بنو خزرون

أمازيغ قبيلة زناتة من مغراوة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

بني خزرون ملوك سجلماسة

من الطبقة الأولى من مغراوة و أولية ملكهم ومصادره وكان خزرون بن فلفول بن خزر من أمراء مغراوة وأعيان بني خزر ولما غلبهم بلكين بن زيري وصنهاجة على المغرب الأوسط تحيزوا إلى المغرب الأقصى وراء ملوية‏. ‏وكان بنو خزر يدينون بالدعوة المروانية كما ذكرناه‏. ‏وكان المنصور ابن أبي عامر القائم بدولة المؤيد قد اقتصر لأول حجابته من أحوال العدوة على ضبط سبتة برجال الدولة ووجوه القواد وطبقات العسكر ودفع ما وراءها إلى أمراء زناتة من مغراوة وبني يفرن ومكناسة‏. ‏وعول في ضبط كوره وسداد ثغوره عليهم وتعهدهم بالعطاء وأفاض فيهم الإحسان فازدلفوا إليه بوجوه التقربات وأسباب الوصائل‏. ‏وإن خزرون بن فلفول هذا زحف يومئذ إلى سجلماسة وبها المعتز من أعقاب آل مدرار انتزى بها أخوه المنتصر بعد قفول جوهر إلى المغرب وظفره بأميرهم الشاكر لله محمد بن الفتح فوثب المسنتصر من أعقابهم بعده على سجلماسة وتملكها‏. ‏ثم وثب به أخوه أبو محمد سنة اثنتين وخمسين وثلاثماية فقتله وقام بأمر سجلماسة وأعاد بها ملك بني مدرار وتلقب المعتز بالله فزحف إليه خزرون بن فلفول سنة ست وستين في جموع مغراوة وبرز إليه المعتز فهزمه خزرون واستولى على مدينة سجلماسة‏. ‏ ومحا دولة آل مدرار والخوارج منها آخر الدهر وأقام الدعوة بها للمؤيد هشام فكانت أول دعوة أقيمت للمروانية بذلك الصقع ووجد للمعتز مالاً وسلاحاً فاحتقبها وكتب بالفتح إلى هشام وأنفذ رأس المعتز فنصب بباب سدته‏. ‏ونسب الأثر في ذلك الفتح إلى صحابة محمد بن أبي عامر ويمن طائره وعقد لخزرون على سجلماسة وأعمالها وجاءه عهد الخليفة بذلك فضبطها وقام بأمرها إلى أن هلك فولي أمر سجلماسة من بعده ابنه وانودين‏. ‏ثم كان زحف زيري بن مناد إلى المغرب الأقصى سنة تسع وستين وفرت زناتة أمامه إلى سبتة‏. ‏وملك أعمال المغرب وولى عليها من قبله وحاصر سبتة‏. ‏ثم أفرج عنها وشغل بجهاد برغواطة وبلغه أن وانودين بن خزرون أغار على نواحي سجلماسة وأنه دخلها عنوة وأخذ عامله وما كان معه من المال والذخيرة فرحل إليها سنة ثلاث وتسعين وفصل عنها فهلك في طريقه ورجع وانودين بن خزرون إلى سجلماسه‏. ‏وفي أثناء ذلك تغلب زيري بن عطية بن عبد الله بن خزر على المغرب وملكه فاس بعد هشام‏. ‏ثم انتقض على المنصور آخرأ وأجاز ابنه عبد الملك في العساكر إلى العدوة سنة ثمان وثمانين فغلب عليها بني خزر ونزل فاس وبث العمال في سائر نواحي المغرب لسد الثغور وجباية الخراج وكان فيها عقد على سجلماسه لحميد بن يصل المكناسي النازع إليهم من أولياء الشيعة فعقد له على سجلماسه حين فر عنها بنو خزرون فملكهما وأقام فيها الدعوة‏. ‏ولما قفل عبد الملك إلى العدوة وأعاد واضحاً إلى عمله بفاس استأمن إليه كثير من وجوه بني خزر‏:‏ كان منهم وانودين بن خزرون صاحب سجلماسة وابن عمه فلفول بن سعيد فأمنهم ثم رجع وانودين إلى عمله بسجلماسة بعد أن تضامن أمرها وانودين وفلفول بن سعيد على مال مفروض وعدة من الخيل والحرق يحملان ذلك إليه كل سنة وأعطيا ابناهما رهناً فعقد لهما واضح بذلك واستقل وانودين بعد ذلك بملك سجلماسة منذ أول سنة تسعين مقيماً فيها للدعوة المروانية‏. ‏ورجع المعز بن زيري إلى ولاية المغرب بعهد المظفر بن أبي عامر سنة ست وتسعين واستثنى عليه فيها أمر سجلماسة لمكان وانودين بها‏. ‏ولما انتثر سلك الخلافة بقرطبة وكان أمر الجماعة لطوائف واستبد أمراء الأمصار والثغور وولاة الأعمال بما في أيديهم استبد وانودين هذا بأعمال سجلماسة وتغلب على عمل درعة واستضافه إليه‏. ‏ونهض المعز بن زيري صاحب فاس سنة سبع وأربعمائة في جموعهم من مغراوة يحاول انتزاع هذه الأعمال من يد وانودين فبرز إليه في جموعه وهزمه وكان ذلك سبباً في اضطراب أمر المعز إلى أن هلك واستفحل ملك وانودين واستولى على صفروي من أعمال فاس وعلى جميع قصور ملوية وولى عليها من أهل بيته‏. ‏ثم هلك وولي أمره من بعده ابنه مسعود بن وانودين ولم أقف على تاريخ ولايته ومهلك أبيه‏. ‏ولما ظهر عبد الله بن ياسين واجتمع إليه المرابطون من لمتونة ومسوفة وسائر الملثمين وافتتحوا أمرهم بغزو درعة سنة خمس وأربعين فأغاروا على إبل كانت هنالك في حمى لمسعود بن وانودين حماه لها وهو بسجلماسة فنهض لمدافعتهم وتواقفوا فانهزم مسعود بن وانودين وقتل كما ذكرناه في أخبار لمتونة‏. ‏ثم أعادوا الغزو إلى سجلماسة من العام المقبل فدخلوها وقتلوا من كان بها من فل مغراوة‏. ‏تتبعوا من بعد ذلك أعمال المغرب وبلاد سوس وجبال المصامدة واقتحموا صفروي سنة خمس وخمسين وقتلوا من كان بها من أولاد وانودين وبقية مغراوة‏. ‏ثم اقتحموا حصون ملوية سنة ثلاث وستين وأنقرض أمر بني واندين كأن لم يكن والبقاء لله وحده‏. ‏وكل شيء هالك إلا وجهه سبحانه وتعالى لا رب سواه ولا معبود إلا إياه وهو على كل شيء قدير‏. ‏


