علم الجماجم
إيهاب عبد الرحيم محمد ساهم بشكل رئيسي في تحرير هذا المقال
|
علم الجماجم Craniometry
لسنوات طويلة، ظلت سمعة هذا العلم ملوثة لارتباطها بالعنصرية وبالنازية. أما الآن، فبالرغم من ماضيه المخزي، يقف هذا العلم الجديد-القديم شامخا برأسه كعلم جاد.
وصلت الجمجمة في صندوق من الكرتون إلى متحف لندن للتاريخ الطبيعي…في البداية، لم يكن فيها شيء غريب بالنسبة للباحثين في المتحف… كان ضابط الشرطة الذي كان يحملها لم يكن يرتدي زيه الرسمي…وبالنسبة لأعضاء مجموعة الأصول البشرية بالمعهد، لم تكن رؤية المخبرين مألوفة لديهم، كما لم يكن علمهم متعلقا بالجريمة ولا بالبقايا البشرية لأناس معاصرين.
كانت البقايا المطلوب دراستها قد عثر عليها من قبل عمال بناء أثناء حفرهم في حديقة كارديف اللندنية. بدا الأمر وكأنه جريمة قتل ، لذلك فقد طلبت الشرطة من خبراء المعهد مساعدتهم في تحديد هوية صاحب الجثة. وبالتالي، أخذ الباحثون 33 قياسا مختلفا للجمجمة، ثم استخدموا برنامجا للكمبيوتر يطلق عليه اسم CRANID لمقارنة تلك القياسات بمثيلاتها المأخوذة من 2500 جمجمة تمثل أكثر من 60 مجموعة عرقية من جميع أنحاء العالم. وفي غضون دقائق، أظهر البرنامج أن الجمجمة تعود في الغالب إلى أنثى قوقازية من أصول مختلطة (بريطانية وغير بريطانية). وقد منح ذلك الشرطة معلومات بالغة الأهمية عن لون البشرة ونوع الشعر المحتملين ، بالإضافة إلى إمكانية إعادة تشكيل ملامح الوجه. وبعد أيام من نشر الصورة المعاد تكوينها بالكمبيوتر لصاحبة الجمجمة ، تم التعرف على الضحية… كانت لمراهقة تدعى كارين برايس، فرت من بيت أسرتها قبل سنوات، وكانت أصول أسرتها ولزية، يونانية- قبرصية، أسبانية وأمريكية! حدثت الواقعة كلها قبل أكثر من عشر سنوات… لم يكن الباحثون في البداية مقتنعين بأهمية البرنامج CRANID ، ولكن بعد مساعدته في التعرف على كارين برايس، تغيرت نظرتهم كثيرا تجاه البرنامج. وهناك اليوم مجموعة متنامية من الباحثين الذين يستخدمون قياسات الجمجمة والمقارنة بينها للمساعدة في التعرف على أصول البقايا البشرية الغامضة. وهي طريقة سريعة وغير مكلفة لإلقاء الضوء على جميع الأحداث التي وقعت في الماضي، من عمليات الإبادة العرقية genocide إلى تحركات أسلافنا الأوائل!
لكن كثيرا من الناس لا يزالون غير مرتاحين لفكرة البحث عن الفروق العرقية في محنيات الجماجم. فعلم قياس الجماجم craniometry قد لوثه العار قبل عدة عقود لارتباطه بعلم تحسين النسل eugenics، والحتمية البيولوجية biological determinism ، والعنصرية، والنازيين… فهل يمكن لهذا العلم أن يتخطى ماضيه المظلم؟
تعود أصول علم قياس الجماجم إلى حركة تحسين النسل التي ظهرت في القرن التاسع عشر، وهي من بنات أفكار ابن عم تشارلز داروين – فرانسيس گالتون Glaton. اعتقد جالتون أن جميع صفاتنا، من الجمال إلى القدرات العقلية، هي خصائص موروثة ويمكن قياسها. وقد تجول في جميع أنحاء بريطانيا في رحلته الشهيرة، ومسماكه في يديه ، لأخذ قياسات ما رأى أنه يمثل أساسا للحصول على جنس متفوق. وسرعان ما حذا حذوه علماء يشبهونه في التفكير. وفي الولايات المتحدة، استخدم الطبيب صمويل مورتون Morton مجموعته الخاصة المكونة من أكثر من ألف جمجمة "لإثبات" أن البشر يمكن تصنيفهم من الأعلى إلى الأدنى ، اعتمادا على حجم الجمجمة وشكلها. أما نتائج أبحاثه فقد كانت كالتالي: البيض على القمة، السود في ذيل القائمة، بينما أتى السكان الأصليون لأمريكا الشمالية في المنتصف!
