خليل فرح
خليل فرح (1892 - 1998) شاعر سوداني بالعامية.
ولد خليل فرح في قرية دبروسة بـحلفا القديمة في 1892م والده فرح بدري محسي من عبري. تلقى الخليل تعليمه بخلوة الفكي احمد هاشم وتقدم للالتحاق بالمدرسة الوسطى ولكن عمره كان أكبر من العمر المقرر فاختير ليدرس صنعة بمدرسة الصنائع بكلية غردون وهناك التقى بالطلبة المثقفين الذين يعشقون الشعر وينظمونه وينشرونه.
حاول في مطلع شبابه ان يكتب الشعر العربي الفصيح ولكن كان بجانبه أحد أقربائه محمد علي عثمان، فحبب له النظم باللغة العامية السودانية.
هاجر خليل فرح إلى أمدرمان حيث أسرة أبيه فدخل كلية غردون التذكارية قسم البرادة الميكانيكية فوجد صفوة من الطليعة القادمين من الأقاليم الذين التحقوا بالكليات المختلفة فاختلط بهم وتعرف على ثقافاتهم فكانت له إضافات جديدة.
ثم واصل خليل إطلاعه في الأدب الجاهلى ووعى إبداعات أدباء مصر أمثال طه حسين – العقاد – حسن أحمد الزيات وقرأ مجلاتهم وصحفهم وحفظ من عيون الشعر العربى الكثير ومما لفت نظره قصيدة عمر بن أبى ربيعه ( أعبدة ما ينسى ) التى لحنها وسجلها مع قصيدة (عزة في هواك ) في مصر في أواخر أيامه بصوته فكان حدثا هام في ذلك الوقت الذى كانت الأغانى فيه ممجوجة فأدخل اللحن المميز والموسيقى والمقدمة التى نسمعها الآن في (عزة ) ولا أبالغ لو قلت أنها كانت قليلة في تلك الفترة فترة الثلاثينيات حتى في الدول العربية المجاورة.
أشتهر خليل فرح داخل الكلية بعمل الشعر فعلم به شعراء أمدرمان مما حدا بحضور الشاعر محمد على عثمان بدرى إبن عمه وسلطان العاشقين يوسف حسب الله ومعهم المبتدىء (مركز ) ليختبرا خليل فرح في هذا المجال.
بدأ المبتدىء مركز والحكمان يراقبان الموقف بدأ ببيت شعر فرد عليه خليل فرح ثم كانت الثانية والثالثة والرابعة حتى أقتنع الحكمان فأوقفا المعركة واعترفا له بالشاعرية ومنحاه الشهادة بذلك .
ومنذ ذلك الوقت سمى بشاعر الحديقة نسبة للميدان المنجل نمرة واحد الذى يقع في الجزء الشرقى من الجامعة. وصار خليل فرح يواصلهم ويجتمع بهم حتى استفاد منهم الكثير.
توسع خليل فرح في علاقاته مع الأدباء والشعراء وتمكن من ارتياد المنتديات ، كمنتدى أبر روف ومنتدى الهاشماب ومنتدى الموردة ثم منتدى (دارفور) لتخرج جل أناشيدة وأغانيه الوطنية منها تباعا ، وجاءت من ثم جمعية إتحاد الأدباء التى تكونت لجنتها من دار خليل فرح بالخرطوم .
وفى بداية العشرينات اشتد ساعد المناضلين والتحم الشعب بهم وظهرت الأناشيد تغنى في كل موقع.
ثم كانت المظاهرات العنيفة ومن ثم جاءت جمعية اللواء الأبيض بكوادرها المدنية والعسكرية ومؤسسها وصانع إسمها الباشمهندس محى الدين جمال أبو سيف وصحبه.
قامت ثورة 1924 م وخرجت الكلية الحربية بمظاهرة قوية ثم تبعها الثوار بقيادة المناضل الباشمهندس محمد سر الختم الملقب ( بالصائغ ) وهو من اولاد حلفا وهو أول ثائر يدخل السجن .
