حركة إصلاح
الإصلاح Reform ضد الإفساد والتعطيل ، كما المضاد الحيوي والميكروبات ، وأصلح الشيء أي أزال فساده وعلله المعطلة لأدائه المفترض ؛ بحيث يصبح سليما كما يجب فهو إذا (المصلح ) وضده (المفسد المدمر) ، أما الشخص الإصلاحي : فهو كل من يساهم فيما يجب عمله لإصلاح شيء ما ..
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الاصطلاح الاجتماعي
يدخل ويتداخل مفهوم الإصلاح الاجتماعي (Social Reform) مع العديد من المفاهيم الداخلة ضمن مفهوم التغير الاجتماعي (Social change) وهكذا نجد هذا المفهوم في جذور الفكر الاجتماعي (Social thought) حيث نجد بواكير النظريات الإصلاحية (Theories of reform) ، لاسيما لدى أصحاب المثاليات في تشخيص مشكلات الواقع الاجتماعي(Social reality) وأيضا في محاولة اقتراح الحلول المناسبة لها ، وذلك من خلال رسم صورة لمجتمع مثالي يخلو من العيوب ، كما نجد ذلك لدى الكثير من المفكرين الإصلاحيين ، مثلا في : جمهورية أفلاطون الفاضلة ، ومدينة الشمس للقديس أوغسطين ، واليوتوبيا الجديدة ، ولدى الفارابي ، في أراء أهل المدينة الفاضلة ، وكذلك قي شيوعية ماركس ،،، وغيرهم .
هنا ، نجد كل النماذج الإصلاحية كانت تطرح أنموذجين (الواقعي والتصوري) فالأول يمثل (الواقع الكائن) فهو يعكس الواقع الاجتماعي الذي كانوا يعيشونه بالتركيز على ما يرونه من العيوب والفساد التي يجب تغييرها نحو الأنموذج الجديد (التصوري) الذي يرسم صورة استشرافية لواقع اجتماعي مثالي (الواقع الممكن) ، بحيث يخلو من كل العيوب والسلبيات التي تنغص حياة الناس وتسلب سعادتهم وتحد بالتالي من إبداعهم وإنتاجيتهم ، فهو يعكس ما يجب أن يكون بما يوفره من مثاليات إصلاحية يتمناها كل الناس.
وهكذا فالإصلاح مفهوم براق ومقبول لولا صفتي المثالية والحتمية فهاتين النزعتين قد شابتا الفكر الإصلاحي منذ نشأته ، إلا أنه مع تعدد التجارب الراديكالية المثالية (Radical ideal testing) التي فشلت في تحقيق التحول الإصلاحي من خلال قفزة إصلاحية وفي نقلة حتمية واحدة تراجعت فكرة الحتميات المثالية ، وفي ضوء الطرح المرحلي التنموي الذي ساد العقود الماضية ولا يزال ، فقد أصبح الإصلاحيين أقل مثالية وأكثر واقعية واحتمالية وقناعة بالمرحلية الإصلاحي ؛ويبدو ذلك في تعدد قراءات الواقع ، وفي تعدد تشخيصات الخلل الحاصل وفي تعدد المنظورات والنماذج الإصلاحية الممكنة ، فبدلا من القول بنوع من التغيير الإصلاحي الواجب والحتمي أصبحوا يتحدثون حول ما يمكن إحداثه كنقلة مرحلية نحو الأفضل ، والبعض يقتنع بالإصلاح الجزئي أي لو لم تكن النقلة على المستوى العام والشامل لكل بناء المجمع ، كما حدث في الثورات الشيوعية(Communist revolutions) أو في الثورة الإصلاحية الإيرانية ، وهكذا ربما زالت الصفة المثالية للطرح الإصلاحي ، ومع تعدد التيارات الإصلاحية تعددت النماذج المطروحة للصلاح المنشود ، وبهذا زالت أيضا صفة الحتمية في المنظورات الإصلاحية المتأخرة ، ومثال ذلك ما يعنيه الرئيس أوباما عندما قال : لكل بلد ديمواقراطيته التي تناسبه ويرتضيها أهله ، رافضا أوباما ذلك الطرح المتغطرس لأسلافه من أنصار نظرية نهاية التاريخ لفوكوياما(The theory of Fukuyama end of history) قبل سقوطها المدوي .
