الجالية البرماوية بالمملكة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
من هم البورماويون
البورماويون ينتسبون إلى دولة بورما، وهي اتّحاد ميانمار حاليّاً، و تقع في جنوب شرق آسيا ومن أكبر دولها مساحة، تحدّها من الشمال الصين، ومن الجنوب خليج البنغال وتايلند، ومن الشرق تايلند والصين وجمهورية لاووس، ومن الغرب خليج البنغال وبنغلاديش.. وهي تتكوّن من عدّة ولايات، ومن أهمّها : ولاية ( أراكان ) التي يتمركز فيها المسلمون شعب ( الروهنجيا ) ويبلغون ( 15 % ) من نسبة السكّان والذي يبلغ عددهم ( 55 ) مليون نسمة.. وغالبهم يعتنقون الديانة البوذية، حيث تعتبر بورما قبلة البوذيين، ويفد إليها بوذيوا العالم على مدار العام لزيارة معابدهم وآلهتهم. وصول الإسلام إلى بورما وقيام الدولة الإسلامية : وصل الإسلام إلى بورما في القرن الثاني الهجري عام ( 172 ) هـ، والثامن الميلادي عام ( 788 ) م، عن طريق التجار العرب الذين وصلوا ميناء أكياب عاصمة ( أراكان ) في عهد الخليفة الراشد هارون الرشيد "رحمه الله"، فانتشر الإسلام في أرجائها، ودخل الناس في دين الله أفواجاً، فرحين مستبشرين بهذا الدين العظيم الذي أخرجهم من ظلمات الجهل والكفر إلى نور الإسلام والإيمان. إلى أن قامت دولة إسلاميّة عريقة على يد السلطان سليمان شاه، واستمرت قرابة ثلاثة قرون ونصف تقريباً من عام ( 1430 ) م إلى عام ( 1784 ) م، تولى حكمها ثمانيةٌ وأربعون ملكاً مسلماً على التوالي، وآخرهم الملك سليم شاه الذي اتسعت رقعة مملكة أراكان في عهده حتى شملت بعض الدول المجاورة كما بيّنها في رسالته لملك هولندا..
بداية معاناة ( مسلمو بورما المنسييون )
بدأت المعاناة على أيدي البرتغاليين المستعمرين في القرن الرابع عشر الميلادي.. وفي عام ( 1784 ) م بدأت قصة الظلم والاضطهاد على أشده حينما احتل الملك البوذي ( بودا باية ) أراكان وضمها إلى بورما خوفاً من انتشار الإسلام في المنطقة، وعثى في الأرض الفساد، ومن هنا بدأت قصّة معاناة شعب كامل من المسلمين، ضاعت فصولها وسط جراحات الأمّة المتتالية، مع أنّ مجريات تلك القصّة الدامية سبقت قضيّة أمتنا الكبرى فلسطين.. ولكن !! شتّان ما بين القضيّتين في الإعلام الدولي .. مع أنّ معاناة مسلمي بورما كانت أنكى وأشد !! فدمّر البوذيون كثيراً من الآثار الإسلامية من مساجد، ومدارس، وقتل العلماء والدعاة، وأطلق العنان للبوذيين في اضطهاد المسلمين ونهب خيراتهم، فساموا أهلها سوء العذاب، وأنزلوا عليهم أقسى أنواع الظلم والقسوة، سُوِّيَ فيها بالأرض كُلّ ما يخص الإسلام من حضارة أو أثر، وأحرقت منازلهم ومزارعهم، وأُسر فيها كثيرٌ من المسلمين الأراكانيين، واستُخْدِمُوا كعبيد وأرقاء سُخِّروا لأعمالهم من بناء المعابد وحرث الأرض دون مقابل