الحرب الأهلية اليمنية 1994
الحرب الأهلية في اليمن 1994 | |||||||
---|---|---|---|---|---|---|---|
خريطة اليمن | |||||||
| |||||||
المتحاربون | |||||||
Yemen | |||||||
القادة والزعماء | |||||||
علي عبد الله صالح | علي سالم البيض | ||||||
الضحايا والخسائر | |||||||
وفاة 931 من الجنود والمدنيين | غير معلوم | ||||||
Possibly 7,000-10,000 dead[2] |
الحرب الأهلية في اليمن مايو - يوليو 1994 ، هي حرب نشبت بين حكومة اليمن في صنعاء وأعضاء الحزب الاشتراكي اليمني ، للمطالبة بانفصال اليمن الجنوبي عن اليمن الشمالي. كانت نتيجة الحرب هي هزيمة القوات المسلحة التابعة لليمن الجنوبي وفرار معظم قادة الحزب الاشتراكي اليمني وانفصاليين آخرين.[3]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
خلفية
اُعلن عن قيام الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990 بشكل مفاجىء بين الجنوب والشمال واُعلن رئيس اليمن الشمالي علي عبد الله صالح رئيساً ورئيس اليمن الجنوبي علي سالم البيض نائباً للرئيس في دولة الوحدة. [4]
كانت هذه الوحدة مطلب قديم لكلا الشعبين في جنوب وشمال اليمن و دارت عدة محادثات بين الدولتين كانت كلها تبوء بالفشل، ولكن بهذه الوحدة توجت كل الجهود وإن كان الكثير من المحلليين يعتقدون ان التغييرات الخارجية كان لها الاثر الأكبر من تلك الداخلية للدفع بالوحدة - مثل سقوط جدار برلين و من ثم انهيار الاتحاد السوفيتي الداعم الأكبر لليمن الجنوبي حيث كان الدولة العربية الوحيدة التي اتبعت النهج الاشتراكي المتشدد - ويدل على ذلك السرعة التي تمت بها اعلان الوحدة دونما استفتاء شعبي عليها آنذاك.
قامت الوحدة اندماجية ولم تكت فيدرالية برغم الاختلافات بين النظامين المكونين لدولة الوحدة، وللمرة الاولى منذ قرون تم توحيد أغلب الاراضي اليمنية سياسيا على الاقل. فترة انتقالية لمدة 30 شهراً اكملت عملية الاندماج السياسي والاقتصادي بين النظامين، مجلس رئاسي تم انتخابة من قبل الـ26 عضواً في المجلس الاستشاري للجمهورية العربية اليمنية و الـ17 عضواً في مجلس الرئاسة لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.
المجلس الرئاسي عَين رئيس للوزراء كان حيدر أبو بكر العطاس. إضاقة لمجلس برلمان يضم 301 عضواً يتكون من 159 عضو من الشمال و 111 عضو من الجنوب و 31 عضو مستقل يتم تعيينهم من قبل مجلس الرئاسة.
دستور موحد اُتفق عليه في مايو 1990 وتم استفتاء عليه في مايو 1991. تم فيه تاكيد التزام اليمن بالانتخابات الحرة ،ونظام سياسي متعدد الأحزاب ،والحق في الملكية الخاصة ،والمساواة في ظل القانون ،واحترام حقوق الإنسان الأساسية. الاستفتاء وهو ما يعتبرة النظام الحاكم اليوم انه استفتاء على الوحدة ودستورها في حين يجادل آخرون انه لم يكن هناك اي إستفتاء على الوحدة وإنما على مجرد استفتاء لدستور نتج بين الحزبين الحاكمين آنذاك فقط.
انتخابات برلمانية بعد الوحدة في 27 ابريل 1993.المجموعات الدولية المساعدة في تنظيم الانتخابات والاقتراع كانت حاضرة وكانت نسبة المشاركة هي 84.7% وكانت النتائج على الشكل الاتي:
- 132 عضواً من حزب المؤتمر الشعبي العام
- 56 عضواً من الحزب الاشتراكي اليمني
- 62 عضواً من التجمع اليمني للإصلاح
- 42 عضواً مستقلون
- 12 عضواً آحزاب اُخرى
وتم انتخاب الشيخ عبد الله بن حسين بن ناصر الأحمر ،رئيس للبرلمان الجديد.
تكون إئتلاف جديد للحكم بإنضمام حزب الاصلاح إلى حزبي المؤتمر والاشتراكي ،وتم إضافة عضو من الاصلاح لمجلس الرئاسة. بدأت الصراعات ضمن الائتلاف الحاكم وقام نائب الرئيس علي البيض بالاعتكاف في عدن في اغسطس 1993 وتدهور الوضع الامني العام في البلاد، وهناك اتهامات من القادة الجنوبيين ان هناك عمليات اغتيال عديدة تطال الجنوبيين وان القادة الشماليين يعملون على إقصائهم التدريجي والاستيلاء على الحكم.
القوة العسكرية
التوازن العسكري لقوات الشطرين في الحرب اليمنية 1994 :[5]
م | البيان | الشطر الشمالي | الشطر الجنوبي |
---|---|---|---|
1 | إجمالي القوات النظامية (بالألف) | 38.5 | 27.5 |
2 | إجمالي قوات الاحتياط ( بالألف ) | 100 | 40 |
3 | الفرق المدرعة | 3 | 1 |
4 | ألوية المشاة الميكانيكي | 1 | 3 |
5 | ألوية المشاة | 9 | 9 |
6 | ألوية المدفعية | 5 | 3 |
7 | ألوية الدفاع الجوى | 3 | - |
8 | ألوية صواريخ أرض – أرض | - | 1 |
9 | كتائب أخرى متنوعة | 2 | 10 |
10 | ألوية أخرى متنوعة | 3 | - |
11 | دبابات القتال الرئيسى | 715 | 480 |
12 | قطع المدفعية | 432 | 225 |
13 | منصات إطلاق صواريخ أرض – أرض | 12 | 16 |
14 | الطائرات القتالية | 71 | 92 |
15 | طائرات عمودية قتالية | 40 | 48 |
16 | طائرات النقل الحربى | 9 | 12 |
17 | زوارق الدورية الساحلية | 8 | 6 |
18 | الزوارق الصاروخية | - | 6 |
19 | زوارق كسح الألغام البحرية | 3 | - |
20 | ناقلات الجنود البرمائية | 2 | 5 |
|
|
احداث الحرب
حيدر أبو بكر العطاس ، رئيس الوزراء السابق في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية استمر بمنصب رئيس الوزراء ،ولكن حكومته كانت غير فعالة بسبب الاقتتال الداخلي. المفاوضات المستمرة بين القادة في الشمال والجنوب أسفرت عن توقيع وثيقة العهد والاتفاق في العاصمة الأردنية عمان يوم 20 فبراير 1994. وبالرغم من ذلك ، اشتدت حدة الاشتباكات حتى اندلعت الحرب الاهلية في أوائل مايو 1994.
تقريباً كل الاقتتال الفعلي في الحرب الاهلية كان في الجزء الجنوبي من البلاد على الرغم من الهجمات الجوية والصاروخية ضد المدن والمنشآت الرئيسية في الشمال. الجنوبيون سعوا للحصول على دعم الدول المجاورة ،وتلقت الكثير من المساعدات المالية والمعدات ،ومعظمها من المملكة العربية السعودية ،والتي كانت تشعر انها مهددة من قبل اليمن الموحد، مصادر جنوبية قالت ان الولايات المتحدة الأمريكية عرضت على الجنوبيين التدخل لمصلحتهم بشرط ضمان الحصول على قاعدة عسكرية في جزيرة سقطرى بعد انتهاء المعارك لكن القادة الجنوبيين رفضوا ذلك، في خلال ذلك الولايات المتحدة دعت مرارا إلى وقف لاطلاق النار والعودة إلى طاولة المفاوضات. محاولات مختلفة ،بما فيها من جانب الموفد الخاص للامم المتحدة ،لم تنجح في تنفيذ وقف اطلاق النار.
أعلن القادة الجنوبيين الانفصال وإعادة جمهورية اليمن الديمقراطية في 21 مايو 1994 اي بعد بدء المعارك وهو ما يقول المحلليين ان دعوة الانفصال كانت نتيجة وليست سبب للحرب، ولكن لم يعترف المجتمع الدولي بالدولة المعلنة. الامم المتحدة في خضم ذلك سعت لوقف الحرب واصدر مجلي الامن قرارين الاول 924 في 1 يونيو و 931 في 29 يونيو 1994 ودعى لوقف اطلاق النار فوراً ،لكن لم يتم تطبيق القرارين. وعندما قال أعضاء مجلس الأمن لسفير اليمن في الأمم المتحدة أن على القوات الحكومية الانسحاب من مشارف عدن ، أصبحت الاخبار تقول بأن القوات الحكومية دخلت عدن وسيطرت عليها فلام أعضاء مجلس الأمن السفير اليمني بلهجة شديدة فقال: عذراً يا سادة طلبتم منا سحبها فسحبناها إلى الداخل!
