سيبارس
39°45′N 16°28′E / 39.750°N 16.467°E
سيبارس (باليونانية: Σύβαρις؛ إنگليزية: Sybaris) كانت مدينة قديمة في ماگنا گريتشيا على الساحل الغربي لخليج ترانتو. ثروة المدينة في القرن 6 ق.م. كانت لدرجة أن سيباري أصبحت مرادف للمتعة والترف. البلدة المعاصرة سيباري تقع بالقرب من أطلال المدينة اليونانية؛ وهي فرازيونه بلدة كسانو ألو أيونيو، في مقاطعة كوسنزا.
الجغرافيا
سيبارس تقع على مقربة من البحر، بين نهري كراثيس (كراتي) وسيباريس (كوشيله).[1] بعد أن تمر سفينتنا الخيالية بسنيوم Sunium وتتجه نحو الغرب تصل إلى سثرا Cythera مقر أفرديتي الجَزَري، والتي كانت من أجل هذا مقصد وتو Watteau . وفيها شاهد بوزنياس في عام 160م "أقدس وأقدم ما شاده اليونان من الهياكل لأفرديتي"(1)، وفيها كشف شليمان في عام 1887م عن أنقاض هذا الهيكل(2). وكانت في أقصى الجنوب من الجزائر الأيونية التي تجاور ساحل بلاد اليونان الغربي، وقد سميت أيونية لأن مهاجرين أيونيين استقروا فيها، وبقية هذه الجزائر هي زاسنثوس Zacynthos، وكيفالنيا Cephalenia، وإثاكا Ithaca، ولوكاس Leucas، وباكوس Paxos، وكورسيرا Corcyra. وحسب شليمان أن إثكا هي جزيرة أديسيوس، وحاول عبثاً أن يجد تحت ثراها ما يؤيد قصة هومر(3). غير أن دوربفلد Dorpfeld كان يعتقد أن موطن أديسيوس هو جزيرة لوكاس الصخرية. ويقول استرابون إن أهل هذه الجزيرة القدامى كانوا يلقون من فوق صخورها ضحية بشرية يقدمونها في كل عام قرباناً لأبلو؛ ولكن هؤلاء السكان لم يكونوا رجال دين فحسب بل كانوا فوق ذلك بشراً، ولهذا كانوا يربطون في الضحية طيوراً قوية شفقة بها ورحمة، حتى تخفف أجنحتها من شدة الصدمة عند سقوط الضحية على الأرض(4). والراجح أن قفزة سافو نفسها ذات اتصال بذكريات هذه العادة الدينية. واحتل كرسيرا (كورفو Corfu) مستعمرون كورنثة حوالي 734 ق.م. ولم يلبثوا أن أصبح لهم من القوة ما أمكنهم بها أن يهزموا أسطول كورنثة ويقرروا استقلالهم. وسافر بعض المغامرين اليونان من كرسيرا في البحر الأدرياوي متجهين نحو الشمال حتى وصلوا إلى البندقية؛ واستقر بعضهم في مستعمرات صغيرة على ساحل دلماشيا، وفي وادي نهر الپو Po(5) وعبَرَ بعضهم آخر الأمر مياه البحر الهائجة وقطعوا فيها خمسين ميلاً حتى استقروا في كعب إيطاليا. ووجدوا في ذلك المكان شاطئاً جميلاً ينحني فتتكون من انحنائه مرافئ طبيعية آمنة، ورائه أرض خصبة أهملها السكان الأصليون إهمالاً يكاد أن يكون تاماً(6). واستولى الغزاة اليونان على هذا الإقليم الساحلي بمقتضى قانون التوسع الاستعماري الذي لا يعرف للرحمة معنى، وهو القانون القائل إن الموارد الطبيعية التي لا يستغلها أهل الإقليم تجذب، بنوع من الجاذبية الكيميائية، وغيرهم من الناس ليستغلوها ويدفعوا بها إلى تجارة العالم ومنفعته. واخترق الوافدون الجدد -وأكثرهم من الدوريين - كعب شبه الجزيرة مبتدئين من برنتيزيوم (برنديزي)، وأنشئوا مدينة كبيرة في تاراس taras- تارنتم الرومانية (تارنتو الحديثة) ، وفيها غرسوا أشجار الزيتون وربوا الخيول، وصنعوا الفخار، وبنوا السفن، وصادوا السمك بالشباك، وجمعوا بعض القواقع البحرية ليستخرجوا منها الصبغة الأرجوانية التي كانت أغلى قيمة من نظيرتها الفينيقية(8). وبدأت الحكومة كما بدأت معظم المستعمرات اليونانية بأن كانت ألجاركية يتولاها ملاك الأرض، ثم انتقلت إلى أيدي طغاة تمدهم بالمال الطبقة الوسطى، واستمتعت بفترات من الحكم الديمقراطي القوي المضطرب. وفي هذا المكان نزل بِرَس صاحب الشخصية الروائية في عام 281، وأراد أن يقوم في الغرب بالدور الذي قام به الإسكندر في الشرق.