مادي. واستمرت المعاناة إلى أن أتى الاستعمار البريطاني عام ( 1824 ) م وضمها إلى حكومة الهند البريطانية الاستعمارية لمدة مائة عام تقريباً، ثم في عام 1937م جعلت بريطانيا بورما مع أراكان مستعمرة مستقلة عن حكومة الهند البريطانية الاستعمارية كباقي مستعمراتها في الامبراطورية آنذاك، وعرفت بحكومة بورما البريطانية، وفي عام ( 1947 ) م قبيل استقلال بورما عقد مؤتمر في مدينة ( بنغ لونغ ) البورمية للتحضير للاستقلال، دعيت إليه جميع الفئات والعرقيات إلا المسلمين ( الروهنجيا ) لإبعادهم عن سير الأحداث وتقرير المصير، حتى كان يوم 4 يناير عام ( 1948 ) م حيث منحت بريطانيا الاستقلال لبورما شريطة أن تمنح كل العرقيات الاستقلال عنها بعد عشر سنوات إن رغبوا في ذلك، وما إن حصل البورمان على الاستقلال حتى نقضوا عهودهم ونكصوا على أعقابهم، إذ استمروا في إحكام قبضتهم على أراكان، وقاموا بالممارسات البشعة ضد المسلمين، متجاهلين حقوق سكان أراكان المسلمين التاريخية والدينية والثقافية والجغرافية واللغوية والعرقية، ولا تزال –حتى يومنا هذا- بعض آثار مساجدها ومدارسها وأربطتها تحكي مآثر مجدها التليد.. وما بين عام ( 1942 ) م إلى ( 2000 ) م، مورست ضدّ المسلمين ( 19 ) حملة تطهيريّة ومجازر جماعية يعجز البيان عن وصفها، راح ضحيّتها عشرات الآلاف من المسلمين العزّل.. وأغلبهم من النساء والشيوخ والأطفال . أمّا حملات التهجير الجماعي والتشريد إلى المصير المجهول فيصل عددها إلى ( 6 ) حملات منظّمة بدأت من عام ( 1962 ) م وحتّى عام ( 1991 ) م.. شرد من خلالها قرابة ( مليون ونصف ) مسلم خارج وطنهم، وهكذا لا يكاد الأراكانيون يلتقطون أنفاسهم من محنة إلا وتغشاهم أخرى، واستمر الاضطهاد والظلم وإلغاء الحقوق و المواطنة تدريجياً إلى يومنا هذا.
قصّة الهجرة :
بعد حملات الإجلاء الإجبارية ما كان أمام المسلمين إلاّ الفرار بدينهم وعقيدتهم، فبدأ المسلمون ينزحون إلى الخارج مهاجرين إلى الله، يطرقون أبواب الدول الإسلامية المجاورة كباكستان الشرقية ( بنغلاديش الآن ) وباكستان الغربية، وتايلاند، والهند، وماليزيا، وبعض دول الخليج، وكلما زاد بطش البوذيين بالمسلمين خرج ثلة من المسلمين وهاجروا إلى بلدان شتى . ومن هنا بدأت قصّة هجرة البرماويين إلى بلاد الحرمين الشريفين منذ الستينات الهجرية، يحدوهم الشوق إلى مجاورة بيت الله الحرام لقضاء بقيّة حياتهم في العبادة وخدمة هذا البيت المعظّم، بعد قصّة معاناة طويلة.. حتّى صرفت الحكومة السّعوديّة لهم إقامات بمهنة ( مجاور للعبادة ).
وصولهم إلى بلاد الحرمين الشريفين :
اوائل المهاجرين
وصل أوائلهم إلى بلاد الحرمين الشريفين تقريباً مابين عام ( 1368 ) هـ إلى ( 1370 ) هـ في عهد جلالة الملك عبد العزيز آل سعود – رحمه الله – .
