قرارات سبتمبر السوداء 1981
قراات سبتمبر السوداء، هي قرارات أصدرها الرئيس المصري السابق أنور السادات في سبتمبر 1981، باعتقال جميع القيادات السياسية والدينية والطلابية بجميع انتماءاتها ومراكزها وأعمارها، وعددهم 1500 شخص؛ وإغلاق كل الصحف غير الحكومية.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
حملة الاعتقالات
يقول محمد حسنين هيكل في كتابه خريف الغضب إن عملية الانقضاض بدأت فجر يوم 3 سبتمبر عقب عودة السادات من واشنطن، وكان الانقضاض من خلال حملة اعتقالات واسعة شملت 3 آلاف شخص، وكانت بعض الاعتقالات بين صفوف الشباب من الطلبة وأعضاء الجماعات الدينية سهلة نسبيا، ولكن اعتقالات الساسة والمثقفين وعدد من القيادات الدينية من المسلمين والمسيحيين، جرى تخطيطها بعمليات شبه عسكرية.[1]
خطاب السادات
السادات وجه بيان للشعب، مشيرا لفئة من الشعب تحاول إحداث الفتنة الطائفية، وأن الحكومة حاولت نصح تلك الفئة أكثر من مرة، وأن الآونة الأخيرة شهدت أحداثا هددت وحدة الوطن واستغلتها تلك الفئة وسلكت سبيل العنف وتهديد الآمنين، أو حاولت تصعيد الأحداث، الأمر الذي – والحديث للسادات – يستلزم إعمال المادة 74 من الدستور المصري والتي تنص علي أن لرئيس الجمهورية إذا قام خطر يهدد الوحدة الوطنية أو سلامة الوطن أو يعوق مؤسسات الدولة عن أداء دورها الدستوري أن يتخذ الإجراءات السريعة لمواجهة هذا الخطر، ويوجه بياناً إلي الشعب ويجري الاستفتاء علي ما اتخذه من إجراءات خلال ستين يوماً من اتخاذها".
جاء في القرار حظر استغلال الدين لتحقيق أهداف سياسية أو حزبية، والتحفظ على بعض الاشخاص المشاركين في "تهديد سلامة الوطن" باستغلال الأحداث الجارية، التحفظ على أموال بعض الهيئات والمنظمات والجمعيات التي فعلت الشيء نفسه، حل جمعيات مشهرة إذا هددت سلامة الوطن ، إلغاء التراخيص الممنوحة بإصدار بعض الصحف والمطبوعات مع التحفظ على أموالها ومقارها ، نقل بعض أعضاء هيئة التدريس والجامعات والمعاهد العليا الذين قامت" دلائل جدية علي أنهم مارسوا نشاطاً له تأثير ضار في تكوين الرأي العام، أو تربية الشباب أو هدد الوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي أو سلامة الوطن" ، نقلهم إلي الوظائف التي يحددها الوزير ، وكذا نقل بعض الصحفيين وغيرهم من العاملين في المؤسسات الصحفية القومية وبعض العاملين في اتحاد الإذاعة والتليفزيون والمجلس الأعلى للثقافة الذين قامت دلائل جدية علي أنهم مارسوا العمل نفسه .
فند الرئيس السادات الأسماء المعتقلة كما يلي وفق خطابه، " جماعة تكفير وهجرة 469، جماعات إسلامية 235، تطرف ديني 100 من إخوان مسلمين وأعضاء جمعيات دينية إسلامية وأئمة مساجد متطرفين، مثيرو شغب وتعصب واعتداءات متبادلة مسلمين ومسيحيين 259، قيادات مسيحية متعصبة ومتطرفة 107، 240 مثيرو شغب ومجرمين من أصحاب السوابق الجنائية، متهمون بحوادث الزاوية الحمراء 57 ، 36 من الأحزاب التي أسماها المناهضة ولم يعترف بكلمة "معارضة" منهم 16 حزب التجمع، 7 من حزب العمل، 3 وفد ، إضافة ل12 مضبوطين بتهمة التخابر مع السوفييت.
المعتقلون
أبعد الرئيس السادات البابا شنودة الثالث من منصبه كبابا لكنيسة الإسكندرية وكبطريرك للكرازة المرقسية، وكان على رأس الذين تم اعتقاله الكاتب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل، رغم أنه ظل لسنوات طويلة صاحب علاقات وثيقة بدائرة صنع القرار السياسي في مصر، اختلف هيكل بعد حرب أكتوبر 1973 مع الرئيس السادات حول التعامل مع النتائج السياسية لحرب أكتوبر، واتخذ الرئيس قراراً بتعيينه مستشاراً، واعتذر عن قبول المنصب وتفرغ للكتابة، وكان كل ما يكتبه ينشر خارج مصر وهو يعيش داخلها.
وكان فؤاد سراج الدين على رأس الذين ألقي القبض عليهم لأنه شبه السادات بالملك الفرنسي لويس السادس عشر ، وقال إن ثورة يوليو أخطأت عندما لم تعدمه ، أسس سراج الدين حزب الوفد الجديد 1978 ثم جمد وعاد عام 1983 ليظل سراج رئيسه حتى وفاته في 2000.
