نهب روما (455)
نهب روما | |||||||
---|---|---|---|---|---|---|---|
جزء من سقوط الامبراطورية الرومانية الغربية | |||||||
جنسريك ينهب روما | |||||||
| |||||||
المتحاربون | |||||||
الامبراطورية الرومانية الغربية | الوندال | ||||||
القادة والزعماء | |||||||
پترونيوس ماكسيموس | جنسريك |
نهب 455 إنگليزية: sack of 455 كان الثاني من ثلاث اجتياحات بربرية لروما؛ وقد قام بها الوندال، الذين كانوا في حرب مع الامبراطور الروماني الغربي المستولي على العرش پترونيوس ماكسيموس.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
خلفية
توفيت بلاسيديا في عام 450، وانفرد ڤالنتينيان الأول بالملك يخبط فيه خبط عشواء، وكان من اوخم أخطائه عاقبة أن استمع إلى نصيحة پترونيوس مكسيموس فقتل إيتيوس الذي وقف زحف أتلا عند ترويس كما استمع هونوريوس إلى أولمپيوس فقتل استلكو الذي وقف زحف ألريك عند يولتثيا. ولم يكن لڤالنتينيان ولد ذكر ولم يرتح إلى رغبة إيتيوس في أن يزوج ابنه بودوشيا، ابنة فلنتنيان. وانتابت الإمبراطور نوبة جنونية من الغضب فأرسل في طلب إيتيوس، وذبحه بيده. وقال له رجل من رجال الحاشية: "مولاي، لقد قطعت يمينك بشمالك" ولم تمض على هذا العمل بضعة أشهر حتى استطاع بترونيوس أن يغري رجلين من أتباع إيتيوس بقتل فلنتنيان، ولم يهتم أحد بتعقب القاتلين لأن القتل كان قد اصبح من عهد بعيد البديل الوحيد للانتخاب. واختار بترونيوس نفسه للجلوس على العرش، وأرغم يودكسيا أرملة ڤالنتينيان على ان تتزوجه؛ كما أرغم بودوشيا على أن تتزوج ابنه بلاديوس. وإذا جاز لنا أن نصدق أقوال پروكوپيوس، فإن يودكسيا استعانت بجيسريك، كما استغاثت هونوريا قبل ذلك بأتلا. وكان لدى جيسريك من الأسباب ما يجعله يلبي هذه الاستغاثة: فقد أصبحت روما غنية مرة أخرى على الرغم من انتهاب ألريك لها، ولم يكن الجيش الروماني بالجيش القوي الذي يستطيع الدفاع عن إيطاليا. وأبحر ملك الوندال بأسطول قوي لا يغلب، ولم يقف أحد بينه وبين أستيا وروما إلا بابا أعزل ومعه بعض قساوسة روما. ولم يقو البابا ليو في هذه المرة على إقناع الفاتح بالارتداد عن روما، وكل ما استطاع أن يحصل عليه منه هو وعده بأن يمتنع عن ذبح السكان وتعذيبهم وإحراق المدينة. وأسلمت المدينة أربعة أيام كاملة للجند ينهبون فيها ويسلبون؛ ونجت الكنائس المسيحية، ولكن كل ما كان باقياً في المعابد من كنوز نقل إلى سفن الوندال، وكان من بين هذه الغنائم المناضد الذهبية، والماثلات ذات الشعب السبع، وغيرها من الآنية المقدسة التي جاء بها تيتوس من هيكل سليمان إلى روما منذ أربعة قرون. ونهب كذلك كل ما كان في القصر الإمبراطوري من المعادن الثمينة، والحلي، والأثاث وكل ما كان باقياً في بيوت الأغنياء من أشياء ذات قيمة واتخذ آلافاً من الأسرى عبيداً، وفرق بين الأزواج وزوجاتهم، وبين الأبناء وآبائهم، وأخذ جيسريك الإمبراطورة يودكسيا وابنيهما معه إلى قرطاجنة؛ وزوج يودوسيا ابنه هونريك؛ وأرسل الإمبراطورة وپلاسيديا (صغرى ابنتيهما) إلى القسطنطينية استجابة لطلب الإمبراطور ليو الأول. ولم يكن انتهاب روما على هذا النحو في واقع الأمر تخريباً لا يراعي فيه عرف أو قانون، بل كان يتفق مع الشرائع القديمة للحروب. لقد ثأرت قرطاجنة لنفسها من قسوة روما عليها في عام 146 وكانت في انتقامها هذا رقيقة رحيمة.
