انتصار الضوء
انتصار الضوء <G. ستيكس>، محرر في مجلة ساينتفيك أمريكان
إن التوسع باتجاه تقانات الألياف الضوئية
سوف يوفر سعة شبكية تُتاخم اللانهاية
هل هي برِتني سپيرز(1)، أو إنه فاتبوي سْلِم؟ لم يكن لدى القائمين على شؤون الشبكة الحاسوبية في جامعة ولاية كِنت أي فكرة، وكل ما عرفوه في الشهر 2/ 2000 هو أن أغنية رُكافلَّر سكانك وغيرها من آلاف الأغاني التي حملتها الشبكة قد تداخلت مع رسائل البريد الإلكتروني الحاملة لمعلومات المسؤولين والباحثين حول الهندسة الجينية (الوراثية) لبكتيرة الإشريكية القولونية E.coli. فتباطأت شبكة الجامعة حتى الجمود، مؤدية بذلك إلى اتخاذ قرار بإيقاف الولوج إلى الملفات الموسيقية ناپستر Napster.
ومع تزايد الطلب الكبير على سعة الشبكة، يمكن لهلع ناپستر أن يمثل مؤشرا على فتح الأولى فقط من البوابات التي تتحكم في تدفق البيانات. ففي الحقيقة، راهن المغامرون من أصحاب رؤوس الأموال ببلايين الدولارات على التقانات التي يمكن أن تساعد شركات الاتصالات على مواجهة طوفان بيانات يمكن أن يؤدي إلى توقف تام للإنترنت عن الخدمة.
وتعزز شرائح پَوَر پوينت powerpoint في مؤتمرات الصناعة حقيقة أن الطوفان لم يأتِ بعد. فتريليون بتة bit في الثانية (مليون مليون بتة في الثانية)، وهو مقدار متوسط الحركة على الشبكات الرئيسية backbones للإنترنت، أي وصلاتها الأعلى سعة ـ لا تفي إلا بأقل من واحد في الألف من المتطلبات المستقبلية. ويمكن لبيانات الواقع الافتراضي على الخط online virtual reality أن تغرق الشبكات الرئيسية بما يصل إلى 10 پتابتة(2) petabit في الثانية، وهذا أكثر بِـ 10000 مرة مما تنقله هذه الشبكات حاليا. أما الحواسيب التي تتقاسم طاقتها الحاسوبية عبر الشبكة ـ في ما يُدعى حوسبة الحوسبة metacomputing ـ فقد تحتاج إلى 200 پتابتة. وإذا تحققت هذه السيناريوهات ـ وهذا ما ينتظره الناس منذ ما يزيد على عشرة سنوات ـ فإن وسط النقل الوحيد الذي يمكنه الاقتراب من تلبية الطلب على السعة الذي يبدو لامتناهيا هو الليف الضوئي optical fiber. فالوصلات الضوئية يمكنها تمرير مئات آلاف أضعاف ما يمكن تمريره من عرض النطاق bandwidth لأجهزة الإرسال الميكروية الموجات أو الأقمار الصنعية، وهما أقرب متنافسين لاتصالات المسافات البعيدة. وكما أشار أحد الظرفاء، فإن التقانة الوحيدة الأخرى التي تستطيع الاقتراب من التوافق مع سعة النقل هذه هي شاحنة مملوءة بالڤيديوهات.
لقد بدأ السباق لزيادة محتوى الشبكات العالمية من الألياف الضوئية. ففي كل يوم يجري تمديد كبلات جديدة تكفي لإحاطة الكرة الأرضية ثلاث مرات. وإذا استمرت التحسينات في الألياف الضوئية، أمكن لسعة النقل في الليف الواحد أن تبلغ خلال نحو عقد من الزمن، مئات تريليونات البتات في الثانية، ولكن للتوصل إلى ذلك لا بد من تحقيق فتوح جديدة في هذا الميدان، إضافة إلى نشر تقانات ما زالت حتى الآن تجارب فيزيائية أكثر من كونها أجهزة معدّة للتركيب على شبكات الهواتف والبيانات في جميع أنحاء البلاد.
