أدوات مكتبية
آلات مكتبية Office supplies هي مجموعة الوسائل الميكانيكية والكهربائية والإلكترونية التي تساعد على تنظيم العمل المكتبي والإداري والهندسي وإنجازه بسرعة ودقة وإتقان، كإعداد الوثائق ونسخها وطبعها وتوزيعها وحفظها واسترجاع المعلومات ومعالجتها وتوفير الاتصالات السريعة والمضمونة بين المكاتب والعملاء وغير ذلك مما يدخل في مجال عمل المكاتب والإدارات ودور النشر والمؤسسات والشركات التجارية والصناعية والهندسية الخاصة منها والعامة.
تشمل الآلات المكتبية أنواعاً كثيرة من الأدوات البسيطة والمعقدة ابتداء من قلم الرصاص ومبراة الطاولة وانتهاء بآلات النسخ والتصوير والمحاسبة حتى الحواسيب الشخصية والمركزية.
وقد ازدادت أهمية هذه الآلات بازدياد عبء العمل المكتبي وتنوعه، وارتفاع وتائر العمل وسرعة الاتصالات، وبازدياد حجم المعلومات المتبادلة في مختلف المجالات الاقتصادية والصناعية والسياسية والاجتماعية والعسكرية، مع الميل إلى خفض أعداد العاملين في مجال الإدارة والمكاتب. ولما كان معظم هذه الأعمال راتباً ومتكرراً وفق نماذج ومقاييس محددة فقد اتجه البحث دائماً إلى أنجع الوسائل لإنجازه وأكثرها فاعلية ودقة. وأدى الإقبال على اقتناء مثل هذه الوسائل إلى نشوء صناعة متخصصة تكاد تحتل مكانة متقدمة بين الصناعات الأساسية في كثير من الدول المنتجة، وهي تمد الأسواق باستمرار بأحدث مبتكراتها من الآلات والأجهزة المصممة للعمل المكتبي والإداري. وقد ظلت وسائل مكننة الأعمال المكتبية وأتمتتها قاصرة إلى وقت قريب عن مجاراة التطور السريع في الطاقة الإنتاجية. ففي غضون قرن وثلث (1860-1990) ارتفعت وتائر الإنتاج نحو خمسة عشر ضعفاً بسبب إدخال التقنيات الحديثة، في حين لم ترتفع طاقات العمل الإداري وإمكاناته أكثر من ثلاثة أضعاف في أحسن الأحوال.
التاريخ
إن استعمال الأدوات والآلات المكتبية بمعناه الشامل قديم قدم الكتابة، ولا يعرف على وجه التحديد متى استعمل القلم أو الممحاة أو الريشة أو المداد أو المسطرة أو الفرجار أو المنقلة أو غيرها من أدوات الكتابة والرسم البسيطة. وقد عرف الهنود والعرب والصينيون القدماء المحسب اليدوي واستعملوه على نطاق واسع ومازال استعماله شائعاً إلى اليوم.
إلا أن أهم التطورات التي طرأت على الآلات المكتبية الأكثر تعقيداً تعود إلى القرن التاسع عشر، في حين شهد القرن العشرون ثورة تقنية عارمة شملت الآلات المكتبية كما شملت غيرها من وسائل الإنتاج. وتعزى أسباب هذه التطورات إلى ازدياد حجم الأعمال المكتبية والإدارية وتنوعها، وهي نتيجة مباشرة لظهور المؤسسات الكبرى وازدياد حجم الإنتاج واتساع المبادلات التجارية والاتصالات على المستوى العالمي من جهة، ولسيطرة التطور التقني في الصناعة من جهة أخرى. فقد أتاحت صناعة الآلات والمكنات في منتصف القرن التاسع عشر إمكان إنتاج القطع الضرورية لصنع بعض الأجهزة إنتاجاً غزيراً كالآلات الكاتبة التي ظهرت في الولايات المتحدة الأمريكية أول مرة في سبعينات ذلك القرن. وكان لابد من حل المشاكل التقنية المتعلقة بتسجيل الصوت قبل أن تتمكن الصناعة من إنتاج المسجلات وأجهزة الإملاء المكتبية.
وقد احتاج توماس إديسون إلى اثنتي عشرة سنة منذ تسجيله اختراع الحاكي gramophone سنة 1877 كي يتوصل إلى صنع جهاز مناسب قابل للاستعمال في المكاتب. وكذلك احتاج اختراع التصوير في منتصف القرن التاسع عشر إلى جهد ووقت كبيرين من أجل الوصول إلى أسلوب عملي واقتصادي للتصوير في المكاتب. أما أهم الخطوات التقنية المتطورة فجاءت مع ولادة العلوم الإلكترونية في مطلع القرن العشرين. ويمكن القول إن معظم الآلات المكتبية العصرية وفي طليعتها الحاسوب تعتمد أساساً على تقنيات الإلكترون ابتداء من الصمام الإلكتروني وأنصاف النواقل وانتهاء بالدارات المتكاملة والأجهزة الفائقة الناقلية وما سيأتي به المستقبل.
ولدى النظر فيما بلغته الآلات المكتبية الحديثة من أناقة وتعقيد وسرعة إنتاج، إلى جانب ما تحظى به من اهتمام وما أنفق عليها من أموال في مختلف أرجاء العالم، يتبين أن قسماً كبيراً من الدراسات انصب على تقصي الفائدة والجدوى الاقتصادية من اقتناء مثل هذه الآلات. وقد تبدى ذلك في ثلاثة اتجاهات رئيسة.
أولها السعي إلى اختصار اليد العاملة في الإدارة والمكاتب مع ما يقابل ذلك من مشكلات إعادة التدريب والنهوض بالمستوى التقني للعاملين، وتأثير استخدام مثل هذه الآلات فيهم. وثانيها سرعة الإنجاز ودقته مع ما يقابله من ضخامة في حجم العمل وتعقيد في نوعيته، وثالثها ضمان استمرار العمل بهذه الآلات وأمن المعلومات وسريتها.