ملوك طرابلس من بني خزرون بن فلفول

من أهل الطبقة الأولى وأولية أمرهم وتصاريف أحوالهم كان مغراوة وبنو خزر ملوكهم قد تحيزوا إلى المغرب الأقصى أمام بلكين ثم اتبعهم سنة تسع وستين في زحفه المشهور وأحجرهم بساحه سبتة حتى بعثوا صريخهم المنصور‏. ‏وجاءهم إلى الجزيرة مشارفا لأحوالهم وأمدهم بجعفر بن يحيى ومن كان معه من ملوك البربر وزناتة فامتنعوا على بلكين ورجع عنهم فتقرى أعمال المغرب وهلك في منصرفه سنة اثنتين وسبعين ورجع أحياء مغراوة وبين يفرن إلى مكانهم منه‏. ‏وبعث المنصور الوزير حسن بن عبد الودود عاملا على المغرب وقدم سنة ست وسبعين واختص مقاتلاً وزيري ابني عطية بن عبد الله بن خزر بمزيد التكرمة ولحق نظراؤهما من أهل بيتهما الغيرة من ذلك فنزع سعيد بن خزرون بن فلفول بن خزر إلى صنهاجة سنة سبع وسبعين منحرفاً عن طاعة الأموية‏. ‏ووافى المنصور بن بلكين بأشير منصرفه من إحدى غزواته فتلقاه بالقبول والمساهمة واستبلغ في ترك الإحن‏. ‏وعقد له على عمل طبنة وعقد لابنه وزو بن سعيد على إحدى بناته إحكاماً للمخالصة فنزل سعيد وأهل بيته بمكان أمارته من طبنة‏. ‏ووفد على المنصور ثانية بالقيروان سنة إحدى وثمانين وخرح للقائه واحتفل في تكرمته ونزله‏. ‏وأدركه الموت بالقيروان فهلك لسنته‏. ‏ ووفد ابنه فلفول من مكان عمله فعقد له على عمل أبيه وخلع عليه وزف إليه ابنته وسوغه ثلاثين حملاً من المال وثلاثين تختاً من الثياب وقرب إليه مراكب بسروج مثقلة وأعطاه عشرة من البنود مذهبة وانصرف إلى عمله‏.

