الشعر الصومالي

تظهر العبقرية الصومالية في الأدب ولاسيما في الشعر الذي يروى شفاهة باللغة الصومالية، وليس الشعر الصومالي فناً منعزلاً عن الحياة الصومالية، ولكنه ينتمي عن قرب إلى العادات وطرق المعيشة للسكان، فهو شعر متصل حي، ويحفظ المعجبون بالشعر الجيد مؤلفاتهم وينشدونها باستمرار، ويتناقش الصوماليون في الشعر ومستوياته المختلفة. وغالباً ما يكون النقد لاذعاً، وينبذون وينسون الشعر الذي لم يصل إلى المستوى اللائق.

ويتناقل الشعر من جيل إلى جيل مشافهة بين الناس أو الرواة المتخصصين وذلك للشعر ذي المستوى الرفيع، وغالباً ما يبقى مئات من السنين في صدور الناس دون تحريف.

ويمتاز رواة الشعر الصومالي والمنشدون له بقوة الذاكرة فالمنشد الصومالي يمكنه أن يحفظ عن ظهر قلب أي قصيدة يسمعها لأول مرة والحقيقة أن عدد المنشدين كبير جداً، وذاكرتهم قوية لدرجة أنهم قادرون على جعل المستمع مشدوهاً من مساء إلى مساء دون أن يكرروا نفس القصيد أكثر من مرة واحدة. وفي هذا النقل الشفوي للأدب الصومالي تبقى القصائد مطابقة للأصل بشكل يثير الدهشة.

وهذه الأمانة في النقل لا ترجع فقط إلى قوة المنشدين، ولكن كذلك إلى أسلوب الشعر الصومالي وإلى القواعد الشكلية للتأليف التي تجعل الشعر دائماً في حالته الأصلية فإذا حدث أي تغير لا يتمشى مع القواعد الأدبية فسرعان ما يلاحظه المستمعون ويلعنونه في سخرية.

ويقدر الصوماليون شعرهم ويلمون به إلماماً كبيراً، ويرجع بقاء الكثير من هذه القصائد غير المكتوبة إلى التقدير الكبير للشعر بين الصوماليين في كل ميادين الحياة وللمنزلة الهامة التي يشغلها في عقول وقلوب عامة الناس. القصائد التي يمكن تسميتها بالقصائد الكلاسيكية هى أحسن أنواع الشعر، فالقصائد الصومالية أبعد ما يكون عن البساطة حيث أنها معقدة ودقيقة وتتبع قواعد صعبة ويؤلف الشعر بنوع من النغمات تستعمل عندما تنشد القصيدة أو تغنى، ولها نوع من الجرس الموسيقي ومقاييس الامتياز والاتقان شائعة بين الصوماليين رغم أنها تبدو مفهومة تقديرياً أكثر من كونها واضحة كنظام موضوع للقياس الأدبي.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تاريخ الشعر الصومالي

من الصعب تحديد فترات زمنية لتاريخ الشعر الصومالي لاعتمادنا في تدوينه على الرواة واختلاف آرائهم نحو تاريخ الشعر، ويقسم تاريخ الشعر إلى ثلاث مراحل هي فترة ما قبل ميلاد راغي أجاس، وفترة القرن الحالي حتى الحرب العالمية الثانية، وفترة ما بعد الحرب حتى قيام الجمهورية الصومالية إلى وقتنا هذا.


الفترة الأولى

قليل ما وصل إلينا من الشعر الصومالي فيها لقلة السكان وضعف الروابط بينهم، وقلة ما يملكون من الحيوان الذي قد يكون من الأسباب الأولى في المنازعات القبلية وما ينقصها من نشاط شعري بالإضافة إلى اندثار التاريخ لعدم وجود لغة مكتوبة، وأن ما حفظه الرواة نسى مع طول الزمن فلا يعي الرواة إلا الشعر القريب منهم.

الفترة الثانية

وهى مرحلة النضوج في الشعر وظهور مساجلات تاريخية شعرية بين القبائل مثل حادثة ( هلع طيري) التي أثارها علي شرماركي وتدخل فيها الشعراء أمثال قمان بلحق، سيد محمد عبد الله حسن من ناحية وعلمي حوح وآخرون من ناحية أخرى.

