حسين توفيق
حسين توفيق (و. 27 ديسمبر 1925 - ت. 1983)، هو سياسي مصري، حكم عليه بالإعدام في قضية اغتيال أمين عثمان في 5 يناير 1946، وفي محاولة اغتيال أديب الشيشكلي في سوريا عام 1950، إلا أن الحكم لم ينفذ بعد قيام ثورة 1952، واعتقل في مصر عام 1965.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
حياته
ولد حسين توفيق في 27 ديسمبر 1925 في بيت أرستقراطي كبير، حيث كان والده أحد كبار موظفي الدولة وقد وصل إلي منصب وكيل وزارة المواصلات وحصل علي الباشوية في ذلك الوقت. وقد تعلم الشاب الثري في مدرسة الفرير بالخرنفش. ثم انتقل إلي مدرسة فؤاد الأول الثانوية وقتها عايش الفتي الصغير الصعود المدهش للحركة النازية في أوروبا وهو ما كان محوراً أساسياً في حواراته مع أصدقائه في النادي.
لقد نال حسين توفيق في صغره كثيراً من التدليل نظراً لثراء عائلته وأمه التركية التي كانت حريصة علي تلبية جميع مطالبه، وكان الولد الصغير يصطحب جنايني والده ومعه إناء به دهانات ليرسم علي أرضية الشوارع الصليب المعقوف، رمز النازية في ذلك الوقت.[2]]]
بداية التنظيم
عام 1942 كون حسين توفيق مع أشقائه الطلبة وأبناء خالته جمعية سرية وطنية الغرض منها تطهير مصر من الاحتلال والخونة. كان حي المعادي حيث يقطن حسين توفيق مركزاً لتجمع العساكر والضابط الإنگليزي وسكناً لكثير منهم، وبدأ حسين وخليته الصغيرة في العدد والإمكانيات إحراق بعض سيارات الجيش البريطاني والاعتداء ليلاً علي جنود الاحتلال في شوارع الحي الراقي.
وكانت الخلية تعتمد علي رأس حسين توفيق في كل كبيرة وصغيرة باعتباره الطالب المثقف الوطني المطلع علي الحركات السياسية في أوروبا وألمانيا. ولم يكن حسين توفيق عضواً بأي تنظيم سياسي معروف، ولم يتصل بأي حزب من الأحزاب السياسية، إلا أن شيوع الحركات السرية والتنظيمات شبه العسكرية كان دافعاً قوياً لمجموعة حسين توفيق أن تسير في نفس الاتجاه.
لقد عرفت مصر التنظيمات شبه العسكرية مبكراً، ففي عام 1933 دعت حركة مصر الفتاة إلي إنشاء فرق شبه عسكرية تحت اسم القمصان الخضراء أثارت قلقاً سياسياً كبيراً دفع حزب الأغلبية، وهو حزب الوفد في ذلك الوقت، إلي تشكيل حركة القمصان الزرقاء لمواجهة أي اعتداءات علي الوفد من جانب مثل هذه الحركات، وما لبث عدد تلك الفرق أن زاد بشكل سريع آثار خوف القصر وانتهي الأمر بحل جميع الحركات علي حد سواء. في الوقت نفسه كانت هناك بعض الجماعات اليسارية السرية التي كانت ترتكز علي أفكار النازية وتعادي الاحتلال البريطاني وتتخذ موقفاً صارماً من كل من يتفاوض مع الاحتلال وكانت أبرز تلك الجماعات جماعة كمال الدين رفعت التي ضمت صلاح الدسوقي وحسين التهامي ومراد غالب.
لقد شهدت السنوات الأولي من الأربعينيات من القرن العشرين تكرار القبض علي حسين توفيق وبعض شباب مجموعته عدة مرات والإفراج عنهم لعدم وجود أدلة كافية، فضلاً عن اعتماد تلك المجموعة علي ترافع محامين كبار لانتمائهم إلي عائلات غنية وميسورة الحال. كانت عمليات المجموعة وقتها من عينة إضرام النار في سيارة تابعة للجيش البريطاني، سرقة أسلحة خاصة بجنود إنجليز، الاعتداء علي ضباط شرطة مصريين وإنجليز، وهي حوادث كانت الأجهزة الأمنية تعتبرها مجرد »لعب عيال«، فضلاً عن اتساع التصور الخاص بتأييد الملك لتلك المجموعات الشبابية، خاصة بعد حادث 4 فبراير 1942.