هلك المنصور بن بلكين سنة خمس وثمانين وولي ابنه باديس فعقد لفلفول على عمله بطبنة‏. ‏ولما انتقض زيري بن عطية على المنصور بن أبي عامر وسرح إليه ابنه المظفر في العساكر كما قلناه فغلبه على أعمال المغرب‏. ‏ولحق زيري بالقفر ثم عرج على المغرب الأوسط ونازل ثغور صنهاجة وحاصر تيهرت وبها يطوفت بن بلكين‏. ‏وزحف إليه حماد بن بلكين من أشير في العساكر من تلكانة ومعه محمد بن أبي العرب قائد باديس بعثه في عساكر صنهاجة من القيروان مدداً ليطوفت‏. ‏وأوعز إلى حماد بن بلكين وهو باشير أن يكون معه‏. ‏ولقيهم زيري بن عطية ففض جموعهم واستولى على معسكرهم واضطرمت إفريقية فتنة وتنكرت صنهاجة لمن كان بجهاتها من قبائل زناتة‏. ‏وخرج باديس بن المنصور من رقادة في العساكر إلى المغرب‏. ‏ولما مر بطبنة استقدم فلفول بن سعيد بن خزرون ليستظهر به على حربه فاستراب واعتذر عن الوصول‏. ‏وسأل تجديد العهد إلى مقدم السلطان فأسعف‏. ‏ثم اشتدت استرابته ومن كان معه من مغراوة فارتحلوا عن طبنة وتركوها‏. ‏ولما أبعد باديس رجع فلفول إلى طبنة فعاث في نواحيها ثم فعل في تيجس كذلك ثم حاصر باغاية‏. ‏وانتهى باديس إلى أشير وفر زيري بن عطية إلى صحراء المغرب ورجع باديس بعد أن ولى على تاهرت واشير عمه يطوفت بن بلكين‏. ‏وانتهى إلى المسيلة فبلغه خروج عمومته ماكسن وزاوي وعزم ومغنين فخاف أبو البهار إحن زيري ولحق بهم من معسكره‏. ‏وبعث باديس في أثرهم عمه حماد بن بلكين ورحل هو إلى فلفول بمن سعيد بعد أن كان سرح عساكره إليه وهو محاصر باغاية وهزمهم وقتل قائدهم أبا زعيل‏. ‏ثم بلغه وصول باديس فأفرج عنها واتبعه باديس إلى مرماجنة فتزاحفوا وقد اجتمع لفلفول من قبائل زناتة والبربر أمم فلم يثبتوا للقاء وانكشفوا عنه‏. ‏وانهزم إلى جبل الحناش وترك القيطون بما فيه‏. ‏وكتب باديس بالفتح إلى القيروان وقد كان الأرجاف أخذ منهم المأخذ وفر كثير منهم إلى المهدية وشرعوا في عمل الدروب لما كانوا يتوقعون من فلفول بن سعيد حين قتل أبا زعيل وهزم جيوش صنهاجة وكانت الواقعة آخر سنة تسع وثمانين‏.

‏وانصرف باديس إلى القيروان ثم بلغه أن أولاد زيري اجتمعوا مع فلفول بن سعيد وعاقدوه ونزلوا جميعاً بحصن تبسة فخرج ياديس من القيروان إليهم فافترقوا ولحق العمومة بزيري بن عطية ما خلا ماكسن وابنه محسن فأنهما أقاما مع فلفول‏. ‏ورحل باديس في أثره سنة إحدى وتسعين وانتهى إلى بسكرة ففر فلفول إلى الرمال‏. ‏وكان زيري بن عطية محاصراً لأشير أثناء هذه الفتنة فأفرج عنها ورجع عنه أبو البهار بن زيري إلى باديس وقفل معه إلى القيروان‏. ‏وتقدم فلفول بن سعيد إلى نواحي قابس وطرابلس فاجتمع إليه من هنالك من زناتة وملك طرابلس على ما نذكر‏. ‏وذلك أن طرابلس كانت من أعمال مصر وكان العامل عليها بعد رحيل معد إلى القاهرة عبد الله بن يخلف الكتامي‏. ‏ولما هلك معد رغب بلكين من نزار العزيز إضافتها إلى عمله فأسعفه بها وولى عليها تمصولت بن بكار من خواص مواليه‏. ‏نقله إليها من ولاية بونة فأقام والياً عليها عشرين سنة إلى أيام باديس فتنكرت له الأحوال عما عهد وبعث إلى الحاكم بمصر يرغب الكون في حضرته وأن يتسلم منه عمل طرابلس‏. ‏وكان برجوان الصقلبي مستبداً على الدولة وكان يغص بمكان يأنس الصقلبي منها فأبعده عن الحضرة لولاية برقة‏. ‏ثم لما تتابعت رغبة تمصولت صاحب طرابلس أشار برجوان ببعث يأنس إليها فعقد له الحاكم عليها وأمره بالنهوض إلى عملها فوصلها سنة تسعين‏. ‏ولحق تمصولت بمصر وبلغ الخبر إلى باديس فسرح القائد جعفر بن حبيب في العساكر ليصده عنها‏. ‏وزحف إليه يأنس فكانت عليه الهزيمة وقتل‏. ‏ولحق فتوح بن علي من قواده بطرابلس فامتنع بها ونازله جعفر بن حبيب وأقام عليها مدة‏. ‏وبينما هو محاصر لها إذ وصله كتاب يوسف بن عامر عامل قابس يذكر أن فلفول بن سعيد نزل على قابس إلى طرابلس فرحل جعفر عن البلد إلى ناحية الجبل‏. ‏وجاء فلفول فنزل بمكانه وضاقت الحال بجعفر وأصحابه فارتحلوا مصممين على المناجزة وقاصدين قابس فتخلى فلفول عن طريقهم وانصرفوا إلى قابس‏.

