سوائل الجسم
تعتبر المحافظة على حجم ثابت نسبياً لسوائل الجسم وعلى تركيبها المستقر أمراً ضرورياً لعملية الاستتباب homeostasis، وينشأ بعض أهم المشكلات في الطب السريري عن شذوذات في أنظمة التحكم التي تحفظ هذا الثبات في سوائل الجسم.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
السوائل: وجوب توازن مدخولها ونتاجها في الحالات المستتبة
إن المقدار الكلي لحجم سائل الجسم والمقادير الكلية للمذابات ومقادير تراكيزها أيضاً تكون ثابتة نسبياً في شروط الحالة المستتبة التي تتطلبها عملية الاستتباب. وينشأ هذا الثبات بسبب وجود تبادل مستمر للسائل والمذابات مع المحيط الخارجي وداخل مختلف أحياز الجسم أيضاً. فمثلاً: يجب أن يتساوى بدقة المدخول السائلي شديد التغير مع نتاج الجسم منه؛ وذلك لمنع حجوم سوائل الجسم من الزيادة أو النقصان.
مدخول الماء اليومي
يدخل الماء إلى الجسم عن طريق مصدرين رئيسيين:
١. تناوله على شكل سوائل أو ماء صرف في الطعام، حيث تبلغ الكمية الطبيعية المضافة إلى سوائل الجسم بهذين الشكلين حوالي ٢١٠٠ مليلتر/يوم.
٢. تركيبه في الجسم نتيجة أكسدة السكريات، مما يضيف حوالي ٢٠٠ مليلتر/يوم. وهذا يؤمن مدخولاً كلياً للماء يبلغ حوالي ٢٣٠٠ مليلتر/يوم.
ويتغير مدخول السائل كثيراً حسب الشخص وحتى في الشخص الواحد على مدار السنة تبعاً للمناخ والعادات ومستوى النشاط الجسدي.
فقدان ماء الجسم اليومي
فقدان السائل اللاحسوس. يجب أن يتساوى المدخول المتغير للماء تماماً مع الفقدان اليومي للسائل من الجسم. وبعض هذا الفقد لايمكن تنظيمه بدقة. فمثلاً: هناك فقدان متواصل للسائل بالتبخر من السبيل التنفسي وبالانتشار عبر الجلد يبلغان معاً نحو ٧٠٠ مليلتر/يوم في الظروف الطبيعية. ويسمى هذا الفقد فقد الماء اللاحسوس لأننا لانشعر به أبداً، رغم أنه يحدث باستمرار عند كل الناس.
ويحدث فقدان الماء اللاحسوس خلال الجلد بشكل مستقل عن التعرق، وهو موجود حتى في الأشخاص اللذين يولدون من دون غدد عرقية. ويبلغ معدل فقدان الماء بالانتشار عبر الجلد حوالي ٣٠٠ - ٤٠٠ مليلتر/يوم. ويُقلل هذا الفقدان بوساطة طبقة الجلد المتقرنة المليئة بالكولستيرول. وعندما تتعرى هذه الطبقة المتقرنة، كما في الحروق الواسعة، يزداد معدل التبخر إلى ١٠ أضعاف بحيث يصل إلى ٣-٥ لترات/يوم. ولهذا السبب يجب إعطاء ضحايا الحرائق كميات كبيرة من السوائل داخل الوريد عادة لتعويض السائل المفقود.
ويبلغ معدل فقدان السائل اللاحسوس خلال السبيل التنفسي حوالي ٣٠٠-٤٠٠ مليلتر/يوم. فعندما يدخل الهواء إلى السبيل التنفسي يصبح مشبعاً بالرطوبة وبضغط بخاري يساوي ٤٧ ملم زئبقي تقريباً قبل زفره. ولما كان ضغط بخار هواء الشهيق أقل عادة من ٤٧ ملم زئبقي، فإن الماء يفقد باستمرار عبر الرئتين أثناء التنفس. وفي الطقس البارد، ينخفض ضغط البخار الجوي قريباً من الصفر مما يسبب فقداناً أكبر للسائل من الرئتين كلما انخفضت درجة الحرارة. وهذا ما يفسر الشعور بالجفاف في المسالك التنفسية أثناء الطقس البارد.
