حتا (الإمارات)
بين الجبال على حدود سلطنة عمان وعلى بعد 110 كيلومترات من دبي تنام مدينة صغيرة جميلة من مدن إمارة دبي اسمها "حتا"، عبر هدوئها وجمال طبيعتها ينتشر عبق التاريخ متسللاً من حصونها وأشكال أبنيتها، وتراثها في الحرف والزراعة، كانت هناك منذ مئات السنين، ذكرها ياقوت الحموي في كتابه الذي يشكل ثبتاً جغرافياً للبلدان في عصره "معجم البلدان"، وذكرها أبو العلاء المعري في كتابه "رسالة الصاهل والشاحج".
يقال إن جيوش الفتح الإسلامي عسكرت فيها في بعض حروبها، نظراً لكونها موقعاً استراتيجياً، من تحكم فيه فقد هيمن على جزء مهم من طرق القوافل التجارية والحدود بين مناطق مختلفة، ومنذ تلك التواريخ وهي مهد لعطاء سخي يمده التنوع النباتي الذي يتشكل حولها بفعل مياه الأودية والمطر الذي ينزل فيها صيفاً وشتاءً .
حتا القديمة هي اليوم حي تراثي وسط المدينة الحديثة، وتحتوى على تحف فنية وآثار قديمة تدل على ما وصل إليه سكانها من تطور حضاري ونشاط حرفي، وقد اقتضت طبيعة المنطقة تطوير تلك الحرف، فلكونها منطقة زراعية فيها النخيل وأشكال الزراعة الأخرى فقد نشطت فيها صناعة الآلات المرتبطة بالزراعة بكل أنواعها، كما أنها وجودها كمنطقة استراتيجية على مر العصور أوحى إلى سكانها بصناعة أنواع الأسلحة واقتنائها، بدءاً بأسلحة العصور الحجرية وحتى أسلحة العصور المتأخرة، وفي حتا أبراج قديمة من أشهرها برج حتا الجنوبي، وبرج حتا الشمالي، وهناك حصنان رئيسيان، هما حصن الجبل الذي يقع على قمة أحد جبال حتا وقد بناه محمد بن أحمد بن خلفان المايدي البدواوي، وهو حديث بالمقارنة مع الحصن الثاني وهو حصن الحاره، وتحتوي المدينة القديمة على مساجد قديمة جداً من أشهرها مسجد الشريعة الذي يعود تاريخ بنائه لأكثر من 200 سنة ومسجد الحيل، ومسجد الولاي، ومن التحف الفنية والزراعية في حتا مشهد الأفلاج التي تحيط بالمنطقة من كل مكان وتشكل قديماً مصدر المياه الأول للسكان، وأداة الري التقليدية للمزارع وواحات النخيل، تقام في شعاب الجبال وتشكل مدافع للماء ينزل معها في اتجاه المزارع والمصاب التي يقيمها السكان لأغراض الري، وهناك أفلاج عملاقة تسمى بالأفلاج الداوودية نسبة إلى النبي داوود عليه السلام، وعددها سبعة أفلاج هي عبارة عن قنوات مائية ضخمة تحت الأرض، بنيت قديماً لغرض تنظيم اتجاه سير الأفلاج الفرعية ولا تزال موجودة إلى الآن، كما تتخلل حتا أودية عديدة من أشهرها وادي الحتاوي، ووادي المجرة، ووادي جيما، ووادي حتا، وقد أقيمت عليها سدود حديثة لحفظ مياه الأمطار التي تتجمع فيها .
الغنى الزراعي والتنوع النباتي شكلا لأهل حتا مصدر زرق دائم، وجعلهم يقيمون علاقات تبادل اقتصادي مع المناطق المجاورة لهم، وسمح لهم بأن يغذوا بإنتاجهم الزراعي المدن والقرى الأخرى مقابل حصولهم على المواد والألبسة وغيرها، حيث كانوا يتاجرون بالتمر والعسل والبقول والثمار الأخرى والصوف، كما امتهن بعضهم البناء وتدل عمارتهم على إتقانهم لأنواع البناء التقليدي.[1]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الهامش
- ^ محمد ولد محمد سالم (2014-06-12). ""حتا" موقع جغرافي يفوح بعبق التاريخ". صحيفة الخليج الإماراتية.