من الوجوه المعتقلة مصطفى بكري رئيس تحرير جريدة الأسبوع، وحمدين صباحي رئيس تحرير جريدة الكرامة، حيث لعبا دورا رافضا لمعاهدة كامب ديفيد، والقيادي الإخواني وعضو مكتب الإرشاد بمصر الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح، وسر شهرته هو حواره مع الرئيس الراحل السادات عام 1978، حيث فاجأ أبو الفتوح- ويشغل منصب رئيس اتحاد طلاب الجامعات المصرية- الرئيس السادات بأن قال له أنه مثله مثل كل الشباب يسمع من الرئيس أننا نعيش في بلد العلم والإيمان، لكن الواقع يؤكد عكس ذلك، و هو ما أدى لغضب السادات بصورة كبيرة، ومن بين الكتاب المعتقلين صافيناز كاظم وتقول: "انتهى الخطاب وقد أدركنا أننا وقعنا في يد المجهول. منعت عنا كل الحقوق، فلا زيارات، ولا طعام إلا طعام السجن غير المناسب للاستهلاك الآدمي، وبالطبع لا صحف ولا رسائل إلخ.".
أيضا تضمنت القائمة فتحي رضوان، الشيخ المحلاوي، نوال السعداوي، فريدة النقاش، وشاهنده مقلد، والدكتورة أمينة رشيد، حفيدة إسماعيل صدقي باشا رئيس الوزراء في العهد الملكي، وأستاذة الأدب الفرنسي بكلية الآداب جامعة القاهرة، والمعروفة بفكرها الماركسي، إلى جانب د. عواطف عبد الرحمن الأستاذة بكلية الإعلام، د. لطيفة الزيات، ومن كلية الآداب المنقولين لمؤسسات حكومية الدكتور عبد المحسن طه بدر، ود. عبد المنعم تليمة ود. جابر عصفور ود. سيد البحراوي ود. صبري المتولي ود. حسن حنفي.
نقد
رأي السادات
برر السادات تلك الاعتقالات بعدم إعطاء إسرائيل ذريعة للتنصل من تنفيذ تعهداتها بالإنسحاب من سيناء، لأن رئيس الوزراء الإسرائيلي وقتها مناحم بيگن قال للرئيس السادات كيف نضمن استمرار مصر في الالتزام بالسلام معنا بينما هناك معارضة شديدة له؟ وكان الرئيس السادات ينوي اخراج هذه القائمة من المعتقل عقب تنفيذ إسرائيل لوعدها بالإنسحاب، وتصاعدت الأزمة التي أدت لاغتيال السادات في السادس من أكتوبر سنة 1981 أي بعد 33 يوما من الاعتقالات.
الصحف المصرية
واختلف تأريخ الصحف القومية لهذا الحدث وملابساته، حيث وصفته صحيفة الجمهورية بأنه ثورة جديدة للسادات، في حين ركز موسى صبري في الأخبار على أنها قرارات لضرب الفتنة، وسمتها الأهرام ثورة العمل الداخلي.
رأت جريدة الدستور أن السادات أراد عندما أصدر أوامره باعتقال كل النخبة السياسية والحزبية والصحفية والفكرية والدينية المعارضة له أن يضع خصومه جميعا في سلة واحدة داخل السجن وخلف أسواره بدعوى حماية الوحدة الوطنية وتأمين المجتمع في انتظار استكمال الانسحاب الاسرائيلي من شبه جزيرة سيناء تنفيذا لمعاهدة السلام التي وقعها مع مناحم بيجن رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل عام 1979 في كامب ديفيد برعاية الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر.
كانت مبررات السادات وقتها أنه لا صوت يجب أن يعلو علي صوت المعركة، معركة ترتيبات معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، لأنه كان يخشي أن تتخذ إسرائيل من هذه الأجواء حجة للتهرب من عدم تنفيذ ما وقعت عليه معه.
الصحف الأجنبية
صحيفة جارديان البريطانية ، ربطت بين الاعتقالات وحادث المنصة، وذكرت أن الرئيس السادات على الرغم من أنه كان مسلما يؤدي الشعائر الدينية إلا أن مجموعة اغتيال انتحارية نفذت القتل فيه ، وعلى الرغم من أنه هو الذي أطلق الجماعات الإسلامية من قمقمها .
وزير الاعتقالات
النبوي اسماعيل وزير داخلية مصر أثناء أحداث سبتمبر 1981، في حوارات عدة أجرتها معه صحف مستقلة مثل المصري اليوم والدستور، قال أن بعض الدول العربي الرافضة لسياسة السادات كانت خلف ثورة المعارضة عليه، مستخدمة الفتنة الطائفية والإرهاب للضغط على مصر، وكان لابد من إسكات المعارضة مؤقتا حتى يتم الانسحاب الإسرائيلي وجلاء آخر جندي إسرائيلي كما هو مقرر في أبريل 1982.
واقترح بعض الحاضرين أثناء اجتماع السادات برجال الدولة، وكان رأي البعض العودة للعمل بقانون الطواريء، ولكن لم يحدث لأنه كان قد ألغي في وقت قريب ، فاضطر السادات لاستعمال حقه الدستوري، المشار له آنفا، والذي استعمله من قبل في احداث الشغب التي وقعت في يناير 1977 واعتقل المتسببين في الأحداث .
رأي إسرائيل
وعلق مناحم بيگن رئيس وزراء إسرائيل في وصفه للمعتقلين "إنهم أعداء للسلام، لأنهم ينشرون الكراهية لكل الأديان والأمم الأخري، ولدينا ثقة في قرار الرئيس السادات المؤمن المخلص لدينه، ويسعدنا أنه استنتج أنهم يمثلون خطرا مباشرا علي دينه الإسلام والسلام والمؤسسات التي رسخها في مصر".