ومما لا شك فيه أن استخدام الآلات المكتبية يساعد كثيراً على زيادة إنتاجية العمل الإداري وفاعلية الإدارة وسيطرتها على سير العمل في المؤسسات المعنية، وينعكس ذلك حكماً على الطاقة الإنتاجية للمؤسسة كلها. وقد ازدادت أهمية هذه الآلات في ظل الثورة العلمية التقنية المعاصرة. وإذا ما استخدمت وسائل العمل المكتبي الاستخدام الأمثل والمتواتر فإن القدرة الإنتاجية للإدارة تزداد بما لا يقل عن 10 - 15%، كما تزداد قدرات العاملين فيها بنسبة 80 - 100%. فأعمال الإدارة والقيادة والتخطيط تعتمد اعتماداً كبيراً على معالجة المعلومات التي تعد الوثائق مرجعاً أساسياً لها، لذا فإن مكننة الأعمال الكبيرة الحجم التي تتطلب جهداً معيناً كإعداد الوثائق ونسخها وطبعها ومعالجتها وحفظها واستعادتها تعطي نتائج ملموسة تماماً.
وتصنف الآلات المكتبية عادة في زمرتين. تضم الزمرة الأولى الوسائل التي تستعمل في إعداد الوثائق وطبعها ونسخها كالآلات الكاتبة بأنواعها والمسجلات وأجهزة الإملاء والنسخ آلات التصوير السريع وغيرها. وتضم الزمرة الثانية وسائل معالجة المعطيات والمحاسبة والإحصاء وحفظ المعلومات كآلات تسجيل النقد والآلات الحاسبة، وأجهزة التصنيف والجدولة والحواسيب، وشاشات العرض والطابعات المثقِّبة والنقطية والليزرية وغيرها، وكلها وسائل ذات منظومات دقيقة وسريعة، وتستطيع معالجة كمية هائلة من المعلومات في وقت قصير وتوفر على مستثمريها ما لا يقل عن 30 - 40% من الجهد والوقت. ويضاف إلى هاتين الزمرتين صنوف أخرى من الآلات المكتبية التي لا يمكن درجها تحت أي زمرة منهما مثل فارزات النقود المؤتمتة وفارزات الرسائل ومَكِنات البيع والتسلية المؤتمتة وغيرها.
آلات الكتابة والنسخ
- مقالة مفصلة: آلة كاتبة
ينتمي إلى آلات الكتابة والنسخ كل من الآلات الكاتبة بأنواعها وآلات التسجيل والتدوين وآلات النسخ وآلات تصوير الوثائق.
الآلة الكاتبة «الراقنة»
هي مكنة تطبع النص فتسم على الورق كل حرف من حروفه منفرداً بوساطة مطارق ذات أذرع تحمل حروف الطباعة والأرقام وعلامات التنقيط نافرة. ومع أن الآلة الكاتبة الحديثة تضم آلاف القطع فهي لا تختلف في مبدأ عملها وقطعها عن الآلات التقليدية إلا في بعض الميزات والخصائص ونوع الحرف. والقطع الرئيسية في الآلات الكاتبة قياسية وترتيبها متفق عليه بين الشركات الصانعة، وعملياتها الأساسية بسيطة نسبياً.
تتألف الآلة الكاتبة التقليدية من جسم يحمل لوحة مفاتيح (أزرار) وسلة حروف، وعربة تحمل أسطوانات تتحرك أفقياً على سكة ثابتة في الجسم أمام سلة الحروف، ولها آلية تحركها وتمسك الورقة وترفعها سطراً فسطراً.
تتألف سلة الحروف (كتلة الحروف) من مجموعة مطارق متمفصلة مع لوحة المفاتيح بوصلات وعتلات ونوابض تحركها وتعيدها إلى وضعها الأصلي، وتحمل كل مطرقة زوجين من الحروف أو الأرقام أو العلامات الأخرى المتعارف عليها في الطباعة. تُصف المطارق الواحدة بحذاء الأخرى بترتيب محدد تماماً وعلى هيئة قوس لتؤلف معاً قطاعاً نصف دائري يشبه السلة. وتركب هذه السلة على الجسم بطريقة تجعلها قابلة للرفع والخفض بوساطة مفتاح تحكم في لوحة المفاتيح. وقد تزود بعض الآلات الكاتبة ولاسيما الكهربائية منها برأس كروي أو أسطواني أو قرص يحمل الحروف نافرة بدلاً من سلة الحروف. وتدور المطرقة و الرأس أو القرص عند الضغط على أحد المفاتيح بحيث يأتي الحرف المطلوب قبالة الورقة ويضربها ويترك سِمَتَه (بَصمَتَه) عليها بوساطة شريط للتحبير.
أما لوحة المفاتيح فتضم 42 - 46 مفتاحاً تحرك المطارق أو الرأس أو القرص مع الحروف التي يبلغ مجموعها 84 - 92 شكلاً (حرف أو رقم أو علامة). وفي اللوحة مفاتيح أخرى تتحكم في كتلة الحروف وفي الفراغ بين كل حرفين أو كلمتين وفي حركة العربة وحركة شريط التحبير.
عندما يضغط ضارب الآلة الكاتبة المفتاح المطلوب تتحرك القطع المناسبة حتى يبلغ الحرف نقطة الطبع ويضرب الورقة من خلال شريط تحبير قماشي مشرب بحبر خاص أو بطبقة من مسحوق الفحم يدخل بين الحرف والورقة لحظة الضرب. وبعد عودة الحرف إلى موضعه الأصلي ينخفض الشريط ليتيح للضارب رؤية الوسم على الورقة. وفي الآلة الكاتبة الكهربائية تكفي لمسة خفيفة على المفتاح لتشغيل آلية الطبع بوساطة محرك كهربائي ومن حسناتها أن الطباعة لا تتأثر بدرجة الضغط على الحرف. وتختلف سرعة الضرب على الآلة الكاتبة باختلاف نوعها (يدوية أو كهربائية) وطرازها ومهارة الضارب عليها، وقد تبلغ السرعة 7 - 10 علامات في الثانية الواحدة.