اغتيال أمين عثمان
ظل حسين توفيق وجماعته مقتصرين في عملياتهم علي الحوادث العشوائية، غير المخططة والتي لا تحدث أي نتائج سوي تخويف بعض جنود الاحتلال البريطاني، إلي أن التقي حسين توفيق عند أحد أصدقائه بشاب ذكي لماح لديه خبرة جيدة بالعمل العسكري ويكبره ب7 سنوات هو محمد أنور السادات. وقتها كان السادات عضوا في أكثر من تنظيم ربما أشهرها الضباط الأحرار والإخوان المسلمين والحرس الحديدي، وكان الملك فاروق يطلب رأس مصطفي النحاس وأمين عثمان بأي ثمن، وقد شارك السادات بالفعل في محاولات عديدة دبرها مع أفراد من الحرس الحديدي لاغتيال النحاس باشا، لكنه لم يصب بسوء ولم يبق أمام السادات إلا رأس أمين عثمان محاولاً تقديمها إلي الملك.
وقد عرض حسين توفيق علي شباب جماعته والتي كان من بينهم الطالب محمد ابراهيم كامل والذي أصبح وزيراً للخارجية فيما بعد خلال رئاسة أنور السادات، ثم استقال اعتراضاً منه علي السلام مع إسرائيل. وقد انضم أنور السادات إلي جماعة حسين توفيق تحت اسم الحاج محمد، والذي أقنعهم في ذلك الوقت بضرورة التخلص من أمين عثمان الذي وصف علاقة مصر وإنگلترة بأنه "زواج كاثوليكي دائم". وكان أفراد الجماعة جميعاً من عائلات ثرية قادرين علي شراء السلاح من مصروفاتهم الخاصة، ولديهم حصانة اجتماعية تفرضها هيئة الإنسان ومظهره. ويقول وسيم خالد أحد أعضاء الجماعة في مذكراته "كانت أيام معرفتنا بالسادات هي أجمل أيام حياتنا، وكنا نفكر في اغتيال اليهود وكان يقول لنا إن قتل إنگليزي واحد يساوي قتل ألف يهودي، وقتل مصري متعاون مع الإنگليز يساوي قتل ألف إنگليزي". وهكذا دفعهم السادات دفعاً إلي فكرة اغتيال المتعاونين مع الاحتلال من المصريين.
لقد وضعت جماعة حسين توفيق وقتها قائمة بالسياسيين الذين يستحقون الاغتيال من وجهة نظرهم وقد تضمنت النحاس باشا وأمين عثمان، والنقراشي باشا، ومكرم عبيد. وقد فكروا أن يبدأوا باغتيال أمين عثمان لأن ذلك "مصيدة" لاغتيال النحاس باشا، إذ شاهدوا من قبل فشل محاولتين متتاليتين لاغتيال الرجل بمشاركة السادات، وكان رأي حسين توفيق أن قتل عثمان سيجعل النحاس باشا يخرج ويمكن اغتياله في ذلك الوقت.
في 6 يناير 1946، انتظر حسين توفيق وزميله محمود مراد أمين باشا أمام باب عمارة رابطة النهضة، حتي إذا جاء وصعد قليلاً علي السلم ناداه حسين توفيق باسمه فنظر إليه فوجده يطلق عليه الرصاص بكثافة فجلس علي سلم العمارة واستغاث بالناس وخرج حسين توفيق مشهراً مسدسين في يديه والناس تجري منه وهو يطلق الرصاص في الهواء لإرهابهم وتمكن من الفرار، وحمل أمين باشا إلي المستشفي وطلب إبلاغ النحاس باشا الذي ذهب إلي هناك ومعه فؤاد سراج الدين، ولم تمض ساعات قليلة حتي توفي أمين عثمان متأثراً برصاصات قاتله.
