ابو منصور الثعالبي
عبد الملك بن محمد بن إسماعيل الذي يُعرف بأبي منصور الثعالبي النيسابوري (350 هـ - 430 هـ) أديب عربي لقب بالثعالبي لأنه كان فرَّاء يخيط جلود الثعالب ويعملها، وإذا عرفنا أنه كان يؤدِّب الصِّبيان في كُتَّاب استطعنا أن نقول جازمين أن عمل الجلود لم يكن صناعة يعيش بها، ويحيا لأجلها،بل كانت من العمال التي يعالجها المؤدِّبون في الكتاتيب وهم يقومون بالتأديب والتعليم، وما أشبه هذا الحال بحال مؤدبي الصِّبيان في مكاتب القرية المصرية في عهد مضى، وقد شدَّ كل منهم خيوط الصوف إلى رقبته والمغزل في يده.
وعاش الثعالبي بنيسابور، وكان هو ووالد الباخرزي صِنوَين لَصيقَي دار، وقريني جوار، تدور بينهما كتب الإخوانيات، ويتعارضان قصائد المجاوبات. ونشأ الباخرزي في حجر الثعالبي، وتأدب بأدبه، واهتدى بهديه، وكان له أبا ثانيا، يحدوه بعطفه، ويحنو عليه ويرأف به. ذكر تلك الصلة الباخرزي، ونقل عن الثعالبي فيما نقل عنه في كتابه "دمية القصر" أشعارا له رواها أبوه عنه إلا أنه لم يذكر لنا شيئا مما جرى بين الشيخين الصديقين.
وكان الثعالبي واعية كثير الحفظ، فعرف بحافظ نيسابور، وأوتي حظا من البيان بزَّ فيه أقرانه، فلقب بجاحظ زمانه، وعاش بنيسابور حجَّة فيما يروي، ثقة فيما يحدِّث، مكينا في علمه، ضليعا في فنه، فقصد إليه القاصدون، يضربون إليه آباط الإبل، بعد أن سار ذكره في الآفاق سير المثل. ونحن نقتطف هنا جُمَلا نعته بها أعلام الأدب وأصحاب التواليف السائرة.
قال ابن بسام:
"كان في وقته راعي تلعات العلم، وجامع أشتات النثر والنظم، رأس المؤلفين في زمانه، والمصنفين بحكم أقرانه، طلعت دواوينه في المشارق والمغارب، طلوع النجم في الغياهب، وتآليفه أشهر مواضع، وأبهر مطالع، وأكثر من أن يستوفيها حدٌّ أو وصف، أو يوفي حقوقها نظم أو رصف".
وقال الباخرزي:
"هو جاحظ نيسابور، وزبدة الأحقاب والدهور، لم تر العيون مثله، ولا أنكرت الأعيان فضله، وكيف ينكر وهو المزن يحمد بكل لسان، وكيف يستر وهو الشمس لا تخفى بكل مكان".
وقال الصفدي:
"كان يلقب بجاحظ زمانه، وتصانيفه الأدبية كثيرة إلى الغاية".
وقال ابن الأنباري في نزهة الألبا:
"وأما أبو منصور عبد الملك بن محمد بن اسماعيل الثعالبي فإنه كان أديبا فاضلا، فصيحا بليغا".
وقال الحصري في كتابه زهر الآداب:
"وأبو منصور هذا يعيش إلى وقتنا هذا، وهو فريد دهره، وقريع عصره، ونسيج وحده، وله مصنفات في العلم والأدب، نشهد له بأعلى الرتب".
