بازار طهران الكبير
بازار طهران الكبير Grand Bazaar, Tehran يعتبر «بازار طهران الكبير» اليوم أكبر سوق من نوعه في العالم، وقد ظهر قبل أكثر من ٤٠٠ سنة في مدينة «الري»، وهي القسم الجنوبي لمدينة طهران التي لم تكن قد ظهرت بعد الى الوجود كمدينة أو عاصمة. ومدينة الري هذه اشتهرت في عصور الخلافة الإسلامية، وكانت موضع أطماع الكثيرين من الطامحين الى الولاية، وهي المدينة التي ولد فيها الخليفة العباسي هارون الرشيد.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
تاريخ
بدأ «البازار» في النموّ منذ الحقبة الصفوية، وقد أورد بعض الرحالة الغربيين في مذكّراتهم أن «بازار» طهران كان حتى القرن السابع عشر غير مسقوف بالكامل كما هي حاله اليوم. وعرف قمّة ازدهاره في القرن التاسع عشر، إبان حكم الأسرة القاجارية وبداية القرن العشرين، قبيل عهد رضا شاه والد محمد رضا بهلوي الشاه الأخير لإيران قبل الثورة. وإلى جانب بازار طهران يوجد قصر «كلستان» أي أرض الورود أو البستان، وهو أحد قصور الحكام القاجاريين (ناصر الدين شاه)، مما يظهر الأهمية الدائمة للبازار لدى أهل السلطة والسياسة. كان هذا القصر قلعة بناها الصفويون الذين حكموا إيران حتى النصف الأول من القرن الثامن عشر، وقد حوّل ناصر الدين شاه في فترة حكمه تلك القلعة قصراً على الطراز الغربي، وذلك في نهاية القرن التاسع عشر واستقدم لهذا الغرض مهندساً معمارياً فرنسياً، وأمره بأن يحفر على مدخل القصر عبارة «دار الخلافة الناصرية». لقد كانت إيران القاجارية أحد البلدان الإسلامية التي رأى فيها جمال الدين الأفغاني التقليد غير الواعي والطاعة العمياء للثقافة الغربية بشكل واضح، وكانت فترة حكم ناصر الدين شاه تشبه الفترة التي حكم فيها الخديوي إسماعيل مصر من حيث الفساد وسوء التصرّف بالأموال العامة. يقع «بازار طهران الكبير» جنوب العاصمة، والجنوب هو مركز المدينة وليس الوسط، كما هو شائع بالنسبة الى المراكز التجارية في المدن. ففي الجنوب تركّزت المؤسّسات الأولى للعاصمة الحديثة قبل أن تتمدّد عمرانياً نحو الوسط فالشمال هرباً من الاكتظاظ السكاني، وبالقرب من البازار يوجد مركز البريد الرئيسي والمركز الرئيسي لمحطّة السكك الحديد حيث المنطلق الرئيسي لشبكة الباصات، كما توجد أهم المؤسّسات والادارات الرسمية للدولة.
وصف
ما يميّز «البازار الكبير» في طهران هو أنه ليس شارعاً اصطفت المحالّ التجاريّة مصادفة على جانبيه، كشارع الحمراء في بيروت أو جادة الشانزيليزيه في باريس، فقد ولد سوقاً ليتجاوز عمره الآن مئات السنين. ولبازار طهران شارع رئيسي يستوعب عرضاً سيارتين أو شاحنتين لعلوّ سقفه (تدخله المركبات ليلاً لتفريغ البضائع)، أما شوارعه الأخرى وأكثر فروعه فمغطاة بسقوف على شكل قناطر تساهم في تكريس الانطباع عن ضخامته واتّساعه. ويتكوّن البازار من «بازارتشه» عدة، وهي كلمة فارسية معناها بازار صغير أي «سويق». في الأسواق الرئيسية يجد الزائر عيّنة من البضائع على مداخل «السويقات»، ثم يلج في متاهة الأسواق المتخصّصة، في شوارع متوازية تجمعها أزقّة وتقاطعات تزيد تفريعاتها دهشة السائح ذي الخبرة القليلة بأسواق كهذه، وقد تؤدّي الى تيهانه أحياناً. وما يلفت السائح الغربي المعتاد على المراكز التجارية الحديثة التي تضم كل البضائع والحاجات وفي طوابق متتالية، هو اختصاص الأسواق في البازار، ويظهر ذلك من خلال الأسماء التي تحملها تلك الأسواق. فهناك بازار الخيّاطين حيث تباع وتفصّل الأقمشة السوداء والملونة الخاصة بـ«التشادور»، وهو الزيّ التقليدي للمرأة الإيرانية المحجّبة. والمعروف أن التشادور الأسود هو للمناسبات الرسمية، حزناً كانت أم فرحاً. أما التشادور الملوّن، فهو للصلاة ولاستقبال الضيوف في المنزل. وهناك بازار