ذهب ، ولكنه بقي . الراهب فراي تيتو كان حرا ، منفية في فرنسا ، ولكنه ظل معتقلا في البرازيل . كان الأصدقاء يقولون له ما تقوله الخرائط : إن بلاد جلاديه بعيدة ، في الجانب الآخر من المحيط ، ولكن هذا لم يكن ينفع في شيء : فقد كان هو نفسه البلاد التي يعيش فيها جلادوه . كان محكومة بالتكرار اليومي لجحيمه . فكل ما حدث ، يعود للحدوث . خلال أكثر من ثلاث سنوات ، لم يمنحه معذبوه لحظة راحة . في أي مكان يكون فيه ، سواء أكان في أديرة باريس ، أو ليون ، أو في أرياف جنوبي فرنسا ، كانوا يوجهون الركلات إلى بطنه ، وضربات أعقاب البنادق إلى رأسه ، ويطفئون السجائر في جسده العاري ، ويدسون المنخس الكهربائي في أذنيه أو في فمه . ولم يكن يصمت أبدا . لقد فقد فراي تيتو الصمت . وعبثا يتجول باحثا عن مكان ما ، عن ركن في المعبد أو في الأرض ، لا تدوي فيه تلك الصرخات الرهيبة التي لا تتيح له النوم ، ولا تتيح له ترتيل الصلوات التي كانت من قبل مغنطيسه إلى الله . ولم يستطع تحمل المزيد من الأفضل الموت على فقدان الحياة ، كان هذا هو آخر ما كتب ...
أرض تحترق في فجر الثالث عشر من شباط 1991 ، مزقت قنبلتان ذكيتان قاعدة عسكرية تحت الأرض في أحد أحياء بغداد . ولكن القاعدة العسكرية لم تكن قاعدة عسكرية . كانت ملجأ ، يغص بأناس نائمين . وفي ثوان قليلة تحول الملجأ إلى محرقة هائلة . أربعمئة وثمانية مدنيين ماتوا متفحمين . كان بينهم اثنان وخمسون طفلا ، واثنا عشر رضيعا . جسد خالد محمد كله كان قرحة ملتهبة . ظن أنه ميت ، ولكن لا. شق طريقه متلمسا ، وتمكن من الخروج . لم يكن يرى . فقد ألصقت النار جفونه . والعالم لم ير أيضا . فقد كان التلفزيون مشغولا بعرض نماذج جديدة من آلة القتل التي أطلقتها تلك الحرب في السوق.
الأسد والضبع الشعراء وفنانو الريشة والإزميل يحبون الأسد منذ الأزل ، فهو يخفق في الأناشيد الوطنية ، ويرفرف في الرايات ، ويحرس قلاع ومدنا ؛ لكن لم يخطر لأحد قط أن يغني للضبع ، ولا أن يخلده في لوحة على القماش أو في نحت من البرونز . الأسد يمنح اسمه القديسين وباباوات وأباطرة وملوك وأناس عاديين ، ولكن ليس هناك خبر بأن شخصا واحد سمى نفسه أو سمي « ضبع » . وحسب ما يقوله دارسو حياة الحيوانات ، فإن الأسد هولبون لاحم من فصيلة السنوريات . ينصرف الذكر إلى الزئير . وتتولى الإناث الحصول على الطعام ، وجبة من حمير الوحش أو الغزلان ، بينما الذكر ينتظر . وعندما يحضر الطعام ، يأكل الذكر أولا . وما يتبقى تأكله الإناث . وأخيرا ، إذا ما بقي شيء في الطبق ، يأكل الأشبال . أما إذا لم يبق لهم شيء ، فليتخوزقوا . وأما الضبع ، فهو لبون لاحم من فصيلة الضبعيات ، وله عادات أخرى مختلفة. فالسيد الشهم هو من يجلب الطعام ، ويكون هو آخر من يأكل ، بعد أن يأكل الأطفال والسيدات . من أجل مدح شخص نقول : إنه أسد . ولكي نشتمه نقول : إنه ضبع الضبع يضحك . لماذا يضحك يا ترى ؟