بدا أن علم قياس الجماجم يضفي شرعية علمية على الواقع الاجتماعي السائد في ذلك الوقت، ولم يكن هناك ثمة نقص في الباحثين المستعدين لقبول تحدي العثور على قياسات اتفق أن تدعم تحيزاتهم الشخصية. تمثل الخطأ الرئيسي في منطق أولئك الباحثين في افتراضهم أن حجم وشكل الجمجمة يحددان مدى "جودة" المخ الذي يقع بداخلها. فقد افترضوا أن معايير معينة في الجمجمة ترتبط بخصائص عقلية محددة ، مما سمح لهم بتصنيف "الأجناس" وفقا لخصائص مثل الذكاء والقدرة على السلوك المتحضر،وهو ما عرف باسم فراسة الدماغ phrenology. وعلى سبيل المثال، فقد ادعى الطبيب وعالم الأنثروبولوجيا الفرنسي الشهير ، بول بروكا Broca (شكل 6)، أن الأوروبيين ذوي الوجوه المسطحة هم أذكى من الأفريقيين ذوي الملامح البارزة، وأن النساء أقل ذكاء من الرجال لأنهن يمتلكن مخا أصغر من مثيله في الرجال! وقد ابتكر بروكا أيضا ما يسمى "بالمؤشر الرأسي" cephalic index- أي نسبة عرض الجمجمة إلى طولها- والذي ادعى أنه يثبت أن الأجناس "الاسكندنافية" Nordic، و"الآرية" Aryan ذات الجماجم الطويلة، متفوقة جسديا ، وثقافيا، وعقليا على الشعوب ذات الجماجم القصيرة مثل الفنلنديين والباسك Basques.
بدأ هذا النوع من الهراء المعتمد على قياسات الجماجم يفقد مصداقيته في بدايات القرن العشرين، عندما كشف عالم الأنثروبولوجيا الأمريكي فرانز بوس Boas زيف المؤشر الرأسي. فمن خلال دراسة المهاجرين إلى الولايات المتحدة، وجد أن هذا المؤشر يتباين بصورة كبيرة جدا بين المجموعات البشرية ذات الأصول العرقية نفسها- بل وحتى في الشخص نفسه في مراحله العمرية المختلفة- لدرجة أنه لا يعني شيئا على الإطلاق! وجاءت نهاية علم قياس الجماجم عندما ادعى باحثو علم تحسين النسل النازيين أنه بوسعهم استخدامه كطريقة للتعرف على الخصائص المهمة التي يجب استيلادها في أفراد الجنس الآري.
في عالم اليوم، لا يقبل أحد أن تقول له أنه بوسعك توقع مستوى ذكاء أو خصائص شخص ما اعتمادا على شكل جمجمته. لكن لماذا عاد علم قياس الجماجم للظهور؟ والحقيقة هي أنه لم يختف من الوجود على الإطلاق! وهناك من الباحثين من يرى أن علم قياس الجماجم يمكنه دائما أن يساعدنا على التوصل لاكتشافات علمية مهمة. ومن بين هؤلاء عالم الأنثروبوجيا الفيزيائية وليام هويلز Howells، وهو في الثمانينات من عمره الآن، والذي تجاهل كل الاعتراضات من حوله واستمر في ممارسة قياساته للجماجم ، وفي النهاية سمح لغيره من الباحثين بالاطلاع على نتائج أبحاثه- وهي 70 قياسا مختلفا لكل من 2500 جمجمة قام بقياسها لأناس من جميع أنحاء العالم.
لاحظ الباحثون أنه باستخدام قياسات هويلز وقدرة أجهزة الكمبيوتر الحديثة، يمكن أن يصبح قياس الجماجم تقنية دقيقة للمساعدة في فك طلاسم الأصول، والهجرات، ومن ثم الهوية البشرية . ولذلك ، قام هويلز في العام 1992 بابتكار برنامج CRANID. وباستخدام عملية إحصائية تسمى بالتحليل المتعدد المتباينات multivariant analysis ، يقوم البرنامج بمقارنة البقايا البشرية المجهولة بمثيلاتها المأخوذة من أناس من مناطق مختلفة من العالم وفترات تاريخية مختلفة . وعوضا عن كونه محدودا بمقارنة متغير أو اثنين ذوي أهمية مشكوك بها، كما كان يحدث أيام بروكا، يمكن للباحثين الآن البحث عن الأنماط المختلفة في الطبوغرافية التفصيلية للجماجم. ويحدد التحليل الذي يقوم به البرنامج أي المجموعات البشرية الأكثر احتمالا لأن تنتمي إليها الجمجمة قيد البحث، حيث يرى الباحثون أن الأشكال المتشابهة للجماجم تعني في العادة أصولا متشابهة.