أ ـ تاريخ الآلة الكاتبة: شهد القرن السادس عشر أولى محاولات مكننة أعمال الكتابة في أوربة. إلا أن أول آلة صنعت للكتابة على الورق كانت من اختراع مهندس إنكليزي اسمه هنري ميل Henry Mill سنة 1714م، ولا يعرف عن هذه الآلة سوى القليل. وفي سنة 1829 سجّل أمريكي يدعى وليم أوستن بيرت William Austen Burt آلة دعاها راسمة الحروف Typographer. وكانت على شكل صندوق على أحد وجوه ما يشبه الساعة مع مؤشر يدل على كمية الورق في الصندوق، وثمة ذراع في الأعلى يمكن تدويره فيأتي الحرف المطلوب أمام الورقة. وبالضغط على الحرف بعد تحبيره بمحبرة من لباد يظهَر الوسم على الورقة.
وبعد بضع سنين أي في سنة 1833 سجل الفرنسي كْسافْيه بروجان Xavier Projean آلة ذات لوحة مفاتيح يدوية كانت الأولى من نوعها، وتبعه تشارلز ثوربر Charles Thurber من روشستر في إنكلترة فصنع آلة سنة 1843 سماها «الماكنة الطابعة» Printing Machine وكانت على شكل دولاب دوار يحمل حروفاً تطبع على الورق بالضغط على الحرف عمودياً. وفي سنة 1850 سجل جون فيربانك John B. Fairbanck آلة جديدة سماها الكاتب اللفظي Phonetic Writer وهي أول آلة كاتبة ذات مفاتيح تشبه مفاتيح لوحة البيانو ولها شريط محبر بدلاً من أسطوانة تحبير. أما أشهر الآلات الكاتبة القديمة فهي تلك التي صممها عام 1868 ثلاثة من الأمريكيين هم كريستوفر لاثام شولس Christopher Latham Sholes وكارلوس غليدن Carlos Gliden و[[صمويل سوله Samuel W. Soulé وهي آلة كاتبة ذات مطارق (أذرع) تحتية تطبع الحرف تحت الأسطوانة، وتعد الآلة الأم لجميع الآلات الكاتبة العمياء. وقد أدخل الأمريكي جيمس دنسمور James Densmore تحسينات كثيرة على آلة شولس هذه عام 1872، واتفق مع فيلو رِمنگتون Philo Remington على إنتاجها صناعياً، وعرضت أول آلة رمنگتون على الجمهور سنة 1874، وكان القسم الخلفي من إطار عربة آلة رمنغتون مثبتاً بمفصلات تسمح برفع العربة إلى أعلى لرؤية ما تم طبعه ثم تعاد العربة إلى وضعها بوساطة مِدوَسٍ على الأرض تحت الآلة. وآلة رمنگتون الكاتبة هي أول نموذج يحمل الترتيبات المتعارف عليها اليوم في لوحة المفاتيح. وقد أحدث إنتاجها تبدلاً كبيراً في طرائق عمل رجال الأعمال الأمريكيين. وفي عام 1892سجل رجل يدعى توماس أوليڤر Thomas Oliver آلة كاتبة عرفت باسمه، وكانت أول آلة عملية تطبع طباعة مرئية ولها مطارق مزدوجة الحروف مرتبة في صفين مائلين على جانبي نقطة الطبع. وثمة آلة أخرى تبنت مبدأ الطبع المرئي سجلها فرانز واگنر Franz Wagner سنة 1893 واشترى ترخيصها جون أندروود John Underwood مؤسس شركة أندروود لصناعة الآلات الكاتبة (1895). وفي سنة 1904 صنع أربعة أخوة من أسرة سميث آلة كاتبة حملت اسمهم Smith and Bros. وتطبع حروفاً مرئية ولها سلة قابلة للرفع لطبع حروف أول الكلام (الحروف الكبيرة)، أمّا الآلة الأم للآلات الكاتبة الحديثة فهي من صنع الإخوة سميث أيضاً وتعرف باسم سميث الأولى Smith Premier وكانت لها لوحتا مفاتيح واحدة للحروف الكبيرة والثانية للحروف الصغيرة.
في بداية القرن العشرين شرع كل من إدوارد هس Edward B. Hess ول.س مَيرز L.S.Meyers في تجاربهما لإدخال تحسينات على الآلات الكاتبة واستطاعا بجهودهما وبتمويل من توماس ريان Thomas Fotune Ryan صنع آلة رويال Royal سنة 1906، ذات التصميم المبتكر، وقد زودت هذه الآلة بمطارق ذات مُسرِّعات تخفف من الاحتكاك. وفي عام 1908، بعد تجارب استغرقت سنوات، أنتجت شركة الآلات الكاتبة الصامتة آلة كتيمة الصوت نسبياً حملت اسمها، وبعد تحسينات كثيرة اشترى جيمس راند James Rand حقوق صنع هذه الآلة وضمها إلى منتجات شركة رمنگتون ـ راند المحدودة Remington-Rand inc. ومنح حقوق الصنع لشركة أندروود. ولكن هذه الآلة لم تحظ بالإقبال الذي حظيت به الآلة الكاتبة العادية منذ استعمالها. وفي سنة 1914 دخلت السوق الأمريكية والأوربية آلة وودستوك Woodstock التي أنتجتها شركة آلن الأمريكية Alen.cor. كما شرعت، في الوقت نفسه، بعض الدول الأوربية تطور آلات كاتبة من صنعها حتى بلغت المئات، وأشهرها اليوم أندروود ـ أوليفيتي الإيطالية Underwood-Olivetti وأولمبيا Olympia وآدلر Adler وتريومف Triumph الألمانية وفاسيت Facit السويدية وتنتجها البرازيل أيضاً بترخيص من الشركة صاحبة الاسم، وموسكو Moscow وأوكرانيا Ukrania وهوريزونت Horisont الروسية وغيرها.