فقدان السائل بالتعرق
تكون كمية السائل المفقودة بالتعرق بالغة التغير تبعاً للنشاط الجسماني ودرجة حرارة المحيط. ويبلغ حجم العرق بالحالة السوية نحو ١٠٠ مليلتر/يوم فقط، ولكن في الطقس الحار جداً أو أثناء التمارين القاسية يزداد فقدان الماء بالتعرق من لتر إلى لترين في الساعة أحياناً، مما يسبب نفاذاً سريعاً لسوائل الجسم إن لم يزدد المدخول أيضاً بتنشيط آلية العطش.
فقدان الماء في الغائط
تُفقد كمية صغيرة فقط من الماء (١٠٠ مليلتر/يوم) في الغائط في الحالة السوية. ويمكن لهذه الكمية أن تزداد إلى عدة لترات في اليوم عند الأشخاص المصابين بإسهال حاد، مما قد يسبب تهديداً لحياتهم إذا لم يتم تصحيح ذلك في أيام قليلة.
فقدان الماء بالكليتين
يتخلص الجسم من الماء الفائض فيه بالبول المفرغ بوساطة الكليتين. وهناك عدة آليات تتحكم في معدل إفراغ البول. وفي الواقع فأن أهم الوسائل التي تجعل الجسم يحافظ على التوازن بين مدخول السائل ونتاجه وأيضاً على التوازن بين مدخول ونتاج معظم الكهارل في الجسم، هي بالتحكم بمعدلات إفراغ الكليتين لهذه المواد. فعلى سبيل المثال، يمكن أن ينخفض حجم البول إلى ٠,٥ لتر/يوم في الشخص الجفيف أو يرتفع إلى ٢٠ لتراً/يوم في الشخص الذي يشرب كميات ضخمة من السوائل.
وهذه التغيرية الشديدة هي أيضاً صحيحة لمعظم كهارل الجسم، مثل الصوديوم والكلوريد والپوتاسيوم. فقد ينخفض مدخول الصوديوم عند بعض الأشخاص إلى ٢٠ ملي مكافىء/يوم، في حين قد يصل عند آخرين إلى ٣٠٠-٥٠٠ ملي مكافىء/يوم. وهذا مايجعل الكليتين تواجهان مهاماً دقيقة في ضبط معدلات إفراغها للماء والكهارل لتطابق بدقة مدخول هذه المواد ولتعويض فقدان السوائل والكهارل المفرط الذي يحدث في بعض الحالات المرضية.
==أحياز سوائل الجسم==
يتوزع سائل الجسم الكلي بين حيزين رئيسيين هما:
وينقسم سائل خارج الخلايا بدوره إلى:
- السائل الخلالي.
- پلازما الدم.
ويوجد حيز صغير آخر لسائل يطلق عليه السائل البيني يضم سائل الأحياز الزليلة والصفاقية والتامورية وسائل داخل المقلة وأيضاً السائل الدماغي النخاعي. ويمكن اعتبار هذا السائل نوعاً خاصاً من السائل خارج الخلايا، رغم أن تركيبه في بعض الحالات قد يختلف بشكل ملحوظ عن تركيبي الپلازما والسائل الخلالي. ويبلغ حجم السوائل البينية كلها حوالي ١-٢ لتر.
ويبلغ معدل ماء الجسم الكلي في الشخص البالغ السوي الذي يزن ٧٠ كيلو غراماً حوالي ٦٠٪ من وزن الجسم أو حوالي ٤٢ لتراً. وهذه النسبة يمكن أن تتغير تبعاً للعمر والجنس ودرجة السمنة، كما أنها تنخفض تدريجياً كلما تقدم الإنسان في العمر. ويعود سبب ذلك جزئياً إلى ترافق تقدم العمر مع زيادة النسبة المؤية للدهن في الجسم والتي تكون على حساب نسبة الماء فيه. ولأن النساء عادة يملكن في أجسامهن دهناً أكثر من الرجال، لذا تكون نسبة الماء في أجسامهن أقل مما في الرجال، وذلك بالنسبة لوزن أجسامهن. ولهذا عندما نناقش معدل أحياز سائل الجسم، علينا أن لاننسى وجود تغيرات فيه تتوقف على العمر والجنس ودرجة السمنة.