‏وقصد فلفول مدينة طرابلس فتلقاه أهلها ونزل له فتوح بن علي عن إمارتها فملكها وأوطنها من يومئذ وذلك سنة إحدى وتسعين وبعث بطاعته إلى الحاكم فسرح الحاكم يحيى بن علي بن حمدون وعقد له على أعمال طرابلس وقابس فوصل إلى طرابلس وارتحل معه فلفول بن سعيد وفتوح بن علي بن غفيانان في عساكر زناتة إلى حصار قابس فحصروها مدة ورجعوا إلى طرابلس‏. ‏ثم رجع يحيى بن علي إلى مصر واستبد فلفول بعمل طرابلس وطالت الفتنة بينه وبين باديس‏. ‏ويئس من صريخ مصر فبعث بطاعته إلى المهدي محمد بن عبد الجبار بقرطبة وأوفد عليه رسله في الصريخ والمدد وهلك فلفول قبل رجوعهم إليه سنة أربعماية واجتمعت زناتة على أخيه ورو بن سعيد‏. ‏وزحف باديس إلى طرابلس وأجفل ورو ومن معه من زناتة عنها ولحق بباديس من كان بها من الجند فلقوه في طريقه وتماس إلى طرابلس فدخلها ونزل قصر فلفول‏. ‏وبعث إليه ورو بن سعيد يسأل الأمان له ولقومه فبعث إليه محمد بن حسن من صنائعه فاستقدم وفدهم بأمانه فوصلهم وولى ورو على نفزاوة والنعيم بن كنون على قسطيلية وشرط عليهم أن يرحلوا بقومهم عن أعمال طرابلس ورجعوا إلى أصحابهم‏.

‏وارتحل باديس إلى القيروان وولى على طرابلس محمد بن حسن‏. ‏ونزل ورو بنفزاوة والنعيم بقسطيلية ثم انتقض ورو سنة إحدى وأربعماية ولحق بجبال إيدمر فتعاقدوا على الخلاف‏. ‏واستضاف النعيم بن كنون نفزاوة إلى عمله‏. ‏ورجع خزرون بن سعيد عن أخيه ورو إلى السلطان باديس وقدم عليه بالقيروان سنة اثنتين وأربعماية فتقبله ووصله وولاه عمل أخيه نفزاوة وولى بني مجلية من قومه على قفصة وصارت مدن الماء كلها لزناتة‏. ‏وزحف ورو بن سعيد فيمن معه من زناتة إلى طرابلس‏. ‏وبرز إليه عاملها محمد بن حسن فتواقفوا ودارت بينهم حرب شديدة انهزم فيها ورو وهلك كثير من قومه‏. ‏ثم راجع حصارها وضيق على أهلها فبعث باديس إلى خزرون أخيه وإلى النعيم بن كنون أمراء الجريد من زناتة بأن يخرجوا لحرب صاحبهم فخرجوا إليه وتواقفوا بصبرة ما بين قابس وطرابلس‏. ‏ثم اتفقوا ولحق أصحاب خزرون بأخيه ورو‏. ‏ورجع خزرون إلى عمله واتهمه السلطان بالمداهنة في شأن أخيه ورو واستقدمه من نفزاوة فاستراب وأظهر الخلاف‏. ‏وسرح السلطان إليه فتوح بن أحمد في العساكر فأجفل عن عمله‏. ‏واتبعه النعيم وسائر زناتة ولحقوا جميعاً بورو بن سعيد سنة أربع وتظاهروا على الخلاف ونصبوا الحرب على مدينة طرابلس‏. ‏واشتد فساد زناتة فقتل السلطان من كان عنده رهن زناتة‏. ‏واتفق وصول مقاتل بن سعيد نازعاً عن أخيه ورو في طائفة من أبنائه وإخوانه فقتلوا معهم جميعاً‏. ‏وشغل السلطان بحرب عمه حماد‏. ‏ولما غلبه بشلف وانصرف إلى القيروان بعث إليه ورو بطاعته‏. ‏ثم كان مهلك ورو سنة خمس وأربعماية وانقسم قومه على ابنه خليفة وأخيه خزرون بن سعيد واختلفت كلمتهم‏. ‏ودس محمد بن حسن عامل طرابلس في التضريب بينهم‏. ‏ثم صار أكثر زناتة إلى خليفة وناجز عنه خزرون الحرب فغلبه على القيطون وضبط زناتة وقام فيهم بأمر أبيه وبعث بطاعته إلى السلطان باديس بمكانه من حصار القلعة فتقبلها‏. ‏ثم هلك باديس وولي ابنه المعز سنة ست وانتقض خليفة بن ورو عليه وكان أخوه حماد بن ورو يضرب على أعمال طرابلس وقابس ويواصل عليها الغارة والنهب إلى سنة ثلاث عشرة فانتقض عبد الله بن حسن صاحب طرابلس على السلطان وأمكنه من طرابلس‏. ‏وكان سبب ذلك أن المعز بن باديس لأول ولايته استقدم محمد بن حسن من طرابلس فاستخلف عليها أخاه عبد الله بن حسن وقدم على المعز وفوق إليه تدبير مملكته وأقام على ذلك سبعاً وتمكنت حاله عند السلطان وكثرت السعاية فيه فنكبه وقتله‏. ‏وبلغ الخبر إلى أخيه فانتقض كما قلناه خليفة بن ورو وقومه من مدينة طرابلس وقتلوا الصنهاجيين واستولوا عليهم‏. ‏ونزل خليفة بقصر عبد الله وأخرجه عنه واستصفى أمواله وحرمه‏. ‏واتصل ملك خليفة بن ورو وقومه بني خزرون بطرابلس‏. ‏وخاطب الخليفة بالقاهرة الظاهر بن الحاكم سنة سبع عشر بالطاعة وضمان السابلة وتشييع الرفاق ويخطب عهده على طرابلس فأجابه إلى ذلك وانتظم في عمله‏. ‏وأوفد في هذه السنة أخاه حماداً على المعز بهدية فتقبلها وكافأه عليها‏. ‏هذا آخر ما حدث ابن الرقيق من أخبارهم‏. ‏ونقل ابن حماد وغيره أن المعز زحف أعوام ثلاثين وأربعماية إلى زناتة بجهات طرابلس فبرزوا إليه وهزموه وقتلوا عبد الله بن حماد وسبوا أخته أم العلو بنت باديس ومنوا عليها بعد حين وأطلقوها إلى أخيها‏. ‏ثم زحف إليهم ثانية فهزموه‏. ‏ثم أتيحت به الكرة عليهم فغلبهم وأذعنوا لسلطانه واتقوه بالمهادنة فاستقام أمرهم على ذلك‏. ‏كان خزرون بن سعيد لما غلبه خليفة بن ورو على زناتة لحق بمصر فأقام فيها بدار الخلافة ونشأ بنوه بها وكان منهم المنتصر بن خزرون وأخوه سعيد‏. ‏

