الشلوخ

شلوخ.jpg

الشلوخ أو دق الشلوفة هي علامات على الوجه، وهي عادة سودانية قديمة كانت تجرى للفتاة للدخول إلى مرحلة حسب المعايير الاجتماعية السائدة حينها، وهي جروح ترسم في الخدود على جانبي الوجه أو على الصدغ (طولية أو عرضية). وتاريخيًا، لا يقتصر الشلوخ على السودانيون فقط، فهو منتشر أيضًا في عدة بلاد أفريقيا، وتختلف هذه العادة من قبيلة لأخرى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

التاريخ

صور تعود لستينات القرن العشرين لسيدة على وجها شلوخ.

يؤكد البروفيسور يوسف فضل في كتابه "الشلوخ: أصلها ووظيفتها في سودان وادي النيل الأوسط"، أن "الشلوخ في وادي النيل ممتد منذ الحضارات المروية والكوشية، إذ وُجدت نقوش لصور نساء ورجال على وجوههم شلوخ، وبعد دخول الإسلام السودان، وبعد أن أصبح العنصر العربي هو الغالب، تبينت المجموعات العربية، ولأسباب عرقية برزت مرة أخرى فكرة الشلوخ".

ويوضح أن "انتشارها في أفريقيا كان غالباً في الوجه والجبهة والبطن، فيما يُسمى بالوشم الموجود في قبائل جنوب السودان حالياً، وهي عادة أفريقية في الغالب. وكان الاستعمار عمل على محاربتها لأهداف سياسية وصحية، كما حاربتها من بعد المهدية أيضاً بوصفها "تغييرًا لخلق الله"، ومن ثم بدأ تلاشي الأسباب العرقية التمييزية، ولكن بقيت الأبعاد الجمالية التي خلدتها أغاني فترة الثلاثينيات والأربعينيات"

في المقابل، يقول أستاذ علم الاجتماع بجامعة الخرطوم، إدريس سالم الحسن، إن "الشلوخ ليست حصرية على السودان فقط، بل توجد أيضًا في بعض البلدان الأفريقية والآسيوية، لكنها تختلف باختلاف المكان والزمان. وفي السودان عبرت عنها بعض الرسومات على الجدران لإنسان السودان القديم، إذ تظهر الشخصيات بشلوخ واضحة"

ويضيف، "أما أصلها فهي رموز معينة متعلقة بالجسد الإنساني، ومعبرة عن كون الإنسان مهتماً بجسده باستخدام أشياء كثيرة قد تبدو غريبة، وفي أجزاء كثيرة منه أهمها الوجه، لظهوره وتعبيره المباشر عن الرمز المراد التعريف به وما يحمله من معان تختلف من مكان إلى آخر، ومن زمان إلى آخر، وهو رمز في الحياة الإنسانية وإشارة تُفهم في إطارها. وضمن ذلك يكمن التمايز البشري الذي يعكس دلالات الرمز، سواء كانت دينية وطائفية أم جمالية أم غيرها، كما يعكس التنوع على مستوى هذه الرموز الجسدية مصاحباً لتنوع القبائل واللغات والثقافات والطقوس".[1] ويرى العديد من المهتمين والباحثين في التراث الشعبي لجنوب السودان أن عادة الشلوخ جاءت مع الاستعمار الإنجليزي في بدايات القرن الماضي، والذي استخدمها للتمييز بين مختلف القبائل في جنوب السودان، وقامت تلك المجموعات باعتمادها كنمط وممارسة بلا دراية منها.

رموز وأهداف

شلوخ أشكال.jpg

في العديد من المدن والمناطق بجنوب السودان، يحمل الناس علامات على وجوههم وجباههم؛ بالنسبة للرجال تعتبر الشلوخ أو الوسم واحدة من العلامات الرئيسية لبلوغ مرحلة الرجولة وتحمل الصعاب والمسؤوليات، وحتى الآن لا تزال بعض المجموعات في المناطق الريفية تنظر إلى الشخص الذي لا يحمل تلك العلامات على وجهه باعتباره صبيًا أو ولدًا صغيرا مهما بلغ من العمر. وأما عند الفتيات فتعني أن الواحدة منهن أصبحت مؤهلة للزواج، وإنجاب الأبناء بعد خضوعهن لعملية التشليخ.[2] في سياق متصل، يرى إدريس سالم الحسن أيضًا "أن الشلوخ في حد ذاتها تعبير غير منطوق، لأنه في فترة من الفترات كانت تُعبر عن هوية الإنسان وانتمائه إلى أي منطقة في السودان وإلى أي مجموعة وأسرة وغيرها. ولكن فيما بعد، اختلطت هذه الأغراض. فمثلاً الرئيس الأسبق جعفر النميري كان من قبيلة الدناقلة، ولا تظهر عليه شلوخ القبيلة لحداثة عهده نسبياً مع فترات الشلوخ ونشأته في مدينة أمدرمان، ولكن كان يظهر عند صدغه شلوخ صغيرة (فصدتين)، وهي خاصة بأمراض العيون عند الصغر مثل الرمد وغيرها. وفي بعض الأحيان يُفصد الطفل في بطنه لعلاج آلام تلك المنطقة، كما يُفصد المريض على ذراعه أو أي أجزاء أخرى من جسده لإخراج الدم الفاسد، وهي عملية أقرب للحجامة".