علي ناصر محمد الرئيس الجنوبي السابق ساعد مساعدة كبيرة في العمليات العسكرية ضد الجنوبيين في عدن ،واستولت القوات الحكومية الشمالية والموالية لها على عدن في 7 يوليو 1994. المقاومة في المناطق الأخرى انهارت ،الآلاف من القادة الجنوبيين وقادة الجيش الجنوبي توجهوا إلى المنفى مثل السعودية والإمارات وعمان ومصر وغيرها.
ويذكر ان دخول القوات الموالية للوحدة صاحبه نهب شامل للمؤسسات في الجنوب وقامت به قوات موالية للحكومة تطبيقاً لسياسة الأرض المحروقة.
انتهت الحرب بانتصار القوات الموالية للوحدة بمساعدة الالويه الجنوبيه التي خانت رفاقهم الحنوبيين بقيادة الفريق أول عبدربه منصور هادي وتم تنصيبه نائب رئيس الدوله ولايزال إلى اليوم.
المرحلة الأولى
في 27 أبريل 1994 في حديث للرئيس علي عبد الله صالح، بمناسبة مرور عام، على إجراء أول انتخابات حرة، بعد قيام الوحدة اليمنية ، شن فيه هجوماً عنيفاً على الحزب الاشتراكي اليمني قال فيه :
إن شعبنا اليمني سيضع حداً لأولئك، الذين يتسكعون على أبواب بعض العواصم، ليستلموا مالاً مدنساً من أجل إجهاض الوحدة |
وأتهمهم بأنهم يتسلمون ثمن الأزمة، لشراء البنادق والأسلحة، وإيداع الأموال المتبقية في حسابات خاصة في البنوك الخارجية، لمصلحة عناصر وشخصيات تسعى من أجل الانفصال ، وطالب نائبه علي سالم البيض، بضرورة احترام الهيئات التشريعية، وتأدية اليمين الدستورية . بعد ساعات من ذلك الخطاب في الواحدة والنصف من ظهر ذلك اليوم إنفجر الوضع عسكرياً في محافظة عمران بمعسكر عمران المشترك الذي يتمركز فيه كل من اللواء الثالث المدرع الجنوبي، و اللواء الأول المدرع الشمالي منذ إعلان الوحدة في 22 مايو 1990 .
وحسب وزارة الدفاع اليمنية في صنعاء أن ضابط سابق يدعى يحيى داحش عليان، وهو عضو في الحزب الاشتراكي، أٌتحم وبمساندة مجاميع مسلحة معسكر عمران. وأطلقوا النيران على أفراد اللواء الأول المدرع الشمالي، أثناء تناولهم طعام الغذاء، مما تسبب في خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات، وسقوط عشرات القتلى . وعندما بدأ جنود اللواء الأول الدفاع عن أنفسهم ، تدخلت قوات اللواء الثالث المدرع الجنوبي لمساندة المهاجمين، وأطلقت الرصاص من مختلف الأسلحة على مقر قيادة اللواء الأول المدرع الشمالي في المعسكر نفسه، وعلى عنابر سكن الجنود، وعلى المدرعات الواقفة في مرابضها. كما وأطلقت دبابات ومدفعية اللواء الثالث قذائفها على معسكر الأمن المركزي، القريب من معسكر عمران.
وعلى الجانب الآخر، في بيان لوزارة الدفاع في عدن، اتهم فيها الأسرة الحاكمة في صنعاء بتفجير الموقف عسكرياً في عمران وأتهم الفرقة الأولى مدرع الشمالية، التي يقودها علي محسن الأحمر، بشن هجوم غادر، على اللواء الثالث المدرع الجنوبي، ، وان الاشتراكي يحمّل علي عبدالله صالح شخصياً، وأفراد أسرته المسؤولية عن عواقب هذا الهجوم، الذي تزامن مع زيارة اللجنة العسكرية، المكلفة بمنع الاحتكاك بين الشماليين، والجنوبيين، لمعسكر عمران، بمرافقة الملحقين العسكريين الأمريكي والفرنسي. وأضاف المصدر، أن المواجهات التي وقعت في عمران، جاءت بعد قيام رئيس الدولة علي عبدالله صالح، بإلقاء خطاب عنيف أتهم فيه الجنوبيين بالعمل على التقسيم، والذي اعتبرته مصادر الحزب الاشتراكي بياناً للحرب، ضدها.
وأضاف البيان، أن الهجوم يأتي تنفيذاً لخطة الأسرة العسكرية الحاكمة في صنعاء، والرامية إلى جر البلاد إلى حرب أهلية، يكون من نتائجها تعريض وحدة البلاد إلى الخطر، وتمزيقها، مشيراً إلى أن "هذا العمل يأتي أيضاً تتويجاً لسلسة من التفجيرات العسكرية والأمنية، التي دأبت على القيام بها منذ وقت طويل، واستهدفت قيادة الحزب الاشتراكي اليمني وكوادره". وذكر أن "الفرقة الأولى مدرع الشمالية، رفضت السماح للجنة العسكرية اليمنية المشتركة، بالنزول إلى المنطقة، لتقصي الحقائق، بل عمدت إلى منع أعضاء اللجنة من الاقتراب من المنطقة".
خلاصة
لم يندلع الصراع المسلح في اليمن دفعة واحدة، وإنما ظلت درجة التصعيد، تتزايد بمعدلات متسارعة. وبدأت عملية التصعيد، تأخذ شكلاً شديد الخطورة، مع اندلاع اشتباكات عنيفة بين اللواء الثالث المدرع الجنوبي، المتمركز في منطقة عمران، والفرقة الأولى مدرع الشمالية، التي يقودها العقيد على محسن الأحمر، الأخ غير الشقيق للرئيس اليمني علي عبدالله صالح. وقد تطورت الأحداث إلى قتال مرير بين الطرفين، استمر حتى 30 أبريل 1994. ثم هدأت المعارك، في منطقة عمران، بعد تدمير كلٍ من اللواء الثالث المدرع الجنوبي، واللواء الأول المدرع الشمالي. وقد أسفر القتال عن وقوع خسائر في الجانبين، قدرت في المتوسط، طبقاً لتقديرات مصادر محايدة، تدمير أكثر من 150 دبابة، وحوالي 22 عربة مدرعة، وما يزيد عن 200 قتيل، وما يراوح ما بين 250 إلى 300 جريح، وإلحاق الأضرار في حوالي 159 منزلاً في منطقة عمران القريبة من ساحة الاشتباكات، فضلاً عن وقوع حوالي 400 في الأسر، إضافة إلى لجوء الجزء الأكبر، ممن تبقى من جنود اللواءين، إلى القبائل المناصرة له في المنطقة.
وفي الوقت الذي انفجر فيه الموقف في منطقة عمران، بدأ التوتر في منطقتي ذمار، وأبين، حيث بدأ الشماليون، إجراء تعزيزات حول جبال أنس، في محافظة ذمار، لتطويق لواء بأصهيب الجنوبي المتمركز هناك كما تصاعد احتمال قصف القوات الجنوبية، معسكر لواء العمالقة الشمالي، المتمركز في محافظة أبين، قرب عدن.
وفي أعقاب هذا الاشتباك، بدأ العد التنازلى للانفجار العسكري، واسع النطاق، حيث تبادل الجانبان، الاتهامات بعنف، حول المسؤول عن هذه الأحداث. وطالب الحزب الاشتراكي، بمعاقبة من أسماهم بـمجرمي الحرب والإرهاب في الشمال، الذين كانوا يخططون لإشعال الحرب الأهلية في البلاد. كما رأى الحزب، أن هذه الاشتباكات، تدلل على أن الأسرة العسكرية الحاكمة في صنعاء ، وراء تفجير الموقف، لجر البلاد إلى حرب أهلية مدمرة. عقب ذلك، طوق وحاصر كلٍ من الشماليين والجنوبيين، كلٍ على حدة، القوات التابعة للطرف الآخر الموجودة في الشطر التابع له من البلاد، ثم تتابعت باقي مؤشرات التصعيد العسكري على النحو السابق ذكره.
