فخر الدين المارديني
فخر الدين المارديني ( 512 - 594هـ)، هو الإمام فخر الدين أبو عبد اللّه محمد بن عبد السلام بن عبد الرحمن بن عبد الساتر الأنصاري ، كان أوحد زمانه وعلامة وقته في العلوم الحكمية قوي الذكاء فاضل النفس جيد المعرفة بصناعة الطب محاولاً لأعمالها كثير التحقيق نزيه النفس محباً للخير متقناً للغة متفنناً في العربية مولده في ماردين وأجداده من القدس وكان أبوه قاضياً ولما فتح نجم الدين الغازي بن أرتق القدس بعث جده عبد الرحمن إلى ماردين وقطن بها هو وأولاده.
وكان شيخ فخر الدين المارديني في الحكمة نجم الدين بن صلاح وهو نجم الدين أبو الفتوح أحمد بن السري وكان عجمياً من همذان استدعاه حسام الدين تمرتاش بن الغازي بن أرتق وكان ابن الصلاح فاضلاً في الحكمة جيد المعرفة بها خبيراً بدقائقها وأسرارها وله تصانيف في الحكمة وأقام في آخر عمره بدمشق وتوفي رحمه اللّه ودفن في مقابر الصوفية عند نهر بانياس بظاهر دمشق وقرأ فخر الدين المارديني صناعة الطب على أمين الدولة بن التلميذ وحدثني الحكيم سديد الدين محمود بن عمر المعروف بابن رقيقة عن فخر الدين الماردين أنه قرأ كتاب القانون لابن سينا على أمين الدولة بن التلميذ وباحثه فيه وبالغ في تصحيحه وتحريره معه وكان ابن التلميذ يقرأ عليه صناعة المنطق ومما قرأ عليه في ذلك كتاب المختصر الأوسط للجرجاني لابن سينا وأقام فخر الدين بن عبد السلام المارديني في مدينة حيني سنين كثيرة وكان في خدمة نجم الدين بن أرتق قال سديد الدين محمود بن عمر.
وكان قد صحب فخر الدين المارديني في مدينة حيني وقرأ عليه صناعة الطب ولازمه مدة طويلة ولم يكن يفارقه في سفره ولا حضره إن الشيخ فخر الدين المارديني رحمه اللّه وصل إلى دمشق وكنت معه في سنة سبع وثمانين وخمسمائة وأقرأ بها صناعة الطب وكان له مجلس عام للتدريس وكان من جملة من اشتغل عليه ولازمه مدة مقامه بدمشق الشيخ مهذب الدين عبد الرحيم بن علي وقرأ عليه الشيخ مهذب الدين بعض كتاب القانون لابن سينا وصححه معه ولم يزل الشيخ فخر الدين المارديني مقيماً بدمشق إلى آخر شهر شعبان سنة تسع وثمانين وخمسمائة فإنه توجه قاصداً إلى بلده ولما عزم على السفر أتاه الشيخ مهذب الدين وسأله إن كان يمكنه أن يقيم بدمشق ليتمم عليه قراءة كتاب القانون وأن يكون يوصل إلى وكيله برسم النفقة في كل شهر ثلثمائة درهم ناصرية فلم يفعل وقال العلم لا يباع أصلاً بل من كان معي فإنني أشغله أين كنت ولم يمكن مهذب الدين التوجه معه ولما سافر فخر الدين المارديني من دمشق وكان في طريقه بحلب نفذ إليه الملك الظاهر غازي بن الملك الناصر صلاح الدين واستحضره وأعجبه كلامه فطلب أن يقيم عنده فاعتذر إليه ولم يقبل منه الملك الظاهر ذلك وأطلق له مالاً كثيراً وأنعم عليه وكان عظيم المنزلة عنده وبقي في خدته نحو سنتين ثم سافر إلى ماردين.
ووقف جميع كتبه في ماردين في المشهد الذي وقفه حسام الدين بن أرتق وكان حسام الدين هذا فاضلاً حكيماً فيلسوفاً وقد وقف أيضاً في مشهده كتباً حكمية والكتب التي وقفها الشيخ فخر الدين هي من أجود الكتب وهي نسخه التي كان قد قرأ أكثرها على مشايخه وحررها وقد بالغ في تصحيحها وإتقانها. وحدثني سديد الدين محمود بن عمر وكان حاضراً عند الشيخ فخر الدين المارديني وقت موته قال لم يزل الشيخ فخر الدين لما أحس بالموت يذكر اللّه تعالى ويمجده ولم يفتر عن ذلك إلى حين قضى وكان آخر شيء سمعناه منه اللّهم إني آمنت بك وبرسولك صدق أن اللّه يستحي من عذاب الشيخ.
ولفخر الدين المارديني من الكتب شرح قصيدة الشيخ الرئيس بن سينا التي أولها هبطت إليك من المحل الأرفع وكان شرحه لهذه القصيدة لما سأله الأمير عزّ الدين أبو القاسم الخضر بن أبي غالب نصر.