وعلى الرغم من ذلك، هناك اختلاف بين العلماء حول أفضل الطرق الإحصائية ، وحول أنواع المشاكل التي يمكن حلها بواسطة برامج CRANID وأمثاله، فالبعض يجادلون بأن النتائج المبنية على الكثير من القياسات الدقيقة ذات مغزى ، وخالية إلى حد كبير من التفسيرات الشخصانية subjective التي لوثت سمعة علم قياس الجماجم في الماضي. كما ينكر الباحثون المشتغلون بقياس الجماجم في الوقت الحاضر أنهم يحاولون أن يعيدوا الحياة لفكرة "الأعراق" التي سادت في القرن التاسع عشر، وبالتالي يشجعون عنصرية القرن الحادي والعشرين. ويقول هؤلاء الباحثون بأن الأدلة المادية الموجودة في الجماجم تدحض العنصرية. فحتى عندما بلغ الجنون بقياسات الجمجمة أقصى مداه، واجه بعض العلماء التحيز العنصري عن طريق التحليل الموضوعي للجماجم. وفي الوقت نفسه، فقد ظهر جيل جديد من الباحثين، يرون في مورتون، وجالتون، وحتى النازيين شخصيات من التاريخ ذات أفكار عفى عليها الزمن. وهؤلاء العلماء المعاصرون عمليين وبالتالي مستعدين لاستعارة التقنيات والأفكار من فروع علمية متباينة لخدمة أغراضهم البحثية.
ولكت حتى لو كان علم قياس الجماجم في حد ذاته لم يعد يعتبر استفزازيا، فمن المؤكد أن بعض الاكتشافات الجديدة كانت مستفزة بالفعل؛ على سبيل المثال، الدراسة التي أجريت قبل عامين على يدي جيروم روز Rose من جامعة أركانسو الأمريكية على البقايا التي ترجع إلى 9300 سنة لـ"رجل كينويك" Kennewick Man- وهو هيكل عظمي تم اكتشافه عام 1996 في ولاية واشنطن، والذي اعتُقد في البداية أنه يعود لذكر ذي أصول أوروبية، لكن تقنيات التأريخ التالية أظهرت أنه يرجع لأحد الهنود الحمر القدامى.
عندما استخدم روز تقنية إحصائية تسمى بالتحليل التفريقي الخطي Linear discriminant analysis، لمقارنة جمجمة رجل كينويك بمئات الجماجم الأخرى من جميع أنحاء العالم، وجد أنها أقرب شبها لجماجم أفراد شعب الموريوري الذين يعيشون في جزر شاتلاند على مقربة من السواحل النيوزيلندية، وشعب الموكابو في جزيرة هاواي. لكنها لا تشبه من قريب ولا من بعيد جماجم الهنود الحمر ولا الأوروبيين المعاصرين.
وعلى الرغم من ذلك، فقد حكم قاض أمريكي في أغسطس 2002 بأن لا يتم إعادة بقايا رجل كينويك إلى رئيس قبائل ساموا، جوزيف سيوفيل، الذي ادعى أن شعبه هم المالكون الشرعيون للجثمان. وبدلا من ذلك، تم تطبيق قرار حكومي سابق بأن تتم إعادة البقايا إلى خمسة من قبائل الهنود الحمر الباقية في الولايات المتحدة. قد يبدو الأمر للوهلة الأولى مجرد نزاع قضائي، لكن الواقع أن وراءه جهدا علميا مثيرا؛ فقد استخدم الباحثون برنامج CARNID مؤخرا للعثور على "أقرب جيران" رجل كينويك ، من وجهة النظر الجمجمية بالتأكيد! وبرغم أن جماجم شعبي الموريوري والموكابو ظهرت مجددا على رأس القائمة، فلا يدحض هذا بالضرورة مطالبة الهنود الحمر بالجثمان.
