الندوية
الكوم | |
المكان | محافظة حمص، سوريا |
---|---|
الإحداثيات | 35°09′00″N 38°49′00″E / 35.15°N 38.81667°E |
النوع | سلسلة من التلال |
المساحة | الكوم-1: 3 hectares (7.4 acres) |
التاريخ | |
المواد | صوان، عظم |
تأسس | ح. 7000 ق.م. |
هـُـجـِر | ح. 6500 ق.م. |
الفترات | العصر الحجري القديم، PPNB، العصر الحجري الحديث |
الثقافات | اولدوانية، يبرودية، هومالية، موسترية |
ملاحظات حول الموقع | |
تواريخ الحفريات | 1967, 1978–1987, 1997– |
الأثريون | W.M. van Loon, R.H. Dornermann, D. Stordeur, J. Cauvin, M.C. Cauvin, L. Copeland, F.Hours، جان ماري لو تنسوريه، سلطان محيسن |
الحالة | أنقاض |
الادارة | الادارة العامة للآثار والمتاحف |
الاتاحة للعامة | نعم |
الندوية، موقع أثري في منطقة الكوم في البادية السورية على بعد 100كم إلى الشمال من تدمر تقريباً. اكتشف أول مرة في الثمانينات من القرن الماضي، وجرت فيه أسبار اختبارية أدارها الباحث الفرنسي فرانسيس أور F.Hours أثبتت الأهمية الكبرى المتوقعة منه، ثم بدأت فيه منذ 1989 تنقيبات نظامية من قبل بعثة سورية سويسرية مشتركة يديرها كل من سلطان محيسن من جامعة دمشق، وجان ماري لو تنسوريه J.-M.Le Tensorer من جامعة بازل.[1]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
التنقيب
اكتشف موقع الندوية، المسمى اليوم الندوية (عين عسكر)، أثناء المرحلة الأولى من التنقيب الذي قام به جاك وماري كليركوڤان بين 15 أيلول وحتى 15 تشرين الأول 1978. وقد أعطى أصحاب الاكتشاف الوصف التالي: إن محطة تدعى الندوية، قدمت ضمن أنقاض بئر حُفر على عمق مترين أدوات كثيرة يمثل الفأس اليدوي مجملها. وهي فؤوس غالباً صغيرة وبشكل عام قلبية الشكل، تتشعب أحياناً على أشكال مستطيلة ويترافق معها بعض المكاشط وبعض الحراب اللفلوازية النادرة.
بعد سنتين، وأثناء التنقيب بإدارة پول سانلافيل، أنجز فرانسيس اور في 27 /أيلول 1980 سبراً بسيطاً سمح بتأكيد وجود آثار استيطان أشولي في مكانها الأصلي وتوقع وجود مؤكدات أكثر كمالاً. وقد بُدئ في هذا في أيلول من عام 1983 تحت إدارة فرانسيس أور (تحليل نموذجي تمهيدي) وجان ماري لوتونسورير (أعمال في الموقع وملاحظات ستراتيغرافية وترسبية) بمشاركة سلطان محيسن ودانيل ستوردور، وأيانا يالسنكايا.
تبلغ أبعاد الموقع 100×250م. تداخلت فيه الطبقات الأثرية مع الترسبات الطبيعية التي حفظت هذه الطبقات التي بلغت سماكتها نحو العشرين متراً. كشف في الطبقات الدنيا عن آثار الحضارة الأشولية Acheulean التي دلت عليها مجموعة من السويات المتتالية والمتكاملة على امتداد مئات الآلاف من السنين وبشكل فريد من نوعه حتى اليوم. وبلغت الأدوات الحجرية - وعلى رأسها الفؤوس اليدوية Hand-axes التي صنعت من الصوان ذي النوعية العالية الذي جلبه السكان من مقالع تبعد عن الموقع بين 5 ـ 10كم ـ درجة عالية جداً من الدقة في التنفيذ من حيث شكلها وتشذيبها وتناظرها وجمالها مما دفع الباحثين إلى عدها دليلاً على الفنون الأولى، إذ أن الصانع قد أولاها اهتماماً خاصاً، تجاوز الحاجة الوظيفية والعملية لها، وأعطاها بعداً رمزياً معبراً. وجدت في الطبقات الوسطى للموقع آثار الحضارة اليبرودية Yabrudian نسبة إلى موقع يبرود شمال دمشق، التي تتميز بإنتاج المقاحف القصيرة والسميكة ذات التشذيب المتدرج على شكل حراشف السمك، فوقها توضعت آثار الحضارة الهملية Hummalian نسبة إلى موقع الهمل في الكوم، التي اشتهرت بإنتاج حراب الصيد الطويلة ذات الفعالية العالية، وظهرت في الطبقة التي تليها آثار الحضارة الموسترية Mousterian، كما التقطت من سطح الموقع آثار من مختلف العصور التاريخية اللاحقة.
التطابق
بالرغم من أن ستراتيگرافية الندوية تعكس استمرارية طويلة، لكن الترسبات التي تحتوي على الاستيطانات الإنسانية لا تمثل سوى جزء من هذا الزمن. تنتسب كل طبقة إلى حدثٍ خاصٍ لمدة قصيرة نسبياً بقيت خلالها الظروف مستقرة. ولا يوجد غياب للترسبات في الطبقات لأن ردميات الپليستوسين في الندوية تصل إلى أكثر من 23 م من السماكة وتغطي حقبة يتراوح طولها بين 350000 و 400000 سنة. ولو افترضنا أنها ترسبات مستمرة، فكانت لتشكل كل ألف سنة رسوبيات تتراوح سماكتها من 5 إلى 6 سم. لقد أصبحنا نمتلك بعد موسم 1996 عدداً كبيراً من المقاطع، تمثل أكثر من 450 متر مربع من المساحات المرسومة والمدروسة.[2]
وبسبب التعقيد الشديد للطبقات وبسبب التبدلات السريعة لسحنات مجموعة بذاتها من الترسبات، فإن تحديد الطبقات في مختلف المقاطع ليس ممكناً إلا عندما يكون هناك عملية اتصال مباشر بين مقطعين. إننا نصادف نفس نموذج الترسبات التي تشكلت تكراراً بالطريقة ذاتها. لذلك يجب الحذر فيما يخص الربط بين الحجارة المتواجدة على مسافات متباعدة أو اعتقاد تعاصرها.