هدف علاجي

كانت العديد من المجتمعات تستخدم الشلوخ والفصود لأغراض صحية إذ يعتقدون أنها تعالج أمراض العيون والصداع المزمن، لكنها أصبحت بالنسبة للكثيرين في الوقت الحالي عبارة عن تشويه للوجه بعد أن كانت علامة للشجاعة، والجمال.

هدف ديني وطائفي

للشلوخ وظيفة دينية وطائفية، إذ ارتبطت ببعض الطرق الصوفية، ومنها بعض الطرق في منطقة شرق النيل والجزيرة والشمالية التي عُرفت بها مجموعات دينية وأسرها وأتباعها، ويكون الشلخ على هيئة حرف (T) أو العصا التي ترمز للشيخ ود بدر في شرق النيل وأتباعه، وعلى هيئة حرف (H) أو السلم كما عند الشيخ الطيب السماني، كرمز للطريقة السمانية وكذلك الشيخ إدريس ود الأرباب، وعلى هيئة الحرف (Y) كما عند الشيخ حسن ودحسونة وهي رمز لطريقته". ويردف، "حتى في الوظيفة الدينية لا تخرج الشلوخ عن رمزيتها والتمييز بين الجماعات وانتماءاتها

أساطير

ساد الاعتقاد قديمًا أن عادة دق الشلوفة تطرد الأرواح الشريرة، لذلك كانت تستخدم في السحر أو اكتشاف مرض ما.[3]

أشكال

أشكال الشلوخ.jpeg

تختلف أشكال الشلوخ باختلاف المنطقة والقبيلة؛ فقبائل جنوب السودان مثل "الدينكا" يصنعون الشلوخ كخطوط عرضية بارزة على الوجه، وتأخذ أشكالًا مختلفة حتى داخل القبيلة الواحدة. أما قبيلة "الشلك" فتظهر لديهم في جزء فقط من الوجه على شكل حبيبات بارزة. ولقبيلة "النوير" ستة شلوخ على شكل دائري على جانبي الخدين. ولا يقتصر التدخل في الجسد على هذه الرموز فقط، وإنما هناك معتقدات جمالية وإثنية تُجرى بسببها عمليات على الأسنان، سواء كان بالتبريد لجعلها حادة وبارزة أم بخلعها، وثقب الأذنين ثقوباً واسعة في أكثر من موضع، وكذلك ثقب الفك وغيره. فيما تجدها لدى قبيلة المنداري المقيمة في مناطق تركيكا وتالي التابعة للولاية الاستوائية الوسطى تأخذ الشلوخ شكل ثلاث سبعات على الجبهة، أما قبيلة الشلك في أعالي النيل فلديهم نوع مختلف من الشلوخ تأخذ شكل الندوب البارزة أسفل الجبهة، تعرف لديهم باسم (طاي).

قوانين حظر الشلوخ

سنت السلطات الحكومية بدولة جنوب السودان بعد استقلال البلاد في العام 2011، تشريعات تحظر عملية "الشلوخ" حظرًا تامًا باعتباره جريمة يعاقب عليها القانون، إذ ينص قانون الطفل بشكل واضح على حماية الأطفال من جميع الممارسات الثقافية والاجتماعية المؤذية مثل القرابين والوشم ووسم الرؤوس، وخلع الأسنان.

وتحاول العديد من المنظمات المجتمعية المحلية القيام بحملات توعية بين المواطنين عن أضرار ومخاطر التشليخ أوالشلوخ الذي لاتزال المجتمعات تمارسه بصورة سرية في المناطق الريفية والقرى البعيدة، كدليل على تمسكهم بها باعتبارها جزءا من القيم والممارسات والتقاليد الثقافية التي لايصح التخلي عنها بسهولة.

إرتريا

الشلوخ وحرب التقراي.

كما تنتشر الشلوخ بين قبائل البني عامر في كل من شرق السودان وسهول إرتريا.

وللزج بمسلمي إرتريا في حرب التقراي 2020-2021، روّجت وسائل إعلامية مقربة من الجيش الإرتري عن تورط أشخاص يتكلمون التقرايت وعلى وجوههم شلوخ (في إشارة إلى مسلمي إرتريا) في جرائم الحرب ضد التقراي. وينفي مسلمو إرتريا مشاركتهم في هذه الحرب أبناء العمومة التقرينيا والتقراي.

المصادر

  1. ^ "ا"الشلوخ" في السودان رمز أنثروبولوجي مندثر". إندبندنت عربية. 2020-12-28. Retrieved 2021-03-02.
  2. ^ "الشلوخ بجنوب السودان.. ممارسة عتيقة يُعاقب عليها القانون". العين الإخبارية. 2021-02-12. Retrieved 2021-03-02.
  3. ^ "دق "الشلوفة".. العادة القديمة تطرد الأرواح". صوت الأمة. 2019-11-03. Retrieved 2021-03-03.