العلاقات التركية التنزانية
تركيا تهزم الصين في عقد آخر بـ1.92 مليار دولار لمد سكة حديدية كبرى في تنزانيا
نشرت صحيفة The Guardian في عددها الصادر أمس تقريراً بعنوان : شركة تركية تهزم منافسين صينيين في عقد آخر لمد سكة حديدية كبرى ، جاء فيه أن الحكومة التنزانية منحت يوم أمس عقداً بقيمة 1.92 مليار دولار لشركة تركية لبناء خط سكك حديدية نموذجية حديثة يمتد بين مدينة موروغورو ومدينة ماكوتوبورا. وأنها المرة الثانية التي تهزم فيها نفس الشركة التركية منافسيها من شركات صينية أخرى . ونقلت الصحيفة اعلان شركة RAHCO الحكومية التنزانية من دار السلام "عن اختيار شركة Yapi Merkezi التركية لتنفيذ عقد المشروع ، بجانبي التصميم والتنفيذ ، وبطول 422 كم لخط قطارات ذات سرعات عالية تعمل على الطاقة الكهربائية، وذلك من بين /15/ شركة دولية متعددة الجنسيات كانت تنافس على المشروع ، وأنه بعد دراسة متأنية للعروض المقدمة فإن الشركة التركية أوفت بكامل الشروط الفنية والمالية المطلوبة، وأن الحكومة التنزانية ستدفع قيمة المشروع من مواردها الخاصة " .
وذكرت الصحيفة أن الخط الجديد للسكك الحديدية سيكون بقدرة نقل 17 مليون طن من الشحن سنوياً ، وبقدرة محاور عجلات لتحميل 35 طن ، وقاطرات تحركها قطارات كهربائية تسير بسرعة 160 كم في الساعة ، ويشمل مسافة 336 كم خط رئيسي ، و86 كم تقاطع سكك، وثماني محطات للركاب ، وست محطات للشحن ، وأنه سيتم بناؤه خلال فترة /36/ شهراً .
وأشارت أن المنافسة كانت شديدة بين الشركة التركية والشركات الصينية إلا أن فوز التركية يعود لامتلاكها خبرة متكاملة في هندسة السكك الحديدية والتصميم والتصنيع والبناء منذ عام 1965 وأنها ربحت مؤخراً عقوداً مشابهة لبناء سكة حديدية ضخمة في اثيوبيا .
وأضافت الصحيفة أن الحكومة التنزانية تريد من وراء هذا المشروع استبدال سكة حديدية ضيقة قديمة عمرها /112/ سنة ، وأن نفس الشركة التركية قد فازت في شباط الماضي بعقد مشترك مع شركة Mota-Engil البرتغالية بقيمة 1.215 مليار دولار لبناء خط للسكك الحديدية يمتد مسافة /300/ كم من ميناء دار السلام إلى مدينة موروغورو.
ونقلت الصحيفة عن مدير شركة RAHCO الحكومية التنزانية أنه سيتم الاعلان ، خلال الأشهر القليلة القادمة ، عن استدراج عروض لثلاثة مشاريع أخرى لبناء نحو /900/ كم من السكك الحديدية ، وذكرت أن تنزانيا تخطط للاستفادة من شاطئها الطويل وتحديث شبكة السكك الحديدية والطرقية المتهالكة لديها وذلك بهدف تخديم الاقتصاديات الصاعدة في دول قلب أفريقيا المغلقة على اليابسة مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية وزامبيا وروندا وبوروندي وأوغندة . وأضافت الصحيفة أن الحكومة التنزانية تخطط لصرف مبلغ 14.2 مليار دولار ، خلال الأعوام الخمسة القادمة ، لبناء شبكة خطوط حديدية نموذجية بطول 2561 كم وذلك لربط ميناء دار السلام الرئيسي على المحيط الهندي مع مناطق أفريقيا النائية في الشرق والجنوب .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الرأي والتقييم
ليس بالمفاجئ فوز شركة تركية بمشروع استثماري في تنزانيا أو في أي بلد أفريقي آخر ، إذ أنه يأتي بعد الزيارة التي قام بها الرئيس التركي رجب أردوغان إلى تنزانيا أوائل هذا العام برفقة وفد كبير لرجال أعمال يمثلون/150/ شركة تركية كبرى بما يعكس (كما ذكرنا حينها) توجهاً سياسياً استراتيجياً لتركيا تجاه السوق الأفريقية لجعلها بديلاً عن السوقين الشرق أوسطي والأوروبي المتعثرين مؤخراً جراء تدهور علاقات تركيا مع معظم جيرانها نتيجة سياسات أردوغان المتهورة والراعية للتطرف. فالتوجه التركي للقارة الأفريقية ليس وليد اللحظة بل يعود لأكثر من عقدين من الزمن . والواضح أن تركيا تولي قطاع التصدير للسلع والبضائع والخدمات أولوية كبرى في سياستها الخارجية وتتبع نهجاً خاصاً في غزو أسواق الإقتصاديات الصاعدة في أفريقيا . ومنها، على سبيل المثال ، أن الحكومة التركية (عبر سفارتها في نيروبي) تسدد كامل الضرائب التي يدفها التجار وأصحاب المصالح الإقتصادية الأتراك لصالح الحكومة الكينية ، وتكون بذلك تمارس عملية توليد وتدوير خبيث لرأس المال بحيث يتم تشجيع التصدير للمنتجات التركية ، وتوسيع هامش الربح للمصدرين ، وتعزيز القدرة التنافسية لمنتجاتها .
وربما لاقت توجهات تركيا الإقتصادية ما يقابلها من رغبة الرئيس التنزاني جون ماغوفولي في تنويع مصادر استثمارات تنزانيا الخارجية وكسر الاحتكار الذي تمارسه بعض الشركات متل الهندية في بعض القطاعات الحيوية . فتركيا ربما أصبحت اليوم أكبر لاعب في الساحة الإقتصادية التزانية بعد الصين ، أو ربما توازيها ، وفي مجالات حيوية أساسية مثل الزراعة والصناعات الدوائية والسياحة والنقل .
أما من جانب آخر ، فالواضح أن الرئيس ماغوفولي يرى أن النهوض بالاقتصاد لا يمكن أن يتم من دون تحديث شامل وسريع للبنية الأساسية للدولة ، وفي مقدمتها قطاع النقل الطرقي وبالسكك الحديدية وعبر الموانئ ، وذلك لتوفير مقومات القدرة على منافسة جاراته الشمالية (كينيا) في موضوع تخديم دول وسط أفريقيا المغلقة على اليابسة . وقد حقق ماغوفولي نصف الطريق في هذه المجال ، من خلال التركيز على التحصيل الضريبي ومكافحة التهرب من الضرائب ، مما مكنه من جمع مبالغ مالية لايستهان بها شكلت قاعدة مالية صلبة للانطلاق منها نحو تنفيذ هذه المشاريع الاستثمارية الواعدة بعيداً عن شروط البنك الدولي المجحفة والشروط السياسية البائسة للدول الغربية المانحة .