وهكذا مثلاً، يعود الطمي المتراص الفاتح اللون في أسفل الطبقة C.7 إلى ثلاث مراحل مميزة أو منفصلة. مع ذلك من المستحيل التمييز بين هذه السحنات الثلاث حتى بواسطة المجهر بسبب ظواهر التآكل إما أثناء تراكم الترسبات أو بعد تراكمها، إذ لا يمكن أن نعتمد على معطيات قياس الارتفاعات كي نقيم صلات بين قطاعات متباعدة. تتشعب الطبقات إلى 10 وحدات رسوبية (مدونة بأرقام رومانية من الأعلى إلى الأسفل)، مقطوعة بمراحل انجراف عديدة أو مراحل غير رسوبية. تأخذ سويات ما قبل التاريخ مسميات منفصلة عن الوحدات الجيولوجية، بحيث تنتسب كل طبقة إلى ترسبٍ جيولوجيٍ واحدٍ. أي أن كل مستوى أثري أو طبقة أثرية تنتج من تراكم أشياء متروكة من قبل إنسان ما قبل التاريخ. حيث تشكل هذه النشاطات الإنسانية جزءاً من الإطار الطبيعي وتخضع آثارها للعوامل الجيولوجية.
يبدو التاريخ الجيولوجي للموقع معقداً كثيراً، وذلك بسبب الظواهر الخاصة المرتبطة ببنية المنخفض ولأننا لم ننقب سوى جزء صغير من هذا الموقع الكبير، وكذلك بسبب تراكم الرسوبيات بالحيز المكشوف. وبالإضافة إلى هذا، تتراكب عوامل انجراف جانبية عنيفة، تعدل بدورها طبوغرافية الموقع.
يمكن للتطور الجيولوجي في الندوية أن يعرض بالطريقة التالية:
إن المراحل الأكثر قدماً هي حالياً مجهولة، حيث تشكلت بعد التصدع الأول للمنخفض المسطح مساحة مجوفة في الأساس الجيولوجي في المستوى المارني الكلسي المنتسب لعصر السينومانوتورنيان (الطابق الأدنى من عصر الكريتاسي) الوحدة الجيولوجية X . وقد امتلأت هذه الحويضة الأولى بترسبات بحيراتية (الوحدة الجيولوجية 1 X). بعد حصول فجوة تعود إلى ظروف التنقيب، لوحظ استمرار وجود ترسبات بحيراتية عبر الوحدة VIII. إن وجود رخويات mollusques وطحالب تعريفية تسمح بالتأكيد على أن مستويات المياه المتشكلة كانت تصل غالباً إلى عمق عدة أمتار. لابد أن هذه المستويات المائية كانت غير مستقرة بسبب منسوب النبع المتغير، ما يفسر وجود مستويات متآكلة بشدة. لقد أستقر آشولي الندوية الأكثر قدماً أثناء فترة جفاف في تجاويف المنخفض المسطح في الحوض البحيراتي القديم (مستوى ترافيرتان) الذي عاد وامتلأ بالماء بعد فترة قصيرة. تعود الوحدة (VII) المنفصلة عن السابقة بسبب التقصف إلى الترسب البحيراتي الناجم عن المنخفض الجديد الذي نتج في الغرب من أعمال التنقيب. هذا التحول الطبوغرافي الهام أدى إلى انجرافات ممتدة لتستقر من جديد مجموعات إنسانية في المنخفض المحمي من الرياح (مستوى C.9). بعد مرحلة من الاستقرار الجيولوجي، تشكلت من جديد بركة استقر الإنسان على أطرافها بشكل دائم نسبياً.
من ثم، حدث خسوف امتد قطره على عشرات الأمتار أعاد حفر الموقع وأدى من جديد إلى انجرافات ممتدة. ومرة أخرى يستقر ماء ناتج عن نظام بحيراتي في عمق الحوض (وحدة VI). وتتميز هذه المرحلة كثيراً بانزلاقات عديدة للتربة في مستوى البركة، متقطعة بجفاف دوري استقر أثناءه الإنسان من جديد حول النبع (C.8.1).
