بوكو حرام في الكامرون
منذ ديسمبر 2014، تضاعف بوكو حرام الهجمات القاتلة في منطقة أقصى شمال الكامرون. في كولوفاتا وفوتوكول وكوسيري. وذلك انطلاقاً من محافظة بورنو بنيجيريا، حيث تسيطر على عشرين مدينة. خلال 2014 اقتصرت بوكو حرام على عمليات معزولة، وبدأت في 2015 تشن غارات يقوم بها مئات من المقاتلين.[1]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
بداية التدخل في الكامرون
وعلى الرغم من حشد ثلاثة ألاف جندي وقاذفات القنابل والدبابات والمعدات الهجومية، فإن القوات الأمنية الكبيرة الذي نشرتها الحكومة الكامرونية منذ أبريل 2014، تجد نفسها في مواجهة منظمة قوية تبدو منتشرة في جميع أنحاء البلاد.
وغالباً ما يصحب غارات بوكو حرام عمليات اختطاف تليها مطالب بدفع فدية. والإفراج عن أول الرهائن، مثل أسرة مولان-فورنييه، المختطفة يوم 19 فبراير 2013 في قرية دبنگا، على بعد 80 كم من كوسيري، أو الكاهن الفرنسي جورج ڤندنبوش المخطوف في نگوتچوه في 14 نوفمبر 2013، لم ينه هذه السلسلة.
في أوائل أبريل 2014، تم أسر الراهبين أنطونيو جوڤاني ألگيري وپاولو جوڤاني مارتا والراهبة گيلبارت بسيير، مع الزعيم التقليدي لقرية گوملدي، الذي عثر عليه مذبوحاً في نيجيريا، في 16 مايو وفى 17 مايو اختفى عشرة مواطنين صينيين ليلا في وازا. يوم الأحد 27 يوليو، تعرضت مدينة كولوفاتا لهجوم مدو اختطفت خلاله زوجة نائب رئيس الوزراء أمادو علي، وشقيقتها مع رئيس بلدية كولوفاتا ولاميدو [2] سيني بوكار امين Seini Boukar Lamine وزوجته، وستة من أطفاله وعدد من أعضاء العائلة.
توسع الأنشطة وعمليات الاختطاف
في 25 سبتمبر ضبطت قوات الأمن المئات من الأسلحة الحربية والآلاف من الذخيرة في كوسيري، مما يؤكد الطبيعة الاستراتيجية لشمال الكاميرون بالنسبة لبوكو حرام.[4] وأصبح الآن احتمال تدخل المنظمة في الجنوب وفي المدن الكبيرة، يؤخذ على محمل الجد. لأن البلاد أصبحت وكرا للجريمة. وينعكس ذلك على انعدام الأمن في جمهورية أفريقيا الوسطى ونيجيريا. في المنطقة عموما وفي منطقة الساحل بالذات، بات تداول الأسلحة من الترسانة الليبية يسهل طرق العمل التي اعتمدتها المنظمات المسلحة. وهي تسعى إلى إقامة ملاذات آمنة، مفضّلة "المناطق الرخوة" التي تعجز الدول عن بسط نفوذها عليها. تتركز الأجهزة الأمنية الكاميرونية في اثنين من المدن الكبرى هى العاصمة ياوندي ودوالا، في حين أن مناطق الأطراف تعانى في مواجهة عناصر إجرامية فاعلة مجهزة بالتقنيات الحديثة، مثل نظام تحديد المواقع العالمي وهواتف الأقمار الصناعية.
بالإضافة إلى معداته العتيقة أو المتقادمة في أغلب الحالات، فإن عدم الانضباط، وغياب التنسيق، واختلال نظام الاستخبارات والفساد يؤثر بصورة سلبية على عمل الجيش الكاميروني المقسم: بين وحدات نظامية سيئة التجهيز ووحدات النخبة (الحرس الرئاسي - كتيبة التدخل السريع)، التي هي أفضل تدريبا وتجهيزا. هناك شعور متزايد بالظلم يؤدّي إلى خلق تنافس بين مختلف القطاعات. ويبدو أن بوكو حرام تسعى إلى تقويض سلطة الدولة باعتماد الهجوم المباشر على الثكنات ومراكز الحرس الوطني والسلطات المحلية.