وكما يحتاج التنموي لرأس المال من أجل تنفيذ برامج التنمية يحتاج هذا التيار إلى شخصية إصلاحية موثوقة تتمتع بالكارزماتية ، في مخاطبة الواقع وبلورة وعي إصلاحي جماهيري فعال ، من أمثال الإمام الخميني في إيران وغاندي في الهند .. وغيرهم ، أي أنه يحتاج إلى الرجل (المصلح : Reformer) بحيث يتزعمه ويجمع شتاته كرمز إصلاحي أو مثال يحتذى ، هذا حيث كان الإصلاح في الأصل هو محور دعوات الرسل الذين يبعثهم الله لإصلاح واقعهم الفاسد ، وكذلك جاءت الحركات الإصلاحية الدينية . .
الإصلاح الاجتماعي ومفاهيم التغيير الأخرى
الوعي الإصلاحي
قبل تحديد مفهوم الإصلاح الاجتماعي فإنه بحسن بنا تحديد مفهوم الوعي الإصلاحي (consciousness of the reform) : وهو ذلك المفهوم الذي يعكس تلك المعارف والقناعات والاهتمامات والسلوكيات الإصلاحية التي تستيقظ في لحظة تاريخية استجابة لنداءات تدعو للإصلاح كضرورة ، والتي غالبا ما تتبلور في طرح صورتين لأنموذجين الأول : واقعي ويعبر عن وجود بعض العلل الحاصلة في واقعهم الاجتماعي (أنموذج سلبي مرفوض)، بحيث يجب النضال من أجل العمل على إصلاحه بإزالة أو معالجة علله ، وفقا لإنموذج إصلاحي جديد (أنموذج إيجابي مأمول) ، وسواء كان ذلك على المستوى الشامل بهدم بناء الواقع العليل وتشييد بناء جديد يسوده الصلاح (Serviceableness) ، أو الجزئي لدى البعض من الإصلاحيين ، مثلا في : النظام السياسي أو التربوي أو الاقتصادي ، أو الديمغرافي..الخ .
وأيضا يتفاوت الوعي الإصلاحي بحسب الاتجاه الذي يتمحور حوله ، فهناك نوع من الوعي الإصلاحي الحضاري ، والثقافي ، والتنموي ، والتطويري ، والتحديثي ..الخ ، وبحسب مكونات الواقع الاجتماعي ، هنالك إصلاح ديني أو سياسي أو تربوي أو ترفيهي .. الخ ، ومن ناحية أخرى نجد هنالك الإصلاح الأصولي ، والعلماني واللبرالي ، كما هنالك العديد من المستويات لتجليات هذا الوعي وهي :المحلية الوطنية والإقليمية ، والقومية والأممية والعالمية. وهكذا فإنه غالبا ما تتعدد التيارات المنادية بالإصلاح ، مثل ( تيار الإصلاح في السعودية )وغالبا ما تتبلور هذه الاتجاهات وتتمحور في وعي مشترك ، لاسيما عندما يتزعمه شخصية إصلاحية كارزماتية (المصلح: Reformer) . ومن ثم تعود الكرة بالانشطار إلى تيارات متباينة ، وبالتالي تعود لتتمحور من جديد حول طرح مشترك بوجود زعيم إصلاحي جديد (المصلح: Reformer) أو من يرمز له بعد موته ، مثل الخلفاء بعد الرسول محمد (ص) ، وحاليا نجد مثلا (المرشد الأعلى للثورة) في أيران .. وهكذا . إذن فهو وعي نقدي رمزي متجدد ، يقرن النظرية بالتطبيق وينطوي على مفهوم النضال ولا يخلو من أيديولوجية معينة.
