تصوير الباروك الفلمنكي
تاريخ التصوير الهولندي والفلمنكي | |
الهولندي المبكر (1400 – 1500) | |
تصوير عصر النهضة (1500 – 1584) | |
تصوير "العصر الذهبي" الهولندي (1584 – 1702) | |
تصوير الباروك الفلمنكي (1585 – 1700) | |
قائمة المصورين الهولنديين | |
قائمة المصورين الفلمنكيين |
تضافرت الحاشية والكنيسة، والنبلاء وأبناء الشعب في البذل من أجل إحياء الفن الفلمنكي، ورعى البرت وإيزابل وشجعا كثيراً من الفنانين، إلى جانب روبنز. وكانت أنتورب لفترة من الزمن مركز الفن في أوربا، واستعاد قماش بروكسل المزركش (النسيج المطرز بالكانفاه) امتيازه وتفوقه، مستعيناً برسوم روبنز البطولية. وكان صانعو الزجاج البنادقة قد جلبوا فنهم إلى الأراضي الوطنية في 1541، وأنتج الصناع المهرة المحليون منه الآن قطعاً هشة آية في الإعجاز، كان بعضها محل إعزاز وإعجاب إلى حد أنها غالبت قروناً من الفتنة والشغب فغلبتها، وأبدع صناع المعادن أعاجيب من نسج أفكارهم وأيديهم، مثل الآنية المعدنية الفاخرة التي تحفظ فيها الذخائر الدينية، التي يمكن أن توجد في الكنائس الكاثوليكية في بلجيكا، وألحت الأرستقراطية التجارية في طلب القطع الفنية: وجلسوا أمام المصورون، وشيدوا قصوراً فخمة، ودوراً للبلدية، لمثل تلك التي شادها كرنيلي دي فرندت تمجيداً لأنتورب (1561-1565) قبل العاصفة. ولما جرد المتعصب الذميم الكنائس من آيات الفن، بات هؤلاء التجار الأرستقراطيون يشدون من أزر المراسم ويرعونها في لهفة وحماس، يلحون في طلب التماثيل واللوحات ليصوروا العقيدة للشعب.
ولم يزدهر فن النحت هنا، لأن فرنسوا دوكيسنوى، ابن بروكسل، أنجز معظم أعماله في رومة حيث نحت تمثالاً ضخماً لسانت أندروز بداخل كنيسة القديس بطرس، وإن نفراً قليلاً من السائحين الذين يحرصون على رؤية "أقدم مواطني بروكسل"، نافورة مانكن بس Manneken Pis (1619)-تمثال برونزي لصبي يزيد في مياه المدينة من موارده الخاصة-يعملون أن هذا هو أبقى روائع دوكيسنوي على الزمن.
أما المصورون الفلمنكيون فإنهم يجلون عن الحصر، وواضح أن كل بيت في الأراضي الوطيئة كان عليه أن يقتني لوحة أصلية، وأنكب ألف فنان في مائة مرسم على تصوير الأشخاص والمناظر الطبيعية والحيوانات والمؤن والأساطير والعائلات المقدسة وصلب المسيح، أما إسهامهم المتميز في تاريخ الفن فهو صور جماعية للهيئات البلدية، وصور تمثل الحياة المنزلية أو القروية وتأثير هؤلاء الفنانون في أول الأمر بالطرز الإيطالية، فقد أبحرت السفن الإيطالية كل يوم إلى أنتورب، وافتتح التجار الإيطاليون متاجر لهم فيها. وجاء الفنانون الإيطاليون ليهزأوا ويسخروا فأقاموا ليرسموا، وقصد كثير من الرسامين الفلمنكيين إلى إيطاليا للدراسة، واستقر المقام ببعضهم هناك، ومن هؤلاء جوستوس سوستر مانزا أحد أبناء أنتورب، الذي أصبح مصوراً للأشخاص، مقر باوذا حظوة لدى أدواق تسكانيا العظام، وأن بعضاً من أجمل اللوحات في قصر بتي هي ريشة هذا الفلمنكي المفعم بالحيوية، وعاد فرانس فلوريس من دراسته مع ميكلأنجلو في روما، وأطلق على نفسه بصراحة أنه "روماني" واستساغ التشريح وأخضع اللون للخط، وظل مرسمه في أنتورب لمدة جيل (1547-1570) كعبة للتصوير الفلمنكي وذروته، وقد يكون جديراً أن نزور كلين لنري في متحفها لوحته الرائعة الضخمة "زوجة صياد الباز" وعاش فرانس في بحبوحة من العيش. وشاد لنفسه قصراً، وأسرف في العطاء وفي الشراب، وبات فقيراً، وكان كورنلس دي فوز أقدر أفراد أسرة كبيرة من المصورين، وعندما كان يتزاحم ذوي المكانة أمام روبنز ليصورهم كان يرسل بعضهم إلى فوز، مؤكداً لهم أنهم سيظفرون منه بمثل ما يرجون من روبنز نفسه، ولا يزال في مقدورنا أن نشاهد لوحة تمثيل كورنلس وزوجته وابنتين لهما؛ معلقة في متحف بروكسل.