عندما وصل التصعيد إلى درجة الانفجار العسكري، كانت القوات الشمالية هي المالكة لزمام المبادأة، وركزت في البداية، على إنهاء فاعلية القوات الجنوبية، الموجودة في الشمال. وبدأت الحرب على نطاق واسع، في 4 مايو 1994، واتخذت في بدايتها، صورة اشتباكات عنيفة، في منطقة ذمار الشمالية، الواقعة على بعد 100 كيلومتر جنوبي صنعاء ، بين قوات لواء (بأصهيب) المدّرع الجنوبي، والوحدات الشمالية المحاصرة له، التي كانت تفوقه في العدد والعدة. ثم امتدت الاشتباكات بعد ذلك مباشرة، إلى منطقة يريم، الواقعة على بعد 30 كيلومتر جنوب ذمار، بين اللواء الرابع مدفعية جنوبي هناك، وحشود القوات الشمالية في المنطقة، في الوقت الذي اتخذت فيه المعارك، خطاً تصاعدياً على جميع المحاور، على الحدود الشطرية السابقة. وفي جنوب اليمن، حاولت القوات الشمالية، الموجودة هناك، الإمساك بزمام المبادأة، وبادر اللواء الثاني المدرع، ولواء العمالقة الشمالية، بمهاجمة مواقع القوات الجنوبية القريبة، إلاّ أن القوات الجنوبية، المؤلفة من القوات النظامية، وميليشيا الحزب الاشتراكي، وأفراد القبائل، تصدت لها. وعمل الجنوبيون على إنهاء خطر تلك القوات، وتصفية وجودها، تمهيداً لنقل القتال إلى الحدود الشطرية السابقة. ودفعت القيادة الجنوبية أيضاً ثلاثة ألوية، إلى منفذ يريم، جنوب منطقة ذمار، لفك الحصار عن قوات لواء بأصهيب الجنوبية هناك، والتصدي للقوات الشمالية، المتقدمة نحو الحدود الشطرية. ولكن القوات الجنوبية لم تفلح، طيلة مراحل القتال في تصفية القوات الشمالية، التي كانت موجودة في الجنوب، في إطار تبادل الوحدات. وارتبطت هذه النتيجة، في واقع الأمر، بحقيقة، أن خريطة تمركز القوات الشمالية في المحافظات الجنوبية، أخذت في الاعتبار منذ البداية إمكانية حدوث مواجهات عسكرية، بين الشمال والجنوب، واستعدت تلك القوات لفرض سيطرتها على الطرق الرئيسية، بين مختلف أنحاء الجنوب اليمني، فور اندلاع أعمال القتال المسلح، وأعدت في هذا الإطار نفسه تحصينات دفاعية هائلة، في أماكن تمركزها.
ومنذ بداية الصراع، شاركت القوات الجوية للطرفين، مشاركة ملحوظة في قصف الأعماق المعادية. واستفادت القيادة الجنوبية في هذا الصدد، من تفوقها النسبي في القدرات الجوية. كما استفادت من تفوقها الساحق في المجال البحري. واستطاعت توظيف هذه القدرات خلال المرحلة الأولى للصراع، في قصف القوات الشمالية الموجودة في الجنوب، عن طريق البحر، فضلاً عن استخدام القدرات البحرية، في كافة العمليات العسكرية، القريبة من السواحل البحرية. وفي هذه المرحلة، كان القتال الحقيقي والأشد ضراوة، هو ذلك الذي وقع في مدينة زنجبار، عاصمة محافظة أبين، بين قوات جنوبية وقوات لواء العمالقة الشمالية، التي ظلت تقاوم مقاومة عنيفة، بينما تعرضت القوات الجنوبية في الشمال لهزيمة مبكرة، بسبب الاختلال الشديد في ميزان القوى، لصالح القوات الشمالية، في تلك المواجهات. وفي أعقاب الانتهاء من هذه المرحلة، جمّعت القيادة الشمالية قواتها، وأعادت نشرها، وبدأت على الفور في الإعداد لجولة جديدة من المعارك. وذكرت بعض التقديرات المحايدة، أن حصيلة هذه المرحلة، التي استغرقت حوالى أربعة أيام، قد بلغت أكثر من عشرة آلاف قتيل من الجانبين. وطبقاً للمصادر الرسمية، يُعتقد أن الخسائر المادية تفوق نصف بليون دولار.
المرحلة الثانية
5 - 7 مايو
بدأ القتال الشامل، باندلاع المعارك الطاحنة، بين القوات الشمالية والجنوبية، في ثماني محافظات. وانطلقت المعارك من ذمار ليلة 4/5 مايو، في وقت متاخر من الليل ، وأغارت طائرات مقاتلة تابعة للقوات الجنوبية، على مطار صنعاء، ومطار الحديدة، و مطار تعز بهدف شل فاعليتها، والحيلولة دون استخدامها. كما استهدفت الغارات محيط القصر الرئاسي، والمقر الحكومي، ومبنى قيادة الأركان العامة، ومبنى وزارة الدفاع، ومبنى الإذاعة والتليفزيون ، وردت طائرات صنعاء في قصف مطار عدن الدولي، ومطار العند العسكري ومحطة كهرباء الحسوه، وميناء عدن، ومبنى الإذاعة، والتليفزيون، ومصفاه عدن النفطية.
وفي ذلك اليوم خلت العاصمة صنعاء من المواطنين، وأقفلت جميع محالها التجارية، واستمرت المدفعية المضادة للطائرات تطلق نيرانها بشكل كثيف لحماية أجواء العاصمة، وانقطعت الاتصالات الهاتفية داخل البلاد، خصوصاً مع الشطر الجنوبي، وأعلنت القيادة العسكرية الشمالية، أنها أسقطت خمس مقاتلات جنوبية، بينها اثنتان في منطقة الراحة، واثنتان في مكيراس، وواحدة في رهدة، على الحدود السابقة بين شطري اليمن، بينما تحدثت عدن، عن أن دفاعاتها الجوية، تصدت للطائرات الشمالية المغيرة، وأسقطت أربعاً منها.
اصدر الرئيس قراراً بإعلان حالة الطوارئ، في كل أنحاء اليمن لمدة ثلاثين يوماً ابتداء من 5 مايو 1994، وفي الوقت نفسه أعلنت في عدن حالة التعبئة الكاملة ، فيما سحب مجلس النواب، ثقته من حكومة حيدر أبو بكر العطاس.
أعلنت قبائل خولان، أن اللواء الخامس مظلات الجنوبي، المتمركز في منطقة العرقوب، على أراضيها، وفي جوارها، تحت حمايتها. كما أعلنت قبائل أرحب البكيلية حمايتها للواء المشاة الجنوبي، المتمركز في منطقتها، شريطة أن لا يشارك، أي منهما في القتال.
في 7 مايو سقطت مكيراس التي كان يدافع عنها اللواء 22 الجنوبي ، بدأت القيادة الشمالية تدفع العديد من ألويتها وقواتها، إلى محافظة أبين جنوباً، ومحافظة شبوة في اتجاه الشمال الشرقي، عن طريق بلدة لودر الجنوبية، وذلك بعد الاستيلاء على مثلث النقبة الإستراتيجي، الذي تلتقي عنده ثلاثة طرق ، يذكر أن`العميد عبد ربه منصور هادي`، لعب دوراً رئيسياً في سقوط مكيراس بدون مقاومة، ولم تستغرق معركتها أكثر من 4 ساعات، وهو أحد أهم القادة العسكريين الجنوبيين، أثناء حكم الرئيس السابق علي ناصر، وهو من أبناء محافظة أبين، وقد عين وزيراً للدفاع بعد معركة مكيراس.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
10 - 15 مايو
أخذت المعارك طابع الصراع، من جانب القوات الشمالية للاستيلاء على الطرق المؤدية إلى عدن، والصراع المضاد، من جانب القوات الجنوبية، للتمسك بهذه الطرق، فيما صرح مصدر عسكري جنوبي، أن القوات الجنوبية، صدت زحفاً جديداً، للقوات الشمالية نحو عدن، هو المحاولة التاسعة للشماليين لعبور الحدود القديمة بين شطري اليمن. وقالت عدن، إن القتال، يتركز في مناطق الضالع، والكرش، ومكيراس الحدودية، وأتهم الجنوبيون السودان، بإرسال قوات للقتال إلى جانب الشماليين، لكن الخرطوم نفت ذلك. ونقلت إذاعة عدن، عن العقيد الجنوبي حسين قطان، أن القوات الشمالية، تقصف لحج على مسافة 40 كيلومتراً شمال عدن، لكنها غير قادرة على اختراق الدفاعات الجنوبية. أفادت مصادر عسكرية يمنية محايدة، أن معارك دارت في مدينة زنجبار، عاصمة محافظة أبين، وامتدت حتى البيضاء شمالاً، وفي منطقة الكود، والعرقوب، ومكيراس. ويبدو أن قوات العمالقة هناك، تلفظ أنفاسها الأخيرة، بعد أن كانت القيادة الشمالية، تعلق عليها آمالاً كبيرة في تحقيق النصر، وفي احتلال مدينة عدن، باعتبار أنها تمثل فك الكماشة في المنطقة الشمالية الشرقية من عدن. أما القوات الأخرى، التي تحاول تطويق عدن من الناحية الشمالية الغربية، على محور تعز ـ الراهدة ـ ماوية، فقد انسحبت من الحدود، والمناطق التي كانت تحتلها، إلى مناطق شمالية من محافظة تعز، بعد قتال مستميت من جانب القوات الجنوبية. وكان الانباء الواردة من صنعاء عن تعيين العميد الركن عبد ربه منصور هادي، وزيراً للدفاع، والعقيد الركن أحمد عبد الله الحسني، قائداً جديداً للقوات البحرية، وهم من رجال الرئيس السابق علي ناصر محمد. وقد أعلن الرئيس علي عبد الله صالح، نبأ تعيين وزير الدفاع، في اجتماع لقيادة وزارة الدفاع ورئاسة هيئة الأركان في صنعاء.