النهب
وضربت الفوضى وقتئذ أطنابها في إيطاليا. ذلك أن خمسين عاماً من الغزو والقحط والوباء قد تركت آلاف الضياع مخربة، وآلاف الأفدنة بوراً؛ ولم يكن هذا لأن تربتها أنهكت من الاستغلال، بل لأن هذا الأراضي أعوزها الرجال؛ وأخذ القديس أمبروز (حوالي عام 420) يرثي لخراب بولونيا ومودِنا، وپياتشنزا ونقص عامرها، ووصف البابا گلاسيوس (حوالي 480) أقاليم واسعة في شمالي إيطاليا بأنها تكاد تكون مقفرة من الآدميين.
ونقص سكان روما نفسها من مليون ونصف إلى ثلاثمائة ألف في قرن واحد؛ واختص الشرق وقتئذ دون غيره بجميع المدائن الكبرى في الإمبراطورية. وهجر الناس كمپانيا المحيطة بروما والتي كانت من قبل ملآى بالضياع الخصبة والقصور الصغيرة ولجأوا إلى المدن المسورة ليحتموا فيها من غارات العداء؛ وانكمشت المدن نفسها فلم تعد تزيد مساحة أرضها على أربعين فداناً أو نحوها كي تكفي موارد أهلها تسويرها وحمايتها من العداء؛ وكثيراً ما كانت السوار يبنى على عجل من أنقاض دور التمثيل والباسلقات والهياكل التي كانت من قبل بهجة المدن الإيطالية وسبب رونقها. على أن روما قد بقي فيها قليل من الثروة حتى بعد جيسريك، وانتعشت هي وغيرها من المدن الإيطالية فيما بعد تحت حكم ثيودريك واللمباردين: ولكن الفقر العام الذي حل في عام 470 بالحقول والمدن، وبأعضاء مجلس الشيوخ والعامة على السواء، سحق أرواح الشعب الذي كان من قبل عظيماً وأذل نفسه، فملك عليه اليأس والاستسلام قلبه، وتشكك في الآلهة كلهم عدا بريابوس واستولى عليه وجل كوجل الأطفال جعله يهاب تبعات الحياة، وجُبْنٌ غاضب ثائر يندد بكل استسلام ويفر من جميع الواجبات الحربية، وكان يصحب هذا الانحطاط الاقتصادي والحيوي عفن ينخر سوسه في جميع طبقات الشعب، في أرستقراطية في وسعها أن تخدم لكنها عاجزة عن أن تحكم، وفي رجال الأعمال المنهمكين في مكاسبهم الشخصية انهماكاً يحول بينهم وبين العمل لإنقاذ شبه الجزيرة، وفي قواد ينالون بالرشوة أكثر مما يستطيعون نيله بقوة السلاح، وبيروقراطية متشعبة متخمة خربت رواتبها خزائن الدولة، وفسدت فساداً مستعصياً على العلاج وقصارى القول أن جذع هذه الشجرة العظيمة قد تعفن، وآن لها أن تسقط.
وتوالت على عرش الإمبراطورية في السنين الخيرة من حياتها طائفة من الأباطرة ليس فيهم من هو فوق المتوسط. فقد أعلن القوط في غالة قائداً لهم يدعى أڤتوس إمبراطوراً (455)، ولكن مجلس الشيوخ أبى أن يقره، فاستحال أسقفاً؛ ولم يدخر ماگوريان (456-461) جهداً في إعادة النظام، ولكن رئيس وزرائه ريكيمر القوطي الغربي أنزله عن العرش. وكان سڤيروس (461-466) آلة صماء في يد ريكيمر يفعل ما يشاء، وكان أنثيميوس (467-472) فيلسوفاً نصف وثني لا يرضى بالغرب؛ فما كان من رسمر إلا أن ضرب عليه الحصار وقبض عليه وأمر بقتله وحكم اوليبريوس برعاية ريكيمر شهرين (472)؛ ثم مات ميتة غريبة في ذلك الوقت إذ كانت ميتة طبيعية. وسرعان ما خلع گليسريوس (473)، وظلت روما عامين يحكمها يوليوس نپوس. وبينا كانت هذه الأحداث جارية في إيطاليا، انقض عليها خليط آخر من البرابرة -الهرولي، والإسكيري، والروجي (وغيرهم من القبائل التي كانت من قبل تعترف بحكم أتلا. وقدم في الوقت نفسه بنونيائيٌّ يدعى أرستيز فخلع نيبوس، وأجلس ابنه رميولوس (الملقب أوغسطولس استهزاء به) على العرش (475). وطلب الغزاة الجدد إلى أن يعطيهم ثلث إيطاليا، فلما أبى ذبحوه وأجلسوا قائدهم أدواكر على العرش بدل رميولوس (476)، ولم يكن هذا القائد -وهو ابن إدكون وزير آتلا- مجرداً من الكفايات. وقد بدأ بأن جمع مجلس الشيوخ المرتاع، وعن طريقه عرض على زينون الإمبراطور الجديد في الشرق أن تكون له سيادة على جميع الإمبراطورية على شرط أن يحكم أدوسر إيطاليا بوصفه وزيراً له، ورضى زينون بهذا العرض وانتهت بذلك سلسلة الأباطرة الغربيين.