وما هو مباشر أكثر في هذا المضمار هو أن التقانات الفوتونية photonic technologies الجديدة التي تستخدم المرايا بدلا من الإلكترونات في تسيير routing الإشارات، سوف تجعل فئة كاملة من نظم الابتدال switching الإلكترونية خارج الاستخدام. وحتى في أيامنا هذه، تهدد سرعات النقل في الشبكات الأكثر تقدما ـ وتصل إلى عشرة بلايين بتة في الثانية ـ بخنق وحدات المعالجة والذاكرة في الشيپات الميكروية في المبدلات swithces المستخدمة. وعندما تصبح الشبكة أسرع من المعالج، ترتفع بشدة تكاليف استخدام الإلكترونيات مع النقل الضوئي.
فسيل الجيگابتة gigabit المحمول على موجة ضوئية في الليف ينبغي أن يُجزأ إلى تيارات بيانات أبطأ بحيث يمكن تحويلها إلى إلكترونات من أجل المعالجة، ومن ثم يعاد تجميعها في تيار بتات سريع التدفق. والتقانات التي تحوِّل الفوتونات إلى إلكترونات ثم تعيدها إلى فوتونات لا تبطئ الحركة على القنوات الفائقة السرعة فحسب، بل تجعل أسعار أجهزتها ترتفع بشدة أيضا.
وفي حين يفكر مصممو الشبكات في إمكان تحميل زائد للأجهزة، تتشبث مئات الشركات الكبيرة والصغيرة بمحاولة إيجاد شبكات تستطيع استغلال عرض النطاق الكامل للألياف الضوئية من خلال نقل الموجات الضوئية ومزجها وتضخيمها وتسييرها دون تحويل الإشارة إلى إلكترونات بتاتا. إن الفوتونيات photonics تمر الآن في المرحلة التي كانت عليها الإلكترونيات قبل 30 عاما من حيث تطور الأجزاء المكونة لها وتكاملها معا في نظم ونظم جزئية. وانبثق مد متزايد من رأس المال المغامر الذي يدعم المساعي إلى إقامة الشبكات الضوئية. فقد بلغ ذلك التمويل في الأشهر التسعة الأولى من عام 2000 نحو 3.4 بليون دولار، مقابل 1.5 بليون دولار خلال عام 1999 كله، وإن كان هذا التزايد قد تباطأ خلال الأشهر الأخيرة. إن نجاح شركة مساهمة من قبيل مُنتِج المكونات JDS Uniphase يرجع في جزء منه إلى إدراكه أن موقعه على حافة الفوتونيات المتكاملة يمكن أن يجعله إنتل Intel المقبلة.
وإذا قارنا الألياف الضوئية بالإلكترونيات المعهودة، لوجدنا أن الاستثمار في الاتصالات الضوئية مربح فعلا. فتكاليف نقل البتة الواحدة من البيانات ضوئيا تهبط إلى النصف كل تسعة أشهر، ويقابل ذلك 18 شهرا للحصول على تخفيض مماثل في كلفة الدارات المتكاملة (يُعرف المعيار الأخير، أي معيار انخفاض تكاليف الدارات المتكاملة، بقانون مور Moor’s law). "وبسبب التطورات المثيرة في سعة نظم الألياف الضوئية واتساع انتشارها، سوف يصبح عرض النطاق أرخص من أن يقاس؛" هذا ما يتوقعه رئيس مختبرات بل في عدد صدر حديثا من مجلة Bell Labs Technical Journal.
وتواجه صناعة الطاقة النووية توقعات مماثلة حول الموارد الحرة. أما مستقبل الشبكات العريضة النطاق، التي يمكن من خلالها نقل فيلم سينمائي كامل بسرعة كسرعة نقل رسالة بريد إلكتروني، فما زال رهانا غير مؤكد، فقبل عقد من الزمن، بدأ مقدمو خدمات الاتصالات وشركات الإعلام التحضير للتقارب الرقمي بين الشبكات، وبرامج التسلية: خمسمئة قناة ڤيديوية تحت الطلب... وما زلنا ننتظر. وفي تلك الأثناء، تحولت الإنترنت، التي كان ينظر إليها في وقت ما على أنها مسرحية فرعية طريفة للحكومة وطلبة المدارس، لتصبح الشبكة المهيمنة على العالم.