ويقال أن أشعر شعراء هذه الفترة هما راغي أجاس والسيد محمد عبد الله حسن ويختلف الشعراء الصوماليون في تحديد الأسبقية للسيد محمد تارة والبعض ينسبها إلى راغي أجاس وعلى أية حال فالمحظوظ الآن من الشعر للسيد محمد عبد الله حسن أكثر من غيره.

ويمتاز شعر هذه الفترة كما هو الحال في العصر الجاهلي وصدر الإسلام ببلاد العرب بأن الشعر يدورحول حياة القبيلة والكر والفر ومفاخرها ومساوئها ومواقعها البطولية بجانب الهجاء والغزل والحماس ووصف النخيل والجمال والمعارك الحربية والنصح والإرشاد غير أن الشاعر العربي يبدأ قصيدته في العادة بالغزل والنسيب، ولكن الشاعر الصومالي يبدؤها بمدح نفسه ويمتاز شعر هذه الفترة بأن الكلمات الأجنبية والغربية نادراً ما تظهر فيه.

الفترة الثالثة

وهي مرحلة الشعر السياسي والحماسي نحو الحرية والاستقلال وتقرير المصير وأصبح في كل ناد وحزب سياسي شعراؤه لإذاعة برامجه وسياسته ومن شعراء النهضة الحديثة فارح غيط علمي، وعلي حسين، وعلي أفيري، وأحمد شيخ دون وموسى جلال وجامع عمر عيسى والأخران من رواة الشعر الصومالي، وللسيد / موسى جلال شعر كثير مترجم إلى الانجليزية وسوف ننشر كتابة بالعربية في وقت قريب بإذن الله. وسنعرض هنا ترجمة موجزة لبعض أنواع الشعر الصومالي على سبيل المثال لا الحصر.

أنواع الشعر الصومالي

الجباي

يعتبر الجباي أرفع أنواع الشعر الصومالي، وهو قصيدة روائية طويلة وفلسفية ومن طراز الشعر القصصي الذي يروي سيرة الأبطال، ونغمته ضخمة، ولا يصاحب الجباي أي موسيقى أو طبل أو تصفيق فالشاعر ينشد الجباي بمفرده. وسرعة الإنشاء بطيئة ووقورة ويمكن مقارنتها ( بالقناع) المتبقيات في التراجيديا اليونانية، لأن التأثير ضد الفخامة المتسعة والإيقاع الفاخر الذي يبعث المؤثرات الدراماتيكية والفكاهية في الجباي ليست فكاهة خفيفة ولكنها شائكة فيها سخرية وكآبة. ويؤلف الجباي في أي موضوع غي أن الحرب من أهم أغراضه وكذلك الدين والنصح والإرشاد والتوفيق بين الجماعات المتشاحنة ليسود السلم والأمان، وفي الوقت الحاضر يستعمل في نقل الرسائل السياسية فهو وسيلة للنقد السياسي والمناظرات.

ويعتبر الزعيم الوطني السيد محمد عبد الله حسن من أعظم الشعراء الصوماليين فقد كان الشعر وسيلته الطبيعية للاتصال بإخوانه ومؤيديه في نضالهم ضد البريطانيين في أوائل القرن الحالي، وغالباً ما كان يعطي تعليماته لاتباعه بطريقة شعرية. وكان لاذعاً في صب هجائه على أعدائه وحلوا شجياً في تمنياته الطيبة لأصدقائه.

وفي الأبيات التالية المقتطفة من إحدى قصائد الجباي للسيد محمد عبد الله حسن نجده يدعو بسلامة أحد أصدقائه الذي كان مسافراً في إحدى الرحلات:

إنك راحل الآن في الطريق الذي يقودك

عبر غابات كثيفة مقبضة بأشجارها المتشابكة

حرارة وجفاف مميت في كل مكان تخطو فيه

لا يصلها نسيم عليل، ولذا أصبح التنفس شاقاً

ويمنحك الله درعاً من رطب الهواء

فيحول بين جسمك والشمس الهوجاء

حيث لهب الريح المحرقة الهائمة

اللاسعة اللافحة للحلق المتألم

لعل الله برحمته يهديك إلى

الشجرة ذات الغصون تحميك وتظلك

سأمنحك الآن على كل جال من حالاتك

ابتهالات من القرآن الكريم لتبارك طريقك

فلا يصيبك الأذى ولا تنزل عليك المحن

فبسلامة الله يمكنك السفر

فإياك أمنح من حولك البركات

فقل يا صديقي بنفسك – الآن – آمين


ويقول شاعر معاصر هو السيد عبد الله موسى الشاعر الصومالي الكبير في جباي تحت عنوان (( توبيخ عجوز لزوجته )) حيث يقص علينا قصة رجل تزوج فتاة جميلة ودفع لها مهراً كبيراً ثم وجد بعد ذلك أن العيوب التي اتهمت بها أكثر خطورة مما كان يظن. فهي سفيهة وعاصية والنصيحة معها أصبحت لا تجدي.