الآلة الكاتبة السهلة الحمل
لم تحظ الآلات الكاتبة السهلة الحمل the portable typewriter باهتمام رجال الأعمال حتى عام 1912، عندما أنتجت شركة كورونا Corona الأمريكية نموذجاً يتبنى مبدأ المطارق حاملة الحروف. ولم يشتد الطلب على الآلات الشخصية الخفيفة إلا بعد أن شاع استخدام الآلات الكاتبة الكبيرة في المكاتب، وصار المستثمرون يطلبون آلات أصغر حجماً يمكن اصطحابها في أسفارهم وتنقلاتهم، ولها كل الميزات العملية الرئيسة التي للنماذج الكبيرة. وجهد أصحاب المصانع من أجل تلبية هذا المطلب، واشتهرت أربع شركات كبرى في الولايات المتحدة بإنتاج مثل هذه الآلات هي رمنغتون ـ براند، وسميث ـ كورونا، وأندروود ـ إيليوت ـ فيشر، ورويال. وتزايد الإقبال على الآلات الكاتبة السهلة الحمل بمرور السنين مع إدخال تحسينات ومبتكرات كثيرة عليها كمفتاح تحديد الهوامش الأتماتي، ومفتاح الحقول والمسطرة، وأخيراً استخدام الكهرباء. إن كل شركة من الشركات التي تهتم بصناعة الآلات الكاتبة في العالم تنتج اليوم واحدة سهلة الحمل تختص بها.
الآلة الكاتبة الكهربائية
مع أن توماس إديسون كان أول من سجل اختراع آلة كاتبة كهربائية the electric typewriter باسمه سنة 1872 فإن استعمال الطاقة الكهربائية في الآلات الكاتبة لم يتم عملياً إلا في أوائل القرن العشرين حين أنتجت الشركة الألمانية بليكنسدرفر Blickensderfer نموذجاً كهربائياً سنة 1908. ثم عرض الصناعي الألماني مرسيدس نموذجاً لآلة كاتبة تعمل بالكهرباء سنة 1921. وفي هذه الحقبة أيضاً أنتجت شركة وودستوك الأمريكية آلة كاتبة كهربائية تخصها، وتبعتها في ذلك شركة كهرباء الشمال الشرقي Northeast Electric Co.. فأنتجت آلة أطلقت عليها اسم إلكتروماتيك Electromatic واشترت امتيازها سنة 1932 شركة المكنات التجارية العالمية (آي.بي.إم) International Buisness Machines )IBM) وطرحت في الأسواق آلتها الشهيرة آي.بي.إم إلكتروماتيك IBM Electromatic. وكانت جميع هذه النماذج تستخدم الطاقة الكهربائية لتحريك المطارق وإعادة العربة باستثناء آلة وودستوك التي تعمل مطارقها فقط بالكهرباء.
لم تحظ الآلات الكاتبة الكهربائية باهتمام رجال الأعمال حتى الحرب العالمية الثانية لأن حجم الأعمال الورقية في المكاتب لم يكن كبيراً إلى درجة تسوغ اقتناء آلة كاتبة باهظة التكلفة، كما أن النماذج الأولى منها كانت ذات عيوب ميكانيكية كثيرة فلا يمكن الإفادة من ميزاتها كاملة.
ومع ازدياد حجم العمل بعد الحرب ازدياداً كبيراً وإدخال تحسينات مهمة على الآلات الكاتبة الكهربائية ازداد إقبال الناس عليها، وسارعت شركة أندروود سنة 1947 وشركة رمنغتون ـ راند سنة 1948 إلى إنتاج آلات كاتبة كهربائية. أما شركة رويال فعرضت أول آلة كهربائية لها سنة 1950، وأنتجت شركة سميث ـ كورونا أول آلة كهربائية لها عام 1954. وفي سنة 1961 أنتجت شركة آي.بي.إم آلة كهربائية ذات ميكانيكية مبتكرة تعتمد المبدأ الذي تبنته شركة هاموند وبليكنسدرفر في أواخر القرن التاسع عشر، ودعيت هذه الآلة الجديدة سيلكتريك Selectric (أي الناخب الكهربائي)، وزودت برأس طبع كروي بدلاً من المطارق التقليدية الحاملة للحروف، كما زودت بحامل ورق ثابت يتحرك الرأس أمامه أفقياً بدلاً من العربة المتحركة. ويزداد اليوم الطلب على الآلات الكاتبة الكهربائية لسرعة عملها وخفة ملامسها وتماثل ضغط الحروف على الورق، وتنوع مفاتيح التحكم المؤتمتة فيها، إلى جانب ميزات أخرى كثيرة قد تتوافر فيها كاستخدام الشريط الكربوني ضمن عبوة سهلة التركيب والنزع، واستعمال عدة رؤوس قابلة للفك مختلفة أشكال الحروف، وإمكان تزويد الآلة بشريط محي، وذاكرة صغيرة لتصحيح الطبع، وإمكان استعمال الآلة الواحدة للطبع بأكثر من لفة وغير ذلك.
الطابعات المؤتمتة
أوجبت الحاجة وزيادة حجم العمل في المكاتب ضرورة إيجاد جهاز يمكنه إعداد نسخ مطبوعة أصلية من رسالة أو نص على جناح السرعة. وكانت أول آلة صنعت لتلبية هذا المطلب طابعة أتماتية automatic typing machines تحمل اسم هوڤن Hooven وتشبه في عملها البيانو الآلي (المؤتمت). فتقوم آلة تثقيب بترميز النص على شكل ثقوب في شريط ورقي بدلاً من طبعه على الورق وتعيد نسخه كلما أريد ذلك. واستطاعت هذه الآلة أن تحوز مكانة مرموقة في عالم رجال الأعمال على ضخامتها وتعقيدها. وفي سنة 1927 أدخلت تحسينات على ميكانيكية البيانو الآلي بعد تركيبه على طاولة آلة كاتبة وعرضته شركة شولز Schulz Player Piano Co. باسم الطابع الأتماتي auto-typist. وقد تميز هذا الطابع الأتماتي عن آلة هوفن ببساطة تصميمه وقلة ضجيجه وسهولة استعماله في المكاتب، وقامت شركة الطابعات المؤتمتة Automatic Typewriter Co. بتحسين هذه الآلة.