تعدُّ التوقعات حول لامحدودية عرض النطاق ـ وهو أساس التخمينات حول نقل الواقع الافتراضي والڤيديو العالي الدقة عبر الشبكة ـ شيئا حديثا نسبيا. فقد استخدمت الشركتان AT&T و GTE الألياف الضوئية الأولى في شبكة الاتصالات التجارية عام 1977، وذلك أثناء فترة ذروة الحواسيب الصغيرة minicomputers وبداية الحاسوب الشخصي. يتكون الليف من قلب core زجاجي وطبقة تحيط به تسمى الرداء cladding، وللقلب والرداء قرينتا انكسار(3) indices of refraction تختاران بدقة لضمان انعكاس الفوتونات المنتشرة في القلب عند الحد الفاصل للرداء على الدوام. وبذلك يكون السبيلان الوحيدان لدخول الضوء إلى القلب وخروجه منه هما نهايتي الليف. ولكي نفهم الفيزياء التي يعمل الليف بموجبها، تخيل النظر إلى حوض ماء ساكن. إذا نظرت مباشرة نحو الأسفل، رأيت قعر الحوض. أما عند زوايا نظر قريبة من سطح الماء، فكل ما يُرى هو ضوء منعكس. إن المرسل ـ وهو إما ثنائي (ديود) diode مشع للضوء أو ليزر ـ يرسل في الليف بيانات إلكترونية جرى تحويلها إلى فوتونات بطول موجة يتراوح ما بين 1200 و 1600 نانومتر.
وقد أصبحت اليوم بعض الألياف على درجة من النقاوة تمكِّن إشارات الضوء من الانتشار عبرها إلى مسافة تصل حتى 80 كيلو مترا دون الحاجة إلى تضخيم. لكن الإشارة تبقى بحاجة إلى التقوية في بعض النقاط. لقد كانت الخطوة المهمة التالية على الطريق نحو شبكة ضوئية صرفة في بدايات تسعينات القرن العشرين عندما حققت التقانة تطورات مذهلة. في ذلك الوقت، تمت الاستعاضة عن الإلكترونيات المستخدمة في تضخيم الإشارة بقِطَعٍ من الليف المحقون بإيونات (شوارد) عنصر الإربيوم erbium النادر. فعندما تُحَرَّض الألياف المشوبة بالإربيوم بوساطة مضخة ليزرية، يمكن للإيونات (للشوارد) المحرَّضة إنعاش الإشارة الخافتة. وقد غدت هذه المضخمات أكثر من مجرد مثبتات للأنابيب الضوئية؛ إنها تجدد الإشارة دون أي تحويل ضوئي ـ إلكتروني، وتستطيع فعل ذلك من أجل إشارات سرعاتها عالية جدا وتنقل عشرات الجيگابتات في الثانية. ولعل الأهم من ذلك هو أنها تستطيع رفع طاقة كثير من أطوال الموجات في آن معا.
إن هذه القدرة على تمرير عدد من أطوال الموجات في آن معا، مكّنت من تطوير تقانة أدت إلى حدوث نشاط جنوني بين شركات الشبكات الضوئية في الأسواق المالية. فبعد أن تتمكن من تضخيم شدة موجات ذوات أطوال متعددة، فإن الشيء التالي الذي ترغب في فعله هو حشر أكبر عدد ممكن من أطوال الموجات في الليف، مع تحميل كل طول موجة أكبر قدر ممكن من البيانات. وتدعى التقانة التي تفعل ذلك التضميم(4) الكثيف بالتقسيم الموجي dense wavelength division multiplexing DWDM وهو اسم نموذجي في اللغة التقانية.
وقد أدى التضميم الكثيف بالتقسيم الموجي (DWDM) إلى انفجار في عرض النطاق. فباستخدام تقانة التضميم، تتضاعف سعة الليف بمقدار عدد أطوال الموجات فيه، تلك الموجات التي يستطيع كل منها حمل كميات من البيانات تفوق بكثير من كان يستطيع ليف واحد نقله من قبل. ومن الممكن اليوم إرسال 160 ترددا (طول موجة مختلف) في آن معا، الأمر الذي يوفر عرض نطاق يبلغ 400 جيگابتة في الثانية على ليف واحد. وقد نشرت كل شركة من شركات الاتصالات الرئيسية النظام DWDM، موسعة بذلك سعة الليف الموجود تحت الأرض، بتكاليف أقل من نصف تكاليف تمديد كبل جديد، ومنجزة تركيب التجهيزات خلال جزء من الزمن اللازم لحفر ثقب.