يبدو أن هذه الفترة القارسة البرد والمعاصرة لمرحلة جليدية كبيرة في أوروبا مرتبطة مع المرحلة 12 للكرونولوجيا النظيرية البحرية المؤرخة بين 471000 و 422000 سنة. والبرد الأعظمي الذي أدى إلى وجود ظواهر جليدية في الندوية قد حدث بوجه الاحتمال منذ حوالى 435000 سنة. مع عودة طقس أكثر اعتدالاً، تتابعت الاستيطانات الإنسانية بسرعة (مجموعة مستويات الآشولي C.6,C.5)، ويدل تحليل الرسوبيات على عدم استقرار واضح للظروف الطبيعية (الوحدات B,A.V). لقد ساهمت مراحل عديدة من الانجراف في تشكل تراكمات حتاتية تأتي موادها من انهيار الطبقات الأكثر قدماً. ويعود النظام البحيراتي إلى الظهور بشكل متفرق ولكن ليس بنفس الشكل المنتظم الذي كان عليه في الفترات القديمة. إن ظروف ترسبات الوحدة IV المنفصلة بسبب التقصف الشديد في الطبقات ليست معروفة جيداً. لقد أقام اليبروديين والهُمَّليين ظاهرياً في وسط سبخي متصل مع النبع. هذا الجزء من الستراتيغرافية أعيد تشكله جيداً عبر تهدم للنظام الكارستي. ثم أدى هذا المنخفض المسطح الذي ربما أعيد تشكله إلى فتح منفذ طول قطره 30 م وعمقه أكثر من 10 أمتار، وقد تم امتصاص حجم الرسوبيات المقدر بأكثر من 3500 م 3 في التجاويف التحأرضية. لقد عدّلت مرحلة مهمة من الانجراف الأرضي (وحدة III) فيما بعد بروز المنخفض المسطح ووسعت مساحة قاع الحوضة عبر تراجع للمقاطع. وعندئذ تشكلت بحيرة صغيرة لم يصلنا منها إلا الترسبات البحيراتية العميقة (وحدة II.2). ومن جديد أيضاً، أدى انجراف كبير إلى حفر سطح الحوض البحيراتي القديم وانتزع من مركزه مايقارب 3 أمتار من الترسبات مبدلاً تماماً طبوغرافية الموقع، ثم ردم هذا الحيز الجديد بترسبات تبخرية ناعمة جداً (وحدة II.1). يجب عندئذ تصور سبخة قليلة العمق أقام فيها إنسان الآشولي المتأخر معسكره أثناء مراحل الجفاف (مستويات C.2 , C.1). وبعد هذا الاستيطان المؤرخ بحوالى 000 200 سنة توقفت رسوبيات النبع ونشاطه بشكل مفاجئ. وقد اقتصرت الرسوبيات اللاحقة على بعض بقايا الرمل الهوائي المتناثرة (وحدة I).
هناك آثار نادرة تدل على عبور متفرق لصيادي الپاليوليت الأوسط والپاليوليت الأخير. ومع أوائل الحضر، استقر الإنسان من جديد بشكل أكثر دواماً إلى جانب نبع الندوية. ثم بعد ذلك بزمن طويل وأثناء حفر بئر جديد منذ ما يقارب ستين عاماً، ظهرت إلى العيان من جديد سويات الآشولي التي كانت مخبأة وغير مرئية على السطح، وسمح العثور على الفؤوس اليدوية فوق هذه الأنقاض باكتشاف الموقع.
الاكتشافات الكبرى
كشف في الندوية عن دلائل معرفة النار منذ نحو 200,000 سنة خلت، والتي لا شك أن الناس استخدموها في التدفئة والإنارة وتحضير الطعام والدفاع عن النفس، كما وجدت دلائل مستحاثية متنوعة أعطت معلومات عن المناخ القديم الذي تبدل بين الحار والبارد، وأحياناً الجليدي، وتبين أن السكان عاشوا من صيد الحيوانات البرية المتنوعة كالحصان وحمار الوحش والجمل والبقر والغزال حتى وحيد القرن الذي يشير وجوده أن هذه المنطقة الصحراوية الحالية كانت قديماً منطقة غابات ومستنقعات، كما استهلك السكان الطيور والزواحف وغيرها، وتغذوا بالثمار والنباتات البرية كاللوز والبطم والزعرور والعرعر والنجيليات وما إليها.
إن الكشف العلمي والعالمي الأهم من الندوية هو العظم الجداري اليساري os pariétal لجمجمة الإنسان المنتصب (Homo erectus) الذي كان أول نوع بشري خرج من القارة الإفريقية ليستوطن أرجاء جديدة من آسيا وإفريقيا. وقد تم العثور عليه ضمن طبقة من العصر الآشولي، عمرها نحو نصف مليون سنة، وهو يعود إلى إنسان يافع، وشكل هذا العظم بدائي ومتطاول وسماكته ملحوظة، نحو 1سم، وأبعاده 13×9سم، وهو بذلك يمثل القطعة الأكمل والأهم من نوعها لهذا الإنسان في الشرق الأوسط، وقد رافقت الجمجمة كميات كبيرة من عظام الغزال وحمار الوحش. وأظهرت الدراسة الأولية لهذه الجمجمة تقارباً واضحاً مع إنسان الصين الأول؛ مما أثار استغراب الباحثين الذين توقعوا أن يكون هذا التشابه أكثر مع الإنسان الإفريقي، حيث ظهر الهومو إركتوس أول مرة. ومهما يكن فإن كشف الندوية يطرح فرضيات جديدة حول ظهور الإنسان وانتشاره في مختلف القارات، وحول العلاقة بين جنوب شرقي آسيا وإفريقيا، ودور الشرق الأوسط بين هاتين المنطقتين المتباعدتين. وسيبقى إنسان الهومو إركتوس من الندوية محط اهتمام الباحثين ـ من حيث عمره وشكله وموقعه الجغرافي ـ سنوات كثيرة قادمة.
تحدد هذا النوع الإنساني من قبل الباحثين انطلاقاً من جماجم سان جيران Sangiran ومواقع عديدة في جاوا وكذلك عدة إنسانيات وجدت في الصين.
ويتصف الهوموأركتوس الكلاسيكي بقحف منخفض وسماكة عظمية كبيرة، وتتميز العظام الجدارية للجمجمة بتسطح طولي وببروز الخطوط الصدغية. وإن اكتشاف عدد من بقايا إنسان الهوموأركتوس في ترنيفين Ternifine في الجزائر في عامي 1954 و1955، جعلنا Verbreitungskarte ندرك أن هذا الإنسان قد انتشر بشكل واسع في العالم القديم. وقد وجدت عدة هياكل ذات صفات مورفولوجية مماثلة في مواقع اولدوڤاي Olduvai في تنزانيا وكوپي فورا Koopi Fora وناريوكوتوم Nariokotome في كينيا. وفي أفريقيا الشرقية، تأخذ في بعض الأحيان أشكال الهوموأركتوس الأفريقية هذه أسماً يتميز عن أنماط الإنسان المنتصب الأخرى وهو هومو إرگاستر Homo- ergaster. هناك أسئلة عديدة تطرح نفسها حول موضوع تنوع وتطور هذه المجموعات الإنسانية في المنطقتين الكبيرتين الآسيوية والأفريقية. إن العلاقة بين هاتين المجموعتين الإنسانيتين اللتين تحملان صفات مورفولوجية متقاربة هي موضوع نقاش حي بين الباحثين.حيث إن المشكلة تأتي من التأريخات الجديدة التي حدثت في جاوة Java ودلت على افتراق قديم جداً بين كلٍ من المجموعتين الإنسانيتين (قبل مليون سنة).
