رابندرانات طاغور (فيلم)
رابندرانات طاغور Rabindranath Tagore | |
---|---|
اخراج | ساتياجيت راي |
كتبه | ساتياجيت راي |
بطولة | Raya Chatterjee Sovanlal Ganguli Smaran Ghosal Purnendu Mukherjee Kallol Bose Subir Bose Phani Nan Norman Ellis |
تاريخ الطرح | 1961 |
المدة | 54 min |
اللغة | Bengali, English |
رابندرانات طاغور' فيلم من إخراج ساتياجيت راي, وتأليف أديب الهند الكبير رابندرانات طاغور (الذي كان في عام 1913 من أوائل الفائزين في العالم بجائزة نوبل الأدبية)،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مقدمة
في مثل هذه الأيام قبل خمسين عاماً، وفي معرض احتفالات الحكومة الهندية بالذكرى المئوية لولادة أديب الهند الكبير رابندرانات طاغور ، كلف السينمائي الهندي - البنغالي، ساتياجيت راي بتحقيق فيلم وثائقي عن حياة طاغور وأدبه ونضالاته، وذلك من قبل قسم السينما الوثائقية الحكومي. صحيح أن راي كان في ذلك الحين يتمتع بسمعة عالمية وله مكانة كبيرة في الحياة السينمائية في الهند وفي العالم، حتى وإن كانت الجوائز الكبرى التي نالها في أوروبا خاصة (في «كان» و «البندقية») بحيث يحوز على شرعية واسعة كي يكون هو من تختاره الحكومة الهندية لتحقيق مثل ذلك الفيلم على النطاق الوطني، غير أن الاختيار أتى، في الحقيقة، من واقع آخر، يرتبط بالعلاقة العائلية التي كانت قائمة بين أسرة راي وطاغور نفسه. ومن المعروف أن ساتياجيت راي عرف طاغور، شخصياً، في صباه وشبابه، وقرأه في شكل جيد. وربما كان منذ خوضه فن السينما أواسط سنوات الخمسين من القرن العشرين، يحلم بأن تكون نصوص لطاغور (الذي رحل عام 1941 حين كان ساتياجيت في العشرين من عمره)، من بين مصادر سينماه، لا سيما منها تلك النصوص التي بررت لطاغور ان يعتبر من الآباء الحقيقيين لما سمي بـ «النهضة البنغالية». وكانت أسرة راي المثقفة والمليئة بالمبدعين تنتمي بدورها الى تلك النهضة. وهنا لا بد من أن نسارع بالإشارة الى ان تحقيق ساتياجيت راي فيلمَه عن طاغور، سيكون نقطة الانطلاق لعدد من الأفلام التي حققها صاحب «ثلاثية آبو» اقتباساً من أعمال أدبية لهذا الأديب الكبير، بدءاً من «ثلاث نساء» (والمعروف أيضاً بـ «ثلاث فتيات» و «الشقيقات الثلاث» وهو الفيلم الذي حققه راي مباشرة بعد فيلمه عن طاغور، جامعاً فيه، في بوتقة واحدة من طريق الراوي، ثلاثة نماذج نسائية كان طاغور وزعها على ثلاثة نصوص تصور في مجملها ثلاث حالات للمرأة، مراهقة، شابة وزوجة أرستقراطية مشاكسة، وصولاً الى «شارولاتا» (1964) وصولاً الى «البيت والعالم» (1984). وفي شكل أو في آخر كان راي يعتبر طاغور أباه الروحي. ومن هنا لم يكن غريباً أن ينهل منه ومن أدبه، هو الذي بنى معظم أفلامه على نصوص أدبية لكبار المبدعين الهنود... وواحداً من آخر أعماله، على مسرحية «عدو الشعب» لهنريك أبسن.