إذا الإصلاح الاجتماعي : حالة النهوض بالاستناد إلى نوع من الوعي الإصلاحي ، في عملية تغيير مقصود لبعض أو كل معطيات الواقع الاجتماعي (الكائن) والمعتل والمرفوض لسلبياته ، وذلك أخذا بأنموذج نظري إصلاحي (ممكن) ومخطط له ،على أنه البديل المرغوب والمأمول لدى الناس نظرا لإيجابياته المطروحة و المتوقعة حول إحقاق الحق وتحقيق العدالة الاجتماعية ، وتقدير الكفاءات الإصلاحية وتوظيفها بديلا عن مكاسب استثمارات أهل الثقة في جسد ذلك الواقع الفاسد ، بحيث يتم يرفع مستوى توظيف المقدرات ورفع معدلات الإنتاجية (Productivity) كما ونوعا ، وبالتالي تعميم الخير والرخاء والرفاهية ، ويتم ذلك من خلال تحديد ما هنالك من السلبيات الحاصلة في الأنموذج الواقعي ، ومحاولة الحد منها في واقع (الأنموذج الإصلاحي) أكثر صحة وصلاحا، من حيث رفاهية الناس ورضاهم وإنتاجيتهم . ولهذا الإصلاح هنالك العديد من المستويات والمجالات وكذلك الاتجاهات والمنظورات .. بحسب اتجاهات الوعي الذي يستند إليه .
ويطلق مصطلح الإصلاحي(Personal reform) على كل من يتبنى ويخدم هذا التيار فكرا وقولا وسلوكا منهجا وغاية ، على من يتحرك من أجل الإصلاح وفقا لإمكاناته .
التغيُّر والإصلاح الاجتماعي
يشير مفهوم التغير إلى حالة التبدل والتحول من حال إلى حال أخرى غير تلك الحال التي كان عليها ذلك الشيء ، وسواء كان هذا التحول الطارئ تغييرا إيجابيا مقصودا ومعمولا من أجل إحداثه (موجها) أم سلبيا حصل بصورة عفوية ، مرغوبا كان ومطلوبا ومأمولا أم مرفوضا . يقال : تغيرت الحديقة إيجابيا بنمو الورود المزروعة بقصد تغيير منظرها نحو الأفضل والمطلوب ، أو تغيرت سلبيا ودون قصد نحو الأسوأ ، مثلا نتيجة نمو بعض الأشواك والنباتات المرفوضة . هنا نجد أن التغيير الإيجابي المقصود والمخطط له والمطلوب والمأمول قطعا سينطوي على شيء من الإصلاح . فالإصلاح هو تغيير مقصود نحو الأفضل ، ولا تعد حالة التغير دون قصد إصلاحا .
التقدم الاجتماعي
استعمل اصطلاح "التقدم الاجتماعي Social Progress " في البداية باعتباره مرادفاً لمصطلح التغير الاجتماعي، وقد جاء ذلك واضحاً في كتابات أوجست كونت ، وكوندرسه، وتيرجو ، وغيرهم . وينطوي التقدم على مراحل ارتقائية ، أي أن كل مرحلة تكون أفضل من سابقتها. وهو يشير إلى انتقال المجتمع إلى مرحلة أفضل من حيث الثقافة والقدرة الإنتاجية والسيطرة على الطبيعة .
ويعرف بأنه العملية التي تأخذ شكلاً محدداً واتجاهاً واحداً مستقيماً يتضمن توجيهاً واعياً مخططاً ومقصوداً لتوجيه عملية التغير نحو الأمـام بهدف تحقيق بعض الأهداف المرسومة والمنشودة والمقبولة ، أو الأهداف الموضوعية التي تنشد خيراً أو تنتهي إلى نفع . ومفهوم التقدم يتضمن مدخلاً معيارياً قيمياً للحكم على الأحداث الاجتماعية حيث يعتقد معظم مفكري كل عصر أن التقدم الذي وصلت إليه مجتمعاتهم الراهنة أفضل مما كانت عليه في السابق ، ومع بداية العصور الحديثة ظهرت حركة فكرية تدعو إلى التفاؤل في المستقبل ، كما أن فكرة التقدم تحمل مضموناً نسبياً فقد تتغير بتبدل الأحوال والأزمنة ، فالتقدم في مجتمع أو عصر قد يكون تخلفاً بمفهوم مجتمع أو زمان آخر ، حيث يدخل الجانب الخلقي، فالأهداف المحققة نتيجة للتقدم تختلف النظرة إليها، نظراً لصعوبة قياس الأهداف ناهيك عن صعوبة حصر الوسائل المؤدية إليها.
وهكذا فإن التقدم الاجتماعي قد يكون هدفا من أهداف الإصلاح الاجتماعي ، لاسيما عندما يكون هذا التقدم مرغوبا لدى الناس في زمان ومكان محددين .