وقد ازداد طلب القوات المسلحة للأطراف المتحاربة في أثناء الحرب العالمية الثانية على مثل هذه الآلات فأنتج في أمريكا جهاز مؤتمت دعي باسم فلكسورايتر Flexowriter (أي الكاتب المرن) ويستخدم مبدأ التثقيب أيضاً، وأقبل عليه رجال الأعمال بعد الحرب. وكان فرانك كارلسون Frank Carlson وهو ميكانيكي من شيكاغو قد صمم في عام 1935 جهازاً أقل ضجيجاً وأصغر حجماً سماه روبوتايبر Robotyper (أي الطابع الآلي) أنتجته شركة الآلات التجارية الأتماتية المحدودة Automatic Business Machines Incorp. ولاقى قبولاً حسناً آنئذٍ، إلا أن أعباء الحرب أدت إلى توقف الشركة عن العمل، ثم عادت إلى إنتاج هذا الجهاز بعد الحرب شركة حملت اسمه وأدخلت تحسينات كثيرة عليه. وفي سنة 1960 أنتجت شركة «رويال ماك بي» الأمريكية Royal Mc Bee Co. طابعة مؤتمتة جديدة سميت الطابعة رويال Royal Typer وكانت صغيرة الحجم ذات منظومة واحدة تجمع بين التثقيب وقراءة الشريط وإعادة طبعه يدوياً وأتماتياً، وهي تنتج شريطاً مثقباً مع طبع النص على الورق في آن واحد. وكان في وسع العامل على الطابعة المؤتمتة الحديثة وقتئذ أن ينتج 125 رسالة، كما كان يستطيع رفع إنتاجه إلى 500 رسالة باستخدام أربع آلات منها دفعة واحدة. وقد تستخدم بعض الطابعات المؤتمتة شريطاً ممغنطاً خاصاً لتسجيل النص قبل طبعه، ويمكن عند الحاجة إيقاف الآلة لإدخال أرقام أو أسماء أو تواريخ غير موجودة في النص الأصلي أو تعديلها.
وفي الستينات من القرن العشرين أصبح بالإمكان تزويد هذه الآلات بذاكرة صغيرة أو ربطها بحاسوب مبرمج سلفاً يتولى إدخال المعطيات الفردية على نماذج الرسائل والنصوص المعدة للطبع.
هـ ـ الأثر الاجتماعي للآلة الكاتبة: حصلت النساء باختراع الآلة الكاتبة على وسيلة تحررهن من القيود الضيقة التي كن فيها، في عالم البيت، أو في مجالهن المهني الذي كان مقصوراً على التعليم والتمريض والخياطة والتطريز، فقد فتحت الآلة الكاتبة الباب واسعاً أمام النساء لدخول عالم الأعمال. وفي ميدان التعليم أدى استخدام الآلة الكاتبة وتبني منظومة الملامس في الضرب على الآلة الكاتبة إلى إيجاد مدارس لتعليم الضرب على الآلة الكاتبة ومعاهد سكرتارية وتجارة وتدريب مهني، إلى جانب إدخال مناهج التدريب المهني إلى المدارس العامة. ويدين عالم رجال الأعمال اليوم بقسم كبير من طاقاته وتعامله الورقي الكبير الحجم إلى الآلة الكاتبة بما تقدمه من تسهيلات تختصر الوقت والجهد، ولا يكاد يوجد مكتب عمل واحد حديث يخلو من آلة كاتبة وأمين للسر (سكرتير).
آلات التسجيل الإملائي والتدوين
- مقالة مفصلة: آلة النسخ
تستعمل آلات التسجيل الإملائي والتدوين dictating and transcribing machines لتخزين النصوص المراد إملاؤها شفهياً. ومن ثم استرجاع تلك النصوص عند الحاجة، ويتم التسجيل عادة على أقراص أو أشرطة ممغنطة يمكن رفعها بعد التسجيل وحفظها، أما التدوين فيكون بإعادة قراءة النص على جهاز منفصل بحيث يمكن لضارب آلة كاتبة طبعه على الورق، أو يتولى جهاز التدوين نقل النص على شريط يمكن تركيبه على طابعة مؤتمتة تتولى طبعه تلقائياً، وقد يجمع جهاز التسجيل وجهاز التدوين في وحدة واحدة قابلة للحمل أو النقل، وفي هذه الحال يمكن أن يتم التدوين والطبع على الورق في آن واحد مع عملية الإملاء. وتستعمل اليوم في المؤسسات الكبيرة منظومات مركزية تربط بين هواتف العمل في المكاتب أو ميكروفونات المستثمرين ومصرف مركزي يضم آلات التسجيل والتدوين وطابعات مؤتمتة. وتتهيأ بذلك أوضاع اقتصادية مثالية تحقق وفراً بعدد العاملين والآلات المستعملة ويختصر حجم تداول الرسائل يدوياً. وإذا كانت الترتيبات المتبعة جيدة يمكن للمستثمرين إملاء النصوص التي يريدونها عن طريق هواتف خاصة مثبتة في مكاتبهم وإعادة الاستماع إليها كلياً أو جزئياً وتعديل بعض فقراتها ثم الموافقة على طبعها بالضغط على زر خاص، ويتوهج مصباح تنبيه أحمر في الجهاز المركزي عند المشرف في أثناء عملية الطبع ويكف عن التوهج عند الانتهاء. وتحل تدريجياً محل هذه المنظومات شبكات الحواسيب المركزية المربوطة بطابعات وشاشات طرفية تمكن المستثمر من قراءة النص والتحقق منه على الشاشة قبل الموافقة على طبعه وإرساله. وتستطيع هذه المنظومات تسجيل أي مكالمة ترد إليها سواء من داخل المؤسسة أو من هاتف خارجي ولو تم ذلك خارج أوقات العمل، وهذا ما يسمى بالبريد الإلكتروني Elec. Mail.