وفي هذه الأثناء، تشير التجارب المختبرية إلى إمكان استخدام المزيد من سعة الليف - دستات من أطوال الموجات المختلفة التي يحمل كل منها 40 جيگابتة في الثانية أو أكثر، بمعدل نقل فعال يصل إلى بضعة ترابتات treabit في الثانية (لقد نشرت الشركة Enkido وصلات تجارية تتضمن أطوال موجات تبلغ 40 جيگابتة في الثانية). وتزايد سعة الليف لن يتوقف قريبا، وقد تصل تلك السعة إلى نحو 300 أو 400 ترابتة في الثانية؛ ومع التطورات التقانية الجديدة، ربما تتجاوز السعة حاجز الپتابتة the petabit barrier.
إلا أن شبكات الاتصالات لا تتألف من وصلات تربط نقطة A بنقطة B فحسب، وهناك حاجة إلى مبدالات switches تسيِّر تيار البيانات الرقمية إلى وجهته النهائية. إن أنابيب المعلومات الهائلة التي تعج بها منصات الاختبار في المختبرات سوف تكون عديمة الفائدة إذا جرى تسيير التيارات الضوئية باستخدام المبدالات الإلكترونية المعهودة. ففعل ذلك يتطلب تحويل إشارة تحمل عدة ترابتات إلى عشرات أو مئات الإشارات الإلكترونية المنخفضة السرعة. ثم يجب إعادة تحويل الإشارات، بعد تسييرها إلى فوتونات وتضميمها معا في قنوات ضوئية تُرسَل بعدئذ عبر ليف تم تحديده.
لقد سببت تكاليف المبدالات الإلكترونية المرتفعة وتعقيداتها الكبيرة اندفاعا جنونيا نحو إيجاد وسائط لإعادة تسيير أطوال موجات منفردة أو مجتمعة ضمن الإشارة الضوئية في الليف من مسار إلى آخر من دون الحاجة إلى التحويل الإلكتروضوئي. فأعضاء فِرق البحث، التي غالبا ما تكون في ورشات مبتدئة صغيرة، يعبثون بمرايا ميكروسكوبية وبكريستالات سائلة وبليزرات سريعة من أجل ابتكار مبدالات ضوئية محضة. [انظر: "ارتقاء الابتدال الضوئي" في هذا التقرير الخاص].
إلا أن الابتدال الضوئي الصرف سوف يختلف اختلافا جذريا عن الابتدال في الشبكات الموجودة حاليا والتي تبتدل مجموعات بتات بيانات إفرادية، مثل بتات رزم packets پروتوكول الإنترنت Internet Protocol IP . إنها مهمة سهلة بالنسبة إلى الإلكترونيات في المسيِّرات routers أو في مبدالات الهاتف الكبيرة أن تقرأ العنوان الموجود على الرزمة والذي يدل على وجهته.
أما المعالجات الفوتونية، وهي الآن في مرحلة التطور ذاتها، التي كانت عليها الإلكترونيات في ستينات القرن العشرين، فقد أبدت مقدرة على قراءة رزمة البيانات في تجارب مختبرية فقط.
ترجع المبدالات الضوئية optical switches التي يجري تسويقها إلى الأجيال الأقدم من الأجهزة الإلكترونية. فهي ستبتدل دارة [انظر: "تسيير رزم البيانات باستخدام الضوء" في هذا التقرير الخاص] طول موجة أو ليف كامل ـ من مسار إلى آخر، تاركة الرزمة الحاملة للبيانات في الإشارة من دون تغيير. وتقوم إشارة إلكترونية بوضع المبدال switch في الوضعية الملائمة التي تسيِّر ليفا واردا ـ أو طول موجة ضمن ذلك الليف ـ نحو ليف صادر. إلا أنه لن يحوّل أيًّا من أطوال الموجات إلى إلكترونات من أجل المعالجة.
