هشام المؤيد بالله
أبو الوليد هشام المؤيد بالله أو هشام الثاني (11 يونيو 965 - 18 مايو 1013) كَانَ الخليفةَ الثالثَ لقرطبةِ، مِنْ الأمويون. حَكمَ 976-1009، و1010-1013 في الأندلس.
وُلد ونشأ بقرطبة، وبُويع بالخلافة يوم وفاة أبيه سنة 366هـ، 976م وهو غلام. خَلفَ هشام الثّاني أبّاه الحكم المستنصر بالله الحكم الثاني في 976 وهو صبي لا يتجاوز عُمرهِ عشر سنوات، بمساندة من أمِّه صبح البشكنجية (نسبة إلى ڤسكونيز) وحاجبه ووزيره الأول جعفر المصحفي ومعهم غالب الناصري قائد جيوش الخلافة ومحمد بن أبي عامر المنصور الذي استحوذ وحده فيما بعد على سلطة الخليفة وحجر عليه. وقد عملوا مجتمعين على منع الخصيان الصقالبة من نقض بيعة هشام وتوليه أخي الحكم الثاني على العرش. صـُبح رقـَّت المنصور ليصبح القائم على خزينة الخلافة. وقد اُبقـِيَ هشام الثاني بعيداً عن الحكم ولم يمارس أي نفوذ سياسي. وفي العام 997 اُجبر على تسليم مقاليد الحكم رسمياً للمنصور وتسمى بالملك المنصور وإن ظل الخليفة رمزاً. وطد المنصور ملكه ودولته وقد بلغت الخلافة في عهده أقصى اتساع لها ولاقت أعظم انتصاراتها على الممالك المسيحية بالشمال وبلغ تعداد المسلمين بدولة الخلافة 4%.
وبعد موتِ المنصور في 1002م ولي إبنه عبد الملك (1002-1008) وَصلَ إلى السلطة وضَمنَ موقعَه في الخلافةِ بالحملاتِ الناجحةِ ضدّ ناڤار وبرشلونة قبل أن يقتله شقيقه عبد الرحمن شنجول (1008-1009). وفي عام 1009 عصفت بالبلاد إنتفاضة شعبية بقيادة محمد الثاني المهدي وهو من أمراء دولة بني أمية الناقمين على الدولة العامرية، وقد أطاحت بكل من شنجول وهشام الثاني، الذي سـُجـِن في قرطبة.
وظل المؤيد خليفة اسميًا، حتى تجرأ عبد الرحمن بن المنصور بن أبي عامر بطلب ولاية العهد، فأجابه، فثار عليه أهل الدولة لذلك، سنة 399هـ، 1008م، ونادوا بخلع المؤيد، وبايعوا محمد بن هشام بن عبد الجبار بن الناصر لدين الله، ولقبوه المهدي بالله، وقتلوا الوزير عبد الرحمن. ثم كانت فتن انتهت بعودة المؤيد إلى ملكه أواخر سنة 400هـ، 1009م، والثورات مستمرة، فقُتل المهدي وقُتل المؤيد سرًا في قرطبة، بعد أن امتلكها سليمان بن الحكم الملقب بالمستعين بالله. ولم يكن للمؤيد عقب.
شهدت السنون التالية تغيرات سريعة في القيادة نتيجة الحروب بين الجيوش البربرية والعربية, وكذلك المرتزقة السلاڤ, وفيها خسر المهدي أمام سليمان المستعين بالله في 1009 قبل أن يستعيد السلطة في 1010. وأخيراً استعادت قوات الخلافة من الصقالبة (السلاڤ) تحت الواحديين al-Wahdid هشام الثاني خليفةً (23 يونيو 1010-1013).
وبذلك أصبح هشام الثاني تحت نفوذ الواحديين، الذين بدورهم لم يستطيعوا السيطرة على الجيوش البربرية - التي استمرت في تأييدها لسليمان، وبذلك استمرت الحرب الأهلية. وفي 1013 استولى البربر على قرطبة وعاثوا فيها نهباً وتدميراً. ما حدث لهشام الثاني بعد ذلك هو محض تكهنات - فمن المفترض أنه البربر قتلوه في 19 أبريل 1013. على أي حال، أصبح سليمان المستعين بالله (1013-1016) خليفة.
مهدت الحرب الأهلية والتصارع على السلطة بعد ذلك إلى ما عرف بعصر ملوك الطوائف.