ولم يكن أمين عثمان خائناً لبلده، لقد كان يحاول تحقيق مصالح وخير مصر من خلال علاقاته بالدولة البريطانية كما يذكر يبراهيم فرج. لقد درس أمين عثمان القانون وحصل علي الدكتوراة من لندن وعاد ليعمل مع مكرم باشا عبيد ثم يشارك في مفاوضات 1936 ويتصل بعلاقة قوية وجيدة بمصطفي النحاس ويعملان معاً علي تحقيق استقلال مصر عن طريق التفاوض.
وقتها أفاد شهود العيان أنهم شاهدوا ابن توفيق باشا أحمد وكيل وزارة المواصلات مراراً يراقب مقر الوزارة وتم بالفعل عرض حسين توفيق وشقيقه علي شهود العيان وأقروا أنه هو القاتل وبدأت التحقيقات وتساقط جميع أفراد الجماعة بمن فيهم أنور السادات أو الحاج محمد. ويذكر السادات في البحث عن الذات أن وكيل النيابة لجأ إلي حيلة حتي يدفع حسين توفيق إلي الاعتراف بما جري وهو أنه أوحي للصحف أن تنشر أن الحادث تم لأسباب نسائية وبالفعل اعترف حسين توفيق بكل شيء.
الإفلات من الإعدام
ويحكي السادات كيف احتالوا علي المحققين ليضللوهم، وكيف أنكر صلته بالقضية، وادعي تعرضه للتعذيب. وقد شهدت وقائع المحاكمة كثيراً من الأحداث الغريبة مثل الاعتداء علي أحد الحراس داخل الزنزانة والاستيلاء علي مسدسه ومحاولة الهرب، وحادث آخر تمثل في محاولة الاستيلاء علي ملفات القضية وهي المحاولة التي شاء القدر أن تفشل لمرور أحد ضباط الشرطة بالقرب من حامل ملفات القضية، كذلك حاول بعض أعضاء التنظيم اغتيال الشاهد الرئيسي عبد العزيز الشافعي الذي شاهد حسين توفيق وهو يقتل أمين عثمان. واستمرت إجراءات المحاكمة حتى يونيو 1948 عندما نجح حسين توفيق في الهروب بعد حصوله علي إذن بزيارة الطبيب ثم الذهاب إلي المنزل برفقة أحد الضباط وهروبه منه. وهو ما دفع وزارة الداخلية أن تعرض مكافأة خمسة آلاف جنيه لمن يدلي بمعلومات تساعد في القبض علي حسين توفيق.
وتستمر إجراءات المحاكمة ويصدر الحكم غيابي بسجن حسين توفيق عشر سنوات وبما يتراوح بين ثلاث وخمس سنوات لباقي المتهمين وببراءة السادات ومحمد كامل. ويبعث حسين توفيق بخطاب إلي الكاتب إحسان عبد القدوس يخبره فيه أنه في طريقه لمحاربة الصهيونية، ثم يكشف بعض عناصر الإخوان المسلمين أنهم ساهموا في تهريب حسين توفيق إلي سوريا. وكان من الواضح أن السرايا تقف بقوة إلي جانب الجناة وقد اتضح ذلك في قيامها بتوكيل أحد كبار المحامين وهو زهير جرانة للدفاع عن بعض المتهمين، وفي الإنعام علي والد حسين توفيق بالباشاوية. وقد أثار بعض الباحثين إمكانية أن يكون حسين توفيق عضواً بتنظيم الحرس الحديدي الذي شكله الملك لاغتيال معارضيه، لكن شهادة سيد جاد أحد أبرز قادة ذلك التنظيم والذي تضمنها كتاب شهير نفت ذلك بشكل قاطع.