النجّارين وبازار بائعي السكر وبازار العطارين حيث تباع التوابل الخاصة بالطعام الإيراني وخصوصاً «الزعفران» الشهير جداً والذي يعتبر ذهب إيران الأصفر لأنه يباع بالمثقال الخاص بوزن الذهب، ولأنه أصفر اللون أيضاً كالذهب. وهناك بازار الورد وبازار الكباب وهو نوع من الطعام عبارة عن أسياخ من اللحم المشوي أو الكفتة ويشكّل مع الأرز البسمتي الطبق الإيراني التقليدي اليومي والشعبي. وهناك تسميات طريفة كسوق الغرباء وسوق الكويتيين وسوق الحمّام، لأن فيه حمّاماً عاماً، وسوق المسجد الجامع لأنه يقع بالقرب من المسجد التابع للبازار الكبير، وكان يسمّى مسجد «الشاه» قبل الثورة، وصار يدعى مسجد «الإمام الخميني» بعدها، وهناك أيضاً في البازار أسواق أخرى تظهر احترام الإيرانيين لثقافتهم كسوق الخيّام (صاحب الرباعيات الشهيرة) وسوق حافظ الشيرازي الشاعر الكبير.
أما البضائع التي تباع في تلك الأسواق فهي تبدأ من مختلف أنواع الذهب الأصفر التقليدي الكثير النقوش، الى جانب الحلي الفضّية والخواتم ذات الفصوص الكبيرة من العقيق والياقوت الأحمر والفيروز الأزرق التي تتميّز بها إيران. وهناك السبّحات وسجاجيد الصلاة، والسجّاد العجمي الشهير الذي تراوح أنواعه وأسعاره بين «القالي» أي البساط البلوشستاني المعقول الثمن، وسجّادة البخارى المتوسطة المستوى والثمن، وبين الأصفهاني الفاخر المشغول بخيوط الحرير. وما يعدّ ظاهرة لافتة في بازار طهران وفي بازارات المدن الإيرانية الأخرى، انتشـار دكاكين البزورات، وخصوصاً الفستق الأخضر (الحلبي)، الذي تنتجه إيران وتصدره ويعتبر ثروة قومية الى جانب النفط والأرز والسجّاد.
تطورات تجارية
ويعتبر البازار مرآة تعكس التبدلات التي طرأت على حياة الإيرانيين، بعدما أصبح جزءاً أساسياً من وجود العاصمة طهران وتاريخها. فالتجّار وأصحاب رؤوس الأموال الذين يعملون في الجنوب (تجار البازار تحديداً) يعيشون الآن في شمال العاصمة الذي كان مجرّد قرى متناثرة تمتد على سفوح جبل «دربند» أحد سلسلة جبال «ألبورز». وهنا تكمن المفارقة، إذ باع فلاّحو تلك القرى أراضيهم وانتقلوا الى العمل والسكن في جنوب المدينة، حيث قلبها النابض تجارة وصناعة ومؤسّسات. وبازدحام الجنوب، انتقل التجّار الأثرياء الى السكن في الشمال الهادىء حيث المساحات، وحيث بإمكان الفرد أن يمتلك بيتاً منفرداً مع حديقة خاصّة، وأحياناً حمّام سباحة خاص أيضاً.
والبازار كان مكان تسوّق للأغنياء وللمقتدرين من أهل المدن الذين يستطيعون شراء الأساسيات والكماليات، فالفلاح لا تتعدى حاجاته الأساسيات التي غالباً ما ينتجها بنفسه على عكس سكان المدن عمالاً وموظّفين وتجّاراً الذين لا ينتجون حاجاتهم الأساسية بل يشترونها. وكلّما تحسّن مدخولهم وتطوّرت حياتهم أصبحت الكماليات أساسيات. وعندما انتقل تجّار البازار الموسرون الى العيش شمال طهران، بدأت تظهر هناك المراكز التجارية الحديثة «السوپر ماركت والشوبينغ سنتر» التي تبيع البضائع المستوردة من أوروبا وأميركا تلبية لأذواق سكان المنطقة واقتصرت زيارات تلك الطبقة لبازار طهران الكبير على الحاجة الى شراء التحف اليدوية التقليدية والسجاد العجمي والخزفيات والفضّيّات، وهي بضائع تراثية لكنها مرتفعة الأثمان. كذلك يزوره السياح الأجانب لإشباع فضولهم وشراء التذكارات. وبسبب ندرة السياحة الأجنبية عموماً في إيران وتردّي المستوى المعيشي نتيجة الحصار الإقتصادي الدائم، أصبح للبازار زبائن جدد من طبقة مختلفة لشراء بضائع جديدة مصدرها الصين، وصار في مقدور متوسطي الدخل أو حتى فقراء الجنوب التبضّع وشراء حاجاتهم من السلع الصينية الزهيدة الثمن ولكن القليلة الجودة. وهناك سوق صغير في بازار طهران لبيع الأحذية والملابس الصينية المقلّدة من ماركات عالمية مشهورة.