في 12 مايو استولت القوات الشمالية على مدينة الضالع وعرض التليفزيون مشاهد لدبابات وعربات مدرعة شمالية، تجوب شوارع مدينة، لم يذكر اسمها. ونقلت وكالة الأنباء القطرية عن وزير الإعلام الشمالي، أحمد اللوزي، في مقابلة بالهاتف من صنعاء، إن الضالع سقطت في أيدي الشماليين.
فيما ركّزت القوات الجنوبية، على ضرب المنشآت العسكرية بصواريخ سكود، فقصفت مخازن الذخيرة والأسلحة، والمحروقات، والمعسكرات، ومطارات الشمال. كما طالت الضربات، منطقة سنحان، مسقط رأس الرئيس علي عبدالله صالح، ومنزله السري والاحتياطي، في المنطقة القريبة من مصنع الغزل والنسيج، في صنعاء، والمجاور لمنزل الشيخ عبدالله الأحمر.
في 15 مايو اعترفت المصادر العسكرية الجنوبية، لأول مرة بسقوط مدينة الضالع، التي تبعد أكثر من 100 كم شمال شرقي عدن، جاء ذلك في الوقت الذي ناشد فيه الحزب الاشتراكي اليمني في الجنوب، جامعة الدول العربية التدخل فوراً، وبفعالية، وسرعة، لوقف المعارك. وأهاب البيان الصادر عن الكتلة البرلمانية للحزب، بالجامعة العربية "وكل الأشقاء والأصدقاء، بذل جهودهم ومساعيهم الخيرة لإيقاف الحرب، فوراً، وإنقاذ اليمن من الدمار الذي يتعرض له حالياً".
وقد دارت أعمال القتال، خلال يومي 14، 15 مايو 1994، في خمس جبهات حول عدن كالآتي:
- محور باب المندب خرز السّاحلي .
- محور الراهده ـ كرش ـ العند .
- محور الضالع ـ العند .
- جبهة أبين .
- جبهة شبوة .
16 - 23 مايو
اتخذت الحرب الدائرة في اليمن، أبعاداً أكثر خطورة، اعتباراً من 16 مايو 1994، وذلك على الصعيدين العسكري والسياسي. فعلى الصعيد العسكري، اتسم الموقف بتطورات عسكرية، بالغة الأهمية، تمثلت في إقدام الشماليين على فتح جبهة جديدة في محافظة شبوة، وفي العودة إلى تنشيط جبهة أبين، وفي تصعيد القتال حول قاعدة العند الجوية الجنوبية، التي أعلن الشماليون سقوطها، في خطوة قد تكون نقلة نوعية في الحرب الدائرة.
ودخلت الحرب اليمنية مرحلة جديدة من القتال، اتبعت فيها القيادة الشمالية، أسلوب الهجوم بكثافات عالية من الموجات البشرية، تستخدم فيها وحدات من المجندين، الأقل تدريباً وكفاءة قتالية، مع الاحتفاظ بالقوات الضاربة الرئيسية، مثل ألوية الحرس الجمهوري، لدفعها إلى الجبهات، في توقيت محدد لحسم الموقف.
وفي مواجهة التكتيك الشمالي، اتبعت القيادة الجنوبية أسلوب القصف الجوي المكثف، واعتمدت على تحريك المدرعات بين المواقع المختلفة، لتحقيق قوة نيران تتناسب مع كثافة الموجات الشمالية، في استفادة واضحة بمعرفة طبيعة الأرض، التي تدور فوقها المعارك، ويقع معظمها في المحافظات الجنوبية، جنوب وشرق الحدود الشطرية السابقة.
أعلنت صنعاء، عن إسقاط قاعدة العند الجوية الرئيسية، وأكدت على لسان وزير خارجيتها، محمد سالم باسندوه، أن محاصرة عدن، وليس إسقاطها، هي الأولوية للهجوم العسكري الشمالي، في ما يبدو أنه التزام بالخط الأحمر، الذي رسمته واشنطن، ورسخته القاهرة عربياً، حول "احتلال" عدن.
وعلى الرغم من أن صنعاء، أعلنت الاستيلاء على قاعدة العند الاستراتيجية، وسط محافظة لحج، وأكدت أنها أنهت شبح الأسطورة المسماة بقاعدة العند، ونقلت عدداً من الصحافيين الأجانب إلى داخل قاعدة العند، إلاّ أن القيادة العسكرية الجنوبية نفت ذلك، وصرحت بأن القتال ما زال دائر داخل القاعدة. وأفاد الصحافيون الذين زاروا الجبهة، أن القوات الشمالية والجنوبية تخوض معارك ضارية من مسافات متقاربة، حول القاعدة، وأن قذائف المدفعية والصواريخ، هزت القاعدة التي تبعد 60 كم شمال عدن، في حين بدا أن القوات الجنوبية، تطلق النار، وتقاتل في محاولة لإخراج الشماليين منها. وقد عززت التعبئة، وأخذ الآلاف من الشبان في سيارات تابعة للحزب الاشتراكي، جابت شوارع عدن، لنقلهم إلى خطوط المواجهة. وقد أكد ضباط شماليون، أن بعض القوات الجنوبية لا تزال داخل القاعدة، وقدروا حجمها بنحو عشرة آلاف جندي.
كما أعلنت القيادة الشمالية، أن قواتها أصبحت على مسافة 30 كيلومتر من عدن، فيما واصلت قوات أخرى تمشيط مناطق جنوب الضالع، ووصلت إلى منطقة الحبيلين، التي تبعد 20 كم جنوب الضالع، في الوقت الذي أعلنت فيه القيادة الجنوبية، أن القتال ما يزال دائراً في كرش والضالع وآبين، وأن الأمور تسير في طريق الحسم ضد القوات الشمالية، بعد استسلام ألف وخمسمائة جندي وضابط شمالي، في أيدي القوات الجنوبية، عندما فشلت محاولتهم في التسلل إلى منطقة الحبيلين. وأضافت هذه المصادر أن علي سالم البيض، الأمين العام للحزب الاشتراكي، وقيادات الحزب، زاروا مواقع الوحدات العسكرية، في مختلف المحاور. وأشارت معلومات إلى أن القوات الشمالية، توشك على أحكام سيطرتها على محافظة شبوة، بعدما واصلت زحفها عبر مرتفعات بيحان، باتجاه مدينة عتق عاصمة المحافظة، واستطاعت تحقيق السيطرة على مديرية نصاب، حيث أعلنت كتيبة كاملة من لواء خيشان الجنوبي انضمامها، بكامل أسلحتها ومعداتها، إلى القوات الشمالية.
في 20 مايو توسعت دائرة المعارك وزادت ضراوة، حيث دخل القتال أسبوعه الثالث. وأكدت صنعاء، أن قواتها تزحف في اتجاه عدن، لإحكام الحصار حولها من ثلاث جهات، وأنها تجاوزت قاعدة العند. في حين أشارت عدن إلى أن القوات الجنوبية "أنزلت ضربات ساحقة" بالقوات الشمالية، و"أجبرتها على التراجع في اتجاه كرش" (45 كيلومتراً شمال غربي عدن). وتأكد أمس أن القتال كان لا يزال مشتعلاً في جانب من قاعدة العند، التي لم ينه الشماليون سيطرتهم الكاملة عليها بعد.
واعتباراً من 20 مايو 1994، حققت القوات اليمنية الشمالية، مزيداً من التقدم، نحو عدن، وسط تقهقر القوات اليمنية الجنوبية، من قاعدة العند الجوية الرئيسية. ونقلت إذاعة صنعاء، عن مصادر عسكرية شمالية، قولها: إن القوات تحقق، أيضاً، تقدماً في محافظة أبين، شمال شرقي عدن، في ما بدا أنه محاولة للتقدم، باتجاه المدينة من اتجاهين.