3 ـ آلات النسخ: إن أول آلة للنسخ اخترعها الإنسان هي الأختام الأسطوانية الحجرية التي استخدمت في حضارات الشرق القديمة في شمالي سورية وبلاد الرافدين ومصر منذ الألف الأولى قبل الميلاد لطبع النصوص على الرُقُم الغضارية. وشاع بعد ذلك استعمال القماش المبلل لنسخ الكتب أو الرسائل المكتوبة بحبر النسخ الصمغي. كما استعمل الخشب المنقور والمفرغ والنسيج الحريري المعالج بالجص لنسخ الصور والنصوص على الجدران والنُصُب وغيرها. وما يزال بعض هذه الأساليب وما يماثلها مستعملاً إلى هذا اليوم، وربما عُدَّ نوعاً من الفنون الجميلة كالطبع بالحجر lythography. ويمكن تصنيف أساليب النسخ الحديثة بحسب الوسائل والآلات المستخدمة والمبدأ المطبق في استخدامها، ومنها النسخ بالروسم (الاستنسل) stencil وبالنضح hectograph وبالأوفست offset وبالختم أو البصم imprinting، ومنها النسخ الضوئي والنسخ التصويري والنسخ بالرسم الكهربائي والنسخ الإلكتروني والنسخ الحراري. واختيار أسلوب النسخ مرهون بعدد النسخ المطلوبة ومهلة إعدادها ونوعيتها وتكاليفها. ومهما يكن الأسلوب المتبع فإن آلات النسخ جميعها تحتاج إلى أصل أو نسخة أساس توضع في الآلة الناسخة للحصول على عدد النسخ المطلوبة. والجدير بالذكر هنا أن الآلة الكاتبة لا تعد من آلات النسخ لأن النُسخ التي يتم الحصول عليها لا تنسخ عن الأصل بل تطبع في آن واحد معه بوضع ورق مطلي بالفحم (الكربون) بين الورقات البيض التي يطبع عليها النص.
أ ـ النسخ بالروسم أو المُهرَق (ورق الحرير): يعتمد النسخ بالروسم مبدأ طبع عدد من النسخ عن أصل أو نسخة أساس تم إعداد أحدهما على طُرس من ألياف الحرير، مطلي بطبقة كتيمة من الشمع يدعى ورقة الروسم أو ورقة الحرير ويطبع النص المطلوب على ورقة الروسم الحريرية هذه على الآلة الكاتبة بعد إزاحة شريط التحبير، فتتولى حروف الطباعة النافرة إزالة الشمع عن الألياف في مكان سقوطها وتترك عليها أثراً نافذاً للحبر. وإذا ما ارتكب الطابع خطأ في أثناء طباعة النص، يمكن تلافي ذلك الخطأ بوضع طلاء شمعي يدعى المصحح، ثم يعاد الطبع في مكان التصحيح، كما يمكن رسم الأشكال والكتابة والتوقيع باليد على ورقة الروسم باستعمال قلم معدني مدبب الرأس.
وثمة آلة تدعى «ناقل الصور» تستعمل لنقل صورة النص بتفصيلاتها على ورقة الروسم الحريرية عوضاً عن استخدام الآلة الكاتبة، وهي تتألف من أسطوانتين مركبتين على محور واحد يديرهما محرك صغير، تحمل إحداهما ورقة النص الأصلي وتحمل الثانية ورقة الروسم. وفي مقابل الأسطوانة الأولى عدسة ضوئية تلتقط النص نقطة نقطة وترسل رمزها إلى إبرة متحركة ترسم على ورقة الروسم ما تراه العدسة.
أما آلة النسخ بالروسم فتشبه مطبعة يدوية صغيرة تضم أسطوانة جوفاء يطلى سطحها بحبر لزج وتلصق ورقة الروسم عليه، ثم يمرر الورق بينها وبين دحاريج أسطوانية ضاغطة فيتسرب الحبر من شبكة ألياف الحرير التي تحمل رموز الحروف وأزيل الشمع عنها إلى الورقة البيضاء معطياً نسخة طبق الأصل. وقد تضم آلة النسخ أسطوانتين للتحبير يلف عليهما شبك من ألياف الحرير تثبت عليه ورقة الروسم وتتولى دحروجتان من المطاط توزيع الحبر على الأسطوانتين بالتساوي، كما تقوم دحروجة ثالثة بضغط الورقة البيضاء إلى ورقة الروسم لطبع النص. ويمكن بهذه الطريقة الحصول على نحو 5000 نسخة طبق الأصل باستعمال ورقة الروسم نفسها مرة واحدة أو عدة مرات بحسب الحاجة.
ب ـ النسخ بالنضح: ثمة نوعان من آلات النسخ بالنضح يعتمد أحدهما استخدام الهلام اللدن، ويعتمد الثاني استخدام الغول (الكحول)، وكلاهما أصبح نادر الاستعمال اليوم. أما النوع الأول فأساسه إعداد نسخة أصل من ورق خاص يطبع عليها النص بوساطة شريط تحبير أو يكتب بقلم نسخ خاص بألوان مختلفة، ثم يضغط وجه الورقة الأصل على سطح هلامي لدن سبق ترطيبه فينطبع النص على هذا السطح معكوساً، وإذا ضغطت ورقة بيضاء على ذلك السطح ينطبع النص عليها صحيحاً بألوانه. والآلات التي تستعمل في هذه الطريقة تشبه آلة النسخ بالروسم ولكن عدد النسخ التي تنتج بهذه الطريقة لا يمكن أن يزيد على 200 نسخة.