حيز السائل داخل الخلايا
يقع حوالي ٢٨ لتراً من أصل ٤٢ لتراً من سائل الجسم داخل ٧٥ ترليون خلية. ويسمى هذا السائل بمجمله (السائل داخل الخلايا intracellular fluid)، وهو يؤلف حوالي ٤٠٪ من وزن الجسم الكلي في شخص عادي. ويحتوي سائل الخلية على مزيجه العام من المكونات المختلفة، من أكثرها بدائية وصولاً إلى البشر. ولهذا السبب يعتبر السائل داخل الخلايا لكل الخلايا المختلفة بمجموعه كحيز كبير لسائل واحد.
حيز السائل خارج الخلايا
تسمى كل السوائل التي تقع خارج الخلايا السائل خارج الخلايا. وتؤلف هذه الخلايا حوالي ٢٠٪ من وزن الجسم أو حوالي ١٤ لتراً في شخص بالغ سوي يزن ٧٠ كيلو غراماً. وينقسم السائل خارج الخلايا إلى حيزين كبيرين هما: السائل الخلالي، الذي يؤلف حوالي ثلاثة أرباع السائل خارج الخلايا، والپلازما التي تؤلف حوالي ربعه تقريباً أو حوالي ٣ لترات. والپلازما هي الجزء اللاخلوي من الدم والذي يتصل باستمرار مع السائل الخلالي عبر مسام الأغشية الشعيرية. وهذه المسام عالية النفوذية لمعظم المذابات في السائل خارج الخلايا ما عدا الپروتينات. ولهذا تمتزج السوائل خارج الخلايا باستمرار مما يجعل الپلازما والسوائل الخلالية لها نفس التركيب تقريباً، باستثناء الپروتينات التي توجد بتركيز أعلى في الپلازما.
حجم الدم
يحوي الدم كلا السائلين خارج الخلايا (السائل في الپلازما)، وداخل الخلايا (السائل في خلايا الدم الحمراء). ومع ذلك يمكن اعتبار الدم حيزاً سائلاً مستقلاً؛ لوجوده محصوراً في حجرته الخاصة به (جهاز الدوران).
ويعتبر حجم الدم ذا أهمية خاصة في التحكم في الديناميات القلبية الوعائية. ويبلغ معدل حجم الدم في الشخص البالغ السوي حوالي ٨٪ من وزن الجسم، أو حوالي ٥ لترات. وضمن هذا المعدل يكون الدم مؤلفاً من حوالي: ٦٠٪ پلازما، ٤٠٪ خلايا دم حمراء. إلا أن هاتين القيمتين يمكن أن تتغيرا إلى حد كبير باختلاف الأشخاص تبعاً للجنس والوزن وعوامل أخرى.
== كداسة الدم (حجم خلايا الدم الحمراء المكدسة) ==
كداسة الدم هي جزء الدم المؤلف من خلايا الدم الحمراء، وهي تُعين بتنبيذ الدم في أنبوب مكداس الدم حتى تتكدس هذه الخلايا تماماً في قعر الأنبوب؛ ولأنه من المستحيل تكديس الخلايا الحمراء كلها، لذلك يبقى حوالي ٣-٤٪ من الپلازما محجوزاً بين الخلايا. لهذا تشكل كداسة الدم الحقيقية حوالي ٩٦٪ فقط من الكداسة المقيسة.
وتبلغ الكداسة المقيسة في رجل سوي حوالي ٠,٤٠ وفي امرأة سوية حوالي ٠,٣٦. وقد تهبط كداسة الدم في فقر الدم الوخيم إلى حد أدنى يبلغ ٠,١٠ وهي قيمة بالكاد تكفي لإدامة الحياة. ومن ناحية أخرى، تؤدي بعض الحالات إلى انتاج مفرط لخلايا الدم الحمراء ينشأ عنها كثرة الحمر polycythemia مما يرفع كداسة الدم إلى ٠,٦٥.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مكونات السائلين في خارج الخلايا وداخلها
يبين الشكلان أدناه، والجدول مقارنات بين تركيب السائل خارج الخلايا، بما فيه الپلازما والسائل الخلالي، وبين تركيب السائل داخل الخلايا.