ولما وقعت الفتنة بين الترك والمغاربة بمصر وغلبهم الترك وأجلوهم عنها لحق المنتصر وسعيد بطرابلس وأقاما في نواحيها‏. ‏ثم ولي سعيد أمر طرابلس ولم يزل بها والياً إلى أن هلك سنة تسع وعشرين‏. ‏وقال أبو محمد التجاني في رحلته عند ذكر طرابلس‏:‏ ولما قتلت زغبة سعيد بن خزرون سنة تسع وعشرين وقدم خزرون بن خليفة من القيطون بقومه إلى ولايتها فأمكنه رئيس الشورى بها يومئذ من الفقهاء أبو الحسن بن المنذر المشهور بعلم الفرائض وبايع له وأقام بها خزرون إلى سنة ثلاثين بعدها فقدم المنتصر بن خزرون في ربيع الأول منها ومعه عساكر زناتة ففر خزرون بن خليفة من طرابلس مختفياً وملكها المنتصر بن خزرون وأوقع بابن المثمر ونفاه واتصلت بها إمارته‏. ‏انتهى ما نقله التجاني‏. ‏

وهذا الخبر مشكل من جهة أن زغبة من العرب الهلاليين وإنما جاءوا إلى أفريقية من مصر بعد الأربعين من تلك الماية فلا يكون وجودهم بطرابلس سنة تسع وعشرين إلا أن كان تقدم بعض أحياهم إلى إفريقية من قبل ذلك‏. ‏وقد كان ولم تزل طرابلس بأيدي بني خزرون الزناتيين‏. ‏ولما وصل العرب الهلاليون وغلبوا المعز بن باديس على أعمال إفريقية واقتسموهما كانت قابس وطرابلس في قسمة زغبة والبلد لبني خزرون‏. ‏ثم استولى بنو سليم على الضاحية وغلبوا عليها زغبة ورحلوهم عن تلك المواطن‏. ‏ولم تزل البلد لبني خزرون‏. ‏وزحف المنتصر بن خزرون مع بني عدي من قبائل هلال مجلباً على أعمال بني حماد حتى نزل المسيلة ونزل أشير‏. ‏ثم خرج إليهم الناصر ففروا أمامه إلى الصحراء ورجع إلى القلعة فرجعوا إلى الأجلاب على أعماله فراسله الناصر في الصلح وأقطعه ضواحي الزاب وريغة‏. ‏وأوعز إلى عروس بن سندي رئيس بسكرة لعهده أن يمكر به‏. ‏فلما وصل المنتصر إلى بسكرة أنزله عروس ثم قتله غيلة أعوام ستين وأربعمائة وولي طرابلس واحد من قومه بني خزرون لم يحضرني اسمه واختل ملك صنهاجة واتصل فيهم ملك تلك الأعمال إلى سنة أربعين وخمسماية‏. ‏ثم نزل بطرابلس ونواحيها في هذه السنة مجاعة وأصابتهم منها شدة هلك فيها الناس وفروا عنها وظهر اختلال أحوالها وفناء حاميتها فجهز إليها رجار طاغية صقلية أسطولا لحصارها بعد استيلائه على المهدية وصفاقس واستقرار ولاته فيهما‏. ‏ووقع بين أهل طرابلس الخلاف فغلب عليهم جرجي بن ميخائيل قائد الأسطول وملكها وأخرج منها بني خزرون وولى على البلد شيخه أبا يحيى بن مطروح التميمي فانقرض أمر بني خزرون منها‏. ‏وبقي منهم من بقي بالضاحية إلى أن افتتح الموحدون إفريقية‏. ‏وكانت ثورة المسلمين بهم وإخراج النصارى من بين أظهرهم كما ذكرناه في أخبار إفريقية آخر الدولة الصنهاجية‏. ‏والملك لله يؤتيه من يشاء من عباده سبحانه لا إله غيره‏. ‏