محاولة اغتيال أديب الشيشكلي
الغريب في الأمر أن حسين توفيق التقي في سوريا بعبد القادر عامر أحد أعضاء تنظيم الحرس الحديدي الذي كان علي خلاف مع مصطفي كمال صدقي وهرب إلي سوريا، وانضما المصريان إلي حركة القوميين العرب التي كانت في مرحلة التشكيل بمشاركات سورية ولبنانية ومصرية وفلسطينية. ويسرد كتاب حركة القوميين العرب التي أصدرته مؤسسة الجريدة السورية لتنامي دور الحركة في سوريا خلال الخمسينيات من القرن السابق، وتحكي كيف طلب حسين توفيق من قادة الحركة استمرار الجهاد فضموه إلي كتائب الفداء العربي وبدأت الكتائب عملياتها بإلقاء القنابل علي المعبد اليهودي بدمشق، 0591 محاولة اغتيال نائب رئيس الأركان العقيد أديب الشيشكلي، وقد قبض علي حسين توفيق وزملائه وحكم عليهم بالإعدام، إلا أن تنفيذ الحكم أوقف بعد قيام حركة 32 يوليو عام 2591 بوساطة من الرئيس عبد الناصر. وفيما بعد أفرج عن حسين توفيق بعد تقارب النظام الناصري والنظام البعثي وغاب اسم حسين توفيق عن الأحداث السياسية في مصر ولم يظهر مرة أخري إلا عام 1965.
اعتقاله
فيما بعد وطبقاً لمذكرات اللواء فؤاد علام فقد كشفت مباحث أمن الدولة عام1965 تنظيماً جديداً كان يسعي لاغتيال عبد الناصر بدعوي تفريطه في السودان، وكان علي رأس ذلك التنظيم حسين توفيق والذي كشف تنظيمه تنظيم الإخوان الشهير الذي أعدم فيه سيد قطب حيث اعترف توفيق بأن ابن خالته وهو عضو بالإخوان يجمع سلاحاً لتنظيم سري جديد بالإخوان وهو ما أدي إلي القبض علي الآلاف منهم، ونظرت قضية حسين توفيق نحكم عليه فيها بالسجن المؤبد، وقد قابله كثير من السجناء السياسيين داخل السجن، ومن أبرزهم علي عشماوي أحد قيادي التنظيم الخاص للإخوان والذي حكي في كتابه "التاريخ السري للإخوان المسلمين" كيف كان يقضي وقته مع حسين توفيق يسترجعان الذكريات معاً.
وقد حاولت تتبع ما جري بعد ذلك لحسين توفيق إلا أنني لم أجد مصدراً يشير إلي شيء عنه بعد عام1965 ولجأت إلي الدكتور محمد عفيفي أستاذ التاريخ الحديث في جامعة القاهرة وسألته عنه فقال إن آخر ذكر له في المذكرات والمراجع وقف عند عام 5691. وعرفت بعد ذلك من بعض أقارب حسين توفيق نفسه أنه ظل في السجن بقية حياته. لقد بقي محبوساً حتي وفاة عبدالناصر، وقد تصور أن الرئيس السادات سيفرج عنه إفراجاً صحياً تقديراً للصداقة والزمالة القديمة التي جمعتهما معاً، لكن أنور السادات خيب آماله ورفض التماساً قدمته أسرة حسين توفيق للإفراج عنه وبقي في السجن حتي عام1983 عندما أفرج عنه في عهد الرئيس مبارك وقضي مع أسرته شهوراً قليلة قبل أن يرحل أشهر قاتل سياسي في مصر.
في السينما
كانت شخصية حسين توفيق محور رواية في بيتنا رجل لإحسان عبد القدوس. أخرجها للسينما هنري بركات في فيلم يحمل نفس الاسم عام 1961.
انظر أيضاً
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
المصادر
- ^ "حسين توفيق الشخصية الحقيقية لـبطل فيلم " في بيتنا رجل " ." جريدة الصباح العربي. 2013-03-17. Retrieved 2014-06-30.
- ^ "قصة البطل الحقيقي لفيلم "في بيتنا رجل"". جريدة الوفد. 2011-01-05. Retrieved 2014-06-30.