إن الحدود التي يسهل اختراقها، تمتد إلى بحيرة تشاد، وليس من العسير على المجموعات المسلحة تركيز وجودها عبرها. وليس لها في الغالب، وجود مادي مرئي. فمن السهل إذن نقل الأسلحة والمعدات، أو إخفاء الرهائن وغنائم الحرب. وفضلا عن ذلك، يمر الخط الفاصل مع نيجيريا عبر منطقة اجتماعية وثقافية قديمة يعود تاريخها إلى إمبراطورية كانم برنو العظيمة في القرن السادس عشر ويولا Yola. وكانت المنطقة الشمالية من الكاميرون تابعة للخلافة الإسلامية التى أقامتها أثنية الپول وسوكوتو في أوائل القرن التاسع عشر، حين تكونت الدويلات الإسلامية المسماة لمدات. ازدهر فيها السفر والتجارة منذ قرون. وتعايشت فيها العديد من الجماعات العرقية (البول، العرب، كوا، كوتوكو، الكانوري، الهاوسا)، على جانبي الحدود وظلت تتكلم نفس اللهجات، مما سهل اليوم على بوكو حرام الاندساس بين السكان.
"تريد منظمة بوكو حرام خاصة بث الفرقة بين القرى على الحدود لتطويع القرويين بترهيبهم وإقامة مخيمات جديدة في الكاميرون. كما تريد المجموعة الإرهابية تخويف الناس حتى لا يتعاونوا مع السلطات"، كما يقول ضابط كاميروني، اشترط عدم الكشف عن هويته. ويبدو أن هذه التدابير ناجعة، حيث يسود قانون الصمت. يقول أحد سكان كولوفاتو: "ومن الخطورة بمكان أن تتم مشاهدتك بصحبة الشرطة، وكثيرا ما يقال لنا أن وجودهم مؤقت الكثير منا يتم اختطافهم ليلا، وتعنيفهم أو قتلهم".
عدد اللاجئين في أقصى الشمال ينمو بشكل واضح رغم غياب إحصاءات دقيقة. هم يعدون بالآلاف، ينزحون من الشرق، حيث توجد أزمة أفريقيا الوسطى، ومن شمال شرق نيجيريا.[5] ويتجاوز تدفقهم قدرة الاستقبال في المخيمات التي أقامتها مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR). إذا كان هؤلاء الناس يتيحون للسلطات الكاميرونية جني فوائد رمزية بصفتها الدولة "حامية"، فإنهم يسهمون أيضا في عدم الاستقرار وانعدام الأمن. ووفقا لتحقيق أجرته مجموعة الأزمات الدولية فإن بوكو حرام تستغل تدفق اللاجئين لتسريب مقاتليها إلى المنطقة.[6]
وتدل الهجمات الجريئة التى تمت في 27 يوليو 2014 والتي استهدفت شخصيات بارزة أن بوكو حرام تستفيد من تواطئ شركاء محليين، أو حتى في أعلى مراتب السلطة. هذه الأعمال لا يمكن تصورها دون جمع معلومات دقيقة وموثوق بها. ويذهب البعض إلى اتهام أفراد المخابرات الكاميرونيين القاطنين في القرى والذين يقاسمون الشعب ضنك العيش بالقيام بدور الكشافة والمخبرين لصالح المنظمة الإرهابية.[7]
تغذي الأموال المتأتية من الفدية صناديق المنظمة التي تتعامل مع العديد من الأنشطة الإجرامية. وما تزال حكومة الكاميرون تنفي دفع الأموال مكتفية بالإشارة الى مفاوضات ناجحة مع الخاطفين، كما كان الحال بالنسبة لعائلة مولان - فورنييه. ويكون الاختطاف ذا طابع إجرامي ودون اعتبارات سياسية. "ويرتبط اليوم هذان النوعان من الاختطاف الإجرامي والإجرامي السياسي بشكل قوى"، وفق تحليل پيير كوميزا، نائب المدير السابق للشؤون الاستراتيجية. وقد أدّت حملة الإرهاب التي تقودها بوكو حرام الى وضع حد للتجارة والتبادل التجاري عبر الحدود. وإلى وقت قريب، كان كثير من الكاميرونيين يعبرون الحدود يوميا إلى الأسواق المزدهرة في ولاية بورنو في نيجيريا وهى بنكي وكيراوا، وغيرهما، بهدف بيع منتجاتهم، لكن نقاط العبور هذه أصبحت مهجورة اليوم. كما تراجعت السياحة في الشمال وأقصى الشمال بشكل حاد. وباتت الفنادق والمواقع السياحية مهجورة، بما في ذلك حديقة وازا الوطنية.