تولّى سنة 366هـ، وأمُّه صُبح أمُ ولدٍ، كان قد ربَّاها صِهرُ محمَّد بن أبي عامر وزير الخليفة الحَكَم والدِ هشامٍ المؤيَّد، وكانت تعرفه ويعرفها، فمن هنا كان ابن أبي عامر وكيلاً لابنها المؤيَّد هشام، إذ تولَّى الحجابة له ثمَّ وثب عليه فاستخلص منه الملك.
تمَّت البيعة لهشامٍ المؤيَّد يومَ وفاة أبيه فاستأثر بتدبير مملكته وزير أبيه ابن أبي عامر، ذلك أنَّه بعد وفاة الحكم خيف الاضطرابُ فضمنَ ابن أبي عامر لأمِّ الخليفة (صبح) سكونَ الحال، فأمدَّته بالأموال فاستمال العساكر إليه، حتَّى صار صاحب التَّدبير، فحجب هشاماً المؤيَّد ولقَّب نفسه المنصور، واستبدَّ بالبلاد، ومكر بأهل الدَّولة فقتل بعضاً ببعض، ولم يزل المؤيَّد متغيِّباً لا يظهر ولا ينفذ له أمر، ومنع المنصور الوزراء من الوصول إليه إلاَّ في النَّادر من الأيَّام يسلِّمون وينصرفون، ونفذت الكتب والمخاطبات والأوامر باسمه، ومحا رسمَ الخلافة كلَّه، ولم يبق لهشامٍ المؤيَّد من رسوم الخلافة أكثر من الدُّعاء على المنابر، وبعد وفاة المنصور خلفه ولده عبد الملك الملقَّب بالمظفَّر، وجرى على خُطَّة أبيه في إقصاءِ هشامٍ المؤيَّد، ثم خلف المظفَّرَ أخوه عبد الرحمن بن محمَّد الملقَّب بالنَّاصر، واستمرَّ هشامٌ المؤيَّد خليفةً في قفص، إلى أن طلب منه عبد الرَّحمن النَّاصر أن يوليه عهده فأجابه وكتب له عهداً بالخلافة من بعده، فثارت ثائرة أهل الدَّولة لذلك، فقتلوا صاحب الشرطة وهو في باب قصر الخلافة بقرطبة سنة 399هـ، ونادوا بخلع هشام المؤيَّد، وبايعوا محمَّد بن هشام بن عبد الجبَّار بن النَّاصر لدين الله، ولقبوه المهديَّ بالله، وقتلوا عبد الرَّحمن الوزير، وحبس المهديُّ المؤيَّدَ، وأساء التصرُّفَ في أمور الحكم فاشتجرت الفتن وكان فيها مقتل محمَّد بن هشام بن عبد الجبَّار فعاد الأمرُ إلى هشام المؤيَّد، وذلك يومَ الأحد السَّابع من ذي الحجة سنة 400هـ، وبقي في حكمه وجيوش البربر تحاصره مع سليمان بن الحكم بن سليمان، واتصل ذلك إلى شوال سنة 403هـ حتى دخل البربر مع سليمان قرطبة، وأخلوها من أهلها، خلا المدينة وبعض الربض الشَّرقي، وقُتل هشامٌ المؤيَّد.
كان هشام ضعيفاً، مهمَلاً، فيه انقباضٌ عن النَّاس، طاهرَ الثوب متنزِّهاً عن الرِّيَب، وكانت فيه غفلة وصحَّة مذهب، وفيه ميلٌ إلى العبادة، ولعلَّ غفلته عن أمور الحكم تعود إلى أمرين: وفاةِ أبيه عنه في صغره من غير أن يبقى له من يعلِّمه تدبيرَ شؤون الدَّولة حين تصيرُ إليه فنشأ غِرًّا، وعَزْلِ المنصورِ له عن شؤون الدَّولة وعن لقائه النَّاس وعن كل ما يثير طموحه إلى المُلك أو يقوِّيه عليه، حتَّى إنه زهد في آخر ما بقي له من الخلافة وهو لقب الخليفة فنزل عنه لعبد الرَّحمن بن محمد النَّاصر حين نازعه فيه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
شبيهه