وفي دراسة أخرى، استخدم برنامج CRANID لتوضيح أن جماجم أوائل أجداد الإنسان الحديث – أي منذ نحو 30000 سنة- لا تظهر علامات تدل على موقعها الجغرافي كما نراه في الجماجم اليوم، لكنها تتشارك بعض الملامح مع جماجم لأناس عاشوا في أفريقيا وفلسطين منذ 120000 سنة، وهو ما يدعم وجهة نظر كون الاختلافات الجغرافية التي نراها في الجماجم اليوم قد ظهرت منذ فترة تاريخية قريبة للغاية، ربما عندما وصلت الشعوب إلى الأماكن التي نجدهم فيها اليوم. ويرى بعض الباحثين أن ذلك يمثل دليلا إضافيا على صحة نظرية "أفريقيا أولا" ، والتي تفترض أن الجنس البشري نشأ أولا في أفريقيا ، ومن هناك هاجرت مجموعات من البشر إلى بقية أنحاء العالم، بداية مما لا يزيد عن 100000 سنة. وتتمثل الحجة المضادة في أن أسلافنا تركوا أفريقيا منذ ما يتراوح بين 1-2 مليون سنة ، ومن ثم استعمروا أوروبا وآسيا ، ثم تطورت لديهم- كل بصورة منفصلة- تلك الاختلافات العرقية الجغرافية التي نراها اليوم.
وفي الجامعة الأسترالية الوطنية بالعاصمة كانبيرا، يستعد الباحثون لإطلاق مشروع يستخدم علم قياس الجماجم لإلقاء الضوء على أصول البشر، من خلال توسيع قاعدة البيانات التي تركها هويلز بإضافة قياسات جمجمية جديدة لأناس معاصرين ومن قبل التاريخ من جنوب آسيا ومالينيزيا. وسيساعد ذلك في حل الاختلاف حول أصول المجموعات المختلفة لسكان أستراليا الأصليين ، ومدى الارتباط بينها ، بالإضافة إلى تمكين المتاحف من إعادة تصنيف بقايا السكان الأصليين بصورة صحيحة حسب المجموعة والحقبة التاريخية التي تنتمي إليها.
ويحاول باحثو متحف لندن للتاريخ الطبيعي بدورهم ملء الفجوات الموجودة في قاعدة بيانات هويلز للجماجم، إذ يقومون بتجميع قياسات لجماجم سكان لندن في العصور الوسطى ، والشعوب الرومانية-البريطانية التي عاشت في القرن الرابع، والفسلطينيين من العصر الحديدي ، وأسلاف الشعوب التي تعيش الآن في شبه القارة الهندية. وبالإضافة إلى تقوية قاعدة البيانات، يأمل باحثو المتحف في تحديد هوية المدفونين في مقبرة سانت ماري على أطراف مدينة لندن، والتي ترجع للعصور الوسطى.
وتشير الأبحاث التي أجريت في ثلاثينات القرن العشرين إلى أن أوائل سكان لندن كانوا "غير بريطانيين بصورة مميزة" ، كما أن التحليل المبدئي لعدد 101 جمجمة من بين الجثث المدفونة في مقبرة سانت ماري، والبالغ عددها 11000، تشير إلى أن سكان لندن في العصور الوسطى كانوا أكثر شبها بسكان وسط أوروبا في تلك الحقبة ، عنهم بمعاصريهم الاسكندنافيين. ويخطط باحثو المعهد أيضا لتجميع قياسات لجماجم من أناس العصر الحديدي قبل الروماني، والأنجلو ساكسونيين، والبريطانيين الذين عاشوا في القرن السابع عشر، وذلك لاكتشاف مدى التشابه بين الأشخاص المدفونين في مقبرة سانت ماري وبين أسلافهم الرومانيين-البريطانيين. وفي الوقت نفسه، يحاول بعض الباحثين التقدم بعلم قياس الجماجم خطوة أخرى للأمام، من خلال استخدام برنامج CRANID بالترادف مع تقنيات التصوير الطبي الحديثة لاستكشاف أجسام الأحياء لا جراحيا. وقد يمثل ذلك أداة قيمة لدراسة البقايا البشرية المغلفة بأكفان أو تلك المحفوظة في الجليد، حيث قد يكون من المهم عدم تمزيق الأغطية المحيطة بالجثة.
