غيلان بن مسلم القدري
غيلان بن مسلم القدري |
---|
غَيلان بن مُسْلم القَدَرِيُّ الدِّمشقيُّ، أبو مروان (ت. 105هـ/723م)، لُقِّبَ القَدَرِيّ لقوله بالقَدَر، وتُنْسَبُ إليه الفرقة الغيلانية. أصله قبطي من مصر، كان أبوه قد أسلم و صار من موالي عثمان بن عفان[1].
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
القدرية
وسُـمِّيَت القَدَرِيَّة لقول دُعاتِها إنَّ كلَّ ما يفعلونه قدَّره اللهُ تعالى عليهم سـواء أكان خيراً أم شرّاً، وأكثروا التَّفكيرَ في القَدَرِ، وبالغوا في القول فيه.
الغَيلانية
والغَيْلانِيَّة أتباعُ غَيلان ممَّن أخذوا بقوله في القَدَر. ذكرَ الشَّهْرَسْتانيُّ أنَّ غَيلان «أوَّل من أحدثَ القولَ بالقَدَر»، والصَّوابُ أنَّه أخذَ القولَ فيه عن معبد الجهني، وروى الذَّهبيُّ عن محمَّد بن شُعيب قال: «سـمعْتُ الأوزاعي يقول: أوَّل من نطقَ في القدر سوسن بالعراق… أخذَ عنه مَعْبَد، وأخذ غَيلانُ القَدَريُّ عن مَعْبَد».
نشأته
ولد وعاش في مدينة دمشق التي نُسب اليها، وارتحل في طلب العلم فدرس على الحسن بن محمد بن الحنفية في المدينة، و درس الفقه على الحسن البصري في البصرة. عاش غيلان في دمشق في زقاق فقير بقرب أحد أبواب دمشق اسمه باب الفراديس، و يقول يوسف زيدان: ((و أظنه كان محاطاً هناك بمناخ مسيحي عتيد))[2].
نبوغه
اشتهر غيلان بين جيرانه ومعاصريه بصلاحه وتقواه وورعه. ويعد من أعلام الوعاظ والخطباء والكتاب البلغاء، يضعه العلماء والمؤرخون في الطبقة الأولى من الكتاب (مع ابن المقفع، وسهل بن هارون، وعبد الحميد)[3]، وله رسائل - ضاعت - يقول عنها ابن النديم أنها بلغت ألفي صفحة[4]!
وكان غيلان على صلة بالخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز، حيث عهد اليه برد مظالم من سبقه من أمراء بني أمية، فكان غيلان ينادي لبيعها للناس في المدينة و يقول: تعالوا إلى اموال الظلمة، تعالوا إلى أموال الخونة! وقد وصلت هذه الكلمات العنيفة إلى مسامع هشام بن عبد الملك - الذي سيصبح خليفة فيما بعد - فقال: هذا يعيبني ويعيب آبائي, والله إن ظفرت به لأقطعن يديه ورجليه[5].
بدعته
مذهب غيلان الكلامي هو أنه قرر ما سبقه اليه معبداً القائل بالحرية الإنسانية، فصار يخالف في الوقت ذاته ما كان الأمويون يروجونه من الجبرية، و من تقريرهم أن كل ما كان، و ما هو كائن، و ما سيكون مستقبلاً، إنما هو أمر الله و قدره؛ مبررين بذلك حكمهم للناس، و معفين انفسهم عن التغييرات التي أحدثوها في نظام الحكم الإسلامي[3]. غير أن غيلان ناقضهم في ذلك حين قرر أن الإنسان مختار ، و انه سوف يحاسب على اختياره، و هو القول الذي توسع فيه المعتزلة فيما بعد، و تحول على أيديه إلى نظرية في الحرية الإنسانية تضاد مذهب الجبرية و ترد عليه بالأدلة النقلية و العقلية.
و كان رأي غيلان في الخلافة و الإمامة موافقاً لرأي الخوارج: أنها تصلح في كل من يجمع شروطها، و لو لم يكن من قبيلة قريش مخالفاً بذلك بني امية و الشيعة على حد سواء، فكان يقول: ((كل من كان قائماً بالكتاب و السنة فهو مستحق لها، و لا تثبت إلا بإجماع الامة))[3].
اعدامه
كان من شأنه أنْ قدَّمه الخليفةُ عُمَرُ ابن عبد العزيز أوَّل الأمر، ثمَّ عَلِمَ بقوله في القَدَر فساءه ذلك منه، فأرسل في طلبه، واجتمعَ إياس بن معاوية وغَيلانُ عند عمر بن عبد العزيز، فناظرَ بينهما، فقهرَه إياس ومازال يحصرُه في الكلام حتَّى اعترف غَيلان بالعجز وأظهر التَّوبةَ، فدعا عليه عُمَرُ بن عبد العزيز إنْ كان كاذباً في توبته. ولمَّا توفِّي عُمَرُ بن عبد العزيز عاد غَيلان إلى مقالته.
