ابن الشجري
هبة الله بن علي بن الشجري (450 - 542 هـ/1058 - 1147م) كان من أشهر نحاة المئة الخامسة والسادسة، وصفه تلميذه أبو البركات الأنباري بأنه: «كان فريد عصره ووحيد دهره في علم النحو، وكان تامّ المعرفة باللغة، وكان فصيحاً، حلو الكلام، حسن البيان والإفهام» وقال أيضاً: «كان الشريف ابن الشجري أنحى من رأينا من علماء العربية، وآخر من شاهدنا من حذّاقهم وأكابرهم، وكان وقوراً في مجلسه ذا سمت حسن، لا يكاد يتكلم في مجلسه بكلمة إلا وتتضمّن أدب نفس أو أدب درس».
الشريف أبو السعادات، هبة الله بن علي بن محمد بن حمزة، ينتهي نسبه إلى الحسن بن علي بن أبي طالب، ويعرف بابن الشّجري، والظاهر أنها نسبة إلى «شجرة» قرية من أعمال المدينة المنورة.
ولد وتوفي ببغداد، ولا تكاد كتب التراجم تذكر شيئاً عن أسرته سوى أن والده كان نقيباً للطالبيين بالكرخ.
وقد عاصر ابن الشجري عدداً من خلفاء بني العباس هم: القائم بأمر الله (ت467هـ)، والمقتدي بأمر الله (ت 487هـ) والمقتفي بأمر الله (ت 555هـ). والمعروف أن السلطة على بغداد آنذاك كانت بيد السلاجقة الذين دخلوها سنة (447هـ).
وقد أخذ ابن الشجري عن جملة من علماء عصره، أشهرهم: ابن طباطبا العلوي، يحيى بن محمد، صاحب «عيار الشعر» (ت 478هـ) والخطيب التبريزي، يحيى بن علي، صاحب شرح الحماسة وشرح المفضليات (ت 502هـ)، والشريف عمر بن ابراهيم العلوي الزيدي، صاحب شرح اللمع (ت 539هـ).
وكانت لابن الشجري حلقة بجامع المنصور يوم الجمعة يقرئ فيها الأدب والنحو، فكثر تلاميذه والآخذون عنه، ومن أبرزهم: ابن الخشاب النحوي، عبد الله بن أحمد، صاحب كتاب «المرتجل»، ( ت567هـ )، وأبو البركات الأنباري، عبد الرحمن بن محمد صاحب «الإنصاف في مسائل الخلاف بين البصريين والكوفيين» (ت577هـ )، وابن الدباغ، محمد بن الحسين النحوي اللغوي (ت584هـ)، وأبو اليمن الكندي، تاج الدين زيد بن الحسن (ت613هـ).
وقد ذكرت المصادر أن ابن الشجري كان من ذرّية جعفر بن الحسين بن الحسن بن علي بن أبي طالب، فهو حسني علوي، وقد عدّه مؤرخو الشيعة من مشايخ الإمامية وأكابر علمائها، تولى نقابة الطالبيين بالكرخ نيابة عن والده، وهو منصب ديني رفيع يكون لمن يتولاه رعاية شؤون أتباعه وتقسيم الأموال عليهم، وإليه معرفة أنسابهم وحفظها.
وتدل مصنّفاته التي خلّفها على عمق معرفته بعلوم العربية، ولاسيما النحو واللغة وأشعار العرب، وانتهى إلينا منها ثلاثة كتب وبعض الرسائل.
وأعلى مصنفاته بلا ريب كتاب «الأمالي» وهو كتاب كبير الحجم غزير المادة، جعله مؤلفه في أربعة وثمانين مجلساً عرض فيها طائفة من مسائل النحو والصرف والأدب والبلاغة والتاريخ والأخبار.
وجرت عادة المؤلف في هذه الأمالي أن يستفتح مجلسه بذكر مسألة من مسائل النحو والصّرف، أو آية قرآنية أو بيت من الشعر، ثم يلج من ذلك إلى مباحث أخرى يدعو إليها الاستطراد والتداعي.
ويمكن القول: إن مسائل الأمالي ذات ثلاث شعب : مسائل يلقيها من ذات نفسه، وأخرى يجيب بها تلامذته، وثالثة يردّ بها على المسائل التي ترد عليه من البلدان، كالموصل وغيرها.
وعمد ابن الشجري في سرد القواعد والأحكام إلى أخف الألفاظ وأيسرها، وغلب عليه الأسلوب التعليمي في البسط والشرح وتقليب العبارة وكثرة التنظير.
وقد أثنى العلماء على هذا الكتاب، قال الأنباري: «وهو كتاب نفيس كثير الفائدة يشتمل على فنون من علوم الأدب»، وقال ياقوت: «صنف الأمالي وهو أكبر تصانيفه وأمتعها».
وأفاد النحاة وغيرهم من هذا المصنّف، فنقل عنه الأنباري وابن مالك وأبو حيان الأندلسي والمرادي وابن هشام، وقد عوَّل عليه هذا الأخير كثيراً في كتابه «مغني اللبيب» مصرحاً وغير مصرح.
والكتاب الثاني الذي انتهى إلينا هو« الحماسة» وهو من كتب الاختيارات الشعرية، انتقى فيها ابن الشجري مجموعة قصائد ومقطّعات وأبيات على غرار ما في الحماسات الأخرى، ولاسيما حماسة أبي تمام لشعراء الجاهلية وصدر الإسلام والعصرين الأموي والعباسي .وقد أثنى العلماء على هذا الكتاب، حتى قال ابن خلكان: «ضاهى به حماسة أبي تمام الطائي، وهو كتاب غريب مليح، أحسن فيه».
وثالث مصنفاته هو «مختارات ابن الشجري»: جمع فيها خمسين قصيدة مضافاً إليها بعض المقطّعات، وجلّ من اختار لهم جاهليون، ولم تخل هذه المختارات من بعض أخبار الشعراء. أما الرسائل التي انتهت إلينا فهي ردوده على أبي نزار الملقب بملك النحاة، وهي مجموعة رسائل رد بها ابن الشجري على هذا المذكور، وسخر بها من علمه في النحو واللغة، وقد نقل السيوطي في "الأشباه والنظائر" طرفاً منها، وما وراء ذلك لا يعرف عن مؤلفاته سوى أسمائها وأوصافها، فقد ذكر أن له شرحاً على «التصريف الملوكي» لابن جني، وآخر على «اللمع» لابن جني أيضاً، ورداً على انتقادات ابن الخشاب على الأمالي، سمّاه «الانتصار»، قال القفطي: «وهو كتاب على صغر جرمه في غاية الإفادة».
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
المصادر
- نبيل أبو عمشة. "ابن الشّجري (هبة الله بن علي_)". الموسوعة العربية.
للاستزادة
- ابن الشجري، الأمالي، تحقيق محمود محمد الطناحي (مكتبة الخانجي، القاهرة 1992).
- ياقوت الحموي، معجم الأدباء (القاهرة 1335هـ).
- القفطي، إنباه الرواة على أنباه النحاة، تحقيق محمد أبو الفضل ابراهيم (القاهرة 1369هـ).