رد الحكومة الكاميرونية
أطلق رئيس الكاميرون پول بيا، البالغ 81 عاما وفي الحكم منذ اثنين وثلاثين عاما، في يوليو 2014 خطة طوارئ لمنع بوكو حرام من الاستفادة من السخط الشعبي الذي تغذّيه القيود المفروضة على العملية الانتخابية. وتضمّنت الخطة توفير المياه من خلال حفر الآبار والتعليم من خلال بناء العديد من المدارس والطرقات والعيادات الصحية، وخلق فرص التشغيل ومراكز للتكوين المهني للشباب. ومع ذلك، يشجع الفقر والبطالة المتفشية، لاسيّما في صفوف الشباب، على الانخراط في الميليشيات والجماعات المسلحة والشبكات الإجرامية. ويبقى شمال الكاميرون، الذي يشمل ثلاث مناطق (أداماوا ومدينتها الرئيسية نگاونديري، وأقصى الشمال مع ماروا والشمال مع گاروا (المنطقة الأقل نموا في البلاد. وارتفعت نسبة من يعيشون تحت خط الفقر، بين سنتي 2001 و2007، من 18.8% إلى 24.6%، في حين انخفضت النسبة 0.3% في بقية أنحاء البلاد.[8] للحد من ضعف نسبة التعليم[9]، قررت الحكومة سنة 2011 انتدابا استثنائيا لخمسة وعشرين ألفا من الشباب في الوظيفة العمومية وافتتاح جامعة في ماروا. وتتفاقم هذه الصعوبات الاجتماعية، جراء الكوارث الطبيعية (الفيضانات والكوليرا) والتوترات السياسية. وقبائل البول في شمال الكاميرون لم تغفر عملية مطاردتها من جانب السلطات بعد محاولة انقلاب عام 1984، نسبت إليها. كما إن اعتقال السيد إيا محمد، رئيس الاتحاد الكاميروني لكرة القدم واسع الشعبية، والسيد مارافا حميدو يايا الوزير السابق للإدارة الإقليمية واللامركزية، المتهمين باختلاس الأموال العمومية قد زادا من تعقد الأوضاع.
ضعف النتائج في مواجهة بوكو حرام يؤكد ضرورة التنسيق بين الدول المعنية. ولكن التشبث بالسيادة، لا زال يثني الكاميرون عن تمكين نيجيريا من حق تعقب المجموعات المسلحة على أراضيها. وكان هذا أحد الأسباب التي جعلت الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند يعقد قمة خاصة في باريس يوم 17 مايو 2014، جمعت بين الرئيس النيجيري گودلك جوناثان والسيد بيا مع نظرائهما من تشاد والنيجر وبنين. وقد نجم عنها الإقرار بالحاجة إلى تنسيق الاستخبارات والدوريات، بهدف المواجهة العسكرية، ولكن أيضا قصد البحث عن المفقودين وخاصة عن طالبات المدارس اللائي اختطفن من كشيبو في 14 أبريل 2014. ولقد قبلت الدول الأعضاء في لجنة حوض بحيرة تشاد (LCBC)، ودولة بنين أيضا مبدأ إنشاء قوة إقليمية مختصة بمكافحة الإرهاب تشارك فيها كل دولة بسبعمائة رجل.[10]
على المدى الطويل الحلول الأمنية غير كافية. يجب تجاوز النظرة التقليدية لبوكو حرام بوصفها حركة متطرفة، وذلك من أجل فهم العوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية التي تكمن وراء نموّها. تعهد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بدعم الحكومات الأفريقية. ووعدت المفوضية الاوروبية بحشد المانحين لدعم برامج تعزيز التنمية في المناطق المعنية. ويتم التركيز بشكل خاص على حقوق المرأة والفتيات، بما في ذلك حقهم في التعليم، ودعم مشاركة المرأة في جميع عمليات صنع القرار، ودعم ضحايا العنف الجنسي، وكذلك الحرب ضد التطرف.[11] من المفارقات العجيبة أن الاستغلال المبالغ فيه للموضوع في وسائل الإعلام الدولية حول بوكو حرام إلى قطب لحشد اليائسين من المستقبل.