والهجرة الثانية
كانت مابين عام ( 1370 ) هـ إلى عام ( 1375 ) هـ، مشياً على الأقدام مسيرة عام كامل، حيث كانت الأسرة تخرج وعددها ( 12 ) فرداً، فلا يصل منهم إلاّ ( شخصين أو ثلاثة ) وأما البقية فهم ضحايا جوع أو مرض أو قطع طريق أو تيه في الصحراء أو خطف وسرقة أو افتراس سباع – والله المستعان –وهؤلاء غالبهم دخلوا عن طريق اليمن أو الأردن..
والهجرة الثالثة:
كانت ما بين عام ( 1375 ) هـ -( 1380 ) هـ، وهؤلاء أكثرهم دخلوا بجوازات سفر للحج عن طريق الهند وباكستان.. وبعضهم استلموا الجنسية السعودية..
والهجرة الرابعة والأخيرة:
وهي التي تعرف بالهجرة الجماعية، وكانت بعد عملية (ناجامين -التنين الكبير) التي أبادت قرى بكاملها بحجّة المواطنة غير الشرعيّة، وكانت ما بين عام ( 1380 ) هـ وعام ( 1391 ) هـ، وحصلوا خلالها على الإقامة بدون جواز سفر، ثمّ توقّفت الهجرة الجماعيّة بعدها كليّاً إلى المملكة إلى يومنا هذا- أي منذ أربعين عاماً- وبقيت الهجرة الفردية على أصابع اليد.. وهي كذلك لا تذكر في العشر السنوات الأخيرة..
عدد البرماويين في المملكة حاليّاً :
سكنت الجالية منذ وصولها إلى المملكة في مكة المكرمة والمدينة المنورة، ثمّ تحوّلت مجموعة منهم لطلب العيش إلى جدة.. حيث لا يتجاوز عددهم في هذه المدن الثلاثة ( 250.000 ) نسمة كأقصى حد.. وهذا هو الأقرب للواقع والحقيقة.. ففي آخر إحصائيّة لسكّان مكّة المكرمة في عام 1425 هـ - كما ذكرته مصلحة الإحصاءات العامّة – تبين عدد سكّان مكّة المكرمة إجمالياً بلغ ( 1.338.341 ) نسمة، غير السعوديين منهم ( 576.574 )، أمّا نسبة المواليد في المملكة فهم الأكثر، وهذا يدركه كلّ من يعرف الجالية عن قرب، وخاصة وقد مرّ عليهم جيلان من الزمن في الديار المباركة .
أوضاعهم النظاميّة
وأمّا أوضاعهم النظاميّة فهي على خمسة أقسام :
- من يحمل الجنسية السعودية ممن كان يحمل جواز سفر في الفترة من ( 1375 ) هـ إلى ( 1394 ) هـ، أو لحمله لشهادة ميلاد بموجب المادّة الثامنة قبل التعديل، في الفترة من ( 1395 ) هـ إلى ( 1404 ) هـ.. وهم قلّة جدّاً .
- من يحمل الجواز السفر الباكستاني أو البنجلاديشي، وحصلوا عليها بطريقتين :
- قدومهم عبر تلك البلاد (باكستان وبنجلاديش) بجوازاتها، وغالبيتهم أفراداً وصلوا مؤخّراً .
- وهم القسم الأكبر الذين وصلوا قبل ( 40 ) سنة، ولا يملكون جوازاً، وحصلوا عليه عن طريق قنصلية الدولتين في المملكة وبدون السفر إلى البلاد، أو الدخول بتأشيرة، وذلك بعد طلب إدارة الجوازات منهم إحضار جواز سفر من أيّ دولة.. وهو أمر يستحيل تحصيله حاليّاً.. وهؤلاء عددهم متوسّط .