وأسست موجة أخرى من المهاجرين معظمهم من الآخيين مدينتي سيبارس وكروتونا على الجانب الآخر من خليج تارنتم. وتدل الغيرة القاتلة التي نشاهدها بين هذه الدول، وكلها من أصل واحد، على ما كان يتصف به اليونان من نشاط قوي مبدع، وعواطف جياشة مدمرة. وكان للتجارة بين بلاد اليونان وإيطاليا الغربية طريقان أحدهما بحري والثاني بري في بعض أجزائه. وكانت السفن تسير في الطريق البحري تمر بكروتونا وتبادل فيها بالكثير من بضائعها، وتمر بعدها برجيوم Rhgium وتؤدي فيها المكوس، ثم تجتاز في حذر بحاراً موبوءة بالقراصنة، ومضيق مسينا الكثير الدوامات، حتى تقبل إلى إلياوكومي، أقصى المستعمرات اليونانية في إيطاليا شمالاً. وكان التجار الذين يختارون الطريق الآخر يفرغون بضائعهم في سيبارس ليفروا من هذه المكوس والأخطار، وليوفروا على أنفسهم عناء السير بحراً بالمجاذيف والشراع، ثم ينقلونها بطريق البر نحو ثلاثين ميلاً إلى ساحل لوس Laus الغربي، ثم يحملونها مرة أخرى على ظهور السفن إلى بوسيدونيا، ومنها تنتقل إلى الأسواق في داخل إيطاليا.
وكانت سيبارس ذات موقع حسن على الطريق التجاري، فأثرت وعمها الرخاء حتى بلغ عامروها (إذا جاز لنا أن نصدق أقوال ديودور الصقلي) ثلاثمائة ألف نسمة، وأثرت ثراء لا يضارعها فيه إلا القليل من مدن اليونان، وحيث أضحت سيباري مرادفة لكلمة أبيقوري. وكان العمل الجثماني كله يقوم به العبيد ورقيق الأرض، أما المواطنون الأحرار فكانوا يرتدون الثياب الغالية، ويسكنون بيوتاً مترفة مريحة، ويطعمون الأطعمة الشهية الواردة من خارج البلاد . وكان يُحرم على من يشتغلون بأعمال ذات جلبة أن يمارسوا صناعتهم في داخل حدود المدينة. وكانت بعض الطرقات في الأحياء الغنية من المدينة تغطيها خيام ومظلات لتقي الناس شر الحر والمطر(11). ويقول أرسطو إنه كان لألسسثنيز السيباري ثوب من نسيج بلغ من عظيم قيمته أن باعه ديونيسيوس الأول السرقوسي فيما بعد بمائة وعشرين وزنة (000ر720 ريال أمريكي(12)). ولما جاء اسمندريدز Smyndyrides السيباري في زيارة لسكيون ليخطب ابنة كليسثنيز، كان معه ألف خادم(13).
وسارت الأمور على أذلالها في سيبارس حتى انزلقت إلى الحرب مع كروتونا المجاورة لها (510). وتقول إحدى الروايات غير الموثوق بصحتها إن السيباريين ساروا إلى الحرب بجيش تبلغ عدته ثلاثمائة ألف(15). وتؤكد لنا هذه الرواية نفسها أن الكروتيين أحدثوا الاضطراب في صفوف هذا الجيش بأن عزفوا النغمات التي علم السيباريون خيولهم أن يرقصوا عليها(16). فلما سمعتها الخيل رقصت، وأعمل الأعداء فيهم القتل، ونهبوا مدينتهم، وخربوها، وأشعلوا فيها النيران، حتى اختفت من التاريخ في يوم واحد. ولما أن قام هيرودوت وغيره من الأثينيين بعد خمس وستين سنة من ذلك الوقت بالقرب من موقعها مستعمرة تورلي Thurli الجديدة، لم يكادوا يجدون في هذا الموضع أثراً لهذه الجالية التي كانت في يوم من الأيام أكثر الجاليات اليونانية زهواً.
الهامش
- ^ Strab. vi. p. 263; Diod. xii. 9.
وصلات خارجية
- The luxury of the Sybarites - from Book 12 of Athenaeus
- A 2005 scholarly article about the geological changes around Sybaris, which reports evidence of subsidence and repeated alluvial deposition since Greek times, "Geology versus Myth: the Holocene Evolution of the Sybaris Plain" by Luigi Cucci [1]