وتعتبر القصيدة بطرقها الموضوع بطريقة غير مباشرة شعراً صومالياً من نوع الجباي وذلك عن طريق المحسنات البديعية. حيث أنه يعتبر من عدم الكياسة وعدم المهارة أن ينغمس الشاعر في الموضوع مباشرة دون وجود محسنات بديعية كمقدمة دراماتيكية تشحذ همة الشاعر في نفس الوقت.

وفي قصيدة السيد عبد الله موسى نجد خصائص شعر الجباي كما سنرى في سردها التالي:

حتى النهر الخالد لا يستطيع اختراقه

خلال الصخور ليحرر التربة الخصبة الراقدة هناك

ولكن الوادي المنتظر والسهل المنبسط

يستقبل النهر منتجاً عشباً جديداً

ويصبح الانسان دون انقطاع لهذا التل البعيد

ولكن هذه الرابية الطينية الصامتة لا تجيب

فهذا الغبي عقله كمسكن خاوي

لا يستوعب شيئاً لأنه مقفل موصد

عندما تسدي النصيحة الطيبة نجد الناس معظمهم منتفعين

ولكنك، ولعل الله يغيرك، أبداً سواءاً تزدادين

حتى البلهاء إذا ما أنصت لقول حكيم

عولج حمقها ولكن هل لك من دواء

يا من تعاندين، ولنصيحة زوجك ترفضين

وبالله الذي يرانا أفما كنت تنتصحين

في الوقت الذي قضيناه معاً قبل أن نصبح متزوجين

عن الصفات التي جعلتني في نظرك أقل شأناً

هل حالت بيني وبينك كمتشاركين ؟

ولكني قسماً بربي أن عريق الدم يسري في عظامي

فالتفاهات والصغائر ليست ممارستها من خصالي

فقد تجاهلت كل أولئك البلهاء

و تزوجتك يا أعند النساء


وأحيانا تغرق السفينة المحملة في العاصمة الهوجاء

بكل حمولتها.. فخسارة تلك عظيمة للإنسان

و ما من سفينة غارقة.. قبل ذلك تفقدني

ثروتي إذ أنها لن تزيد عن المهر الذي منحتك

البنادق الامعة و الخيال.. كلها قد ضاعت

أفلا تردين شيئاً تبعاً للعرف القديم


آه.. أيتها المرأة.. كثيرا ما فقدت صبري

ولكن ما دام – الآن – قد فشلت كل العظات

فإنني ممسك عن الكلام، و أحد ثلاث تختارين

العقاب، أو الإهمال، أو الطلاق.. اختاري منها ما تشائين

سلامة عربيي أحد الشعراء الصوماليين المرموقين و صاحب قصائد كثيرة تنشر في كل مكان لما لها من قوة و جمال، و الأبيات التالية من جباي طويلة لهذا الشاعر تحت عنوان..((إلي صديق خائن)) يعبر الشاعر عن مرارته و أسفه لفشل هذه الصداقة فيقول.