ملخص
فور الانتهاء من تصفية جيوب القوات الجنوبية، الموجودة في الشمال، عمدت القيادة الشمالية، إلى البدء في تنفيذ عملية هجوم واسع النطاق، انطلاقاً من قواعد ذمار، ويريم، ومكيراس، وأبين. واستفادت القيادة الشمالية في هذا الصدد، من أن وحداتها المذكورة الموجودة في الجنوب، قد قاومت بعنف، بل، وامتلكت القدرة على القيام ببعض المبادرات الهجومية، واستطاعت الاحتماء بالمناطق السكنية القريبة من مناطق تمركزها.
وعلى هذا الأساس، تمثل الهدف الرئيسي، للقيادة الشمالية، في هذه المرحلة في تحقيق الالتحام، بين قواتها المندفعة من الشمال، مع قواتها الموجودة أصلاً في الجنوب. وقامت في هذا الإطار بدفع تعزيزات مكثفة إلى قوات لواء العمالقة، بمحافظة أبين، مستفيدة في ذلك من ضعف المجهود العسكري الجنوبي، في المناطق الشطرية، التي تربط بين محافظتي البيضاء الشمالية، وأبين الجنوبية. ومن ناحية أخرى، ظلت قوات اللواء الثاني مدرع الشمالية، الموجودة في مديرية ردفان الجنوبية، تقاوم بضراوة، إلى أن تمكنت القيادة الشمالية، من تعزيزه بوحدات عديدة، عبر محافظتي إب، وتعز، الشماليتين، القريبتين من مناطق تمركز اللواء المذكور. وخلال استكمال عملية التعزيز هذه، ظلت القيادة الشمالية، تردد أنها نجحت في الاستيلاء على مطار العند، الواقع في وسط محافظة لحج، على مسافة 50 كيلو مترا شمال عدن، وكان هذا الإعلان بمثابة محاولة للخداع، ولفت الأنظار عن المعارك التي تخوضها قوات لواء العمالقة في محافظة أبين، وأيضاً للإيهام، بأن زحف القوات الشمالية، مستمر في اتجاه عدن. وفي ظل هذا الوضع، اضطرت قيادة الحزب الاشتراكي، إلى إعلان التعبئة العامة، في محافظات جنوب اليمن، منذ 6 مايو. كما أعادت إحياء ما يعرف بالدائرة العامة للتعبئة العليا والاحتياط، وأوكلت إليها، مهمة تنسيق عمليات التعبئة العامة للاحتياط البشري، والمادي، في جميع المحافظات، بالتعاون مع المنظمات الجماهيرية، والقطاع العام، والمختلط، والمؤسسات والمرافق الحكومية، لضمان تنفيذ المهام الموكولة إليها. وعلى الرغم من أن القيادة الجنوبية، أفلحت في تحقيق تفوق عددي، في مواجهة قوات لواء العمالقة، (خمسة ألوية جنوبية في مواجهة أربعة ألوية شمالية)، إلاّ أن نجاح الشماليين في الالتحام مع قوات لواء العمالقة، أتاح لها، تغيير معادلة التوازن لصالحها، تسليحاً، وإدارياً وبشرياً، مما جعل النشاط العسكري الجنوبي في مواجهتها، غير فعّال، سوى في إرباك تلك القوات، ومنعها من التجمع والانطلاق، في هجمات واسعة النطاق.
وفي 11 مايو 1994، حاولت القوات الشمالية، التقدم عبر محور جديد، في منطقة باب المندب، إلاّ أن القوات الجنوبية، أفلحت في وقف تقدم الشماليين. وعلى الرغم من ترديد القيادة الجنوبية، وقتذاك، أنها نجحت، في وقف تقدم الشماليين، وتدمير قوات لواء العمالقة الشمالية، فإن تطورات الصراع المسلح، ظلت تُظهر أن قوات لواء العمالقة مازالت متماسكة وفعالة، بل إن منطقة زنجبار، التي تتمركز فيها تلك القوات، كانت بمثابة الساحة الرئيسية، والمنطقة الوحيدة، التي شهدت مواجهات نظامية واسعة النطاق، طيلة الأسبوع الأول للعمليات، إلاّ أن القوات الجنوبية، أفلحت في 13 مايو، في تحقيق انتصار جزئي، ضد قوات لواء العمالقة، وطردتها من مدينة زنجبار، وأجبرتها على التراجع نحو الشمال الشرقي، مع الاستمرار في مطاردتها، والاستعانة في هذا الشأن بقبائل شبوة، التي دخلت الحرب إلى جانب القيادة الجنوبية. في 14 مايو 1994، نجحت القوات الشمالية، بدورها، في الاستيلاء على مدينة الضالع، عاصمة مديرية ردفان، التي تبعد حوالي 100 كيلومتر شمالي عدن، فيما هو بداية لتصعيد جديد، في مسار الصراع المسلح. فقد عمدت القوات الشمالية، عقب ذلك، إلى تكثيف هجماتها على محوري " الضالع ـ قعطبة، وكرش ـ العند "، وذلك لتحقيق تقدم نحو قاعدة العند الإستراتيجية، والتي كانت القوات الجنوبية قد انسحبت إليها، عقب انسحابها من مدينة الضالع، وفي هذين المحورين وقعت أكثر المعارك ضراوة في الصراع المسلح. فقد بدأت القوات الجنوبية في شن عمليات فدائية، وحرب عصابات، ضد القوات الشمالية، في منطقة الضالع الجنوبية، في الوقت الذي نفذت فيه القوات الشمالية هجمات بالغة الضراوة، على هذين المحورين، انطلاقاً من أن الاستيلاء على قاعدة العند، سوف يؤدى إلى فتح الطريق إلى عدن. كما اهتمت القوات الشمالية، بمواصلة التقدم عبر ثلاثة محاور أخرى، هي كرش ـ الراهدة، خزر ـ باب المندب، بيحان ـ شبوة، وذلك في محاولة لتشتيت جهود القوات الجنوبية، بما يتيح للقوات الشمالية الاختراق، على أحد الطرق الثلاثة، المؤدية إلى عدن. وألقت القيادة الشمالية، بكامل احتياطياتها، من الأفراد والمعدات، في موجات بشرية متوالية، على جميع تلك المحاور، لا سيما محور الضالع ـ العند. وقد استكملت القوات الشمالية جهودها، بعد ذلك، بتكثيف أعمال القصف، على دفاعات ضد القوات الجنوبية، في جبهة الضالع ـ العند، واستطاعت تحقيق تقدم تدريجي، في اتجاه قاعدة العند الجوية الإستراتيجية. كما حاولت، تحقيق تقدم على باقي المحاور، للالتفاف حول عدن. من جميع الجهات. وأدت المعارك، التي جرت على هذه المحاور، خلال الأسبوعين الثالث والرابع للعمليات، إلى سقوط آلاف القتلى، والجرحى، في صفوف القوات الشمالية، لا سيما وأن القوات الجنوبية، استبسلت بدرجة ملحوظة، وكثّفت نيرانها، من خلال القصف الصاروخي، والمدفعي، والجوي، ضد كافة مواقع القوات الشمالية. وقد واصلت القيادة الشمالية، خلال تلك الفترة، الحرب الدعائية ضد الجنوبيين، حيث رددت مراراً، أنها نجحت في اقتحام قاعدة العند، في الوقت الذي لم تكن قد اقتربت فيه من القاعدة أصلا. ومن بين جميع محاور القتال، كانت النجاحات الشمالية، الأكثر بروزاً، هى تلك التي تحققت في محور شبوة، وتحديداً في اتجاه مدينة عتق. وواصلت تلك القوات، عقب ذلك التقدم التدريجي، في اتجاه قاعدة العند، حيث أفلحت، أولاً في التقدم إلى الناحية الشمالية للقاعدة، التي يفصلها واد جبلي، عن المعسكر الرئيسي في القاعدة. وظلت القوات الجنوبية تقاوم بشراسة، على الرغم من الاختلال الكاسح، في ميزان القوى في غير صالحها. ولم يستطع الشماليون، الاستيلاء على القاعدة، إلاّ بعد حوالي أسبوعين، من القتال العنيف، بل إن بعض التقارير، تذهب إلى أن القوات الجنوبية، هي التي انسحبت انسحاباً تكتيكياً من القاعدة، بغرض إجبار القوات الشمالية، على تخصيص أعداد ضخمة، من القوات للدفاع عن المنطقة، التي تم إخلاؤها، وحرمان باقي محاور القتال، من هذه القوات.
إعلان دولة اليمن الديموقراطية
في 20 مايو 1994، أعلن الرئيس على عبدالله صالح، هدنة لمدة ثلاثة أيام، بمناسبة عيد الأضحى المبارك، استجابة لمساعي بعض الرؤساء العرب، إلا أنه في مساء اليوم نفسه، شهد الصراع بين شطري اليمن، تحولاً نوعياً، بالغ الأهمية، مع إعلان الزعيم الجنوبي علي سالم البيض، إقامة دولة اليمن الديموقراطية في الجنوب. كما ترافق هذا الإعلان، مع قيام البيض، بنقل مقر القيادة إلى حضرموت، في شرق البلاد، فيما استهدف إقامة خط دفاعي جديد، علاوة على أن حضرموت كانت تمثل قاعدة ملائمة، لإقامة حكومة انفصالية جديدة عن الجمهورية اليمنية.