أما النوع الثاني من النسخ بالنضح فيمكنه نسخ أي نص مطبوع على الآلة الكاتبة أو طابعات الحواسيب أو من قبيلها. فتثبت ورقة النص الأصلي على أسطوانة دوارة في آلة النسخ وتمرر عليها الأوراق البيضاء بعد تشريبها بنوع خاص من الكحول (الغول)، فينحل بعض الكربون الذي تحويه كلمات النص المطبوع ورسومه، وينطبع أثرها على الورقة البيضاء لتخرج نسخاً مماثلة للأصل. ويمكن أن يكون الأصل ملوناً في هذه الطريقة أيضاً كما في النوع الأول، إلا أن لهذه الطريقة ميزة إمكان إضافة معلومات أو إلغائها في الأصل بعد إعداده. كما يمكن استعمال نصوص طُبعت مباشرة على الآلة الكاتبة أو نسخ من نصوص أعدت بالناسخ الحراري. أما عدد النسخ التي يمكن إنتاجها بالنضح الكحولي فلا يتجاوز 300 نسخة.
ج ـ النسخ بالأوفست: تتطلب طريقة النسخ هذه إعداد نسخة الأصل على لوح معدني رقيق بالتثبيت الكيمياوي أو باستعمال ورق لدائني خاص يطبع أو يكتب عليه. يثبت الأصل على أسطوانة آلة طابعة دوارة ويُحبّر ويمرر عليه سطح وسيط مطاطي فتنطبع آثار النص على هذا السطح معكوسة، فإذا طبقت ورقة بيضاء على السطح المطاطي مع الضغط يمكن الحصول على نسخة طبق الأصل. وتعتمد هذه الطريقة مبدأ عدم اختلاط الزيت بالماء، إذ ترطب صفحة اللوح الأصل بالماء فتقبله المساحات الخالية من النص المرسوم عليه وترفضه المساحات المعالجة التي تحمل أثر النص. وعندما يطلى اللوح بحبر دهني القوام يعلق الحبر على المساحات المعالجة الخالية من الماء، وعند مرور الورق فوق السطح ينتقل إليه الحبر والماء بترتيبهما السابق ويجف الماء ويبقى الحبر مرسوماً على الورق. ومن ميزات النسخ بالأوفست إمكان إنتاج آلاف النسخ بأوقات متباعدة لتوافر إمكان حفظ ألواح الأصل مدة طويلة وإعادة استعمالها، كما يمكن نسخ الصور بالأسلوب نفسه. وتتوافر تجارياً آلات نسخ مكتبية بطريقة الأوفست صغيرة الحجم لا تشغل حيزاً كبيراً [ر. الأوفست].
د ـ النسخ بالبصم: يلجأ إلى هذا الأسلوب عادة لنسخ نصوص أو رسوم صغيرة الحجم محدودة المساحة كالعنوانات التي تطبع على غلف الرسائل أو العبارات التي تطبع على النماذج وما شاكلها. وثمة ثلاث طرائق أساسية يمكن اتّباعها في أسلوب النسخ بالبصم، تعتمد أولاهما استعمال بطاقات أصل على مبدأ النضح بالكحول، وتعتمد الثانية استعمال بطاقات الروسم، وتعتمد الثالثة لويحات معدنية أو لدائنية محفورة.
تجهز بطاقات الأصل في طريقة النضح بالكحول ويطبع النص عليها بفحم خاص ثم ترطب الغُلُف والنماذج بمحلول وسيط وتبصم البطاقات عليها كالأختام، ويمكن بهذه الطريقة نسخ نحو 250 نسخة عن البطاقة الواحدة. أما البطاقات ـ الروسم فتتألف من نسيج ورق الحرير الآنف الذكر المثبت في إطار حامل، ويطبع النص المطلوب على هذه البطاقة أو يكتب كما هي الحال في النسخ بالروسم، ثم توضع البطاقات المعدة في درج خاص يثبت على آلة عنونة الرسائل، وتتولى الآلة طبع نص كل بطاقة على الغلاف أو النموذج المطلوب أتماتياً ثم تفرزها إلى علبة جانبية، وتنضد الغُلُف المطبوعة في مجموعة واحدة. أما اللويحات المعدنية أو اللدائنية فتجهز باستعمال آلة خاصة تدفع النص على تلك اللويحات بحروف نافرة، ثم توضع اللويحات في آلة العنونة التي تبصم أتماتياً نصوص اللويحات على المغلفات بوساطة شريط تحبير وبسرعة كبيرة. وتختص هذه الطريقة بإمكان استعمال اللوحات لآجال طويلة.
وآلات العنونة هي الآلات الأكثر شيوعاً واستعمالاً من بين آلات النسخ بالبصم. فهي تطبع العنوانات على البطاقات البريدية وبطاقات الشحن وبطاقات التسعرة، كما تستعمل على نطاق واسع لدفع «الشيكات» والصكوك وأوامر الإنتاج وبطاقات الدوام والطلبيات والبرامج اليومية وبيانات الحركة وفواتير الضرائب، وغيرها في المصارف والشركات والمعامل. وإذا ما أضيفت إلى هذه الآلات أجزاء أو وصلات إضافية مصممة لغايات معينة تصبح إمكانات الإفادة منها أكبر. فإذا أضيف «ناخب» selector إلى آلة عنونة يمكن تمرير بطاقات أو لويحات معينة من دون دفع، وتوجيه البريد إلى جهات مختارة من دون غيرها، كما أن إضافة جهاز قطع خاص يمكن من دفع معطيات مختارة، ويمكن لجهاز التكرار الذي يلحق بآلة العنونة أن يدفع معطيات معينة أكثر من مرة في عملية واحدة. أما جهاز التأريخ فيطبع التاريخ على البطاقات التي تمر فيه إلى جانب بقية المعطيات، ويستخدم على نطاق واسع في إعداد الرسائل وعنونتها، وكذلك يمكن استخدام هذه الآلات في فرز الرسائل وإضافة ما يلزم من معلومات عليها. وإن تثقيب اللويحات في أماكن محددة منها يساعد جهاز إحساس في ترجمة المعلومات المطلوبة وتسجيلها في قوائم معينة. وأفضل مثال على ذلك استخدام هذه الأجهزة في إعداد جداول الرواتب و«فواتير» المحاسبة، وقد بدأت هذه الأجهزة تتخلى عن مكانتها هذه أمام تطور الحواسيب الإلكترونية وطابعاتها وبرامجها.