لكن الابتدال الضوئي في الدارات ليس إلا خطوة مؤقتة. فمع تزايد سرعة الشبكات، يمكن لشركات الاتصالات أن تطلب ما يمكن أن يكون بمثابة لمسة تتويج للشبكة الضوئية الصرفة، حيث تخضع رزم البيانات الإفرادية لعملية الابتدال باستخدام المعالجات الضوئية(5).
لكن على الرغم من حلول الابتدال الضوئي الرزمي، ستبقى الرزم الإفرادية بحاجة إلى أن تُقرأ وتُسيَّر عند حافات الشبكات الضوئية التي تربطها بشبكات الهاتف المحلية بالقرب من أمكنة إرسالها أو استقبالها. وفي الوقت الراهن، ستبقى هذه المهمة من مهام المسيِّرات الإلكترونية التي توفرها شركات من أمثال Cisco Systems. ومع ذلك، سوف يشجع تطور الشبكات الضوئية التغيرات في الطرائق التي تُصمَّم الشبكات بها. ويمكن للابتدال الضوئي في نهاية المطاف الموجودة حاليا والقائمة على معيار الاتصالات الواسع الانتشار المسمى الشبكة الضوئية المتزامنة Synchronous Optical Network SONET المعتمِد على الإلكترونيات من أجل تحويل رزم البيانات ومعالجتها إفراديا. وقد يحصل ذلك مترادفا مع الاضمحلال التدريجي لنمط النقل اللامتزامن Asynchronous Transfer Mode ATM ، وهو معيار آخر تستخدمه شركات الهواتف لتكوين رزم البيانات.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
تقانات للشبكات الضوئية كليا (*)
إن شبكات الموجات الضوئية ستجمع الإشارات الضوئية وتضخمها وتبتدلها switch وتستعيدها من دون تحويلها إلى إشارات كهربائية من أجل معالجتها. يأخذ الضمام DWDM multiplexer أطول موجات الضوء المختلفة ويضعها على وصلة ليف منفرد. ويقوم مضخم ضوئي بتقوية الإشارات، ويعمل المبدال switch الضوئي على تسيير أطوال الموجات المختلفة، وتجري استعادة أشكال النبضات وتواقتها في الإشارة بواسطة مضخم يعيد توليد تلك الإشارة، ثم يفصل الفارز demultiplexer أطوال الموجات ويرسل المكالمات الهاتفية والملفات الحاسوبية والصور الڤيديوية إلى مستقبليها.
وفي هذا العالم الجديد، يمكن لأي نوع من الحركة، سواء كان صوتا أو صورة أو بيانات، أن ينتقل على شكل رزم پروتوكول الإنترنت IP. وأحد التطورات في ميدان الاتصالات التي جرى التطلع إليها خلال ما لا يقل عن عشرين عاما، سوف يكتمل. "سوف تكون شبكة بيانات، وكل شيء عدا ذلك من صوت أو صورة سوف يكون تطبيقات تمر عبر شبكة، " هذا ما يقوله مراقب عريق لمسرح الاتصالات ومدير بحوث لدى شركة التطوير التقاني Telcordia.
عندما تتصل هاتفيا بالبيت يوم عيد الأم، سوف تنتقل المكالمة على شكل رزم پروتوكول الإنترنت عبر شبكة جيگابتة إثرنت Gigabit Ethernet، وهي شكل من أشكال الشبكة المحلية الواسعة الانتشار (LAN) مصمم لوصلات الاتصالات الفائقة. وتُحمل شبكة جيگابتة إثرنت بدورها على ليف يستخدم التضميم بالتقسيم الموجي. لكن نقاد هذا النهج يتساءلون عما إذا كانت مثل هذه الشبكة سوف توفر خدمات ذات نوعية تضاهي نوعية الخدمات التي توفرها الشبكتان ATM و SONET وتضاهي قدرتهما على إعادة تسيير الاتصالات أوتوماتيكيا عندما يحصل قطع في وصلة الليف.