وذبلت الفتنة الإيطالية حوالي نهاية القرن السادس عشر، واستأنف الفنانون الفلمنكيون موضوعاتهم وأساليبهم المحلية. وعاد دافيد تنيبر الأكبر إلى أنتورب. برغم أنه درس في روما ليرسم "المطبخ الهولندي" و"مهرجان القرية(3)"، ثم عاد ابنه حتى تفوق عليه، وشكل سليل العجوز درول بيزانت بيتر بروجل أسرة من المصورين توفرت على تصوير المناظر الطبيعية المحلية والمشاهد الريفية، ومنها ولداه بيتر بروجل "الجحيم" وجان بروجل "المخمل"، وحفيداه جان الثاني وأمبروز، وحفيده أبراهام، وحفيده الأكبر جان بابتس بروجل، وقد امتد بالأسرة العمر قرابة قرنين من الزمان (1525-1719)، ولنوضح سجل أعمالهم هنا نقول بأنهم ورثوا عن سلفهم العظيم النزعة إلى المشاهد الريفية والمهرجانات القروية،ورسم بعضهم خلفيات مناظر طبيعية لروبنز المثقل بالممل.
وأخرج فنانو الأراضي الوطيئة الفن من الكنيسة والدير إلى البيوت والحقول والغابات ورسم دانيل سيجرن الأزهار والفاكهة في تفصيل محبب إلى النفس، وخص العذراء بأكاليله المصورة، وأنضم إلى الجزويت، وبعث فرانس ستيدرز الحياة والتعبير في جوانب العديد من المتاحف بمناظر الصيد المثيرة، والمفزعة أحياناً، وبالكثير من أطباق لحم الطرائد والفاكهة، ولا يزال، كما وصفه روبنز، أعظم مصوري الحيوان. لم ينافسه أحد في روعة تظليل فراء الحيوان أو ريش الطير.
وعاد أدريان بروور Brouwr إلى فلاحي بروجل، فأبدعت فرشاته تصويرهم وهم يأكلون، ويشربون، ويغنون، ويرقصون، ويلعبون الورق، والنرد، ويقاتلون أو يعربدون في احتفال صاخب، أو يغطون في النوم. ومر أدريان نفسه بأطوار كثيرة في حياته التي لم تتعد اثنين وثلاثين عاماً، فإنه درس مع هالس لفترة وجيزة؛ وفي سن الواحدة والعشرين أصبح أستاذاً مسجلاً في نقابة الرسامين في أنتورب، وكان ينفق أكثر مما يحتمل دخله، وسرعان ما غرق في الديون، وأودعه الأسبان السجن لأسباب غير معروفة الآن، ولكنه كان يحيا فيه مترفه، ثم استرد حريته وسدد ديونه بفضل صور صغيرة، زاخرة بالحياة ممتازة فنياً من ناحية الرسم الحسي وحركة الضوء الرقيقة، إلى حد أن روننز ابتاع منها سبعة عشرة رسماً، ورميرانت ثمانية، ولا يبدو فلاحوه سعداء قط إلا إذا ثملوا بالنبع القوي أو الخمور الرخيصة، على أن بروور آثر فلاحاً يغني مع كأسه على أمير منافق يرفل في الحرير، وفي سن الثانية والثلاثين عثر عليه وقد فارق الحياة خارج باب إحدى الحانات.
وكان جاكوب جوردانز أكثر وقاراً واتزاناً، نقش في إحدى لوحاته "تحذيراً للظمأ": "إن أشبه شيء بالجنون هو الخمور". واختار أن يرسم رجالاً يستطيعون احتساء الخمر دون هذيان أو خبل، ونساء يرفلن في حفيف الحرير في إجلال وعظمة. ولد جاكوب في 1593 وعمر حتى الخامسة والثمانين مع كمال الوعي والإدراك. ورسم لنا شخصه في لوحة "الفنان وأسرته"(4)، رجل منتصب القامة. واثقاً بنفسه، رشيقاً، ثرياً، يمسك بمزهر، وزوجته مطمئنة في الطوق المكشكش الخانق حول رقبتها، وابنة لطيفة بدأت لتوها ريعان شبابها كما تبدأ تتفتح أزهار الغلاندرز، وبنتاً صغيرة سعيدة بالبيت الهادئ والمذهب المريح أنظر إلى الصليب المتدلي على صدرها. وتحول جوردانز إلى البروتستانتية، ولكن في سن الثانية والستين. ورسم عدة لوحات دينية، ولكنه آثر مشاهدة الحياة اليومية والأساطير "وفيها يستطيع أن يبرز الرؤوس الضخمة والصور المتألقة التي كان قد رآها في أروقة البيوت في أنتورب مثل لوحة "الملك يحتسي الخمر(5)"، أو أفضل منها لوحة "قصة الخصب(6)"، وهنا، وسط الفاكهة (التي رسمها سنيدرز صديق جاكوب) والفراشات تروعنا فتاة فتاة عارية فاتنة، تشاهد من مسقط خلفي فقط، ولكنها في كل نضارة الشباب ورشاقته، ترى أين عثر جوردانز على نموذج لهيفاء مثل هذه في الفلاندرز على عهد روينز؟
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
انظر أيضاً
الهامش
المصادر
- Belkin, Kristin Lohse (1998). Rubens. London: Phaidon Press. ISBN 0714834122
- Martin, J. R. (1977). Baroque. New York: Harper & Row. ISBN 006435332X
- Slive, S. (1995). Dutch painting 1600-1800. Yale University Press Pelican history of art. New Haven, Conn: Yale University Press. ISBN 0300064187
- Sutton, P. C., & Wieseman, M. E. (1993). The Age of Rubens. Boston: Museum of Fine Arts in association with Ghent. ISBN 0810919354
- Vlieghe, H. (1998). Flemish art and architecture, 1585-1700. Yale University Press Pelican history of art. New Haven: Yale University Press. ISBN 0300070381