بني يعلى ملوك تلمسان من آل خزر

من أهل الطبقة الأولى وللإلمام ببعض أحوالهم ومصادرها قد ذكرنا في أخبار محمد بن خزر وبنيه أن محمد بن الخير الذي قتل نفسه في معركة بلكين كان من ولده الخير ويعلى‏. ‏وأنهم الذين ثاروا منهم بأبيه زيري فقتلوه واتبعهم بلكين من بعد ذلك وأجلاهم إلى المغرب الأقصى حتى قتل محمد منهم صبراً أعوام ستين وثلاثماية بنواحي سجلماسة قبل وصول معد إلى القاهرة وولاية بلكين على إفريقية‏. ‏وقام بأمر زناتة بعد الخير ابنه محمد وعمه يعلى بن محمد وتكررت إجازة محمد بن الخير هذا وعمه يعلى إلى المنصور بن أبي عامر كما ذكرنا ذلك من قبل‏. ‏وغلبهم ابنا عطية بن عبد الله بن خزر‏:‏ وهما مقاتل وزيري على رياسة مغراوة‏. ‏وهلك مقاتل واختص المنصور زيري بن عطية بإثرته وولاه على المغرب كما ذكرناه‏. ‏وقارن ذلك مهلك بلكين وانتقاض أبي البهار بن زيري صاحب المغرب الأوسط على باديس فكان من شأنه مع زيري ويدو بن يعلى ما قدمناه‏. ‏ثم استقل زيري وغلبهم جميعاً على المغرب ثم انتقض على المنصور فأجاز إليه ابنه المظفر وأخرج زناتة من المغرب الأوسط فتوغل زيري في المغرب الأوسط ونازل أمصاره وانتهى إلى المسيلة واشير‏. ‏وكان سعيد بن خزرون قد برع إلى صنهاجة وملك طبنة واجتمع زناتة بإفريقية عليه وعلى ابنه فلفول من بعده‏. ‏وانتقض فلفول على باديس عند زحف زيري إلى المسيلة واشير وشغل باديس ثم ابنه المنصور عن المغرب الأوسط بحرب فلفول وقومه ودفعوا إليه حماد بن بلكين فكانت بينه وبين زناتة حروب سجال‏. ‏وهلك زيري بن عطية واستقل المعز ابنه ملك المغرب سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة وغلب صنهاجة على تلمسان وما إليها واختط مدينة وجدة كما ذكرنا ذلك كله من قبل‏.

‏ونزل يعلى بن محمد مدينة تلمسان فكانت خالصة له وبقي ملكها وسائر ضواحيها في عقبه‏. ‏ثم هلك حماد بعد استبداده ببلاد صنهاجة على آل بلكين وشغل بنوه بحرب بني باديس فاستوسق ملك بني يعلى خلال ذلك بتلمسان واختلفت أيامهم مع آل حماد سلماً وحرباً‏. ‏ولما دخل العرب الهلاليون إفريقية وغلبوا المعز وقومه عليها واقتسموا سائر أعمالها ثم تخطوا إلى أعمال بني حماد فأحجروهم بالقلعة وغلبوهم على الضواحي فرجعوا إلى استيلائهم واستخلصوا الأثبج منهم وزغبة فاستظهروا بهم على زناتة المغرب الأوسط وأنزلوهم بالزاب وأقطعوهم الكثير من أعماله فكانت بينهم وبين بني يعلى أمراء تلمسان حروب ووقائع‏. ‏وكانت زغبة أقرب إليهم بالمواطن‏. ‏وكان أمير تلمسان لعهدهم بختي من ولد يعلى‏. ‏وكان وزيره وقائد حروبه أبو سعدى بن خليفة اليفرني فكان كثيراً ما يخرج بالعساكر من تلمسان لقتال عرب الأثبج وزغبة ويحتشد من إليهم من زناتة أهل المغرب الأوسط مثل مغراوة وبني يلوموا وبني عبد الواد وتوجين وبني مرين‏. ‏وهلك في بعض تلك الملاحم هذا الوزير أبو سعدى أعوام خمسين وأربعمائة‏.

‏ثم ملك المرابطون أعمال المغرب الأقصى بعد مهلك بختي وولاية ابنه العباس بن بختي تلمسان‏. ‏وسرح يوسف بن تاشفين قائده مزدلي في عساكر لمتونة لحرب من بقي بتلمسان من مغراوة ومن لحق بهم من فل بني زيري وقومهم فدوخ المغرب الأوسط وظفر بيعلى بن العباس بن بختي برز لمدافعتهم فهزمه وقتله وانكفأ راجعاً إلى المغرب‏. ‏ثم نهض يوسف بن تاشفين بنفسه في جموع المرابطين سنة ثلاث وسبعين فافتتح تلمسان واستلحم بني يعلى ومن كان بها من مغراوة وقتل العباس ابن بختي أميرها من بني يعلى‏. ‏ثم افتتح وهران وتنس وملك جبل وانشريش وشلف إلى الجزائر وانكفأ راجعاً وقد محا أثر مغراوة من المغرب الأوسط وأنزل محمد بن تينعمر المسوفي في عسكر من المرابطين بتلمسان واختط مدينة تاكرارت بمكان معسكره وهو اسم محله بلسان البربر وهي التي صارت اليوم مع تلمسان القديمة التي تسمى أكادير بلداً واحداً وانقرض أمر مغراوة من جميع المغرب كأن لم يكن‏. ‏والبقاء لله وحده سبحانه‏. ‏