انظر أيضاً
المصادر
- ^ "رودريگ نانا نگاسام" Rodrigue Nana Ngassam (2015-01-03). ""بوكو حرام" تستهدف الكاميرون". جريدة الأهرام. Retrieved 2015-01-06.
- ^ الزعيم الروحي والسياسي للا مداه والقيادة الإسلامية التقليدية.
- ^ Rodrigue Nana Ngassam (2015-01-01). "Le Cameroun sous la menace de Boko Haram". لوموند دپلوماتيك. pp. 12–13.
- ^ انظر بولين جيبود Pauline Guibbaud "بوكو حرام: شمال الكاميرون في دوامة؟، "Boko Haram: le Nord - Cameroun dans la tourmente ? " " المجموعة الدولية لبحوث السلام، بروكسل، 3 يونيو 2014.
- ^ ارجع الى آن سيسيل روبرت، Anne - Cécile Robert "الرئيس الفرنسي فرانسوا اولاند في بانگي " Le président François Hollande à Bangui"، وجان كريستوف سرفانJean - Christophe Servant، "في نيجيريا، الشريعة على محك الأحداث "Au Nigeria، la charia à l’épreuve des faits، لوموند ديبلوماتيك، يناير 2014 ويونيو 2003.
- ^ المجموعة الدولية للأزمات International Crisis Group، "كبح جماح العنف في نيجيريا (II): تمرد بوكو حرام Curbing violence in Nigeria (II): The Boko Haram insurrection"، "تقرير أفريقيا" Africa Report، N ° 216، 3 أبريل 2014.
- ^ انظر كلود أبي، "ممارسة وإنتاجية الجريمة العابرة للحدود في أفريقيا الوسطى: مثال زرجيناPratique et productivité de la criminalité transfrontalière en Afrique centrale: l’exemple des Zargina " نشرة APAD، رقم 25 - 2003، http://apad.revues.
- ^ الأرقام من وزارة التخطيط والتخطيط العمراني بالكاميرون، دوالا.
- ^ بول كريستيان - بيلي Paule - Christiane Bilé، "بين الحرمان من المدرسة والتعليم مهما كانت التكاليف. الأولياء والمدرسة في الكاميرون، Entre refus de l’école et scolarisation à tout prix". parents et l’école au Cameroun Les، "كراسات البحث في التعليم والمعارفCahiers de la recherche sur l’éducation et les savoirs، رقم 8، باريس، 2009.
- ^ قراءة رومانو پرودي Romano Prodi، "انقاذ بحيرة تشاد أمل في السلامSauvetage du lac Tchad، un espoir de paix"، لوموند ديبلوماتيك، يوليو 2014.
- ^ مڤومو إلا وولسون Mvomo Ela Wullson، "أفريقيا جنوب الصحراء في جيوستراتيجية الإرهاب ومكافحة الإرهاب: التحديات الاستراتيجية والتكتيكية L’Afrique subsaharienne dans la géostratégie du terrorisme et du contre - terrorisme: un défi stratégique et tactique ": وقائع مؤتمر "خمسون عاما من الدفاع والأمن في أفريقيا الدول والفرص الاستراتيجيةCinquante ans de défense et de sécurité en Afrique: Etats et perspectives stratégiques"، جامعة ياوندي II - 13 و14 أبريل 2011.