إضافة إلى ذلك، أن حضرموت كانت توصف بأنها الجائزة الكبرى الحقيقية، في الحرب اليمنية، وذلك لما تتمتع به من ثروة نفطية، وإمكانات زراعية، وثروة سمكية، إضافة إلى ما يتوافر لها، من مزايا جيوستراتيجية. وفي ظل هذا الوضع، نجحت القوات الجنوبية في وقف تقدم القوات الشمالية، على الجبهات الرئيسية في شمال لحج، و أبين، وخزر، ولكنها لم تستطع، تصفية القوات الشمالية، التي كانت متمركزة على أراضيها منذ الوحدة، بل على العكس من ذلك، ازدادت فاعلية تلك القوات عقب حصولها على إمدادات، وتعزيزات جديدة من صنعاء. وفي 23 مايو، استؤنف قتال واسع النطاق مجدداً، وتمكنت القوات الشمالية، من تحقيق تقدم في محافظة شبوة، لقطع الطريق بين عدن في الغرب، وحضرموت في الشرق. وأكدت القيادة الجنوبية، من جانبها، أن تقدم الشماليين، كان ناتجاً عن تراجعها، تراجعاً تكتيكياً، أمام الكثافة العددية للقوات الشمالية.
المرحلة الثالثة سقوط عدن
اشتدت المعارك العنيفة في 24 مايو على مختلف المحاور، وحذّر وزير الدفاع في صنعاء، شركات الملاحة الجوية والبحرية، من استخدام المطارات والموانئ الجنوبية. وبدأت القوات تزحف نحو عدن، وحضرموت، وضَعُفَتْ مقاومة الجنوبيين، عدا بعض الطّلعات الجوية، والألغام، التي زرعها الجنوبيون، لعرقله تقدم القوات الشمالية، نحو حضرموت. واستمرت الطلعات الجوية الجنوبية بشكل متقطع.
عقب استيلاء القوات الشمالية، على قاعدة العند، وتقدمها على باقي محاور القتال، بدأت في ممارسة الضغط العسكري المباشر، على عدن، من ثلاثة محاور، هي: أبين شرقاً، ولحج شمالاً، وباب المندب غرباً. واستكملت القوات الشمالية، تجهيز قواتها، لمحاصرة مدينة عدن، من جميع الجهات، حيث صرحت بعض المصادر الشمالية، وقتذاك، بأن قرار اقتحام عدن، سوف يتقرر عقب التأكد أولاً، من إمكانية الحفاظ على سلامة المدنيين من سكانها، وممتلكاتهم، أثناء الهجوم؛ علاوة على أن الهجوم، سوف يهدف فقط إلى تطهير مدينة عدن، من الأوكار العسكرية، والميليشيات الموالية للحزب الاشتراكي، وفرض سيادة الشرعية الدستورية، وحماية المواطنين، والدفاع عن وحدة البلاد ومنجزاتها، على حد تعبير تلك المصادر.
وفي الوقت نفسه، نجحت القوات الشمالية، في الاستيلاء بصورة كاملة، على بلدة عتق، عاصمة محافظة شبوة. وذلك بعد التقاء قوات المحورين، الجنوبي والشمالي، وتمكنت بذلك من فصل محافظتي حضرموت، والمهرة الشرقيتين، عن عدن ولحج، كما نجحت في الاستيلاء على الطريق الممتد من زنجبار، على ساحل بحر العرب، إلى النقبة وعتق شمالاً في شبوة.
وعلى هذا الأساس، تجّمعت للقيادة الشمالية في محوري شبوة، وحضرموت، بدءاً من الثالث والعشرين من مايو، قوة ضاربة تتألف مما لا يقل عن ستة ألوية، تتمثل في لواء شلال، واللواء السادس، واللواء الثالث، وهي الألوية التي كانت قد دفعت من محور مأرب ـ بيحان، فضلاً عن قوات لواء الوحدة، ولواء العمالقة الثامن، وبعض قوات العمالقة الأخرى، والحرس الجمهوري، التي كانت قادمة من مكيراس في الشرق، وزنجبار في الجنوب. وتمكنت تلك القوات من إزالة النقاط المتقدمة للقوات الجنوبية، ومع ذلك فإن النجاح الذي حققته القوات الشمالية في تلك المحاور، كان عائداً في أحد أهم جوانبه، إلى إن القوات الجنوبية، لم تخض قتالاً حقيقياً في تلك المحاور، وفضلت التراجع أمام الشماليين، إلا أن هذا التكتيك العسكري الجنوبي، كان الهدف منه، إطالة خطوط عمليات القوات الشمالية، واستدراجها إلى أماكن قتل مناسبة لها، من دون أن يكون للتقدم الذي أحرزته تأثير يذكر. إضافة إلى أن الانتصارات، التي حققها الشماليون في هذا المحور، كانت ناتجة في الوقت نفسه، عن تبدل ولاءات القبائل في المنطقة، الذين تردد أنهم تلقوا رشاوي هائلة من الشماليين، الأمر الذي دفع القيادة الجنوبية، إلى تعديل شبكة تحالفاتها في تلك المنطقة. فعينت السيد أحمد فؤاد الصريمة، محافظاً لشبوة، وولته مهمة الدفاع عن المنطقة، وأسندت إليه، قيادة تحالف القوات الجنوبية هناك، والمؤلفة من تشكيلات الوحدات العسكرية النظامية، وتجمع قبائل شبوة.
وبالفعل بدأت القوات الجنوبية، بدءاً من السابع والعشرين من مايو، في استعادة المبادأة ضد القوات الشمالية في شبوة، التي تعرضت لعمليات تعرضية نظامية، وحرب عصابات في آنٍ واحد، شاركت فيها قبائل المنطقة. وبدأ الهجوم بقصف جوي مكثف، ضد القوات الشمالية، واستهدفت تلك العمليات، وقف الزحف الشمالي الكثيف في اتجاه محافظة حضرموت، لا سيما أنها كانت تسعى إلى مواصلة التقدم، نحو مدينة المكلا، عاصمة محافظة حضرموت، واحتلال ساحل حضرموت، بما فيها ميناء تصدير النفط في منطقة الشحر المجاورة، إضافة إلى تهديد مقر إقامة الزعيم الجنوبي، علي سالم البيض، في حضرموت، بما قد يدلل على عدم قدرته على حماية نفسه. فضلاً عن أن الجهد العسكري الشمالي، كان يرمي إلى تحقيق انتصارات سريعة، للتأثير على مداولات مجلس الأمن، التي كانت تجري وقتذاك، مما قد يعني أمام المجتمع الدولي، أن الجنوب قد بات ضعيفاً، ولم يعد مسيطراً على أراض، تمكنه من إقامة دولة مستقلة. ومع حلول الثلاثين من شهر مايو، كانت القوات الجنوبية، قد نجحت في وقف القوات الشمالية، وطردها من بعض المواقع، التي كانت قد احتلتها، في أوقات سابقة في المناطق الشرقية.
والواقع، أن القيادة الشمالية، حرصت في تلك الفترة، على تعزيز موقفها السياسي، من خلال ممارسة الضغط العسكري، في محاور القتال المختلفة، وذلك بغرض التأثير، على جهود التسوية السياسية، حيث كثفت الهجمات، على كل المحاور المحيطة بمدينة عدن، لمحاصرتها، وبناء طوق متكامل حولها، بل إنها فتحت جبهة شمالية غربية، حول عدن في منطقة طور الباحة، عقب نجاحها، في اختراق الدفاعات الجنوبية، في تلك الجبهة، والانتشار على مساحة حوالي 105 كيلومترات، شمال غربي عدن. كما واصلت القوات الشمالية، القصف العنيف، والمركّز، على الأهداف الإستراتيجية في عدن، لا سيما القاعدة الجوية في مطار عدن. ولكن القوات الجنوبية، نجحت في تكبيد القوات الشمالية المهاجمة، خسائر فادحة، وأجبرتها على التراجع.
وهكذا فشلت القيادة الشمالية، في فرض سيطرتها الكاملة، على عدن قبل صدور القرار الرقم 924، من مجلس الأمن في الأول من يونيو، الداعي إلى وقف إطلاق النار، في اليمن، وفرض حظر على واردات السّلاح، إلى الأطراف المتصارعة في البلاد. كما عَيّن السكرتير العام للأمم المتحدة، ممثلاً خاصاً، وأسند إليه مهمة تقصي الحقائق في اليمن.