إن جزء الجمجمة المكتشف في الندوية (عين عسكر) هو عظم جداري أيسر كامل تقريباً كان موضوعاً على وجهه الخارجي. وهو يتألف من جزء من قبة القحف في الجمجمة، ولا يُلاحَظ أي صفات تتطور عند أشكال أكثر حداثة. تسمح السماكة الكبيرة للعظم بالاعتقاد بأنه فرد بالغ، وتدل حالة طمس الدروز بأنه ليس متقدماً في السن. يمكن ملاحظة أن المخدة الاسطوانية للعظم الصدغي تقع نسبياً قرب الدرز السهمي وهي ما تعرف كخاصية أو ميزة قديمة على العكس بالنسبة للإنسان الحديث الذي يكون عظم جمجمته الجداري ذو شكل مربع. يمثل الإنسان السوري شكل شبه مستطيل، متطاول من الأمام إلى الخلف (128 مم x 91 ملم). إن تشكل هذا العظم الجداري يبين أن قبة قحف جمجمته منخفضة كفاية، وانحناءها منخفض بشدة. تتجاوز السماكة الكبرى لهذا العظم الجداري 12 مم في المنطقة السفلى في حدبة Schaedelالعظم الجداري ويبقى أكثر من 9 مم في منطقة الطرف التاجي أو الجبهوي. وبالرغم من أن هذه الميزة ليست نهائية دائماً إلا أنها صفة قديمة للأحفور. إن تصدع العظم سمح بملاحظة بنيته الداخلية وملاحظة سماكة معتبرة للوحات الداخلية والخارجية وكذلك تناقص الطبقة الإسفنجية، وهي الميزة التي تبعد جمجمة الندوية عن النوع النياندرتالي الذي تكون عنده الطبقة الإسفنجية سميكة جداً.
تحت قمة الرأس بحوالى 3 سم، نلاحظ سماكة عظمية كبيرة جداً مشابهة تماماً لمثيلاتها عند هومو اركتوس الصين وجاوا. يمثل العظم على طول خط العظم الصدغي حجر الزاوية التعريفي للهوموأركتوس. إن سلسلة من المقارنات دلت على أن تشكل هذا العظم يبتعد بقوة عن مثلائه الأوروبيين من نفس العمر، أو نفس العصر مثل انسان توتاڤل (Tautavel) فرنسا كذلك فإن المقارنات مع بقايا الشرق الأفريقي تدل أيضاً على فروقات مهمة، ووحدها جماجم زوكوديان Zhoukoudian (الصين) تقدم مساحات مطابقة لجزء الجمجمة السورية.
ينتمي إنسان الندوية إلى مجموعة الهوموأركتوس الكلاسيكي الآسيوي. ويحمل عظم الندوية هذا أسئلة جديدة ذات أهمية كبيرة لمحاولة ملء الفراغ الجغرافي الذي كان يعرف حتى ذاك الوقت بين الهوموأركتوس الآسيوي والأفريقي و يكتسب هذا الاكتشاف أهمية كبيرة جداً من أجل معرفة أصولنا وانتشار أجدادنا البعيدين.
الثقافة
الموقع نبع ماء قديم، جفت مياهه اليوم، ترددت على الإقامة بجواره جماعات متنوعة ولمدة زادت على النصف مليون سنة، وهذا أطول استيطان بشري مستمر ومعروف في الشرق الأوسط حتى تاريخه.
هناك 25 سوية آشولية وعدة مستويات يبرودية وهُمَّلية قيد الدراسة. يحتوي مجموع الثقافات المكتشفة في الندوية على عدة أطوار آشولية. وقد وجد أيضاً أدوات تعود لكل من الثقافات اليبرودية والهُمَّلية واللفلوازية ومن العصر الحجري القديم الأخير ومن العصر الحجري الحديث Neolithique بالإضافة إلى قطعة من الفخار والتي تعود احتمالاً لعصر أوروك (عصر البرونز). أثبتت الكمية الكبيرة من الفخار القديم والفخار الإسلامي التي وجدت ضمن البقايا الناتجة عن حفر الآبار، كذلك بقايا الإنشاءات التاريخية غرب الموقع، وجود الإنسان في الفترات التاريخية الباكرة وفي الفترات التاريخية اللاحقة.
أفضت دراسة الأدوات المنتسبة للمستويات الآشولية المختلفة إلى تقسيم الثقافة الآشولية إلى خمس مراحل تتميز بسحنات خاصة. نلاحظ في كل المستويات إنتاج غزير للفؤوس اليدوية التي تشكل دائماً الغالبية العظمى من الأدوات. أما الأدوات عن الشظايا فهي أقل غزارة، بينما تظهر بشكل متأخر في المتتالية الآشولية أدوات مختلفة أخرى وكذلك شظايا مقصبة بشكل منتظم وبعيد عن مبدأ تقصيب الأداوات اللفلوازية في الندوية.