- الذين حصلوا على إقامة نظامية بدون جواز سفر، بداية في عام ( 1393 ) هـ، ثمّ صدر أمر المقام السامي في عام ( 1420 ) هــ، بمنحهم إقامات بدون جوازات وذلك بعد انتهاء تصحيح أوضاعهم على أن يحضروا جواز سفر خلال مدّة الإقامة ( سنتين ) ولاستحالته رجعوا بعدها بهويّات غير مجدّدة، إلى أن صدر الأمر مرّة ثالثة في عام ( 1428 ) هـ بتجديد إقاماتهم بدون جواز، ولكنهم لم يستفيدوا من الأمر بسبب الغرامات التراكميّة لمدة ( 6 ) سنوات لعدم استطاعة تجديدها.
- الذين حصلوا على بطاقات تعريف للبرماويين ( البطاقات البيضاء ) وهم النسبة الكبرى بين البرماويين .
- الذين يحملون مشاهد ( ورقة اللجنة ).. ويعتبرون غير نظاميين .
أوضاعهم الاجتماعية والمعيشيّة
الوضع الاجتماعي للجالية البرماوية دون المتوسّط وغالبهم من الفقراء.. ليس لهم دخلٌ غير الدخل البسيط الذي يحصلون عليها من المهن التي يعملون فيها (500-900) ريال، حيث إن غالبية البرماويين (الآباء) ينخرطون في الأعمال المهنية، كالسباكة والنجارة والكهرباء والبناء، وأغلب أبنائها الذي ولدوا في السعودية يفضّلون التدريس في المدارس الخيرية وحلقات التحفيظ وإمامة المساجد بعد حفظهم لكتاب الله، وحصولهم على شهادات الثانوية أو المرحلة العالية، أو العمل في المكتبات أو كسائقين.. و70% من الأبناء الصغار يدرسون في المدارس الخيرية أو الحكومية، وملتحقون بحلقات تحفيظ القرآن الكريم، فأصبحوا جزءاً من نسيج المجتمع السعودي، وأشربت قلوبهم عادات وتقاليد أهل هذه البلاد، وأمّا الذين يحملون الجنسية السعودية فإنهم انخرطوا في خدمة الدولة عبر الوظائف الحكومية أو القطاع الخاص.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الوقفة السعودية الحانية.. حكومة وشعباً ..
منذ أن وطئت أقدام المهاجرين الأراضي المقدسة وجدوا في مملكة الإسلام والإنسانية وفي بلاد الحرمين الشريفين الأمن والاستقرار، والحب والترحيب، والمساعدة وراحة البال، ولاقت من ولاة أمر هذه البلاد وحكومتها الرشيدة كلّ ترحيب وحفاوة، فاعتبرتهم مهاجرين نزلوا بساحة الأنصار، فأكرموا في وفادتهم، وأغدقوا في رفادتهم، وقدمت لهم خدمات جليلة، من تصحيح الأوضاع نظامياً بمنحهم رخص الإقامة، وحظيت مدارسهم التي أنشئت لتعليم أبنائهم بإشراف إدارة التعليم لها بقرار صاحب السمو الملكي وزير الداخلية رقم 12268 وتاريخ 15/12/1413هـ والموجه لمعالي وزير المعارف آنذاك، حتى وصل عدد هذه المدارس إلى (55) خمسٍ وخمسين مدرسة، تعلم وتربي أكثر من (23.000) ثلاثةٍ وعشرين ألف طالب وطالبة، احتضنتهم ومنعتهم – بفضل الله- من الانحراف والغواية، ومنحتهم جميل الأخلاق وكريم