تشابه التركيب الأيوني للپلازما وللسائل الخلالي
يعود التشابه بين التركيزين الأيونيين للپلازما والسوائل الخلالية إلى كونهما منفصلين فقط بالأغشية الشعيرية عالية النفوذية. والفرق الهام بين هذين الحيزين هو التركيز العالي للپروتين في الپلازما بسبب انخفاض نفوذية الشعيرات لپروتين الپلازما بحيث لايتسرب منه فقط إلا كميات قليلة إلى الأحياز الخلالية الموجودة في معظم الأنسجة. وبسبب تأثير دونان Donnan effect، يكون تركيز الأيونات الموجبة الشحنة (الكاتبونات) أعلى بشكل طفيف (حوالي ٢٪) في الپلازما من تركيزها في السائل الخلالي. ويأخذ هذا التأثير الشكل التالي: تملك الپروتينات شحنة سالبة صرفة، ولهذا فهي تميل للارتباط بالكاتيونات مثل أيونات الصوديوم والپوتاسيوم مما يحجز كميات إضافية من هذه الكاتيونات في الپلازما مع پروتينات الپلازما. ومن ناحية ثانية، تتجه الأيونات السالبة الشحنة (الأنيونات) إلى التواجد بتركيز أعلى بشكل طفيف في السائل الخلالي مقارنة بالپلازما؛ وذلك بسبب نفور الشحنات السالبة لپروتينات الپلازما من الأنيونات السالبة الشحنة، ومع ذلك ولأغراض عملية يعتبر تركيزا الأيونات في السائل الخلالي وفي الپلازما متساويين تقريباً.
ويحوي السائل خارج الخلايا بما فيه الپلازما والسائل الخلالي كميات كبيرة من أيونات الصوديوم والكلوريد، وأيضاً كميات معقولة من أيونات البيكربونات، ولكنه لايحتوي إلا على كميات صغيرة من أيونات الپوتاسيوم والكالسيوم والمغنيسيوم والفوسفات والأحماض العضوية.
ويتم تنظيم تركيب السائل خارج الخلايا بدقة بوساطة آليات مختلفة، خصوصاً بالكليتين. ويتيح هذا للخلايا بأن تبقى مغمورة باستمرار في سائل يحتوي على تركيز مناسب من الكهارل والغذيات للقيام بالوظائف الخلوية على الوجه الأكمل.
== المكونات الهامة للسائل داخل الخلايا ==
ينفصل السائل داخل الخلايا عن السائل خارج الخلايا بوساطة غشاء خلوي انتقائي ذو نفوذية عالية للماء وليس معظم الكهارل الموجودة في الجسم.
ويحافظ الغشاء الخلوي هذا على تركيب السائل داخل الخلايا الذي يكون متشابهاً في كل خلايا الجسم المختلفة.
وبعكس السائل خارج الخلايا، يحوي السائل داخل الخلايا على كميات صغيرة فقط من أيونات الصوديوم، والكوريد، ولايحتوي تقريباً على أيونات الكالسيوم، ولكنه يحتوى بدلاً من ذلك على كميات كبيرة من أيونات الپوتاسيوم والفوسفات بالإضافة إلى كميات معتدلة من أيونات المغنيسيوم والكبريت التي توجد كلها بتراكيز منخفضة في السائل خارج الخلايا. وتحوي الخلايا أيضاً كميات كبيرة من الپروتين تساوي أربعة أضعاف كميته في الپلازما.
== قياس حجوم السوائل في أحياز سوائل الجسم المختلفة؛ مبدأ تخفيف المُشعِر==
من الممكن قياس حجم حيز من أحياز سوائل الجسم عن طريق وضع مادة في الحيز وتركها لتتشتت في سائل الحيز تشتتاًمتساوياً، ومن ثم يحلل المدى الذي تخفف فيه المادة. ويبين الشكل طريقة طريق تخفيف المشعر لقياس حجم حيز السائل، التي تقوم على مبدأ حفظ الكتلة. وهذا يعني أن الكتلة الكلية لمادة بعد تشتتها في حيز السائل ستساوي نفس الكتلة الكلية للمادة المحقونة داخل الحيز.
وفي المثال المبين في الشكل، تحقن كمية صغيرة (أ) من صباغ أو مادة أخرى محتواة داخل زرّاقة syringe في حجرة، وتترك المادة تتشتت خلال الحجرة حتى تصبح ممزوجة بتراكيز متساوية في كل أنحاء الحجرة، كما هو مبين في الحجرة (ب). بعد ذلك تزال عينة من السائل الذي يحتوي على المادة المشتتة ويحلل تركيزها كيميائياً أو كهروضوئياً أو بأية وسيلة أخرى. فإذا لم تتسرب أي كمية من المادة خارج الحيز، فإن الكتلة الكلية للمادة في الحيز (حجم ب x تركيز ب) ستساوي الكتلة الكلية للمادة المحقونة.