الكثير من القبح الذي يكلل خطواتنا كل يوم، هذا القبح المدعوم بأعتى أنواع الأسلحة وأعتى أنواع الجهل.

وأظن أن القيمة التي كان يبحث عنها محمد عبد السلام العمري وبطله الفتى 'علي بن حسين الشريف' ستظل حية وقوية وان أودت بكثيرين قبلهما وكثيرين بعدهما، هذه القيمة التي غنت لها نجوى حبيبته وهي تداعبه:

علي عليوة بناله في الجبال أحواش
بده يحوش الهوى
هو الهوى ينحاش؟!


المصادر

  • محمود قرني (2012-06-21). "محمد عبد السلام العمري في ذكراه الثانية: رصيد كبير من الروايات اللاذعة". صحيفة القدس العربي.