قبل أن تمطر السماء و عندما تكون الرياح ساكنة

تصبح حركة السفينة ذات الشراع العريض غير ممكنة

و الكتل الخشبية الكبيرة يصبح اشتعالها محالا

دون أن يساعدها لهب القش الجاف

و لا يعيش وحده إنسان دون حاجة في يوم ما

لمعاونة إخوانه، ليخففوا عنه أحزانه

فالانتصار تحصلت عليه في لعبة الحياة

إذ لم أكن منعزلا وحدي دون عون الإخوان

إن خير الجياد يثور إذا ما ضرب بقسوة

ضل عناني – و الخط يفزعني

فهل لك أن تدعني في سلام و لا تجعلني أصبح


انظر إلي.. !.. إني كنسر السهول الواسعة

في مكان قاحل أجلس حزينا

في وقت الإجتماع ذلك الوقت المهيب

عندما يتلاقى الرجال و اللسان حاد متأهب

كنصل السيف لروح الرجال يزهق

وحجة الرجل المغلوب تسمع و الحكم يصدر


بعض الناس بجانب الحق لا يعفون

وحقاً يسمعون. فمثل هؤلاء يرسلهم القدر

فهم للكراهية و الحقد صنوان.. غلاظ القلوب

وهذا الصديق الذي ظننته من الأعوان

لم يمنحني إلا السخرية و الهوان


موقف الأغبياء يسيء إلي كرام الرجال

منحتك يا صديقي الثقة و رددت الجميل

فدنست اسمي جاهدا أمام الجميع

ويوما إذا كان عندي لك حب

فقسما بالله قد تعثر الآن و ولي

تلك هى سنة الحياة و كم لها من مرارة

الشفقة نحو الرجال تولد الكراهية المستترة


في هذه الحياة من صداقتنا قد فشلنا

سيحسم الله في الآخرة خصامنا

فصادق أحداً آخر من أقاربك

لأني عن الولاء لك قد ابتعدت

و الآن مصيرك بطرف ردائك أعلقه

و لله وحده أترك الحكم فيك


ومن شعر الجباى.

((قبل هذا الشعر أثناء أزمة أنفدي و قرار بريطانيا بجعلها إقليما سابعاً تحت إدارة كينيا)).


أيها العلم يا رمز وحدتنا و حياتنا

منذ مولدك و أنت على موعد معنا

فإن لم ترفرف على أنفدي و تعم وطننا

فماذا تفسر نجمك الخمسي فوقنا

لابد لشعارك من التحام و الفداء قلبنا


الجيفتو

يتميز شعر الجيفتو بالناحية الجماعية في إنشاده و إن كان لا يختلف كثيراً عن شعر الجباي في الطول و الجرس الموسيقي غير أنه أقل شيوعاً من الجباي.

و في الأبيات التالية من جيفتو بعنوان (( إجابة السيد في اليج )) و هى من قصيدة للسيد محمد عبد الله حسن قد نظمها كوسيلة لدحض اتهامات البريطانيين ثم أخذ يكيل لهم التهم. و منها.

أنا أشكو و أنتم عن الاغارات عليكم تتحدثون

أنتم السارقون لثرواتهم و لمساكنهم تنهبون

أنتم المفسدون لأوطانهم، و بالروث تلوثون

دفعتموهم إلي الجوع فأصبحوا للعفن و الضواري يأكلون

و هذا الهدف تجلبون و اليوم تظنونهم ينهبون

و إذا التفاهات من بين ما في أكواخهم يسرقون

فلا أشكو إليكم و لا إلي أنتم تشكون

فأنا أشكو و أنتم عن الاغارات عليكم تتحدثون


الجيرار

الجيرار شعر قصير بالنسبة لشعر الجباي و غالبا ما يستعمل في تزويد أغاني الاغارات بين الجماعات و يمتاز بسرعة التفعيلات بسرعة تشبه وقع سنابك الخيل التي تعدو. و الجيرار الثاني يشبه أحد الخيول المفضلة.

وإذا في الفجر أسرجت جوادي

و بعيداً قد ركبت

عبر السهول و الأنهار البعيدة

فقبل الغروب سرعان ما يعود

فهو معي دائما فمن دونه لا يمكنني الحياة

فهو بجوار مأواي كما لو كان قريبي


البرامير

يتكون الشعر الكلاسيكي الصومالي من الجباي و الجيفتو و الجيرار أما الأنواع الأخرى من الشعر الصومالي فهى أخف وزناً و أبسط من الشعر الكلاسيكى مثل البرامير الذي هو عبارة عن أغان نسائية تصاحبها أحيانا الطبول و الكورس و التصفيقات و من أمثلة هذا الشعر ما كتبه سيرادهاد بعنوان – ((رثاء حبيب متوفي)) – و يعتبر نموذجا صادقا للبرامير.