ولاكتشاف ما إن كانت هذه الطريقة ستنجح، قام الباحثون بإدخال مومياء لكاهنة مصرية من الأسرة الثانية والعشرين، بكامل أكفانها، إلى جهاز التصوير المقطعي بالكمبيوتر CT، ثم قاموا بعمل صورة ثلاثية الأبعاد لجمجمتها باستخدام الكمبيوتر. ومن ناحية أخرى، قاموا بأخذ 27 قياسا مختلفا لجمجمة المومياء، ومن ثم أدخلوا تلك البيانات في برنامج CRANID ، والذي يحتوي على كامل البيانات الخاصة بنحو 2802 جمجمة، وسرعان ما تعرف البرنامج على أن الجمجمة تعود إلى أنثى من الأسر المصرية القديمة، مما عزز من ثقة العلماء بنجاح هذه التقنية.
وبرغم القبول المتزايد الذي حظي به علم قياس الجماجم على مدى السنوات القليلة الماضية، فلا يخلو هذا العلم من المنتقدين. ومن بين هؤلاء، عالم الأنثروبولوجيا ألان ثورن من الجامعة الأسترالية الوطنية، والذي يتشكك على وجه الخصوص بإمكانية أن يكشف هذا العلم عن كثير من المعلومات بخصوص أصول وهوية شعوب ما قبل التاريخ ، وذلك ببساطة لعدم وجود عدد كاف من الجماجم القديمة لمقارنتها بالبقايا البشرية غير المحددة الهوية، كما يعتقد أن البشر، وليس أجهزة الكمبيوتر ، هم أفضل من يرى الأنماط العلمية، ويقول أن جميع التقارير العظيمة حول التطور البشري قد صدرت عن أناس يفهمون التشريح، وليسوا فقط على علم بكيفية التلاعب بالقياسات. لكن دراسة حديثة أجرتها طالبة دراسات عليا بجامعة لندن تثبت دقة هذه البرامج مثل CRANID، وتخطط الطالبة- واسمها جيني لامب- للعمل كمحققة جنائية ، وكجزء من أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه، قامت باختبار دقة العديد من طرق التعرف على الجماجم، بما فيها إصدارتين مختلفتين من برنامج CRANID، ووجدت أن أحدث إصدارة من البرنامج ، واسمها C4، كانت الأكثر دقة في التعرف على المناطق التي أتت منها الجماجم السبعة قيد الاختبار، حيث تعرفت على المنطقة التي أتت منها الجمجمة بدقة قدرها 78%، وهو رقم قد يبدو ضئيلا، لكن إذا عرفنا أن نسبة التعرف الصحيح للتعرف على هوية الجمجمة دون استخدام البرنامج لا تزيد عن 14.3%، لعلمنا أن ذلك يمثل تطورا لا يستهان به.
وتؤمن لامب بأن نتائج أبحاثها تظهر أن قياس الجماجم قد يساعد في التعرف على البقايا البشرية من خلال الإشارة إلى الأصل الجغرافي المحتمل للجمجمة. وعلى وجه الخصوص، فهو يوفر خطوة أولية سريعة في مجال التحقيقات الجنائية، مما يمنح الخبراء خيوطا فورية يتبعونها أثناء قيامهم بجمع المزيد من الأدلة، فهي أسرع وأرخص من تقنيات تحليل الحمض النووي DNA، كما أنه طريقة أكثر علمية ودقة من الحكم على الجماجم بمظهرها فقط. وهذه الطريقة تتسم بقوة خاصة عندما يحتاج الباحثون إلى اكتشاف أصول مجموعة من الجماجم – مثل المقابر الجماعية. إن أخذ قياسات وسطية من مجموعة من الجماجم يزيد من فرص الحصول على نتائج دقيقة. ومن الواضح أنه لا زال هناك مجال للتطوير في هذا المجال، لكن مؤيدي علم قياس الجماجم واثقون من أن هذا العلم لن يتطور سوى من خلال قياس المزيد من الجماجم وإضافتها إلى قاعدة البيانات الموجودة حاليا. لكن ما إن كان هذا العلم السيئ السمعة سابقا سيصبح علما شائعا مرة أخرى غير معروف حتى الآن. ويعتقد بعض الباحثين أن علم قياس الجماجم في القرن الحادي والعشرين سيصبح "سهما حادا" في جعبة العلم؛ ففوق كل شيء، فقد يساعدنا هذا العلم على الإجابة عن أسئلة تهمنا جميعا: من أين أتينا؟ من هم أقاربنا؟ وأين موقعنا من ذلك الخليط الذي يمثل البشرية الحديثة؟
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
إطار رقم 1: علم فراسة الدماغ:
تعرّف فِراسة الدماغphrenology))بأنها دراسة شكل الجمجمة بوصفه مظهَراً دالاً على الشخصيّة والملكات العقلية. وقد بني على اعتقادات خاطئة بأن الملكات العقلية توجد في "أعضاء" خاصة على سطح المخ، والتي يمكن اكتشافها بالفحص العياني للجمجمة .