التنمية والإصلاح الاجتماعي
التنمية الاجتماعية (Social development) : وهي عملية التغيير االموجه ، والمقصود والمخطط لتحققه من خلال برامج موجهة في خطط خمسية أو عشرية نحو تحقيق أحجام أكبر وأعداد أكثر من النمو والزيادة التراكمية المرحلية في كل مجالات الواقع ، مع أنها غالبا ما تركز على الجوانب الاقتصادية لاسيما الاستثمارية التي يستحوذ عليها المتنفذون في مفاصل الميدان التنموي ، وقد ساد هذا التيار معظم بلدان العالم في العقود الأخيرة من القرن المنصرم ، وعلى الرغم من الإيجابيات التي تحسب لصالح هذا التيار ، والتي تتمثل في إنشاء العديد من المشاريع في البناء والطرق والصناعة والزراعة وفي الانفتاح على العالم ، إلا أن لهذا النمط بعض الإفرازات السلبية المتعددة والمتداخلة والمتساندة والمتكاملة بصورة شديدة التعقيد ، وهي تعبر عن حالة من التضخم المرضي للواقع مع سيادة (أهل الفساد) على أنهم (أهل الثقة) واستحواذهم على سلطة القرار وعلى كل المقدرات ، وهكذا فإنهم يطغون على الناس فلا يعون سوء أحوالهم وهمومهم ، ولو أنهم وعوها لا تهمهم ، ما يهمهم هو فقط مصالحهم الخاصة في تنمية أملاكهم وممتلكاتهم ، ولهذا سادة الواسطة والمحسوبية والرشوة في المعاملات ، وهكذا همشوا كل الناس وحجبوا عنهم حتى حقوقهم الثابتة ، حيث ضاعت العدالة واختلت المعايير وشوهن الفضيلة.. ، فانتشرت بذلك الجريمة والانحراف والتحلل والعطالة والفقر والتشرد ..الخ ، وكان الوعي المتطرف بالعنف من أبرز الإفرازات السلبية المتعلقة بعمليات الفرز الطبقي ، والتمركز السكاني في العواصم ، وخلو الريف من أبنائه المنتجين ، مع سيادة خفافيش الظلام واستحواذ مصاصي الدماء من المتنفذين على استثمارات التنمية وتوظيفها لصالحهم ، ولو مع شيء من ذر الرماد في العيون .
هكذا جاء التيار الإصلاحي لتغيير هذا الواقع من خلال العمل على إصلاح ما يكتنف هذا الواقع من العيوب والسلبيات ليصبح واقعا سليما صالحا بقد الإمكان . وبذلك نجد نوعا من التداخل بين المفهومين فكلاهما تغيير موجه ومقصود ومرغوب والاختلاف فقط في شكل هذا التغيير وفي أي المجالات وأيها الأهم ، فالتنمية في جانب منها هي نوع من الإصلاح التنموي ، كما أن الإصلاح هو في أحد جوانبه نوع من التنمية الإصلاحية .
الإصلاح التنموي(Development reform)
ويعني عملية الإصلاح من منظور تنموي ، ويشير إلى عملية إصلاح الواقع الراهن في ضوء الطرح التنموي ، أي من خلال تحقيق الزيادة والنمو الموجب والممكن في مجالات تنموية معينة ، مع تفادي أكبر ما يمكن من إفرازاتها السالبة . مثلا بناء العديد من المدارس والمصحات وتوزيعها كما يجب ، أو زيادة أعداد الخريجين في تخصصات معينة ، أو إنشاء العديد من المشروعات الإنتاجية في الريف ليصبح جاذبا للمهاجرين لاسيما العائدين من المدن ، وذلك لتخفيف حدة التمركز السكاني في العواصم وضغطهم على الخدمات وللتخفيف من العطالة ، ولرفع المستوى المعيشي لأهل الريف ، مع خفض معدلات الجريمة والانحراف ، وتنشيط الحراك الاجتماعي ، والتفاعل الإنتاجي.. الخ .