لقد كنت كالسياج المنيع

بين أرضنا و بين أحفاد على

الآن، و ليت، و أصبحت الآن كالسماء

البخيلة بالمطر و لكنها تغطي الأرض بالضباب

و القمر لأشعته لا يرسل

و كالشمس المشرقة التي بأضوائها تبخل

و كالقمر بين البصرة المفقودة في أعماق البحر


الهلو

يعتبر الهلو أحد الأنواع الشعرية المحبوبة في الصومال و خاصة بين الشباب فهو يشبه الأغاني العربية الشعبية و يؤلفه شعراء شبان و موضوعه في العادة يتناول الغرام و الحب، و تعتبر هذه الأغاني من أنواع الشعر الصومالي غير الجيد، و لذا كان دائما محل انتقاد من جانب كبار الشعراء الصوماليين لاستهتار الشباب في أشعارهم و مع هذا فإننا نعتبر هذا الشعر من الأناشيد ذات الجمال.

و يغنى هذا الشعر في صورة مقطوعات تعتبر كاملة بنفسها، و عند الغناء يصفق المستمعون أو يدقون بأقدامهم على الأرض تبعا للموسيقى أو النادي ذي النغمة الخفيفة الأخاذة.

و يعيب الهلو أن عمره قصير كما هو الحال في الأغاني الشعبية في كل مكان و يوجد بعض أغان جيدة يمكن مقارنتها بالأغاني الاستعراضية الشرقية.

و قد ألف أول هلو في عام 1945 بواسطة سائق يدعى عبدي ديكس و يطلق عليه أصدقاؤه اسم (سيما) و ذلك عندما كسرت سيارته في مكان منعزل بالمدينة.

و يستعمل الهلو في العادة بعض الرمزيات و المحسنات البديعية لكي يعبر عن معان كثيرة في قصيدة صغيرة، و تلك أبيات من الهلو لشاعر مجهول أجاد الوصف و المعنى في آن واحد.

عندما قد تخمد فالسرور

و يسكون الأرض تستقر

فلا تجعل الآن القديس

يبعدك عن أغانيك

فجمالك الفضي يبدو لي

كمكان فيه الحشائش تميل

بعد أن باركته الأمطار

و عندما ترسل الشمس أشعتها

فالرجل المفتون يحلم يقظه

أقتحم قلبه كالجن ليسكنه

لا يمكنه أن ينام فهذه الليالي

كنت بعيدا و سحب السماء تسير


قصيدة لشاعر آخر.

في الأيام الخالية نظرتك

داخل الأشجار

نظرتك و أنت كنت تحبينني

كبدي و قلبي يخفقان عند رؤيتك

و عندما غبت عني

عشق عيني مزق جسمي

و لم أعد أستسيغ طعامي

و عندما تركت حبكم

انظري جسمي مزدهرا كحب الرمان


أنت أيها الهدهد الراحل في الهواء

أتسطتيع أن تبلغ سلامي لهواي

إن الله أعطاك دوائي

فنجني من المرض و لا تجعل الطبيب يضايقني


لا ينكر أحد العشق

لأن الله العادل جعله في العالم كله

إن العشق ليس لعباً

فهو الذي قتل قيساً من قبل

يا شباب لا تضحكوا لحالي

إذا عرفتم خبر عشقي

إن عشقي لها ينحل جسمي

حتى الطعام الذي آكله يصيبني بالمرض


كل ليلة و أنا فوق الفراش

أحلم بها تضاحكني و تلاعبني

حتى ظننت الصدق في هذه الرؤيا


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الهيس

يمكن أن نسمي الشعر الحضري بإسم الهيس لأنه يتناول موضوعات محلية أو سياسية، و هو في العادة بسيطا و مباشر في أغراضه، و لا يعمر طويلاً و سرعان ما يحل محله الجديد منه. و قد ألفت المقطوعة التالية من الهيس بمناسبة احتفالات الاستقلال بقيام الجمهورية الصومالية من اتحاد الإقليمين الشمالي و الجنوبي.

الحرية و الكرامة ملك لك

و البلدان اتحدا

المجد لله

قل أنه نصر الله

هيا غنوا و نغموا راقصين

فكل منا يقوته كاملا

وهذا يكفينا

إنه نصر الله

إنه نصر الله


وترديد الأغاني تقليدي للتهوين من الأعمال مثل هؤلاء الذين يسقون الجمال أو النساء اللاتي يحكن الحصر.. و مثل تلك الأغاني تكون بسيطة في أسلوبها، و الأغنية التالية تنشد عند سقى الجمال.