حاولت القيادة الشمالية، الاستفادة من المدى الزمني، المتاح أمامها، قبيل وصول المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى البلاد. وقامت في هذا الإطار، بتشديد الضغط العسكري على عدن، كما استمرت في أعمال القصف المدفعي، والجوي العنيف، علاوة على أن الطائرات الحربية الشمالية، بدأت تركز على إصابة مصفاة عدن، لأول مرة منذ بدء الصراع. وقد استطاعت القوات الشمالية، من خلال هذا الضغط المكثف، أن تواصل إحكام الطوق العسكري، حول عدن، وباتت على مقربة 20 كيلومتراً منها، من جهة الشمال، و 30 كيلومتراً من الشرق، وتمكنت من الاستيلاء، على عدد من القرى الصغيرة حول عدن.
وبشكل عام، فإن أعمال القتال، خلال فترة ما قبل وصول مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، تركزت في الأساس على جبهتي عدن وحضرموت. واستمرت الاشتباكات العنيفة، بين القوات الجنوبية والشمالية، في هاتين الجبهتين. وأرسلت القيادة الشمالية، وقتذاك، تعزيزات جديدة، للمشاركة في معركة السيطرة على عدن. وفي الوقت نفسه، حاولت تلك القوات، التقدم في محافظة شبوة، إلا أنها تكبدت في بادئ الأمر خسائر فادحة. وتمكنت القوات الجنوبية، من أسر لواء كامل، من قوات المغاوير الشمالية. وقد تصاعدت في تلك الفترة حدة المعارك الجارية، وازدادت ضراوتها. وتعرضت عدن لقصف عشوائي مستمر، بالغ العنف، بصورة غير مسبوقة، على الإطلاق منذ بدء القتال، علاوة على أن القيادة الشمالية، وظفت أقصى ما لديها، من قدرات نيرانية وتدميرية، لتحقيق انتصارات سريعة، في محاور القتال المختلفة. ومن ثم، أدى هذا الضغط الشرس، إلى تمكين القوات الشمالية، من تحقيق نجاحات عسكرية مهمة، حيث نجحت في فرض سيطرتها المطلقة، على محافظتي أبين ولحج، وتمكنت من السيطرة على القسم الأكبر من محافظة شبوة، وواصلت التقدم في محافظة حضرموت، بهدف الوصول إلى مدينة المكلا، عاصمة المحافظة. كما استطاعت تطويق عدن، من جميع الجهات، باستثناء جهة البحر، مع تشديد الضغط عليها بكثافة بالغة.
وفي 6 يوليو ، أعلنت القيادة الشمالية، استعدادها لتنفيذ قرار مجلس الأمن، الداعي إلى وقف إطلاق النار، إلا أن تطورات الصراع المسلح اللاحقة، دللت على أن هذا الإعلان، كان منذ البداية، مجرد واجهة لتجميع القوات الشمالية، وإتاحة الفرصة لها، للاستفادة من الاسترخاء النسبي في المجهود العسكري الجنوبي، وتضليل الرأي العام العالمي. ولم يصمد وقف إطلاق النار، أكثر من بضع ساعات. كانت العديد من الدلائل والمؤشرات، تؤكد على أن القيادة الشمالية، باتت عازمة على فرض سيطرتها الكاملة على كافة مناطق جنوب اليمن، على الرغم من صدور قرار وقف إطلاق النار، وعلى الرغم أيضاً، من التحذيرات التي صدرت عن الولايات المتحدة الأمريكية، ودول مجلس التعاون الخليجي.
وبالفعل نجحت القوات الشمالية خلال يومي 6، 7 يوليو 1994 من السيطرة على مدينتي عدن والمكلا، بعد الاستيلاء عليهما.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
حصاد الحرب
اقتصادياً
أدت الأزمة السياسية في اليمن، إلى تفاقم التدهور في الاقتصاد اليمني، حتى تعذر على الحكومة الاتفاق على وضع ميزانية الدولة للسنة المالية 1994، إذ أصيبت ميزانية عام 1993، بعجز بلغ 35.3 %، وفقاً للأرقام الرسمية، صاحبه تراجع في معدلات النمو في الدخل القومي، وانخفاض حصيلة الدولة من العملات الأجنبية.
وقد جاءت الحرب الأهلية لتدمر المنشئات الصناعية والعقارية، والبنية الأساسية للدولة، والمشاريع. وشردت أكثر من نصف مليون شخص، وقُتل وجرح فيها أعداد ضخمة من الطرفين، اختلفت المصادر في تقديرها، ودمرت فيها 600 دبابة، وحوالي 35 طائرة. جرى كل ذلك الدمار، والخراب والقتل، في دولة مدرجة في قائمة أكثر الدول فقراً في العالم. لذلك، فإن الاقتصاد اليمني واجه مأزقاً حقيقياً، حيث نهض من حرب دمرت بنيته الأساسية، وجيشه، وخلقت حالة من الشكوك حول المستقبل السياسي للوحدة، وهددت مناخ الاستثمار فيه.
وبعد الحرب، كانت البنية الأساسية مدمرة أو شبه مدمرة، الطرق، والمدارس، ومحطات الكهرباء، والمطارات، وأصبح سعر لتر الماء يباع بحوالي 15 ريال يمني. كانت الحكومة اليمنية تتجه إلى رفع الدعم عن السلع والخدمات بالتدريج، وربما إلى الاقتراض من الخارج، وتوزيع الموظفين على المحافظات، ولكن هذا التصحيح سيترك آثاراً سلبية على عامة المواطنين المتضررين من الغلاء، لأن رفع الدعم المباشر عن السلع، سيقابله زيادة الأسعار، وزيادة الغلاء .
جاءت الحرب الأهلية، لتدمر المنشآت الصناعية، والعقارية، والبنية الأساسية للدولة، وتزيد من معدلات التدهور في الاقتصاد اليمني. وتكفي الإشارة إلى أن نسبة التضخم قد ارتفعت إلى 300 %، وانخفضت قيمة الريال اليمني أمام الدولار من 70 ريالاً للدولار قبل اندلاع المعارك، إلى أكثر من ألف ريال للدولار أثناء الحرب، وإن كان قد انخفض بعد الحرب، إلى حوالي 115 ريالاً للدولار.
وقد أشارت أحدث التقارير التي أعدها البنك المركزي اليمني ، حول الأوضاع الاقتصادية في اليمن، إلى ارتباط انهيار سعر صرف الريال اليمني، بعوامل كثيرة، منها تداعيات الأزمة السياسية، ووصولها لحالة الحرب، إضافة إلى العجز المتزايد في الموازنة العامة للدولة، الذي زاد عن 36 مليار ريالٍ يمني، وهي بالطبع قد تصل إلى أرقام أكبر، إذا أضفنا إليها تكاليف الحرب. هذا إلى جانب احتجاز النقد الأجنبي لدى العديد من الجهات الاقتصادية، وعدم توريده للبنك المركزي، فضلاً عن تعرض الاقتصاد اليمني لعدد من الانتكاسات، انعكست بدورها على ميزان المدفوعات، ومنها الآثار السلبية لأزمة الخليج على تحويلات المغتربين، وحجم المعونات والقروض، وعائدات الصادرات، وضعف الثقة في العملة المحلية، مما أدى إلى اعتبار الدولار مخزناً للقيمة. وكانت الحرب هي المسمار الأخير في نعش الاقتصاد اليمني.
وحسبما أعلنته الحكومة اليمنية، فإن خسائر الحرب، المباشرة وغير المباشرة، بلغت نحو (11) مليار دولار، نجمت بالأساس، عن حدوث تدمير واضطراب شديد، في الإدارات، والمنشآت الاقتصادية، وتأثير المعارك على نشاط شركات استخراج البترول، أهم الصادرات وعصب الاقتصاد اليمني، الذي يبلغ إنتاجه حوالي 320 ألف برميل يومياً. وبالطبع، فقد أضيف جانب كبير من فاتورة الحرب، على ديون اليمن، التي تبلغ حوالي (8.5) مليار دولار، تصل خدمتها إلى 237.9 مليون دولار سنوياً، بما يجعلها تقبع في الترتيب الدولي ـ وفقاً لتقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية 1993 ـ عند رقم (130) حيث لا تأتي بعدها من البلدان العربية كلها، سوى الدولتين.
كما تسببت الحرب، بعد توقف الأعمال العسكرية، في حدوث " انقلاب" كامل في محافظة عدن، استمر لعدة أيام. وقد تمثل ذلك في "غياب" كامل لسلطات الدولة، شجع الكثير من أفراد القوات الحكومية، والمواطنين، على نهب وسلب وتدمير كثير من المؤسسات، والشركات المملوكة للدولة (قطاع عام وقطاع مختلط)، وبعض مكاتب فروع الوزارات، وبعض المدارس، وبعض كليات جامعة عدن. وكان النهب على نطاق واسع، وفي حالات كثيرة ترك النهب تلك المؤسسات "خاوية على عروشها".