بعثَ إليه هشام بن عبد الملك بن مروان فنهاه عن القول في القدر، فقال: «يا أمير المؤمنين ابعثْ إليَّ من يكلِّمُني ويناظرُني بين يديك فإنْ ظَفرَ بي فاقتلني، فبعث هشام بن عبد الملك إلى الأوزاعي فأتاه، فقال الأوزاعيُّ لغيلان: أسألك أم تسألني، فقال له القدري: سلني ولا تكثر، فقال له الأوزاعي: أسألك عن أربعة أشياء، هل علمْتَ أنَّ الله قضى على ما نهى عنه؟ فقال له: قضى على ما نهى عنه ما عندي من هذا علمٌ، فقال له الأوزاعيُّ: هل علمْتَ أنَّ الله حالَ دون ما أمرَ به؟ فقال القَدَرِيُّ: هذه أعظمُ من الأُولى، ما عندي من هذا علم. فقال الأوزاعيُّ: هل علمْتَ أنَّ الله أعانَ على ما حرَّمَ؟ فقال القَدَرِيُّ: هذه أعظمُ من الاثنتين، ثم قال هشام بن عبد الملك للأوزاعيِّ: يا أبا عمرو تكلَّمْتَ ففسِّـرْه، فقال الأوزاعيُّ: سألْتُه عن ثلاث كلماتٍ من كتاب الله تعالى، قلت له: هل علمْتَ أنَّ الله تعالى قضى على ما نهى عنه، أَنَهَى آدمَ عليه السَّلام عن أَكْلِ الشَّجرةِ وقضى عليه بأَكْلِها؟! وقلْتُ له: هل علمْتَ أنَّ الله حالَ دونَ ما أمرَ به؟ أأمرَ إبليسَ بالسُّجود وحالَ بينه وبين ذلك؟! وقلْتُ له: هل علمْتَ أنَّ الله عزَّ وجلَّ أعانَ على ما حرَّمَ؟ حرَّمَ الميتة وأعانَ المضطَّرَ على أَكْلِها. ثم قال هشـام للأوزاعي: أخبرني عن الرَّابعة ما هي؟ قال: كنْتُ أقول له أخبرني عن مَشيئَتِكَ، أهي مُتَّفِقَةٌ مع مشـيئةِ الله أو مشيئتكم دون مشـيئة الله تعالى». قتله هشامُ بن عبد الملك بن مروان، وصلبه على باب كَيْسـان بدمشقَ.
موقف العلماء من قتله
كان أستاذه الحسن بن محمد بن الحنفية قد تنبأ له بهذا المصير عندما أشار اليه فقال: ((أترون هذا؟ .. انه حجة الله على أهل الشام (يعني يني امية) .. ولكن الفتى مقتول!)). أما خصومه - من علماء السلطان - ففرحوا بمقتله وقالوا: ((إن قتله أفضل من قتل ألفين من الروم!))[3]. أما الآجري و ابن عساكر فيرددان عبارة الإمام مكحول الشامي - المعاصر لغيلان - حيث قال عنه: ((لقد ترك غيلان هذه الامة، في لجج مثل لجج البحار))[6].
قال عبد القاهر البغدادي: «كان غَيلانُ القَدَرِيُّ يجمع بين القـدر والإرجاء، ويزعم أنَّ الإيمانَ هو المعرفة الثَّانيـة بالله تعالى… وزعـمَ أنَّ المعرفةَ الأولى اضطرارٌ وليس بإيمان»، وذكرَ عضد الدين الإيجي في «المواقف» نحو ذلك من جَمْعِهِ بين القَدَرِيَّة والمُرْجِئَةِ، ثم قال: «واختصَّ غَيلانُ بالقَدَرِ»، وذلك لغَلَبَةِ القَدَرِيَّة عليه.
المصادر
- أسامة اختيار. "غَيلان بن مُسلم القَدَرِيّ". الموسوعة العربية.
- ^ ابن بطة العكبري، الإبانة الكبرى
- ^ يوسف زيدان، اللاهوت العربي، ص:161-164.
- ^ أ ب ت ث محمد عمارة، مسلمون ثوار
- ^ ابن النديم، الفهرست
- ^ ابن عساكر، تاريخ دمشق، ج:48، ص:186-212.
- ^ الآجري، كتاب الشريعة، ص:975
للاستزادة
- الشهرستاني، المِلَلُ والنِّحَل (دار المعرفة، بيروت 1983م).
- شِيْثُ بن إبراهيم، حزّ الغَلاصم وإفحام المُخاصم عند جريان النَّظَر في أحكام القَدَر (مؤسسة الكتب الثَّقافيَّة، بيروت 1985م).
- عبد القاهر بن طاهر البغداديّ، الفَرْقُ بين الفِرَق (دار الآفاق الجديدة، بيروت 1977م).
- عضد الدِّين الإيجيّ، المواقف (دار الجيل، بيروت 1997م).
- الذهبي، سير أعلام النبلاء، تحقيق مجموعة باحثين (مؤسسة الرسالة، بيروت د.ت).