التنمية الإصلاحية (Development reform)
ويعني عملية التنمية من منظور إصلاحي ، ويشير إلى عملية التنمية التي تتجه في ضوء المنظور الإصلاحي نحو تحقيق الزيادة والنمو الموجب والممكن في مجالات معينة من الواقع الراهن بغرض إصلاحها ، مع تفادي أكبر ما يمكن من إفرازاتها السالبة. والأمثلة السابقة تنطبق هنا أيضا .
التحديث والإصلاح الاجتماعي
التحديث الاجتماعي (Social modernization) : هو اتجاه نحو التغيير التحديثي التطويري ، حيث يرى باستبدال كل ما هو تقليدي بكل ما هو حديث ، وهو يتمحور حول الأنموذج الرأسمالي الغربي ويرى بشيء من الفوقية لكل ما هو نتاج غربي ؛ على أنه الأمثل الذي تجب محاكاته والارتقاء إليه من خلال استيراد معطياته الخ . وقد تألق أنصار هذا التيار إبان توهج مقولات نهاية التاريخ وسقف التاريخ إشارة إلى النموذج الغربي في مقابل نماذج مستنقع التاريخ التي يجب عليها اللحاق بالركب من خلال استعارتها لهذا النموذج التطوري النهائي والفريد في زعمهم .
فالتحديث إذا هو عملية تغيير إصلاحي ، بحيث يمكن اعتبار أن التحديث الاجتماعي هو نوع من الإصلاح الذي يتم وفقا لمعطيات الأنموذج الأحدث أي الغربي (التحديث الإصلاحي : Modernization reform) ، كما ينطوي الإصلاح أيضا على جوانب تحديثية ، خاصة ما يتعلق بالأدوات والوسائل والتقنية ..الخ والنظم ..(الإصلاح التحديثي: Reform retrofit).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
التطور والإصلاح الاجتماعي
يشير مفهوم التطور الاجتماعي (social evolution) إلى ذلك التغير الذي يعكس حالة الانتقال من مرحلة تطورية معلومة إلى مرحلة معلومة ومتوقعة في اتجاه معين ، مثل تطور الحياة الاجتماعية من الصيد والالتقاط إلى البداوة ثم الريفية ثم الحضرية ، ومن الزراعية إلى الصناعية إلى ما بعد الصناعية. وسواء تم ذلك بقصد (تطوير) ومن خلال التخطيط لإحداث تغيير ما مثل اعتماد سياسات التوطين للحد من البداوة ، أو أنه تم بدون قصد (تطور) كتحول البادية نحو حياة الاستقرار دون تدخل ، وسواء كان هذا التطور سلبيا أم إيجابيا ، كتطور حالات الصراع إلى المظاهرات ثم المصادمات ثم الحرب ، وتطور حالات الجو والأوبئة ..الخ.
وهكذا يمكن اعتبار التطوير القائم على التغيير المقصود والموجب والموجه نحو تحقيق مرحلة متقدمة ، لا يختلف كثرا عنه في مفهوم الإصلاح، فهناك إذا ما يمكن تسميته (التطوير الإصلاحي: Reform of Evolutionary) وأيضا من الجانب الآخر نجد مفهوم (الإصلاح التطويري : Evolutionary reform) .
مجالات الإصلاح الاجتماعي (The areas of social reform)
تتحدد هذه المجالات وفقا لحدود الواقع الاجتماعي المستهدف بالإصلاح وعليه نجدها كما يلي :-
1- المجالات المحلية (Local areas of State): أي في حدود دولة واحدة ، كما تم في إيران .
2- المجالات الإقليمية(Regional areas): أي عدة دول متجاورة كدول جزيرة العرب أو الهلال الخصيب ، أو حوض النيل أو المغرب العربي ..الخ.
3- المجالات القومية (Areas of national): مثل الدول العربية ،
4- المجالات الأممية (Areas in the nation): كدول المسلمين مثلا ،
5- وأخيرا المجالات العالمية (Areas of the world) : مثل الإصلاحات التي تنفذ بواسطة مؤسسات الأمم المتحدة لتشمل كل أعضائها .