إن أحد أهم الأشياء في سياق الآشولي هو وجود مستوى غني بالفؤوس اليدوية يعقب الفترة الانتقالية للعصر الحجري القديم، المتمثلة بالثقافتين اليبرودية والهُمَّلية. وبالتالي لدينا هنا الآشولي الأخير معاصراً لأول ثقافات العصر الحجري الأوسط نحو (200 ألف سنة). يوضح لنا التطور الإجمالي للآشولي في الندوية أن المخطط البياني لهذا التطور غير معروف حتى الآن، إذ نرى أن الفؤوس اليدوية المنتسبة إلى المراحل القديمة تكون مشغولة بعناية أكثر من مثيلاتها في المراحل العليا. هذا الانعكاس يكون بعكس مبادئ التطور الاعتيادية. مع ذلك فإنه من الممكن أن نلاحظ هذه الظاهرة التي تتجلى من خلال المخطط البياني الكلاسيكي لتطور الثقافات في مواقع أخرى في الشرق الأوسط. لقد تبنينا نظام تسمية مستقل للمتتالية الآشولية في موقع الندوية، وذلك من أجل تجنب حدوث خلط بالتسميات مع التسميات الموجودة للفترات الآشولية المختلفة في الشرق الأوسط. لقد سميت أطوار الآشولي بالندوية ابتداءً من السحنة E حتى السحنة A متسلسلة من الأقدم إلى الأحدث، وإن هذا القسم ذو دلالة لا تنطبق فقط على الإطار المكاني للموقع بل تتجاوزه إلى أبعد من ذلك لتصبح مرجعاً لتمييز تطور الثقافة الآشولية في البادية السورية. تندرج المراحل الباليوليتية المختلفة المكتشفة في موقع الندوية عين عسكر من الأقدم إلى الأحدث كالتالي:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الأشولي ذو السحنات E و D
إنها سحنات غنية جداً بالفؤوس اليدوية الموحدة النمط والمرتشة بدقة. اكتشفت هذه الفؤوس في الأجزاء السفلى من الستراتيغرافية. نلاحظ تواجداً قليلاً للأدوات عن الشظايا وتواجداً نادراً للقواطع وللأدوات القاطعة في هذه السحنات. تسيطر بالسحنة E الفؤوس القلبية الشكل، بينما تتميز السحنة D بوجود الفؤوس البيضوية . - الآشولي ذو السحنة E (الوحدة الستراتيغرافية 8 و 8A المحتوية على الترافيرتان في القاعدة وفي الطبقة 9). تتمثل هذه السحنة في المستويين الأكثر قدماً المعروفين في الندوية حيث تسيطر الفؤوس المسطحة والمنتظمة ذات الشكل القلبي المتطاول، أو ذات الشكل القصير والسمين التي تمثل نسبة (43 %). وتمثل الفؤوس ذات الشكل نفسه ولكن أكثر سماكة والمسماة الفؤوس اللوزية نسبة (12 %). إلى جانب تلك الفؤوس، نجد فؤوساً رمحيةً lanceoles، وهي غالباً ذات حد مستقيم أو محدب قليلاً وقاعدة مستديرة ومرتشة جيداً. ونجد أيضاً فؤوساً بيضويةً ovalaires متنوعة بغزارة. كمانلاحظ وجود كل الأنواع من الفأس المدور حتى الفأس السمكي المتناظر. وقد شُغلت جميع هذه القطع بانتظام وعناية شديدين. إلى هذا يضاف عدة فؤوس جزئية أو مطروقة بشكل غير منتظم وكذلك أدوات مصنعة على قطع صغيرة، ونلاحظ عملياً غياب القواطع choppers والأدوات القاطعة chopping-tools.
هناك أيضاً مجموعة كبيرة من الفؤوس التي تحمل آثاراً واضحة لعملية تصنيع أخرى، حيث أنها تحمل كمخة patine مزدوجة أو رتوشاً مختلفة. يوجد أيضاً في هذه السحنة عدداً كبيراً من الشظايا الناتجة عن عملية تصنيع وشحذ الفؤوس. بينما تسمح لنا بقايا التقصيب الغليظ بملاحظة أن الفأس اليدوي قُدِّم كأداة عاملة في هذا الموقع لأن الشظايا الضخمة كانت قد نتجت عن عملية التحضير بشكل خاطئ. وإن هذه الظاهرة موجودة في كل مستويات الآشولي في الندوية. ثم إن عدداً من الفؤوس يحمل في نقاط الذروة في وجهه المقعر آثار طرق مكثف تقريب، إذ إننا نجد هذه الظاهرة أيضاً في المستويات الأخرى. يقدر عمر هذه السحنة تقريباً بأكثر من 500 ألف سنة.
الأشولي ذو السحنة D (الوحدة الطباقية A مستويات BA-D)
تضم الطبقة 8 على الأقل 4 مستويات متميزة تحتوي على أدوات حجرية نضرة جداً وتحمل الشظايا حدوداً كاملة تماماً. وإن الفؤوس كثيرة العدد الموجودة في هذه السحنة مطروقة بعناية كبيرة وهي موحدة النمط وتسيطر فيها بشكل واضح الفؤوس ذات الأشكال من البيضوية إلى الدائرية ذات المقطع السميك جداً. وبعكس السحنة E فإن الأشكال المدببة نادرة والأشكال الرمحية عملياً غائبة، فهي غالباً كما ذكرنا ذات أشكال بيضوية إلى دائرية ذات مقطع سميك. وتنتسب الفؤوس الآشولية البيضوية إلى المرحلة الوسطى في التصنيف الكلاسيكي للثقافة الآشولية.
تتميز الفؤوس البيضوية غالباً بوجود قبضة تعريفية للحد تُحوّل الفأس إلى نوع من البلطة ذات حد علوي. وإن الأدوات الناتجة عن عملية السن أو الشحذ هذه هي شظايا ذات ظهر فأسي الشكل.
تُميز هذه السحنة الآشولية أيضاً في الأردن في موقع الأزرق الذي يشابه موقع الندوية في وضعه البيئي. يبين الغياب شبه الكلي للنوى أن بقايا التقصيب تنتج عن طرق الفؤوس اليدوية. ونلاحظ أيضاً ندرة الأدوات عن الشظايا، إذ تتألف من عدة مكاشط أو قطع مرتشة. وقد اكتشفنا في هذه الطبقة في 14 تشرين الأول من عام 1996 عظم جدار الجمجمة الأيسر parietal.