الخصال، وأنقذتهم من ظلمات الجهل والتخلف العلمي، وكذا الأندية الصيفية والأنشطة الّلاصفّيّة التي تميّزت وتفوّقت على مستوى مكّة المكرمة بشهادة مشرفي الوزارة وإدارة تعليم العاصمة المقدسة، وتميزت بمهرجاناتها الاجتماعيّة في الأسواق، ومعارضها الفنّيّة، ومسيراتها الوطنيّة لإظهار الحب والولاء، ونبذ الأفكار الضالة. ولا تنسى هذه الجالية أفضال هذه الدولة أبداً، وحفلاتها الختامية لمدارسها الخيرية ولقاءاتها مشهورة بالثناء والولاء والدعاء لهذه الحكومة وقادتها الكرام، وليس لهم ولاء إلا لقادتها، وحكومتها، وشعبها، وعَلَمِها، ونشيدها الوطني . وقد تشرّفت الجالية البرماوية باستلام برقية خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز – رحمه الله وأسكنه فسيح جنّاته – رقم 113 وتاريخ 29/2/1411هـ والتي جاءت ردّاً على برقية بعثها بعض أبناء الجالية البرماوية إلى مقامه في حرب الخليج، من شجبهم واستنكارهم على الاعتداء العراقي لدولة الكويت الشقيقة.. واستعدادهم للدفاع عن المملكة العربية السعودية إلى آخر عين تطرف فيهم.. فجاء ردّ مقامه الذي ضمّنه بالدعاء والشكر والتقدير لأبناء هذه الجالية على مشاعرهم الإسلامية النبيلة على استعدادهم لبذل النفس والنفيس للدفاع عن الإسلام وتأييدهم لكافّة التدابير والإجراءات التي اتّخذتها المملكة لحماية الوطن والمقدسات الإسلامية لردّ العدوان .. كما شهد عدد من علماء الدولة وأعيانها ومفكريها ورجالاتها بحسن سيرة هذه الجالية، وتميز أبنائها بحفظ القرآن الكريم وتجويده، وجمال أصواتهم، وحبهم وولائهم التام لهذه الدولة، فمنهم على سبيل المثال لا الحصر، سماحة الوالد الإمام عبد العزيز بن باز – رحمه الله -، ومعالي الشيخ الدكتور صالح بن عبد الله بن حميد رئيس مجلس الشورى، ومعالي الشيخ محمد بن عبد الله السبيل الرئيس العام لشؤون الحرمين الشريفين سابقاً وعضو هيئة كبار العلماء، والشيخ العلاّمة عبد الله بن جبرين، ومعالي الدكتور محمد عبده يماني المفكر الإسلامي ووزير الإعلام الأسبق، ومعالي الدكتور عبد الله بن عمر نصيف الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الأسبق، وفضيلة الدكتور ناصر بن عبد الكريم العقل أستاذ العقيدة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وجميع مديري إدارة التربية والتعليم بالعاصمة المقدسة السابقين، وهم: سعادة الأستاذ سليمان الزايدي، وسعادة الأستاذ عبد الله الهويمل، وسعادة الدكتور عبد العزيز خياط، وسعادة الأستاذ عليوي القرشي "رحمه الله"، وسعادة الأستاذ بكر بن إبراهيم بصفر المدير الحالي، وغيرهم كثير من أعيان الدولة ورجالات المجتمع.
أوسمة نعتزّ بها ..