ويبدو أن أحداً من الناس لم ير في هذا الحادث "سقوطاً لروما" بل بدا لهم على عكس هذا أنه توحيد مبارك للإمبراطورية وعودتها إلى ما كانت عليه في عهد قسطنطين. وقد نظر مجلس الشيوخ في روما إلى المسألة هذه النظرة، وأقام في روما تمثالاً لزينون، ذلك أن اصطباغ الجيش، والحكومة، والزراع، في إيطاليا بالصبغ الألمانية قد ظل يجري زمناً بلغ من طوله أن بدت معه النتائج السياسية تحولاً عديم الشأن على سطح الحياة القومية. أما الحقيقة التي لا نزاع فيها فهي أن أدواكر كان يحكم إيطاليا بوصفه ملكاً عليها دون أن يعبأ بزينون. ذلك أن الألمان قد فتحوا في واقع الأمر إيطاليا، كما فتح جيسريك أفريقية، وكما فتح القوط الغربيون أسبانيا، وكما كان الإنجليز والسكسون يفتحون بريطانيا: والفرنجة يفتحون غالة، ولم يعد للإمبراطورية العظمى في الغرب وجود.
التبعات
وترتب على فتوح البرابرة هذه نتائج لا حصر لها، لقد كان معناها من الناحية الاقتصادية تحول الحياة من المدن إلى الريف. ذلك أن البرابرة كانوا يعيشون على الحرث، والرعي، والصيد، والحرب، ولم يكونوا قد تعلموا بعد العمال التجارية المعقدة التي تنتعش بها المدن، وكان انتصارهم إيذاناً بالقضاء على الصبغة المدنية للحضارة الغربية قضاء دام سبعة قرون. وأما من الوجهة العنصرية فإن هجرات البرابرة المتعددة أدت إلى امتزاج جديد بين العناصر البشرية -وإلى دخول دم ألماني غزير في إيطاليا، ودم غالي في أسبانيا، ودم أسيوي في روسيا والبلقان وبلاد المجر. ولم يعِد هذا الامتزاج للقوة والنشاط إلى الإيطاليين أو الغاليين بطريقة خفية معجزة الدرك، بل إن ما حدث لم يزد على إفناء الأفراد والسلالات الضعيفة بسبب الحروب وغيرها من ضروب التنافس، وعلى اضطرار كل إنسان لأن ينمي قوته. وحيويته، وشجاعته، وصفات الرجولة التي طمس معالمها طول الاستسلام إلى الأمن والسلام؛ وعلى تأثير الفقر في عودة أساليب للحياة أصح وأكثر بساطة من الأساليب التي ولدها ترف المدن واعتماد الأهلين على الرزاق التي تقدمها لهم الحكومة.
وأما من الوجهة السياسية فقد أحلت الفتوح صورة دنيا من الملكية محل صورة عليا منها. فقد زادت من سلطان الأفراد وقللت من سلطان القوانين ومن اعتماد الناس عليها لحمايتهم. واشتدت النزعة الفردية وازداد العنف. وفي الناحية التاريخية حطمت الفتوح الهيكل الخارجي لذلك الجسم الذي تعفن من الداخل، وأزالت من الوجود، بوحشية يؤسف لها، نظاماً من الحياة، شاخ ووهن وبلي، وفقد كل قدرة على التجدد والنماء، رغم ما كان فيه من فضائل النظام والثقافة، والقانون؛ وبهذا أصبح من المستطاع أن تبدأ حياة جديدة غير متأثرة بالماضي. فانمحت إمبراطورية الغرب ولكن دول أوربا الحديثة قد ولدت- لقد دخل إيطاليا قبل المسيح بألف عام غزاة من الشمال، أخضعوا أهلها لسلطانهم، وامتزجوا بهم وأخذوا عنهم حضارتهم، وبنوا وإياهم في خلال ثمانية قرون حضارة جديدة. وبعد المسيح بأربعمائة عام تكررت العملية نفسها، ودارت عجلة التاريخ دورة كاملة، وكانت البداية هي نفسها النهاية، ولكن النهاية كانت على الدوام بداية.
المصادر
ديورانت, ول; ديورانت, أرييل. قصة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود.
- Procopius, 'The Vandalic War' in The History of the Wars, Books III & IV, trans. H.B Dewing (Cambridge; Mass. 1916)
- Muhlberger, S., The Fifth Century Chroniclers: Prosper, Hydatius and the Gallic Chronicler of 452 (Leeds, 1990) — for Prosper's hagiographic portrayal of Leo.
- Victor of Vita, History of the Vandal Persecution, trans. J. Moorhead (Liverpool, 1992).
- Ward-Perkins, B., The Fall of Rome and the End of Civilisation (Oxford, 2005) pp. 17 & 189.