طالبت الجماهير بوحدة وادى النيل وعلى رأسهم خليل فرح الذى تغنى وقال
من تبينا قمـنــا ربينــا ** ما اتفاسلنا قط في قليل دا ود عمى ودا ضريب دمى ** إنت شنو طفيلى دخيل
وقد واجه خليل المستعمر والقصيدة طويلة : ((نحن ونحن الشرف البازخ)) وأردفها ماك غلطان دا هوى الأوطان ثم انفرط زمام الأمن وانزعج له المسؤولون فبثوا عيونهم بالجواسيس خلف خليل فرح
عاش خليل فرح فترة وجيزة لا تزيد عن التسع عشرة سنة منذ تخرجه عام 1913 م من الكلية إلى وفاته في 30/يونيو 1932 م عاش عيشة الكفاف لا يملك في هذه الدنيا الا شبرا واحدا فقط في مقابر أحمد شرفى ولكنه وجد الكثير من هذا الشعب الوفى وهو من الأوائل الذين كرموا حينما أقاموا له حفل تأبين بنادى الخريجين والمستعمر قابع بكل قوته وجبروته وعلى رأسهم إسماعيل الأزهرى ،
وقد طبع ابن عمه الأستاذ / حسن عثمان بدرى كتيبا جمع فيه كل الكلمات والمقالات والأشعار التى قيلت في تلك الليلة ، وما زال التكريم مستمرا . وقد جاء تكريم جامعة الخرطوم وطلبة جامعة القاهرة في عهد الرئيس نميرى كرم بنيشان العلم الذهبى وأيضا مع ثوار 1924 م وقد كرم نفسه بنفسه حين قال
من فتيح للخور للمغالق ** ومن علايل ابروف للمزالق قدلة يا مولاى حافى حالق ** في الطريق الشاقى الترام
وهذا يدل دلالة واضحة على حبه لأمدرمان فتغنى بها في كثير من المواقع الشعرية ، وكان خليل فرح يعشق أماكن منتديات الأدب ولا يتحدث الا نادرا وكان صبورا وهو يعانى من مرض الدرن ولم يكن منزعجا وكان على يقين إن وفاته قريبة جدا وقال عن الجلد وعن الصبر:-< جنّ ليلى وشاب رأسى فما< كلت ركابى وهمتى للصعود< أنا والدهر توأمان كما< أشكو يشكو تجلدى وصمودى<
وخرج ديوان لخليل فرح بتحقيق البروفيسور على المك بعد جهد جهيد لعدم وجود مصادر فأخذنا الأشعار من أفواه الشعراء والحادبين لإخراج أدبه للوجود ورغم كل ذلك نحن ما زلنا نحاول جمع ما ضاع للطبعه القادمه ولا بد في هذه العجاله أن اترحم على البروفيسور على المك والله يسكنه فسيح جناته فلولا مجهوداته لما رأى ديوان خليل فرح النور علما بأنه طبع بعد وفاة الشاعر بكثير ،
كما أود أن اوضح هنا الأسباب التى دعتنى لكتابة السيرة الذاتية لخليل فرح وهى شعورى بأن معظم المعجبين يستفسرون عن كيفية نبوغه وبلاغته ومعرفته للفصاحه بهذه المقدرة وهو الآتى من شمال السودان ، من بلاد العجم ويقينى أنهم سوف يدركون المعنى بعد ما عرفوا مراحل حياته حيث دخل كلية غردون ثم اتصاله بشعراء أمدرمان وأدباء المنتديات والكم الهائل من السياسيين المتأدبين أمثال يوسف مصطفى التنى ومحمد أحمد محجوب وكل ذلك إضافة لا ختلاطه بالأدباء والعلماء ومكتشفى الآثار حينما كان متواجدا بالبوابة الشمالية بحلفا حين قدوم الوفود تباعا لداخل السودان من مصر..
فرح خليل فرح 1998م
كان الخليل مرموقا محترما مهيبا في المجتمع السوداني، وكان رؤساءه ينظرون اليه كموظف متمرد، لم يجد عطفا وعنايه إلا من الأطباء الذين رحبوا به نزيلا بمستشفى الخرطوم الملكي.