أمراء أغمات من مغراوة

لم أقف على أسماء هؤلاء إلا أنهم كانوا أمراء باغمات آخر دولة بني زيري بفاس وبني يعلى اليفرني بسلا وتادلا في جوار المصامدة وبرغواطة‏. ‏وكان لقوط بن يوسف بن علي آخرهم في سني الخمسين وأربعماية وكانت امرأته زينب بنت إسحاق النفزاوية من إحدى نساء العالم المشهورات بالجمال والرياسة‏. ‏ولما غلب المرابطون على أغمات سنة تسع وأربعين فر لقوط هذا إلى تادلا ونزل على محمد بن تميم اليفرني صاحب سلا أعمالها إلى أن افتتح المرابطون تادلا سنة إحدى وخمسين وقتل الأمير محمد واستلحم بنو يفرن فكان الأمير لقوط فيمن استحلم‏. ‏وخلفه أبو بكر بن عمر أمير المرابطين على زينب بنت إسحاق حتى إذا ارتحل إلى الصحراء سنة ثلاث وخمسين واستعمل ابن عمه يوسف بن تاشفين على المغرب نزل له عن زوجه زينب هذه فكان لها في سياسة أمره وسلطانه وما أشارت عليه عند مرجع أبي بكر من الصحراء في إظهار الاستبداد حتى تجافى عنه منازعته وخلص ليوسف بن تاشفين ملكه أمر كما ذكرنا في أخبارهم‏. ‏ولم نقف من أخبار لقوط بن يوسف وقومه على غير هذا الذي كتبناه والله ولي العون‏. ‏