وفيه يقول أبو الفتح علي بن محمد البستي:
قلبي رهَينٌ بنسابور عند أخٍ * ما مثله حين تَستَقري البلاد أخُ
له صحائف أخلاق مهذبةٍ * من الحِجا والعلا والظرف تُنتَسَخُ
وقال ابن قلاقِس يُطري كتابه "يتيمة الدهر" أشعارا منها:
كُتْبُ القَر يضِ لآلي * نُظِمَتْ على جِيدِ الوجودْ
فَضلُ اليتيمة بينها * فضل اليتيمة في العقودْ
ومنها:
أبيات أشعار اليتيمة * أبيات أفكار قديمةْ
ماتوا وعاشت بعدهم * فلذاك سميت اليتيمةْ
وكتب أبو يعقوب صاحب كتاب البلاغة واللغة، يقرظ كتاب "سحر البلاغة" للثعالبي:
سَحَرتَ الناس في تأليف "سحرك" * فجاء قلادةً في جيد دهركْ
وكم لك من معانٍ في معان * شواهد عند ما تعلو بقدركْ
وُقِيتَ نوائب الدنيا جميعاً * فأنت اليوم حافظ أهل عصركْ
ورثاه الحاكم أبو سعيد عبد الرحمن بن محمد النيسابوري فقال:
كان أبو منصور الثعلبي * أبرع في الآداب من ثعلبِ
ليت الردى قدَّمني قبله * لكنه أروغ من ثعلبِ
يطعن من شاء من الناس بالـــ * ــــموت [بالموت] كطعن الرمح بالثعلبِ
هذه طائفة من القول تدلك على مكانة الثعالبي عند المتقدمين، نجتزئ بها، ونقف عندها. ثم لعل في هذه الطُّرفة التي جرت بينه وبين سهل بن المرزبان ما يعطيك صورة عن الثعالبي شاعرا: قال الثعالبي: قال لي سهل بن المرزبان يوما: إن من الشعراء من شَلْشَل، ومنهم من سَلْسَل، ومنهم من قَلْقَل، ومنهم من بَلْبَل {يريد بمن شلشل: الأعشى في قوله: وقد أروح إلى الحانوت يتبعني * شاوٍ مِشَلٌ شَلولٌ شُلْشُلٌ شَوِلُ وبمن سلسل: مسلم بن الوليد في قوله: سُلَّتْ وسُلَّتْ ثم سُلَّ سَليلها * فأتى سَليلُ سَليلها مَسْلولا وبمن قلقل: المتنبي في قوله: فقَلْقَلْتُ بالهمِّ الذي قَلْقَل الحَشا * قَلاقل عيسٍ كلهن قَلاقِلُ} فقال الثعالبي: إني أخاف أن أكون رابع الشعراء { أراد قول الشاعر: الشعراء فاعلمنَّ أربعة * فشاعر يجري ولا يُجرى معه وشاعر من حقه أن ترفعه * وشاعر من حقه أن تسمعه وشاعر من حقه أن تصفعه}
ثم إني قلت بعد ذلك بحين:
وإذا البلابل أفصحت بلغاتها * فانفِ البلابل باحتساء بَلابِلِ
فكان بهذا رابع فحول ثلاثة لهم القدم الثابتة في الشعر، نعني الأعشى، ومسلم بن الوليد، والمتنبي:
وما دمنا قد عرضنا للثعالبي الشاعر فما أولانا أن نذكر جملا مختارة من شعره، قال رحمه الله، وكتب بها إلى الأمير أبي الفضل الميكالي:
لك في المفاخر معجزات جمَّة * أبدا لغيرك في الورى لم تُجمَعِ بحران بحر في البلاغة شابه * شعر الوليد وحسن لفظ الأصمعي وتَرَسُّل الصابي يزين عُلوَّه * خط بن مقلة ذو المقام الأرفعِ كالنور أو كالسحر أو كالبدر أو * كالوشي في برد عليه موشَّعِ وإذا تَفَتَقَ نورُ شِعرك ناضِراً * فالحسن بين مصرَّعٍ ومُرَصَعِ أرجلت أفراس الكلام ورُضتَ أفـــــ * ــــراس [أفراس] البديع وأنت أمجد مبدعِ ونقشت في مغنى الزمان بدائعاً * تُزري بآثار الربيع المُمرعِ