مكانة إقتصادية
عند ذكر السوق أو البازار لا يتبادر الى أذهاننا سوى فكرة البيع والشراء، أي العلاقة التجاريّة المحض، لكن الأمر يختلف في إيران. فكلمة البازار تحوّلت الى مصطلح «لوبي اقتصادي» له كلمته في السياسة، ولذلك تاريخ وحكاية بدأا منذ زمن الحكّام القاجاريين، مع الانهيار الكبير للتجارة الإيرانية بسبب ارتفاع الضرائب واحتكار كل من روسيا وبريطانيا تجارة إيران الخارجية، فنشأ تحالف وثيق بين الفقهاء (الحوزة العلميّة) وتجّار البازار على المستوى السياسي عنوانه «معارضة السلطة الظالمة»، وتكلّل هذا التحالف ـ المستمر حتى اليوم ـ بتحريم تدخين التبغ العام ١٨٩١، واعتبار «استعمال المؤمن للتبغ بأي شكل من الأشكال رذيلة»، وهي فتوى أصدرها مرجع التقليد الأكبر آنذاك آية الله محمد حسن الشيرازي، وكانت موجّهة لضرب المصالح الأجنبية التي كانت تحتكر تبغ إيران لمصلحتها ومصلحة الأسرة القاجارية. ففي العام ١٨٩٠ منحت حكومة ناصر الدين شاه رجل أعمال بريطانياً يدعى «تالبوت» امتيازاً، يقضي بإنتاج جميع أنواع التبغ الإيراني وبيعه وتصديره لمدة خمسين عاماً في مقابل مبلغ مالي لا يتجاوز الخمسة عشر ألف جنيه استرليني يدفع للشاه سنوياً. وقد التزم الإيرانيون تلك الفتوى بإجماع أدهش المراقبين الأجانب، وعمّت البلاد الاضرابات فتمّ سحب الامتياز.
وعاد ذلك الثنائي الى التحالف مجدّداً، فوقف الفقهاء الى جانب رجال البازار والحركة الوطنية الإيرانية المطالبة بتحديد الصلاحيات الممنوحة للحكام في ما عرف بثورة «المشروطة» أي الدستور العام ١٩٠٦، وذلك رداً على إعطاء السلطة القاجارية الأجانب امتيازات غير مسبوقة أدّت الى تهديد المصالح الاقتصادية لتجّار البازار. لقد استفاد البازار وهو الحليف القوي للمؤسّسة الدينية من الدستور الجديد في رفع الظلم عنه، ووضع حدّ للتنافس غير المتكافىء مع التجّار الأجانب. «البازار الكبير في طهران» ليس مجرّد مكان، إنما هو الناس، ملاّكين وزبائن، هو التاريخ والجغرافيا، هو الدين والمال والسياسة، هو مجتمع متكامل له مكانته في ذاكرة الإيرانيين وتأثيره الكبير في حاضرهم، وله قراره الفعّال الذي كان ولا يزال في الحياة السياسية الإيرانية.
أنظر أيضاً
المصادر
- ^ - "Iransaga - Some Places of Interest in Tehran"
- ^ - "BBC News - Tehran bazaar feels winds of change"
- ^ - "About Tehran Bazaar in Tehran province"
- ^ - Moghaddam, Abbas "Bazaar, the achievement of the Islamic civilisation. A short history of the Tehran Bazaar" from The Newsletter of Chamber of Commerce, Feb. 1994 (Chamber of Commerce, Industries & Mines of the Islamic Republic of Iran)
- ^ - - "Iran Oil Revenues and the Acceleration of Modernization, 1960-79"
- ^ - "Who is the mayor of Tehran?"
- ^ - "Iran Daily: Tehran Grand Bazaar To Get Facelift (Oct 12 2005)