يقدر عمر هذه السحنة تقريباً بين 500 و 400 ألف سنة.
الآشولي ذو السحنة C (الوحدة الطباقية 6، وقاعدة الوحدة 5.A مستويات 8.1 و.7)
تحتوي هذه السحنة على عدد كبير من الفؤوس التي تتنوع أكثر من مثيلاتها في المرحلة السابقة، ولكنها هنا مشغولة بمهارة أقل.
نلاحظ في السحنة وجود بعض الأدوات الصغيرة قليلة العدد كالأدوات القاطعة على شكل النواة وقواطع صغيرة وكذلك فؤوس صغيرة، حيث تشكل هذه المرحلة طوراً انتقالياً بين السحنتين D و B. لقد خربت معظم مستويات هذه السحنة من خلال الظواهر الجليدية. وإن عملية الانجراف الشديدة التي تمت خلال فترة شديدة البرودة قد مهدت سطحاً واسعاً في الموقع. وفي الوقت نفسه تراكمت مجموعة كبيرة من الصنعيات من خلال التدفق الذي نتج عن انزلاق التربة. إن معظم الأدوات مثلمة بشكل كامل وتحديدها التام غير ممكن، ذلك بسبب التقصف ونتيجة ضغط طبقة الجليد الكثيفة. كما تدل المواد الأثرية في هذه الطبقة التي تتجاوز سماكتها 20 سم في بعض الأمكنة على وجود سكن هام جداً قبل ضغط الجليد سابق الذكر. ولقد اكتشفنا على سطح منقب بمساحة 30 متر مربع تقريباً 80 ألف أداة، بينها 5199 فأساً يدوياً وأدوات تنتسب إليها أيضاً كالمعاول pics وأدوات مطروقة على الوجهين pieces bifaciales.
يمتد التدفق الناتجعن انزلاق التربة على سطح تتجاوز مساحته الـ 400 ممتر مربع. وبهذا نستطيع أن نقدر أن هذا التدفق يحتوي على أكثر من مليون أداة بينها ما يتراوح بين 60 و 70 ألف فأس يدوي. وإن الفؤوس المحفوظة بشكل جيد والنادرة كان قد استخرج بعضها من مستويات السحنتين E و D والتي يتوضع تدفق انزلاق التربة في بعض أجزائها. نستطيع القول إنّ الأدوات الموجودة في هذه الطبقة تميز فترة لاحقة للآشولي في الموقع.
نلاحظ أيضاً تنوعاً كبيراً في الفؤوس المنتسبة لسلسلة السحنة C المتمثلة في كل من الطبقتين 8.1 المنضدة بشكل جيد، والطبقة 7. إن معظم هذه الفؤوس هي لوزية الشكل amygdaloides أو قلبية الشكل. كما نجد أيضاً عدداً كبيراً من الفؤوس بيضوية الشكل الناتجة غالباً عن تآكل الرأس المدبب. لذلك يجب ألاّ نخلط بينها وبين الفؤوس البيضوية العائدة للمستويات الدنيا للسحنة. كذلك نجد فؤوساً رمحية جميلة ذات عقب، وبعض الفؤوس الميكوكية النادرة التي تأخذ أسمها من موقع ميكوك جنوب فرنسا. تسود بشكل نسبي الفؤوس الصغيرة جداً التي يتراوح طولها من 5 إلى 6 سم. ونضيف إلى ذلك فؤوساً سميكة جداً وغير منتظمة ، تتواجد بشكل نادر أيضاً. كذلك فؤوس ذات ظهر، وعدد من المعاول وعدد من الأدوات القاطعة الصوانية الصغيرة على شكل نواة.
يندر وجود الأدوات عن الشظايا في الطبقة السابعة، حالها حال كل المستويات الآشولية في موقع الندوية، فهي بنسبة (0.1%) من مجموع الصنعيات ونسبة (1.5%) من القطع المرتشة بما فيها الفؤوس والحصى المطروقة. تشكل المكاشط نصف مجموع الأدوات عن الشظايا، ويتألف الجزء الباقي من شظايا مرتشة وسكاكين ذات ظهر غير مرتش وفرضات encoches وأدوات مسننة denticules، كما تظهر بعض الحراب والمقاحف. نجد كذلك في هذه السحنة نوى هي غالباً دون شكل محدد، أو كروية الشكل.
إن ظاهرة البرد القارس سابقة الذكر تقود إلى عملية تخلخلات في الصخر cryoturbations تتراوح سماكتها بين ( 0/02 و 0/03 ملم) تنتسب احتمالاً إلى الطور 12 من الكرونولوجيا النظيرية الذي ينتسب لفترة البرد الأكمل التي سيطرت على جونا قبل حوالى 435 ألف سنة.
الآشولي ذو السحنة B (الوحدة الستراتيغرافية A.5 و B.5 مجموع المستويات 6 و 5)
نجد في هذه السحنة فؤوس فظة متنوعة جداً غير موحدة النمط. كما نجد وبغزارة قواطع وأدوات قاطعة صغيرة على شكل نواة وكذلك فؤوساً صغيرة، ونلاحظ هنا تطوراً في شكل النواة. أما الشظايا فهي غزيرة جداً ولكن عدداً قليلاً منها مرتش لكي يكون أداة. تتألف الفؤوس بشكل أساسي من الفؤوس اللوزية الشكل ذات المقطع العرضاني، وهي غالباً ذات سطح محدب. نجد أيضاً الفؤوس الرمحية، وهي غالباً ذات عقب سميك. وكقاعدة عامة فإن جميع أنواع الفؤوس يمكن أن تكون ذات قاعدة طبيعية من الكلس. وإلى جانب الفؤوس الكبيرة نجد فؤوساً صغيرة لا تتجاوز أطوالها 7 سم، تختلف بوضوح عن الفؤوس الكبيرة وتشكل نمطاً قائماً بذاته. وإن الأدوات عن الشظايا هي نادرة في هذه السحنة، وكبيرة مقارنة بالسحنة السابقة. تتوافق السحنة B من الآشولي في الندوية مع مجموع الآشولي الأكثر انتشاراً في الشرق الأوسط والمصنفة كآشولي أوسط. تقع هذه السحنة التي تضم 15 مستوى في كل من الطبقتين 5 و 6 احتمالاً بالمدة الفاصلة بين فترة البرد الأكبر من الطور النظيري 12، وبداية اليبرودي بين 430 و 350 ألف سنة.