ومنها يصف فرسا أهداه إليه:
يا واهب الطَّرفِ الجواد كأنَّما * قد أنعلوه بالرِّياح الأربعِ لا شيء أسرع منه إلا خاطري * في وصف نائلك اللطيف الموقِعِ ولو أني أنصفت في إكرامه * لجلال مُهديه الكريم الألمعي أقضمته حب الفؤاد لحبِّه * وجعلت وربطه سواد الأدمعِ وخلعت ثم قطعت غير مضيِّعٍ * برد الشباب لجُلِّهِ والبُرقُعِ
ومن غزلياته الرقيقة:
سقطت لحين في الفراش لزمته * أضم إلى قلبي جناح مَهيضِ وما مرض بي غير حبّي وإنما * أُدَلِّسُ منكم عاشقا بمريضِ وقال الباخرزي: أنشدني والدي قال أنشدني -يريد الثعالبي- لنفسه: عَرَكَتْنِي الأيام عرك الأديم * وتجاوزن بي مدى التقويمِ وَغَضضن اللحاظ منِّيَ إلا * عن هلال يرنو بمقلة ريمِ لحظهُ سُقْمُ كل قلبٍ صحيح * ثَغرُهُ بُرء كل جسم سقيمِ
وله أيضا فيما يتصل بالخَمريات:
هذه ليلة لها بهجة الطَّا * ووس حسنا والليل لون الغُدافِ رقد الدهر فانتبهنا وسارقْـــــ * ـناه [وسارقناه] حظا من السُّرور الشافي بمُدامٍ صافٍ وخِلٍّ مُصافٍ * وحبيبٍ وافٍ وسَعدٍ موافي
وكتب إلى أبي نصر سهل بن المرزبان يحاجيه:
حاجيت شمس العلم في ذا العصر * نديم مولانا الأمير نصر
ما حاجة لأهل كلِّ مِصر * في كل دارٍ وبكل قُطر
ليست ترى إلا بُعيدَ العصر
فكتب إليه جوابه:
يا بحر آداب بغير جَزْرِ * وحظه في العلم غير نَزرِ
حزَرتُ ما قلت وكان حَزري * أن الذي عنيت دُهنُ البَزْرِ
يَعصُرُهُ ذو قوة وأزرِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مولده ووفاته
ليس بين الذين تحدثوا عن الثعالبي خلاف في ميلاده، بل تكاد ترى لهم كلمة مجمعا عليها بأن أبا منصور ولد سنة 350 هـ، ولم يشر للخلاف في سنة وفاته غير الصفدي في كتابه الوافي بالوفيات حيث قال: "وتوفي -يريد الثعالبي- سنة ثلاثين وأربع مائة، وقيل سنة تسع وعشرين" وعلى الرأيين فقد قضى الثعالبي نحبه في الثمانين من عمره تاركا ما يُربي على الثمانين مؤلفا يُعمَرُ بها ضعف هذا العمر، وقد تنقضي أعمار كثيرة دون أن تبلغ في هذا شأوه، غير أنه عاش مع هذه البسطة في العلم والتواليف مهضوما، شبه مُضَيَّق يشكو مع العوز جورا وظلما، قال رحمه الله:
ثلاث قد مُنيت بهن أضحت * لنار القلب مني كالأثافي ديون أنقضت ظهري وجور * من الأيام شاب له غُدافي ومقدار الكفاف وأي عيش * لمن يُمنى بفقدان الكفافِ
وكأني به وقد أنقض الهمُّ ظهره يتناوب عليه الليل والنهار بما يكره يسلمه هذا لذاك عاهدا إليه بإيذائه حين يقول:
الليل أسهره فهمِّي راتب * والصبح أكرهه ففيه نوائبُ
فكأن ذاك به لطرفي مُسهرٌ * وكأن هذا فيه سيف قاضبُ
أو لعل هذا وذاك شكوى ساعة ونفثة يراعة فقد عرفنا عن الثعالبي أنه نشأ في جوار الأمير أبي الفضل الميكالي وفي ظل الوزير سهل بن المرزبان تربط بينهم جميعا صداقة ومودة كشف لك عن بعضها شعره إليهما كما عرفنا محله من خوارزم شاه ووزيره أبي عبد الله الحمدوني.