ومع ذلك، سوف تكون الحياة أبسط. وسوف تصبح شبكة الهاتف شبكة محلية كبيرة فحسب. وهنا يمكنك ببساطة أن تضع بطاقة إثرنت في حاسوب أو في جهاز هاتف أو تليفزيون، وهذا حل أرخص كثيرا، ماليًّا وزمنيًّا، من تركيب تجهيزات توصيل شبكة SONET جديدة. حتى إن بعض الشركات تستعد لليوم الذي سيسود فيه الپروتوكول IP. لقد قامت شركة الاتصالات المسماة Level 3 Communications والمتمركزة في دنڤر بنشر شبكة ألياف دولية يزيد طولها على 20 ألف ميل في الولايات المتحدة وخارجها.
ومع أن الشبكة ما زالت تعتمد على الشبكة SONET، يتطلع رئيس الشركة ومديرها التنفيذي <O .J. كراو> إلى اليوم الذي يتلاشى فيه هذا التراث من شبكات الهواتف إلى لا شيء. إنه يقول: "سوف يكون هناك الپروتوكول IP على إثرنت Ethernet على ألياف ضوئية."
يظهر نقص الطلب الخاص بالشبكات الرئيسية ذات الألياف الضوئية ـ وهي الوصلات الأكثر استخداما ـ في دراسة لشركة الاستشارات Adventis التي تبين أن العرض سوف يفوق الطلب. لكن التطبيقات الجديدة، كما هي الواقع الافتراضي وحوسبة الحوسبة، يمكن أن تستلزم زيادات كبيرة في عرض النطاق الضوئي ذي بضعة الترابتات في الثانية اللازمة حاليا لتلبية الطلب على الشبكات الرئيسية للاتصالات في الولايات المتحدة.
أنابيب ضوء منزلية(**)
حتى لو استطاع مهندسو الشبكات تخفيض كدسة الپروتوكولات التي تثقل حاليا كاهل هذه الشبكات، فإنه لا يزال عليهم أن يواجهوا الحاجة إلى معالجة مشكلة "المِيل الأخير"(6)، أي مد الليف من علبة التوزيع الخارجية إلى غرفة التليفزيون والمكتب. ويقوم عدد من مهندسي البناء حاليا بتزويد المشروعات السكنية بالألياف، مستشعرين سلفا ذلك اليوم الذي يحصل فيه أصحاب المنازل على وصلات ضوئية بشكل تلقائي. لكن التكاليف ما زالت سيفًا مسلطا على أي نقاش يدور حول إيصال الألياف إلى البيوت.
فحتى وقت متأخر، كانت أجهزة التشبيك الضوئي optical networking المتطورة، مثل الأجهزة DWDM، مرتفعة التكاليف إلى درجة تحول دون النظر إلى نشرها في شبكات الهواتف الإقليمية. فزيادة عدد الأجهزة وجمعها في رفوف منصوبة على حامل قائم ـ بتكلفة ربما تبلغ 1500 دولار للخط الواحد ـ تبقى مكلفة أكثر مما يستعد الكثيرون لدفعه.
إن معظم الناس لم يحصلوا بعد على وصلتهم الأولى التي تتسع لميگابتة، وليس معروفا اليوم الذي سوف يحتاج فيه أفراد الأسرة المتوسطة إلى وصلة تتسع لميگابتات لإظهار أنفسهم هولوگرافيا(7) في بيت الجيران بدلا من الاتصال هاتفيا فحسب.
يواجه المهندسون مجموعة من المشكلات التقانية المزعجة التي ينبغي حلها قبل أن تصبح الشبكة الضوئية مكتملة وشائعة. ولنأخذ مثالا على ذلك: فحتى بوجود ابتدال طول الموجة، فإن أحد الأجزاء الحساسة من الشبكة يستلزم التحويل إلى الإلكترونيات. فبعد كل 160 كيلو مترا، يجب تحويل طول الموجة إلى إشارة إلكترونية من أجل استعادة شكل كل نبضة وتواقتها إفراديا ضمن قطار البتات الهائل المحمول على كل طول موجة.