إن هذه العناية والرعاية من ولاة أمر بلاد الحرمين الشريفين تملي على البرماويين كثيراً من الحقوق تجاه هذه الدولة وشعبها الكريم، فمهما قدموا لها من تضحيات فإنما ذلك ردُّ لبعض جميلها، وأدرك البرماويون هذا الواجب فانبروا لخدمة المجتمع المكي، وتشرفوا بخدمة الحرم الشريف وتنظيفه من مياه السيول في سيل الأربعاء، والتطوّع في الدّفاع المدني، وفي الصّحّة، ومنهم من استشهد في الحرم الشريف أثناء إسعافه للمصابين في الحادث الإرهابي المشين الذي طال الحرم المكي عام 1400هـ، بل إن مئات البرماويين القدماء سجلوا أسماءهم أثناء حرب الخليج لدى عمد الأحياء في مكة وجدة واستعدوا لتلقي التدريب العسكري والتطوع للذهاب إلى الثغور للدفاع عن هذا البلد الكريم والمشاركة مع إخوانهم المواطنين بجانب الجنود السعوديين في الدفاع عن تراب هذا الوطن الذي لا يعرفون غيره، متى ما دعت الحاجة ووافق ولي الأمر .. وتميزت أبناء هذه الجالية وبزّت أقرانها في حفظ القرآن الكريم وتحفيظه للناشئة عبر الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمكة المكرمة وجدة والمدينة المنورة، وتصل نسبتهم 70% على مستوى منطقة مكة المكرمة سواء في عدد المحفظين أو الحفاظ، كما أن عدداً غير قليل من حفظة القرآن الكريم نالوا شرف الخطابة وإمامة المصلين في بعض الصلوات المفروضة وصلاة التراويح في رمضان، ومنهم إمام المسجد النبوي الشريف فضيلة الشيخ الدكتور محمّد أيوب – حفظه الله - وفاق بعضهم في هذا الجانب؛ فمازالت تلاواتهم تنشر عبر وسائل الإعلام كإذاعة القرآن الكريم كالقارئ عبد الولي الأركاني، وفي برنامج "بالقرآن نحيا" في تلفزيون المملكة العربية السعودية (القناة الرياضية) الذي عرض في شهر رمضان المبارك عام 1428 هـ، وكان الثلاثة الأوائل في هذا البرنامج هم من أبناء الجالية البرماوية، وأيضاً في جانب التعليم الشرعي والتطبيقي العملي، فإن أبناء هذه الجالية متميزون بذكائهم وقدرتهم على التطوير والبناء الذاتيين، وأصبح بعضهم أطباء ومعلمين وأساتذة جامعات ومشايخ يشار إليهم، ونسبتهم هي الأعلى ضمن طلاب المعاهد والمدارس الشرعية في مكة المكرمة، وحصولهم على درجات التفوق في دفعاتهم ومراحلهم التعليمية. وبحكم إقامتهم في المملكة فهم ليسوا ممن يقومون بتحويل أموالهم إلى الخارج لانقطاعهم عن وطنهم، ولا زال المجتمع منهم في أمن وسلامة بفضل الله، وتنظّم الجالية دائماً حملات توعوية واجتماعيّة في جميع الأحياء التي تسكنها الجالية البرماوية بالتنسيق مع مكاتب توعية الجاليات والمراكز الاجتماعية، لتوعية أبنائها (الجيل الصاعد) وتذكيرهم بنعم الله عليهم، ومنها سكنى البلد الحرام والمدينة النبوية، وفضل هذه البلاد وحكومتها الرشيدة، وما يجب عليهم فعله حيال هذه المكرمات، وضرورة التقيد بالأنظمة المعمولة بها، والتأكيد على مراعاتها واحترامها، وأن يكونوا أعضاء فاعلين في مجتمعهم صالحين مصلحين لغيرهم، رداً لجميل الفضل وكريم الوفادة التي حظوا بها من لدن حكومة المملكة العربية السعودية - رفع الله قدرها وأعلى شأنها- وتلقى هذه البرامج الإصلاحيّة استجابةً وتفاعلاً كبيراً وملحوظاً - بحمد الله - وهم ماضون - بإذن الله - في برامج التوعية في المدارس وأوساط الشباب وأولياء الأمور، حتى يجعلوا مجتمعهم خاليةً من المخالفات، وتكون أكثر حرصاً على اتباع أنظمة الإقامة والتقيد بها، والحب والولاء لهذه الدولة المباركة – بإذن الله -. مؤكدين في ذات الوقت أن بعض وسائل الإعلام تُغفل الجانب المشرق من أحوال وأوضاع هذه الجالية، حيث قام بعض الصحفيين بتضخيم الأخطاء، وتسليط الضوء على السلبيات فقط، وتأمل الجالية منهم إنصافها، وعدم تغافل الإيجابيات الكثيرة فيها، ونحمد الله أن حمى أبناءها من التورّط والانجراف وراء الفكر الضال.