ضع فاك في الماء بالبركة

فلا يوجد به شر

فعظامك الجافة

هي الآن رطبة و أصبحت ممتلئة


الشعر الصومالي والمرأة

المرأة محبوبة من كل أحد كأنها تنسي من يحبها كل شيء عداها، و تجرده من الشعور و الإحساس بأي شيء غيرها ويبحث عنها في كل مكان في الصحاري والأرض الموحلة فهى منبع الإحساس والأشجان والأفراح والأحزان وهى الجنة والجوهرة المضيئة وهى الفناء.

فيقول أحد الشعراء الصوماليين.

من أجلك نسيت كل شيء حتى بني جلدتي

اذكريني قبل أن أدخل سجنا أو قبرا

اذكريني أن حياتي معلقة بك

إني مفرط في الحب لك.. أبحث عنك في كل مكان

و الأرض كلها موحلة من المطر

لا يسير أحد سواي

لقد هلكت في البحث عنك


و يقول شاعراً آخر:

أنت زهرة قلبي و محرك أشجاني

القلب عالق بك و العين تحب رؤيتك

أسعى إليك و لا أدري كيف أنت

لأن العين و القلب أجمعت رؤيتك


التتبع في الشعر الصومالي

التتبع في الشعر الصومالي يعتبر مظهراً من أهم مظاهر الشعر الصومالي الكلاسيكي ( الجباي والجيفتو والجيرار) وقواعد التتبع ثابتة ويمكن ملاحظتها بوضوح وتكون الكلمات المتتابعة أسماء أو أفعالاً أو أرقاماً أو أعلاماً ويحدث التتبع في مقطع كل شطرة .

والإلمام بقواعد التتبع من الصعوبة بمكان، فالشعراء الذين ليسوا على قدر كبير من الموهبة كثيراً ما يتعثرون في بحثهم عن الكلمات التي تتفق والقواعد التي تكون مضبوطة ومؤثرة ذات معنى، ويمكن الشاعر الجيد أن يتغلب على هذه الصعوبات، ويمكن أن يعبر عن نفسه بقوة وبدقة وفن.

ومن الصعوبة بمكان ترجمة الشعر الصومالي لأنه يعبر عنه إلى مدى بعيد في إصلاحات رمزية وصور شعرية واكتشاف المعاني والمحسنات البديعية مصدر كثير من سرور المجتمع، والقصيدة في العادة عميقة الجذور لأن هدفها نقل رأي الشاعر معبراً عن اهتمام الجماعة سواء كانت عائلية أو كل البلد .

ويسجل الشعر حوادث هامة من جميع الأنواع وبذلك يسجل جزءاً كبيراً من تاريخ الصومال، ويجب معرفة الظروف والملابسات التي يثبت عليها القصيدة ويقوم بذلك منشدون آخرون وتكون كمقدمة للقصيدة نفسها وقد حفظ كثير من التاريخ بهذه الطريقة بدلاً من اندثاره.

وشعراء مثل محمد عبد الله حسن، راغي أجاس، سلامة عربيي، عبد الله موسى، موسى جلال، مشهورون ويقطف من شعرهم الكثير من الصوماليين كما هو الحال مع شوقي أمير الشعراء وحافظ إبراهيم والمتنبي وغيرهم الكثير.

ويتمتع الشعراء الصوماليين بسمعة طيبة يحسدهم عليها زملاؤهم الشرقيون، ولهم أهمية مرموقة في مجتمعاتهم، والآن أصبح لكل حزب سياسي شعراؤه. وفي العادة ينشر الصلوات على روح الشاعر قبل بدء انشاد شعره إذا كان الشاعر متوفى.

وتهتم الإذاعة الصومالية بترديد الشعر الجيد والأدب لإحياء التراث الثقافي والأدبي وتعمل الحكومة من جانبها على تكريم الأدباء وإحياء ذكراهم نظراً لأهمية هذا الكنز الأول في التاريخ والثقافة التقليدية.

ويمتاز الشعر الصومالي بصفة خاصة هى أنه من الأنواع المعروفة بنتاج الجماعة وهذا من خصائص الأدب الفلكلوري كما يمتاز بالمكر والحيلة في استعمال الألفاظ والتلاعب بها وكذلك بالصور والأخيلة، وقد تأثر الشعر بالعروض والموسيقى الإيقاعية التي تشتهر بها القارة الأفريقية كما تميز بالتركيز على الجناس والجرس المعبر عن المعاني وسرعة الإيقاع فهو أسير التقاليد البلاغية.