قضايا الإصلاح الاجتماعي (Issues of social reform)
وهي تتمثل في كل مكونات الواقع الاجتماعي المستهدف ، ويمكن تصنيفها بحسب المنظور الحاسوبي (Social theory of computer) ـ الذي يطرحه د.شائم بن لافي الهمزاني ، أستاذ علم الاجتماع بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلاميةـ للمقاربة بين مكونات الواقع الاجتماعي ومكونات الحاسوب وهي : (الهارد وير ، السوفت وير ، الأداء التفاعلي الناتج ) وعليه فإنه يمكن تصنيف قضايا الإصلاح إلى ثلاث قضايا رئيسة وهي :-
1ـ الهارد وير(Hard Weir) : ويمثل كل القضايا الحضارية (المدخلات المادية وتجلياتها) وتتمثل في كل الأدوات والوسائل والمنشئات ، وكل المكونات المادية (المنظورة) في الواقع الاجتماعي .
2ـ السوفت وير(Software) : ويشير إلى كل القضايا الثقافية (مدخلات الوعي وتجلياته) لغة معرفة دين قناعات اتجاهات فكرية رمزيات فنون أساليب تقنية ، ،إلخ . و تبدو هنا قضية إصلاح بناء الشخصية الفردية موازية لإصلاح بناء الواقع الاجتماعي .
3ـ الأداء التفاعلي (Interactive performance) : ويعني كل القضايا التفاعلية (مدخلات الاجتماع وتجلياته) أي مختلف الظواهر والنظم والبناءات والعمليات الناتجة عن التفاعل الواقعي للناس .
مستويات الإصلاح (Levels of social reform)
أولا :الإصلاح الشامل(Comprehensive Reform) :
وهو اتجاه راديكالي يؤمن بالهدم من أجل إعادة البناء ، حيث يرى بوجود فساد شامل في كل معطيات الواقع الكائن بحيث يجب استبدالها بأخرى صالحة ، وأولها يأتي النظام السياسي ليشمل كافة البناءات والنظم الأخرى ، وهكذا فهو يقيم بناء جديدا صالحا على أنقاض السابق الفاسد ، وغالبا ما تأتي دعوات الإصلاح على هذا المستوى الشامل من خارج المجال الإصلاحي . ..
ثانيا : الإصلاح الجزئي التوفيقي(Partial reform compromise) :
وهو اتجاه محافظ ضمن النظام السائد إلا أنه يرى بوجود بعض العيوب التي يمكن ترقيعها أو ترميمها ، مع المحافظة على هيكلية البناء القائم ، وهنا يتفاوت التوفيقيون من حيث مستوى ومجالات نقدهم حول إصلاح الواقع (خطوطهم الحمراء) ونجدهم غالبا إما من المقربين للسلطة أو الخائفين منها ..
ثالثا: الإصلاح الجزئي التلفيقي(The fallacy of partial reform) :
وهو اتجاه أكثر محافظة إلا أنه ومن خلال وجهة نظر النظام القائم ، قد يرفع شعار الإصلاح ويقترح بعض الإصلاحات الزائفة والمحدودة في بعض المجالات الثانوية كالخدمات البلدية ، أو التعليمية ، أو.. وأنصار هذا التيار غالبا ممن يقولون غير ما يعرفون ويقترحون عكس ما يؤمنون به ، وأغلبهم مع كل الأسف من الكتاب والإعلاميين والأكاديميين بحسب توجيهات المسئولين في الحكومة ، على أن من يحركهم غالبا هم الاستغلاليون ، المستفيدون من استمرار الفساد في أساسيات الوضع القائم ..الخ.
هذا ما تيسر حتى الآن من الحديث حول مفهوم الإصلاح المطروح بقوة في مرحلتنا الراهنة ، بحيث أعاد إلينا شيئا من بصيص الأمل في الخلاص من واقع الفساد الذي نعيشه في ما يسمى دول العالم الثالث (Third World countries) ،، وهنا ربما نتساءل في ضوء حديثنا في المقدمات السابقة حول ماهية خصائص الإصلاح المنشود حاليا ؟ وماذا عن نظرية الإصلاح الأوبامي(The theory of opama reform) ؟ هل يمكن النظر إليها كنوع من البيريسترويكا الامبريالية (Perestroika imperialism) ؟ أم انقلاب وتمرد عليها من داخلها ؟ وإلى مدى يجب علينا الأخذ بها ومواكبتها ؟ ولماذا ذلك ؟ وكيف لنا ذلك ؟ ومتى ؟ وأين ؟ وأخرى ..