كتبه
ونحن نذكر لك فيما يلي كتبه كتابا كتابا، معتمدين في هذا النقل على الصفدي، فقد انفرد من بين المراجع جميعها بذكر هذه الجملة الوفيرة وأكثر الظن أنه ليس للثعالبي بعد ما ذكره الصفدي شيء آخر، هذا على ما في الصفدي من اضطراب في الأسماء اضطررنا معه لمعارضة ما فيه بأصول أخرى، ثم الرجوع إلى الفهارس التي ألقت في روعنا شيئا من الظن، بأن من بين هذه الكتب ما ليس للثعالبي، كما أن منها المشترك في اسم واحد، على الرغم مما قمنا به من تحرير سريع. وقد يتسع غير هذا الموضع لهذا التحرير كاملا فيقطع الشك باليقين ويتضح المُشكل من أمرها ويبين، وها هي ذي:
- كتاب أجناس التنجيس.
- أحاسن المحاسن=أحسن ما سمعت.
- كتاب الأحاسن من بدائع البلغاء.
- كتاب أحسن ما سمعت:
- كتاب الأدب مما للناس فيه من أرب.
- كتاب إعجاز الإيجاز.
غرر أخبار ملوك فارس. كتاب الأعداد=برد الأكباد في الأعداد. كتاب أفراد المعاني. كتاب الاقتباس. كتاب الأمثال والتشبيهات. كتاب أنس الشعراء. كتاب الأنيس في غزل التجنيس. كتاب بهجة المشتاق. كتاب التجنيس. كتاب تحفة الوزراء. كتاب التحسين والتقبيح. كتاب ترجمة الكاتب في آداب الصاحب. كتاب التفاحة. كتاب تفضل المقتدرين وتنصل المعتذرين. كتاب التمثيل والمحاضرة في الحكم والمناظرة. كتاب الثلج والمطر. كتاب ثمار القلوب في المضاف والمنسوب. كتاب الجواهر الحسان في تفسير القرآن. كتاب حجة العقل.
- كتاب حشو اللوزينج.
- كتاب حلي العقد.
- كتاب خاص الخاص.
كتاب خصائص الفضائل. كتاب الخولة وشاهيات. ديوان أشعاره. كتاب سجع المنثور. كتاب سِحر البلاغة وسر البراعة. كتاب سحر البيان. كتاب سر الأدب في مجاري كلام العرب. كتاب سر البيان.
- كتاب سر الوزارة.
- كتاب السياسة.
- كتاب الشكوى والعتاب وما وقع للخلان والأصحاب.
- كتاب الشمس.
- كتاب الشوق.
- كتاب صفة الشعر والنثر.
- كتاب طبقات الملوك.
- كتاب الظَّرْف من شعر البُسْتي.
- كتاب الطرائف واللطائف.
- كتاب عنوان المعارف.
- كتاب عيون النوادر.
- كتاب غرر البلاغة في الأعلام.
- كتاب غرر المضاحك.
- كتاب الغلمان.
- كتاب الفرائد والقلائد.
كتاب الفصول الفارسية. كتاب الفصول في الفضول. كتاب فقه اللغة. كتاب الكشف والبيان. كتاب الكناية والتعريض. كنز الكتاب=المنتحل. كتاب لباب الأحاسن. كتاب لطائف الظرفاء. كتاب لطائف المعارف. كتاب اللطيف الطيب. كتاب اللمع والفضة. كتاب ما جرى بين المتنبي وسيف الدولة. كتاب المبهج. كتاب المتشابه لفظا وخطا=ثمار القلوب في المضاف والمنسوب. مدح الشيء وذمه. كتاب المديح. كتاب مرآة المروآت. كتاب المضاف والمنسوب. كتاب مفتاح الفصاحة. المقصور والممدود. مكارم الأخلاق. ملح البراعة. كتاب المُلَح والطُرَف. كتاب نمادمة الملوك. كتاب من أعوزه المطرب. كتاب من غاب عنه المؤنس. كتاب المنتحل. مؤنس الوحيد في المحاضرات. نثر النظم وحل العقد.
- كتاب نسيم الأنس.
- كتاب نسيم السحر.
- النهاية في الكناية.
- كتاب النوادر والبوادر.
- كتاب الورد.
- يتيمة الدهر.
- يتيمة اليتيمة.
- كتاب يواقيت المواقيت.