بني سنجاس وريغة والأغواط وبني ورا من قبائل مغراوة

من أهل الطبقة الأولى وتصاريف أحوالهم هذه البطون الأربعة من بطون مغراوة وقد زعم بعض الناس أنهم من بطون زناتة غير مغراوة‏. ‏أخبرني بذلك الثقة عن إبراهيم بن عبد الله التيمزوغتي قال وهو نسابة زناتة لعهده‏:‏ ولم لزل هذه البطون الأربعة من أوسع بطون مغراوة‏. ‏فأما بنو سنجاس فلهم مواطن في كل عمل من إفريقية والمغربين فمنهم قبلة المغرب الأوسط بجبل راشد وجبل كريكرة وبعمل الزاب وبعمل شلف‏. ‏ومن بطونهم بنو غيار ببلاد شلف أيضاً وبنو غيار بعمل قسنطينة‏. ‏وكان بنو سنجاس هؤلاء من أوسع القبائل وأكثرهم عدداً وكان لهم في فتنة زناتة وصنهاجة آثار بإفريقية والمغرب وأكثرها في إفساد السبيل والعيث في المدن ونازلوا قفصة سنة أربع عشرة وخمسماية بعد أن عاثوا بجهات القصر وقتلوا من وجدوا هنالك من عسكر ملكاتة وخرجت إليهم حامية قفصة فأثخنوا فيهم ثم كثر فسادهم وسرح السلطان قائده محمد بن أبي العرب في العساكر إلى بلاد الجريد فشردهم عنها وأصلح السابلة‏. ‏ثم عاثوا إلى مثلها سنة خمس عشرة فأوقع بهم قائد بلاد الجريد وأثخن فيهم بالقتل وحمل رؤوسهم إلى القيروان فعظم الفتح فيهم‏. ‏ولم تزل الدولة تتبعهم بالقتل والإثخان إلى أن خضدوا من شوكتهم‏. ‏وجاء العرب الهلاليون وغلبوا على الضواحي كل من كان بها من صنهاجة وزناتة وتحيز فلهم إلى الحصون والمعاقل وضربت عليهم المغارم إلا ما كان ببلاد القفر مثل جبل راشد فإنهم لبعدهم عن منازل الملك لا يعطون مغرماً إلا أنهم غلب عليهم هنالك العمور من بطون الهلاليين ونزلوا معهم وملكوا عليهم أمرهم وصاروا لهم فيئة‏. ‏ومن بني سنجاس من نزل بالزاب وهم لهذا العهد أهل مغارم لمن غلب على ثغورهم من مشايخهم‏. ‏وأما من نزل منهم ببلاد شلف ونواحي قسنطينة فهم لهذا العهد أهل مغارم الدول وكان دينهم جميعاً الخارجية على سنن زناتة في الطبقة الأولى ومن بقي اليوم منهم بالزاب فعلى ذلك‏. ‏ومن بني سنجاس هؤلاء بأرض المشنتل ما بين الزاب وجبل راشد أوطنوا جباله في جوار غمرة وصاروا عند تغلب الهلاليين في ملكهم يقبضون الأتاوة منهم‏. ‏ونزل معهم لهذا العهد السحارى من بطون عروة من زغبة وغلبوهم على أمرهم وأصاروهم خولا‏. ‏وأما بنو ريغة فكانوا أحياء متعددة‏. ‏ولما افترق أمر زناتة تحيز منهم إلى جبل عياض وما إليه من البسيط إلى نقاوس وأقاموا في قياطنهم‏:‏ فمن كان بجبل عياض منهم أهل المغارم لأمراء عياض يقبضونها منهم للدولة الغالبة ببجاية وأما من كان ببسيط نقاوس فهم في أقطاع العرب لهذا العهد‏. ‏ونزل أيضاً الكثير منهم ما بين قصور الزاب وواركلا فاختطوا قرى كثيرة في عدوة واد ينحدر من الغرب إلى الشرق ويشتمل على المصر الكبير والقرية المتوسطة والأطم قد رف عليها الشجر ونضدت حفافيفها النخيل وانساحت خلالها المياه وزهت بنابعها الصحراء وكثر في قصورها العمران من ريغة هؤلاء وبهم تعرف لهذا العهد وهم أكثرها ومن بني سنجاس وبني يفرن وغيرهم من قبائل زناتة‏. ‏وتفرقت جماعتهم للتنازع في الرياسة فاستقلت كل طائفة منهم بقصور منها أو بواحد‏. ‏ولقد كانت فيما يقال أكثر من هذا العدد أضعافاً وأن ابن غانية المسوفي حين كان يجلب على بلاد إفريقية والمغرب في فتنه مع الموحدين خرب عمرانها واجتث شجرها وغور مياهها ويشهد لذلك أثر العمران بها في أطلال الديار ورسوم البناء وأعجاز النخل المنقعر‏. ‏وكان هذا العمل يرجع في أول الدولة الحفصية لعامل الزاب وكان من الموحدين وينزل بسكرة يتردد ما بينها وبين مقرة‏. ‏وكان من أعماله قصور واركلة أيضاً‏. ‏ولما فتك المستنصر بمشيخة الدواودة كما قلناه في أخباره وقتلوا بعد ذلك عامل الزاب ابن عتو من مشيخة الموحدين وغلبوا ضواحي الزاب وريغة وواركلة وأقطعتهم إياها الدول بعد ذلك فصارت في إقطاعهم‏. ‏ثم عقد صاحب بجاية بعد ذلك على العمل كله لمنصور بن مزني واستقر في عقبه‏. ‏فربما يسومون بعض الأحيان أهل تلك القصور الغرم للسلطان بما كان من الأمر القديم ويعسكر عليهم في ذلك كتائب من رجالة الزاب وخيالة العرب ويبذرق عليها الأمر الدواوة ثم يقاسمهم فيما يمتريه منهم‏. ‏وأكبر هذه الأمصار تسمى تقرت مصر مستبحر العمران بدوي الأحوال كثير المياه والنخل ورياسته في بني يوسف بن عبد الله كانت لعبيد الله بن يوسف ثم لابنه داود ثم لأخيه يوسف بن عبيد الله‏. ‏وتغلب على واركلة من يد أي بكر بن موسى أزمان حداثته وأضافها إلى عمله‏. ‏ثم هلك وصار أمر تقرت لأخيه مسعود بن عبيد الله ثم لابنه حسن بن مسعود ثم لابنه أحمد ين حسن شيخهما لهذا العهد‏. ‏وبنو يوسف بن عبيد الله هؤلاء من ريغة ويقال إنهم من سنجاس‏. ‏وفي أهل تلك الأمصار من مذاهب الخوارج وفرقهم كثير وأكثرهم على دين العزابة ومنهم النكاريه أقاموا على انتحال هذه الخارجية لبعدهم عن منال الأحكام‏. ‏ثم بعد مدينة تقرت بلد تماسين وهي دونها في العمران والخطة ورياسته لبني إبراهيم من ريغة وسائر أمصارهم كذلك‏:‏ كل وأما لقواط وهم فخذ من مغراوة أيضاً فهم في نواحي الصحراء ما بين الزاب وجبل راشد ولهم هنالك قصر مشهور بهم فيه فريق من أعقابهم على سغب من العيش لتوغله في القفر وهم مشهورون بالنجدة والامتناع من العرب وبينهم وبين الدوسن أقصى عمل الزاب مرحلتان وتختلف قصودهم إليه لتحصيل المرافق منه‏. ‏والله يخلق ما يشاء ويختار‏. ‏وأما بنو ورا فهم فخذ مغراوة أيضاً ويقال من زناتة وهم متشعبون ومفترقون بنواحي المغرب‏:‏ فمنهم بناحية مراكش والسوس ومنهم ببلاد شلف ومنهم بناحية قسنطينة‏. ‏ولم يزالوا على حالهم منذ انقراض زناتة الأولين وهم لهذا العهد أهل مغارم وعسكرة مع الدول‏. ‏وأكثر الذين كانوا بمراكش قد انتقل رؤساؤهم إلى ناحية شلف نقلهم يوسف بن يعقوب سلطان بني مرين في أول هذه الماية الثامنة فلما ارتاب بأمرهم في تلك الناحية وخشي من فسادهم وعيثهم فنقلهم في عسكر إلى موطن شلف لحمايته فنزلوا به‏. ‏ولما ارتحل بنو مرين بعد مهلك يوسف بن يعقوب أقاموا ببلاد شلف فأعقابهم به لهذا العهد وأحوالهم جميعاً في كل قطر متقاربة في المغرم والعسكرة مع السلطان‏. ‏ولله الخلق والأمر جميعاً‏. ‏سبحانه لا إله إلا هو الملك العظيم‏. ‏


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المصادر

  • كتاب تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» **