ويقترنُ ذِكْرُ هشام المؤيَّد بذكر شبيهٍ له في الخَلْق هو خلف الحصري، وقيل الخضري والحضري، وهو محتالٌ بويع بالخلافة في الأندلس، على أنَّه هشام المؤيد بالله، وذلك بعد اثنتين وعشرين سنة من موت هشام المؤيَّد، وكانت النَّاس في فتنةٍ فبويع خلف على أنه هشام المؤيَّد، وخُطب له على المنابر بالأندلس، وقصَّتُه أنَّ قاضي إشبيلية محمَّد بن إسماعيل (ابن عبَّاد) كان قد انفرد بإمارتها، وقيل له: إن هشاماً المؤيَّد مازال حيًّاً، وأنَّه لم يُقتل سنة 403هـ كما قال النَّاس، وإنَّما اختفى فارّاً وهو منزوٍ في مسجد بقلعة رباح، وكان ذلك سنة 426هـ، فذهب إليه، فوجده يشبه هشاماً، فأتى به إلى إشبيلية، واستحضر بعض عبيد هشامٍ المؤيَّد، وعرضه عليهم، فقام أحدُهم وقال: هذا مولاي! وقبَّل قدمه، فألبسه ابن عبَّاد كسوة الخلافة، وأمر منادياً يصيح: «يا أهل إشبيلية اشكروا الله على ما أنعم به عليكم. هذا مولاكم أمير المؤمنين هشام قد صيره الله إليكم»، ونقل الخلافة من قرطبة إلى بلدكم، فتسابق النَّاس لرؤية الخليفة، ومن أبى أن يشهد حلَّ به البلاء، فقوي به أمره وانتعشت دولته، وانقطعت أطماع ملوك الطَّوائف عنها، وكتب ابن عبَّاد إلى ملوك الأندلس يرغِّبهم في طاعة المؤيَّد هشامٍ المزعوم. وأقام نيفاً وعشرين سنة، يُخطب له على المنابر ويُدعى بأمير المؤمنين وحجَّابه من آل عبَّاد يحكمون البلاد. ومات في أيام المعتضد فأخفى موتَه إلى أن أحكم أمره، ثمَّ أظهر ذلك سنة 451هـ.
ادعاء موته وحياته
ويبدو أن أولي الأمر في الأندلس ادَّعوا موت هشام بن الحكم مرَّة وادَّعوا حياته مرَّة أخرى لأمور اقتضتها مصالحهم، وقد روى الصَّفديُّ في أعيان العصر عن أبي محمَّد بن حزم قال: «أنذرنا الجفلى لحضور دفن المؤيَّد هشام بن الحكم فرأيت أنا وغيري نعشاً وفيه شخص مكفَّن، وقد شاهد غسله رجلان شيخان حكمان من حكَّام المسلمين من عدول القضاة، وخارج البيت أبي رحمه الله تعالى وجماعةٌ من عظماء البلد، ثم صلَّينا عليه في ألوف من النَّاس، ثم لم نلبث إلا شهوراً نحو التِّسعة حتى ظهر حيًّا وبويع بالخلافة، ودخلت إليه أنا وغيري وجلست بين يديه، وبقي كذلك ثلاثة أعوامٍ غير شهرين وأيَّام، حتَّى لقد أدَّى ذلك إلى توسوس جماعةٍ لهم عقولٌ في ظاهر الأمر، إلى أن ادَّعوا حياته، وزاد الأمر حتَّى أظهروا بعد ثلاث وعشرين سنة من موته على الحقيقة إنساناً [يريد خلفاً الحصري] قالوا هو هذا، وسفكت بذلك الدِّماء وهتكت الأستار وأخليت الدِّيار وأثيرت الفتن»، ويبدو أنَّ أهل إشبيلية ومن كان على رأيهم من أهل تلك البلاد لما ضيق عليهم يحيى بن علي الحسني والي قرطبة وخافوا أمرَهُ أظهروا أنَّ هشاماً المؤيَّد حيٌّ، وأنَّهم ظفروا به فبايعوه، وأظهروا دعوته، وبقي الأمر كذلك إلى نحو سنة خمسين وأربعمئة حين أظهروا موتَ هشامٍ المؤيَّد الذي ذكروا أنَّه وصل إليهم، وحصل عندهم، وانقطعت الخطبة لبني أمية من جميع الأقطار.
للاستزادة
- المقَّريُّ أحمد بن محمَّد، نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب (دار الكتب العلميَّة، بيروت 1995م).
- ابن خلكان، وفيات الأعيان في أنباء أبناء الزمان (دار الثَّقافة، بيروت 1968م).
- عبد الواحد المراكشي، المُعْجِب في تلخيص أخبار المغرب (مطبعة الاستقامة، القاهرة 1949م).
- محمد بن أبي نصر الحميدي، جذوة المقتبس في تاريخ علماء الأندلس (دار الكتاب اللُّبناني، بيروت 1983).
هشام المؤيد بالله فرع أصغر من بني قريش
| ||
سبقه الحكم الثاني |
خليفة قرطبة 976 - 1009 |
تبعه محمد الثاني |
سبقه محمد الثاني |
خليفة قرطبة 1010 - 1013 |
تبعه سليمان المستعين بالله |