وقد قدرت تكلفة ذلك بـ 35 مليار دولار، كما قدرت تكلفة التعويضات للمواطنين المضاربين من الحرب، بحوالي 5.5 مليار دولار، طبقاً لما صرح به الدكتور عبدالكريم الإيرياني، وزير التخطيط والتنمية، لراديو صوت أمريكا، في أغسطس 1994م.
نتائج الحرب
رفعت الحكومة قضايا قانونية ضد العديد من زعماء الجنوب وابزها قائمة الـ16 الشهيرة في عام 1997 والتي حكمت بالاتي:
- علي سالم البيض نائب الرئيس ورئيس اليمن الجنوبي السابق إعدام
- حيدر أبوبكر العطاس رئيس الوزراء إعدام
- صالح منصر السيلي محافظ عدن إعدام
- هيثم قاسم طاهر إعدام
- صالح عبيد احمد إعدام
- قاسم يحيى قاسم الحبس مدة عشر سنوات مع النفاذ
- مثنى سالم عسكر صالح الحبس مدة عشر سنوات مع النفاذ
- محمد على القيرحي الحبس مدة عشر سنوات مع النفاذ
- عبدالرحمن الجفري الحبس مدة عشر سنوات مع وقف التنفيذ
- انيس حسن يحيى الحبس مدة خمس سنوات دون نفاذ
- سالم محمد عبدالله جبران الحبس مدة خمس سنوات دون نفاذ
- سليمان ناصر مسعود الحبس مدة سبع سنوات مع إيقاف التنفيذ
- عبيد مبارك بن دغر الحبس ثلاث سنوات مع إيقاف التنفيذ
- قاسم عبدالرب صالح عفيف حبس مع النفاذ
- صالح شايف حسين حبس مع النفاذ
- صالح أبو بكر بن حسينون
ثم في 21 مايو 2003 اصدر الرئيس علي عبدالله صالح قراراً بالعفو عن:
1) علي سالم البيض 2) حيدر أبو بكر العطاس 3) صالح منصر السيلي 4) هيثم قاسم طاهر 5) صالح عبيد احمد 6) قاسم يحيى قاسم 7) مثنى سالم عسكر صالح 8) محمد على القيرحي 9) عبدالرحمن الجفري 10) انيس حسن يحيى 11) سالم محمد عبدالله جبران 12) سليمان ناصر مسعود 13) عبيد مبارك بن دغر
قرار العفو شمل ثلاثة عشر شخصاً فقط باعتبار ان القضاء كان قد اصدر حكما ببراءة كل من: 1) قاسم عبدالرب صالح عفيف 2) صالح شايف حسين
بينما توفي صالح أبو بكر بن حسينون اثناء الحرب.
لكن معظمهم ما زال خارج اليمن، رغم عودة البعض منهم مثل عبدالرحمن الجفري وقاسم عبد الرب صالح وقاسم يحيى قاسم الذي عاد جثه هامدة بعد وفاته في 22 مارس 2008 ليدفن في مسقط راسه في ردفان وعبيد بن دغر وهيثم قاسم طاهر ، لكن القادة الفعليين من امثال علي سالم البيض والعطاس لم يعودوا.
على الرغم من أن العديد من اتباع الرئيس الجنوبي السابق علي ناصر محمد تم تعيينهم في كبار المناصب الحكومية (بما فيها نائب الرئيس ، رئيس الأركان ، ومحافظ عدن) بعد تعاونه ضد الانفصاليين ، فهو نفسه لم يعد بعد لليمن ككثيرين غيره وهو ما يزال في سوريا.
في أعقاب الحرب الأهلية ،اعاد زعماء الحزب الاشتراكي اليمني داخل اليمن تنظيم الحزب والمكتب السياسي الجديد الذي انتخب في يوليو 1994. ومع ذلك ، فإن الحزب لا يزال دون تأثيره السابق وتعرض لمصادرة للمتلكات والاموال. حزب الاصلاح استمر في ائتلافه في الجكم مع حزب المؤتمر بعد إخراج الاشتراكي من السلطة.
في عام 1994 ،تم إدخال تعديلات عديدة على الدستور وتم الغاء مجلس الرئاسة وتم الغاء تقسيم نصيب الجنوب من اعضاء مجلس النواب وصار عدد اعضاء الجنوب 56 بدلاً من 111 عندما تم تحقيق الوحدة وبذلك تم القضاء على كل الاتفاقيات بين نظامي الحكم السابقين في الجنوب والشمال وفرض المنتصر في الحرب كل إملأته على الدستور والدولة.
الرئيس علي عبدالله صالح اُنتخب من قبل البرلمان في 1 أكتوبر 1994 لمدة 5 سنوات. لكن الدستور المعدل ينص على أنه من الآن فصاعدا سوف يتم انتخاب الرئيس عن طريق التصويت الشعبي المباشر. وعقدت أول انتخابات رئاسية مباشرة في سبتمبر 1999 ،وانتخاب الرئيس علي عبدالله صالح لمدة 5 سنوات جديدة ،في ما كان اُعتبر عموما انتخابات حرة. البرلمان عقد دورته الثانية في الانتخابات المتعددة الأحزاب في نيسان / أبريل 1997 بمقاطعة الحزب الاشتراكي اليمني.
الحراك السلمي الجنوبي
بداء التذمر من الاوضاع التي لحقت بالجنوب والجنوبيين بعد الحرب نتيجة للسياسات الإقصائية والتهميش الذي تعرضوا له منها فصل عشرات الالاف من الجنوبيين من السلك المدني والعسكريين من وظائفهم، إضافة إلى عمليات نهب تتم خصوصاً للاراضي في الجنوب حيث ان مساحته تمثل حوالي 65% من اراضي اليمن لكن عدد سكانه يقدر بحوالي 25-30% فقط وعدم حصول على عوائد للسكان المحليين خصوصاً من النفط الذي يُستخرج اغلبة - حوالي 80% - من الجنوب في حضرموت وشبوة خصوصاً. بالاضافة لتفشي الفقر والبطالة والفساد باليمن بصفة عامة بدأت بصورة كبيرة بالمظاهرة الحاشدة في ذكرى سقوط عدن في 7/7/2007 في مدينة عدن ومنذاك الحين والمظاهرات لا تتوقف في الجنوب وهو ما اصطلح عل تسميته بـ الحراك السلمي الجنوبي لاجماع منظمي المظاهرات على عدم استخدام القوة واللجوء للمظاهرات والاعتصامات السلمية فقط.
مطالبات للحصول على العودة إلى الاتفاقيات المبرمة ما قبل حرب عام 1994 أو حتى دعوات لعودة الجنوب اليمني منفصلاً عن شمال اليمن. هذه الحركة التي بدأها اعضاء مفصولين من الجيش اليمني الجنوبي السابق التحق بها العديد من الجنوبيين بعد ذلك ، تطالب بعودة الدولة المستقلة للجنوب او قيام اصلاحات لجوهر دولة الوحدة. سقط العديد من القتلى في هذه المظاهرات خلال السنوات اللاحقة وبداء الاعلام الرسمي والنطام يحد من مظاهر الاحتفالات بيوم دخول عدن في 7 يوليو لانها تزيد من الاحتقان لدي الجنوبيين، لكن النظام يصر على ان هذه المظاهرات هي مخلفات شرذمة انفصالية تستغل الاوضاع الاقتصادية في البلاد لتقوده للهاوية وإنها قامت بحل بعض المطالب التي يرفعها المتظاهرين ، في حين يرى المتظاهرون انهم اصحاب حق يريدون استعادته ومطالبهم ليس مطلبية فقط وإنما سياسية.
المصادر
- ^ "Yemen Civil War Caused Almost 6,000 Northern Casualties." Associated Press, July 12, 1994.
- ^ "Saleh down plays Yemeni war death toll." AFP, July 12, 1994.
- ^ Yemen :: Civil war and political unrest - Britannica Online Encyclopedia
- ^ ويكيبديا
- ^ الموقف الاستراتيجي للقوات المتصارعة
- عدن تدفع الثمن (محمد عباس ناجي الضالعي)
- كتاب الف ساعه حرب (عبدالوهاب الشميري)
- القرار الاممي 924
- القرار الاممي 931
- العفو الرئاسي ،المؤتمر نت
- قرار العفو عن قائمة الـ16
- تشييع مثنى عسكر
- عودة قيادي من قائمة الـ16
- عودة هيثم قاسم طاهر
- اليمن ،موسوعة بريتانيا
- انتخابات 1993 ،المركز الوطني للمعلومات