كذلك فإن مصنِّعي المكونات الضوئية من أمثال JDS Uniphase يبذلون جهودا كبيرة من أجل بناء وحدات تجمع الليزرات والألياف والنوافذ الشعرية (التي تفصل أطوال الموجات). أما بناء الدارات الفوتونية المتكاملة فهو أمر صعب، فالفوتونات لا تمتلك شحنة كالجسيمات ذات الشحنات السالبة التي تسمى إلكترونات. لذلك ليس هناك ما يشبه أداة تخزين الشحنة ـ أي مكثف فوتوني ـ باستطاعته تخزين الفوتونات التي تمثل الواحدات والأصفار إلى أجل غير محدد.
فضلا عن ذلك، فإن من الصعب بناء دارات فوتونية بحجوم صغيرة كحجوم الدارات الإلكترونية المتكاملة، لأن طول موجة الضوء تحت الأحمر المستخدم في ليزر الألياف الضوئية يساوي نحو 1.5 ميكرون، وهذا يضع حدًّا لمقدار التصغير الذي يمكن تحقيقه في صنع الدارة. لقد بلغت الدارات الإلكترونية ذلك الحجم قبل نحو عقد من السنين.
أما الأخبار الجيدة فهي أن كلا من الشركات الكبيرة والصغيرة تحاول حاليا حل مشكلة استعادة شكل الإشارة، وهناك مقدار لا يستهان به من المال المغامر لتمويل ذلك. لقد غدا هذا الحقل ـ الذي تحيط به هالة كتلك التي تحيط اليوم بالهندسة الجينية (الوراثية) والتي كانت يوما تحيط بالدوت ـ كومس dot-coms (أي بالإنترنت) ـ مثالا لنموذج جديد من البحث الفائق الاستقصاء. فشركات التطوير الصغيرة تواصل عملها إلى أن تتمكن من صياغة نوع من البرهان على إمكانية الاستفادة من تباشير نتائجها، حيث يجري شراؤها بعدئذ من قبل Nortel أو Cisco أو Lucent.
"إنه عالَم مجنون"، يقول <M.A. گلاس> مدير الفوتونيات لدى Lucent. ويتابع قائلا: "يمكن لأي شخص أن يخرج بأغبى الأفكار وأن يحصل على تمويل لها، وقد تُشترى تلك الأفكار بدولارات كثيرة، مع أنها لم تصنع البتة منتَجا." ويضيف گلاس: "لم يحصل هذا قط، ويعود ذلك جزئيا إلى أن الشركات تحتاج إلى الأشخاص، لذلك فإنها تشتريهم. أما من قبل فكانت الشركات تشتري التقانة لأنها لا تمتلكها في مصانعها؛ وفي بعض الأحيان لا تعرف ما تشتري." إن الانتقال من الفكرة إلى التطوير يحدث سريعا: فقد جاء في مقالة نُشرت في مجلة سينس (العلم) science عام 1998 حول "مرآة مثالية" أن مادة عازلة كهربائيا تعكس الضوء عند أي زاوية ولا تفقد من الطاقة إلا قليلا، أوحت بتأسيس شركة تسعى إلى إيجاد ليف أجوف يتوضع محيطه على استقامة مع العاكس. ويمكن لسعة مثل هذا الليف أن تزداد 10 آلاف ضعف، وذلك حسب زعم أحد موظفي هذه الشركة.
هل سيأتي أحد؟(***)
ما الذي يمكن فِعله بعرض النطاق هذا كله؟ تُخمِّن الشركة Lucent أنه إذا استمر نمو الشبكات بالمعدل الحالي، فسوف تكون في العالم عام 2010 سعة رقمية تكفي لإعطاء كل رجل وامرأة وطفل، سواء كانوا في سان خوسيه أو في سريلانكا، وصلة سعتها 100 ميگابتة في الثانية، وهذا يكفي لعشرات الوصلات الڤيديوية أو لعدة برامج تليفزيونية عالية الدقة. لكن هل يحتاج كل شخص من قبائل صحراء كالاهاري إلى وصلات بهذه السعة!