المهم في الأمر هنا هو أن ساتياجيت راي، إذ كُلّّف بالفيلم الوثائقي حول طاغور، انكب على مشروعه مدركاً كم ان مشروعاً كهذا يفتح أمامه من الإمكانات... وليس فقط في مجال إعادة الاعتبار لذكرى معلمه، وليس كذلك فقط في مجال إدخال أدب طاغور عالم الفن السابع، بل كذلك في مجال التجديد في لغة الفيلم الوثائقي. ولعل هذا البعد الأخير ينبع من همّ مزدوج: فمن ناحية أدرك راي بسرعة ان ليس لديه من الصور والمواد الوثائقية المسجلة عن حياة طاغور ومساره، ما يكفي لصنع فيلم في نحو ساعة من الزمن، ولا سيما بالنسبة الى حقبة الطفولة وبدايات الشباب في حياة طاغور وهي حقبة سبقت وجود الفن السابع نفسه بعقود، ذلك ان طاغور مولود عام 1861، ومن ناحية ثانية (نبعت من دون شك من قلب الناحية الأولى)، أدرك راي ان في استطاعته هنا، في بعض أجزاء هذا الفيلم على الأقل أن يقدم نوعاً من السيرة الذاتية المواربة: بالتحديد، أن يقوم بلعبة تماهٍ بين صباه وشبابه، وصبا وشباب طاغور، بحيث يروي تلك الحقبة من حياته، في بعدها الروحي على الأقل، من خلال «ميترانسين» روائي لبعض جوانب تلك الحقبة المبكرة من حياة طاغور. هنا ازاء هذه الرغبة التي لا شك ولدت لدى راي بالتدريج، لم يقف المبدع السينمائي ليسأل نفسه كيف سيصنّف فيلمه لاحقاً: روائياً أو تسجيلياً وثائقياً أو خيالياً، بل بنى سيناريو عمله بحيث تتقاطع المشاهد والمكونات بين مشاهد حقيقية موثقة (لا سيما منها جنازة طاغور ومشهد حرق الجثة على الحطب) ومشاهد من مواقف طاغور النضالية اللاحقة في سبيل استقلال الهند، بما في ذلك التركيز على نضالات طاغور السلمية (التي ستواكبها نضالات كبير هندي آخر هو غاندي)، التي لم يكن فيها مكان للعنف أو الإرهاب أو ما شاكلهما من ممارسات دنيئة، كما يجيء في احدى لحظات الفيلم.
القصة
على هذا النحو طلع الفيلم وعنوانه، بكل بساطة، «رابندرانات طاغور»... مزيجاً ليس فقط من سينما وثائقية تعتمد شرائط مصورة، وسينما «وثائقية» أخرى يصور فيها راي مشاهد من حياة حقيقية - أو مفترضة - لحقب من حياة طاغور من طريق ممثلين، في مقدّمهم سماران غوسال (الذي لعب دور طاغور مراهقاً) وهو الممثل نفسه الذي كان لعب دور آبو مراهقاً في «الذي لا يهزم» (الجزء الثاني من الثلاثية). ولم يكن هذا صدفة طبعاً، حيث سيقول راي لاحقاً ان قيام غوسال بالدور انما كان رغبةً منه في إحداث عملية ربط بين مراهقته هو الخاصة ومراهقة طاغور، عبر شخصية آبو، التي تحمل في طياتها شيئاً من سيرة ذاتية لراي نفسه. ولعل هذا الواقع الأخير هو الذي يبرر الحكاية الشهيرة التي رويت حول فيلم «رابندرانات طاغور» وفحواها انه فيما كانت لجنة حكومية هندية مجتمعة لاتخاذ قرار بإسناد إخراج الفيلم الى ساتياجيت راي، احتج أحد أعضاء اللجنة قائلاً إنّ هذا غير منطقي «لأن السيد ساتياجيت راي ليس مؤرخاً» فأجابه آخر حاسماً: «لكننا يا صديقي لا نحتاج الى مؤرخ لتحقيق هذا الفيلم بل نحتاج الى فنان». والحقيقة أن دُنو ساتياجيت راي من الفيلم سيكون دنو فنان حقيقي لا يأبه بالتصنيفات الأكاديمية، ولا حتى بتفاصيل الحقيقة التاريخية، في معرض تحقيقه عملاً ابداعياً حقيقياً. وفي هذا كله لعل في إمكاننا أن نعزو الفضل الى غياب المواد الوثائقية حول طفولة طاغور ومراهقته، بل شبابه الأول أيضاً. ما مكّن «ابنه الروحي» من أن يحقق فيلماً خارجاً عن المألوف، يجمع إمكانات الفن السينمائي من وثائق توافرت، ويسخّر جانباً آخر من الفن السينمائي، لدمج ما توافر بما اشتغلت عليه مخيلة الفنان... وفي هذا السياق يمكن القول ان الفيلم نفسه (الذي حتى في مشاهده التي أعادت تصوير الواقع التاريخي، روائياً، أتى توثيقياً في معنى ان راي لم يضف الى حياة طاغور ما لم يكن فيها. وانما شغّل مخيلته للمزج بين حياتين)، سيصبح لاحقاً وثيقة كبيرة الأهمية حول طاغور كما حول ساتياجيت راي نفسه، وذلك بعد أن نجح في إدخال الأديب الكبير عالم السينما من باب واسع، وان كان باباً موارباً.