إن كل مستويات الثقافة اليبرودية هي للأسف متآكلة، وهي تقدم شواهد لمرحلة سكن قديمة. وتتألف بشكل خاص من مكاشط كبيرة وصغيرة مرتشة على شكل درج، ومن فؤوس نادرة الوجود، ذات ظهر. لكنها تقترب من أشكال فؤوس السحنة B ولا نجد في اليبرودي فؤوساً صغيرة أو قواطع أو أدوات قاطعة على شكل نواة.
ويبدو ممكناً أن هذه الصناعة اشتقت من السحنة الآشولية B. وذلك لأن الفؤوس المنتسبة لكل من اليبرودي والسحنة الآشولية B، تتماثل بشكل مدهش. ونلاحظ في السحنة B وجود متكاثر للأدوات الخفيفة المنفذة على كتل صوانية. بينما في اليبرودي نجد أدوات خفيفة مؤلفة من شظايا مرتشة. ويغيب التقصيب اللفلوازي تماماً في اليبرودي. والأدوات عن الشظايا هي سميكة وذات رتوش على شكل درج، تلك التي نلاحظها في الأدوات الميكوكية ، وفي سحنات الكينا Quina من الموستيري الأوروبي.
إن المستويات الهُمَّلية متأثرة بانهيار جانب من المنخفض المسطح، أي من الموقع. ومعظمها أيضاً متآكل بشدة. ولقد كان حظنا جيداً بأن اكتشفنا كتلة من الترسبات منفصلة عن الستراتيغرافية الأصلية، تضم في عدة أمتار مربعة سلسلة من المستويات الهُمَّلية، موجودة في مكانها الأصلي. كما تضم أيضاً آثاراً هامة لمواقد نار foyer، ولكنها للأسف مندملة بشدة. وتتألف الأدوات الصوانية المتواجدة في هذه المستويات من نصال صنعت بشكل انتظامي، تتحول غالباً إلى حربات هُمَّلية نموذجية. كما نلاحظ وجود تقصيب لفلوازي في هذا الحيز الهُمَّلي.
الأشولي الأخير.السحنة A (الوحدة الستراتيغرافية 2 المستويات الأثرية C1 C2)
تمثل هذه السحنة اللاحقة لليبرودي والهُمَّلي، والتي تشكل سنم الستراتيغرافية، كرونولوجيا متأخرة جداً في تطور الثقافات الآشولية في الشرق الأوسط. وتسيطر هنا الفؤوس اليدوية كما في المراحل السابقة وهي متنوعة جداً. تتألف بشكل أساسي من الفؤوس القلبية الشكل والفؤوس اللوزية، تتراوح أبعادها بين 6.5 إلى 12 سم. وهي بهذا تكون أصغر وأكثر تجانساً من مثيلاتها في مستويات السحنة B.
يحتوي المستوى C.1 على أرض سكن حقيقية تتضمن مجموعة من الفؤوس وبعض الأدوات عن الشظايا مرتشة جزئيا. ونادراً ما تكون مسننة بالإضافة إلى بعض المكاشط النادرة. وتحتوي هذه السحنة على عدد كبير من القطع ذات الوجهين وغير المنتظمة. ونلاحظ عدم وجود الأدوات القاطعة الصغيرة وغياب التقصيب اللفلوازي تماماً في هذه المستويات وغياب الإنتاج المنتظم للأدوات عن الشظايا. بغياب موقع مشابه، إنه من الصعب شرح هذه الولادة الجديدة للآشولي التي تبين تطوراً جديداً بالنسبة للأطوار الآشولية السابقة.
نستطيع أن نفسر بعدة طرق هذه العودة لثقافة الفؤوس بعد فترة تميزت بصناعات مختلفة كثيراً ومتطورة أكثر. فإما أن مجموعات تمارس التقاليد الآشولية استمرت وتعايشت دون أن تبدل ثقافتها كلياً بثقافات أخرى خلال فترة طويلة جداً، وإما أن أدوات السحنة A تنتسب لمجموعة بشرية مرت هناك آتية من منطقة أكثر بعداً، لم تتأثر ربما بقدوم التقنيات الجديدة التي انتقلت احتمالاً على يد أول زمر الإنسان العاقل.
الزراعة والري
عندما ارتفع منسوب مياه النبع، امتلأت هذه المنخفضات بالمياه مُشكلة بحيرات صغيرة تحتوي على ترسبات بحيراتية غنية. وعندما انخفض منسوب مياه النبع، أدت عوامل الحت إلى تآكل حواف النبع وتخريب بنيته الأولية. كذلك، سويت الحواف الشديدة الانحدار وامتلأت المنخفضات بالأنقاض.
أدى التوسع المستمر للبنية التضاريسية والناتج عن نشاط النبع إلى انهيارات متعاقبة في باطن الأرض، فنستطيع اليوم أن نعد 7 مراحل على الأقل في الحيز الذي يتوضع فيه نبع الندوية.
أدى التناوب بين الانهيارات والهبوطات في باطن الأرض بالإضافة إلى الحت والترسبات إلى وجود ستراتيغرافية معقدة جداً. وقد كشفت الحفريات التي يصل عمقها إلى 8 أمتار عن كتل ستراتيغرافية متراكمة ومتوضعة بجانب بعضها البعض، يبلغ ارتفاعها أكثر من 30 متر إذا أعيد إنشاؤها.