فعلى الرغم من التخمينات بأن الحركة على الإنترنت تتضاعف كل بضعة أشهر، فإن بعض مراقبي الصناعة ليسوا متيقنين من الطلب اللامتناهي على عرض نطاق لامتناهٍ. فشركة الاستشارات Adventis المتمركزة في بوسطن ترى أن نحو 15 إلى 20 في المئة فقط من مستخدمي الإنترنت في المنازل يحصلون على ولوج عريض النطاق إلى الشبكة قبل نهاية عام 2004، وذلك باستخدام المودمات السلكية أو الخطوط الرقمية. فضلا عن ذلك، فإن تخزين صفحات الإنترنت، التي يتم الولوج إليها تكرارا، على مخدِّم server سيخفض مقدار العبء الملقى على الشبكة. لذلك، وبناء على تقدير الشركة، سوف يبقى في عام 2004 نحو 40 في المئة من سعة الألياف في الولايات المتحدة من دون استخدام، وترتفع النسبة إلى 65 في المئة في أوروبا. إلا أن مقولة أن هناك وفرة كبيرة في السعة لا تمثل في حال من الأحوال رأيا مجمعا عليه.
وفي النهاية، ربما لا يظهر التشبيك بالترابتة أو الپاتبتة إلا عندما يفرض نفسه استخدامٌ ما غير منظور. فعلى غرار الشبكة العنبكوتية العالمية World Wide Web WWW التي كانت في الأصل مشروعا لمساعدة فيزيائي الجسيمات في تشارك المعلومات، يمكن أن يأتي ذلك من محاولة هامشية وليس من قِبَل شركة إعلامية كبيرة تركز اهتمامها على محاولة إعادة تحزيم برامج الواقع الافتراضي الموزعة عبر الشبكة. يتحدث <V. خوسلا> [الرأسمالي المغامر] مع الشركة kleiner perkins Caufield & Byers عن تباشير مشروعات تجمع معا حواسيب يمكن أن تكون جنبا إلى جنب أو موزعة عبر العالم كله. إن حوسبة الحوسبة metacomputing تستطيع القيام بتفحص بالغ الدقة لبيانات المراقيب الراديوية بحثا عن الحياة خارج الأرض. ويرى خوسلا فائدة كبيرة جدا في استخدام نموذج الحوسبة المشبكة في الأعمال التجارية والصناعية، حيث تُربط حواسيب كثيرة لتعمل معا في حل مسألة كبيرة كمسألة ديناميك السوائل المحوسب لطائرة جمبو نفاثة تحمل 1000 راكب.
إن الجهود المبذولة لالتقاط الإشعاعات الراديوية من بلايين وبلايين المجرات قد تنتج أفكارا مفيدة حول ما يجب فعله على الأرض بشبكة تنبض بكوادريليون بتة في الثانية.
مراجع للاستزادة
See www.lightreading.com for a wealth of coverage on new technologies and on companies involved in optical networking.
(*)The Triumph of Light
(**) Technologies for All-Optical Networks
(***)The Once and Future Network
(****) Home Light Pipes
(*****)Will Anybody Come
(1) برتني سپيرز Briteny Spears وفاتبوي سْلِم Fatboy Slim، من "مغني البُبْ" في الولايات المتحدة الأمريكية. وروكافلّر سكانك Rockafeller Skank من أغنيات فاتبوي سْلِم. (التحرير)
(2) تساوي 1015 بتة = كوادريليون بتة. (التحرير)
(3) قرينة الانكسار مقياس لمقدرة المادة على ليّ الضوء بمقدار معين.
(4) تضميم multiplexing عملية إرسال عدد من الإشارات المنفصلة في وقت واحد وعبر قناة واحدة أو خط واحد. (التحرير)
(5) الابتدال بالدارات هو النمط القديم من إقامة الاتصال الهاتفي حيث تخصص دارة فيزيائية كاملة للاتصال بين طرفين، ولا ينقل على هذه الدارة سوى بيانات الاتصال القائم ذاته. يقابل ذلك ما يعرف بالابتدال الرزمي، حيث تنتقل رزم بيانات تخص اتصالات مختلفة على الدارة الفيزيائية ذاتها كما هي الحال في الشبكات المعلوماتية الحديثة. (التحرير)
(6) Last Mile
(7) holographically، بصورة مجسمة.
* المصدر http://www.oloommagazine.com/Search/Search_Details.aspx?ID=492&kw=انتصار%20الضوء