وقد ادعى الطبيب النمساوي فرانز-يوسف گال Gall (1785-1820) وجود 26 "عضوا" على سطح المخ تؤثر على محيط الجمجمة ، والتي تشمل "عضو الاغتيال" murder organ الذي يوجد في أمخاخ القتلة والسفاحين. كان جال من أتباع المدرسة الفكرية التي تقول بأن العضو الذي يستخدم ينمو، والعضو الذي لا يستخدم يضمر، وبالتالي كان يرى أن الأعضاء المخية التي يستخدمها الشخص باستمرار تنمو وتزداد حجما ، أما التي لا تستخدم فهي تتضاءل وتضمر، مما يؤدي لحدوث ارتفاعات وانخفاضات في الجمجمة بفعل نمو وضمور الأعضاء.
وقد أطلق جال على دراسة هذه المرتفعات والمنخفضات الجمجمية اسم تنظير الجمجمة cranioscopy. وفي الوقت نفسه، أدى انتشار "علم" فراسة الدماغ لتعزيز أفكار صحيحة أيضا، وهي أن المخ البشري هو موضع الصفات الشخصية، والمشاعر، والإدراك، والذكاء، إلخ. وأن أجزاء مختلفة من المخ هي المسؤولة عن الوظائف العقلية المختلفة. وعلى أية حال، ففي زمن جال، لم يكن من الممكن دراسة أمخاخ الأحياء، لذلك فلم يكن بوسع الباحثين الذين درسوا أمخاخ الموتى سوى الربط بين البنى المختلفة في المخ وبين الوظائف العقلية "المفترضة"، والتي – بدورها- يتم الربط بينها وبين شكل الجمجمة وتضاريسها المختلفة. ولم يبذل أي جهد يذكر لدراسة أمخاخ أو سلوك الأفراد المعروف إصابتهم بمشكلات عصبية، الأمر الذي ربما كان قد ساعد عملية تحديد تلك الأجزاء من المخ المسؤولة عن الوظائف العصبية المحددة. وبدلا من ، تم تحديد أماكن الوظائف العقلية بطريقة اعتباطية.
أجرى جال دراساته الأولى على المجرمين والمجانين، ولذلك فقد عكست "أعضاؤه" المخية هذا الاهتمام! وقد ظلت فراسة الدماغ شائعة ، وخصوصا في الولايات المتحدة، طوال القرن التاسع عشر ، ونشأت عنها العديد من "العلوم" الكاذبة الأخرى ، مثل علم قياس الجماجم craniometry، والأنثروبومترية anthropometry، وهو فرع من الأنثروبولوجيا يبحث في قياس الجسم البشري.
ومن الصعب الآن تفسير انتشار فراسة الدماغ بهذه الصورة بين العلماء، لأن الأدلة التجريبية على وجود علاقة مباشرة بين المخ وبين الخصائص العقلية كانت ضئيلة. وختاما، يجدر بالذكر أن فراسة الدماغ أدت لاختراع ما يسمى بالرسم البيانيّ النفسيّ psychograph، وهو رسمٌ بيانيّ يمثّل القوة النسبية لمختلف سجايا الشخصية وصفاتها. ويتم الحصول عليه من آلة اخترعها لافري وهوايت Lavry & White للقيام بعمل قراءات فراسة الدماغ وطباعة الرسم البياني الخاص بكل مفحوص، ويقال أن مخترعيها جنوا منها أرباحا تقدر بنحو 200,000 دولار خلال معرض "قرن من التقدم" الذي نظم في مدينة شيكاغو عام 1934!
انظر أيضاً
- Anthropometry
- Samuel George Morton
- Craniofacial anthropometry
- Races of craniofacial anthropology
- Forensic anthropology
- Cranial vault
- Neuroscience and intelligence
- Theodor Kocher, inventor of the craniometer[1]
الهامش
- ^ Schültke, Elisabeth (2009). "Theodor Kocher's craniometer". Neurosurgery. الولايات المتحدة. 64 (5): 1001–4, discussion 1004-5. doi:10.1227/01.NEU.0000344003.72056.7F. PMID 19404160.
{{cite journal}}
: Check date values in:|year=
(help); Cite has empty unknown parameters:|laydate=
,|laysource=
, and|laysummary=
(help); Unknown parameter|month=
ignored (help); Unknown parameter|quotes=
ignored (help)