غزارة الطبقات العشبية المتنوعة والغنية بالأنواع النباتية التي تغلب عليها السـرمقيات الـتي تسـتقر عـلى أرض مـالحة مثل اليـجوج plantes halophiles (نعت يطلق على النباتات التي تنمو في المناطق المالحة) والفصائل النباتية الأخرى التي تعيش في البادية.
حضور نباتات مائية تؤكد أن الماء قد أدى إلى تشكل رسوبيات في وسط صحراوي أو شبه صحراوي.
لقد تم أخذ عدة عينات من أعالي الردميات في عدة قطاعات من موقع الندوية وذلك لتحليل ودراسة غبار الطلع. وقد أعطت الدراسة الأولية لتلك العينات بعض النتائج التمهيدية.
يدل مجموع أطياف غبار الطلع التي تظهر في عدة مقاطع في موقع الندوية وفي جميع المستويات على بيئة مكشوفة و تكون حبات الطلع سيئة الحفظ غالباً.
إن المستوى الذي اكتشفت فيه بقايا إنسان الهومو إركتوس يمثل مشهداً مفتوحاً جداً، أو عملياً مشهد بادية. تتمثل النسبة المئوية للأشجار في العينات الأكثر قرباً من مكان عظم جدار الجمجمة بالصنوبر pin والعرعر Genevrier. لكن وجود غبار طلع الصنوبر لا يؤكد وجود الأشجار في البيئة النباتية المباشرة، والتي تكون بسبب عدد الأنواع النباتية القليل جداً غير محددة جيداً. بيد أنه يتضح لنا أن المشاهد في ذلك الوقت كانت مكللة بامتداد عشبي، ذلك الذي يعيش في البادية والذي تسيطر فيه النجيليات Poacees (نباتات وحيدة الفلقة) والسرمقيات Chenopodiacees (من ذوات الفلقتين تشمل السرمق) والنجميات Asteracees (جنس زهر من المركبات السطرية) المؤلفة بشكل أساسي من الأقحوان Anthemidees والهندباء Chicorees والأرطماسية Armoises (نبتة عطرة). كذلك نمت على حافة المنخفض المغمور بالماء بعض النباتات التي تبحث عن الرطوبة مثل السعديات Cyperacees (فصيلة من وحيدات الفلقة) وسلق الماء Potamot وشريط الماء Rubanier.
ينتسب المستوى الأدنى للطبقة السابعة إلى مرحلة باردة ورطبة جداً، الشيء الذي أدى إلى امتداد تدفقات انزلاق التربة وإلى تخلخلات في التربة ناتجة عن الجليد cryoturbation. يتميز هذا المستوى بغناه الكبير بحبيبات الطلع وبالأعشاب والحشائش. ومن النباتات التي كانت سائدة في هذه الطبقة يجب ذكر السرمقيات والأرطماسيات والنجميات وذات الصليب Cruciferes والقرنفليات Caryophyllacees والنجيليات والخشخاشيات Papaveracees والنباتات الشفوية الشكل Labiees والخبازيات Malvacees والشقاريات Renonculacees (من ذوات الفلقتين) والورديات Rosacees والزنبقيات Liliacees.من جهة أخرى تَحضُر بعض الأشجار كشجرة الصنوبر Pin وشجرة السرو Cupressacees وجار الماء Aulne والزيتونيات Oleacees. كما نلاحظ خلال هذه الفترة غياب النباتات المائية. تشابه مستويات السحنة الآشولية B الفقيرة بحبيبات الطلع مثيلاتها بالطبقة 8 من حيث الأطياف، حيث نلاحظ حضور الصنوبر والنجيليات والنجميات والسرمقيات. وأخيراً، تتمتع المستويات الأولى من المتتالية الآشولية النهائية بغنى بحبيبات الطلع، بالإضافة لوجود بعض الأنواع الشجرية المؤلفة من الصنوبر Pin والبلوط Chenes وعدة أنواع عشبية تغلب عليها السرمقيات. كما تحضر النجيليات والنجميات وذات الصليب ونباتات مائية مؤلفة من النيلوفريات Nympheacees (من ذوات الفلقتين) والسعديات والسافرة Sparganier (نبات مائي) تعود إلى مستوى مائي تشكل من جديد. إن أرضية السكن في الطبقة 1 هي فقيرة بشكل عام إلا أنها قدمت من بين بقايا أحد مواقدها آثار حبيبات طلع تمكن رؤيتها من خلال شريحة مخبرية، أحصينا منها 24 نوعاً واستطعنا تحديد ثمانية أنواع تألفت من الأصناف الحشائشية التي تغلب عليها السرمقيات والنباتات المائية.
إن هذه النتائج التمهيدية الأولى لا تشتمل إلا على بعض المستويات الآشولية. بشكل عام، أعطت دراسة غبار الطلع التمهيدية لبعض عينات الندوية نتائج تميزت بما يلي:
- إبراز مشاهد فقيرة بالنباتات. - إبراز أشجار غير موجودة حالياً أو نادرةـ منذ أكثر من ما يزيد عن 500 ألف عام كان يوجد في الندوية بئر ماء، وقد سمح وجود عدة صدوع في باطن الأرض وتقاطعها في الأرض العذراء للحيز الذي يوجد فيه البئر إلى صعود المياه الجوفية إلى السطح. في نفس الوقت، قامت هذه المياه بحفر نظام تضاريسي كبير وغني بالتجاويف التحأرضية على شاكلة الكهوف. ثم أدى انهيار أسطح هذه الكهوف إلى تشكل منخفضات مسطحة كبيرة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وصلات خارجية
المصادر
- ^ "الندوية". الموسوعة العربية.
- ^ أنور الخطيب. "الندوية". البعثة الآثارية السورية السويسرية.