المخرج
مهما يكن، فقد يجدر بنا أن نقول هنا ان ساتياجيت راي، وقبل «اكتشافه» رغباته السينمائية بزمن طويل، أي في أواخر سنوات الأربعين، وحين كان لا يزال يشتغل في فن تزيين الكتب، روائية وغير روائية باللوحات المنمنمة، أنجز رسوماً مميزة لنص طاغور عنوانه «راج - كاهني»... وربما كان هذا العمل الباكر في ذهن راي وهو يكتب، ثم يحقق فيلمه عن «رابندرانات طاغور»، الفيلم الذي امتلأ جزؤه الأول، بمشاهد تاريخية صورها راي مع ممثلين، ليمتلئ جزؤه الثاني أساساً بتلك الوثائق المصورة التي صورت لحياة طاغور خلال النصف الأول من القرن العشرين وصولاً الى جنازته. وفي هذا الإطار التمازجي، الذي يدفع الى الذهن، مثلاً، مقولة غوستاف فلوبير حول روايته «مدام بوفاري» ان «ايما... هي أنا»، يمكننا ان نقول ان ساتياجيت راي، بقدر ما حقق فيلماً عن طاغور، حقق فيلماً عن ذاته «الطاغورية»، على أية حال، لتكون هذه واحدة من المرات القليلة التي خاض فيها مخرجنا نوعاً شديد الخصوصية من السينما الذاتية.
ساتياجيت راي (1921 - 1922) يعتبر واحداً من كبار السينمائيين في الهند، حتى وان كانت شهرته العالمية والإبداعية تمنع أفلامه من أن تكون رائجة شعبياً في بلد ينتج مئات الأفلام في العام. ذلك لأن سينما راي، سينما إبداعية تقول القضايا الكبرى، وتخوض في «جماليات» مضادة لجماليات السينما الهندية السائدة. بل ان سينما راي، حتى وان استخدمت في بعض أفلامها نجوماً كباراً من ذوي الشعبية، كانت هي من أطلقهم أحياناً (شعبانة عزمي، شارميلا طاغور، بين آخرين)، فإنها تستخدمهم على الضد من استخدام سينما النجوم السائدة لهم. ومن هنا ما نعرفه من أن ما من فنان هندي كبير إلا وكان يتمنى العمل في فيلم - فيلم واحد فقط! - لراي خلال مساره السينمائي كي يضفي على هذا المسار سمعة فنية يمكنه بعدها أن يعود الى عالمه النجومي المتلألئ. ومن أشهر أفلام راي «ثلاثية آبو» و «صالون الموسيقى»، «ديفي» و «شارولاتا» و «المدينة الكبيرة» و «عواصف بعيدة» و «عدو الشعب» و «اغانتوك» (الزائر) الذي كان آخر أفلامه وأنتجه له وهو على فراش المرض الممثل الفرنسي جيرار ديبارديو. الذي كان أنتج له فيلماً سابقاً هو «أغصان الشجرة».
المصادر
- ابراهيم العريس (2010-10-30). "«رابندرانات طاغور» لساتياجيت راي: حياتان في فيلم واحد". جريدة الحياة اللبنانية.