آلات تصوير
- مقالة مفصلة: آلة تصوير
4 ـ آلات تصوير الوثائق: ثمة أنماط كثيرة أساسية من آلات تصوير الوثائق copying machines المتخصصة بنسخ الوثائق، وفي مقدمتها آلات النسخ التصويري photocop وآلات التصوير الضوئي وآلات النسخ الحراري thermography، وآلات النسخ الكهرستاتي electrostatic copy، وآلات نقل الصور وإرسالها facsimile transmition. وتختص هذه الآلات جميعها بأنها لا تتطلب إعداد نسخة أساس لعملية النسخ، ويمكنها نقل الصورة عن الأصل مباشرة. وبعض هذه الآلات مؤتمت صغير الحجم سهل الاستعمال سريع الإنتاج استطاع أن يزاحم آلات النسخ بالروسم وبالنضح حتى حل محلها.
أ ـ آلات النسخ التصويري: كان التصوير سابقاً يقوم على صنع «سلبية» عن الأصل ثم صنع «صورة موجبة» عن السلبية. ثم طرأت تطورات وتعديلات كثيرة على استعمالات الإضاءة في التصوير واستعمال المرايا العاكسة أدت إلى تبسيط هذه العمليات. وأكثرها شيوعاً اليوم نقل صورة بانتثار الضوء diffusion transfer، ونقل الصورة بمواد صابغة dye transfer، ونقل الصورة بالفحم الآزوتي diazo وهذه كلها عمليات نسخ تصويري تعتمد على الملامسة. وهنالك أيضاً الفيلم المصغر (الميكروفيلم) الذي يستعمل بوساطة آلة التصوير العادية (الكاميرا).
ففي النقل بانتثار الضوء توضع نسخة الأصل مرسومة أو مطبوعة على ورق أو نسيج قماشي شاف (نصف شفاف) translucent، ووجه الصورة إلى الأعلى، فوق ورقة تتحسس بالضوء إيجابياً، ثم تعرّض كلتاهما للضوء فتتبدد فاعلية المناطق الخالية من الرسم في الورقة الحساسة، وتبقى الأماكن المرسومة قابلة للتحسس ويتم الحصول على نسخة من الصورة المطلوبة. وثمة طريقة مماثلة ثنائية الخطوة تستخدم فيها لويحة سلبية تتحسس بالضوء توضع فوق الأصل ووجهها الحساس إلى أسفل، وبعد تعريض اللويحة والأصل للضوء، يمر الضوء من اللويحة الحساسة إلى الأصل، فتعكس المناطق الخالية من الرسم الضوء إلى الوجه الحساس من اللويحة وتسوِّده، ثم تظهَّر السلبية بالتماس مع ورقة تصوير موجبة في محلول مظهِّر مع الضغط، وبعد أن تفصل إحداهما عن الأخرى يتم الحصول على النسخة المطلوبة.
أما نقل الصور بالمواد الصابغة فيعتمد الطريقة السابقة نفسها من حيث وضع نسخة الأصل والورقة الحساسة في الجهاز وتعريضهما للضوء، إلا أن «السلبية» تعالج بمحلول يحوِّل المناطق غير المعرضة للضوء من الورقة الحساسة إلى مادة صابغة تنتقل إلى ورقة بيضاء عندما يلاصق وجهها وجه «السلبية"، ويمكن لآلات نسخ الصور بالمادة الصابغة أن تتولى إعداد ألواح الأوفست لآلات النسخ بالأوفست.
أما النسخ عن الأصل بالفحم الآزوتي، وهي الطريقة المعروفة باسم «ديازو»، فأسلوب متطور عن أسلوب الطباعة الزرقاء blueprint. وفي هذه الطريقة توضع ورقة الأصل الشافة مع ورقة التصوير المعالجة بالكربون الآزوتي وتعرّضان للأشعة فوق البنفسجية، ثم تُظَهَّر ورقة التصوير بتمريرها بين أسطوانتين مرطَّبتين بمحلول مُظهِّر أو في وعاء يحوي بخار الأمونيا في التظهير الجاف.
ب ـ آلات التصوير الضوئي: وهي تعتمد مبدأ التقاط الصور للمادة المراد نسخها باستخدام آلة التصوير مخالفة تماماً لأساليب النسخ السابقة التي تعتمد التماس المباشر بين الأصل والصورة. وفي التصوير الضوئي يتم أولاً تصوير «سلبية» تنسخ عنها نسخ عدة بأبعاد مختلفة بحسب الرغبة. وتستعمل الأفلام المصغرة (الميكروفيلم) اليوم لنسخ الوثائق والأوراق والكتب وتخزينها في حيز محدد بدلاً من حفظ الأصول بحجومها الأصلية، وهذا ما يوفر الجهود والمساحة المخصصة للحفظ ويسهل عملية تصنيفها والرجوع إليها والاستفادة منها، ومعظم الأفلام المصغرة هي من النوع المقاوم للحريق والتلف. ويمكن تخزين الأفلام المصغرة التي تحوي صور الوثائق بطرائق عدة، كأن تحفظ على شكل لفافات أو عبوات صغيرة مع تنظيم فهارس تساعد على الرجوع إليها، أو تخزن في شرائح مؤطرة أو بطاقات مرجعية مؤطرة في عبوات خاصة أو في دروج معدة لها، والنوع الأخير من هذه الأفلام يدعى الجذاذات المصغرة microfiche، وهي تتألف من صفوف من الإطارات المثبتة على شرائح الأفلام مباشرة ومن بطاقات مثقبة تحوي أفلاماً لتخزينها في الحاسوب. ويمكن دراسة الفيلم المصغر إما بوساطة منظار مجسم أو بنسخ النص على ورق تصوير أو على جهاز إسقاط ضوئي.
ومن المبتكرات الحديثة في هذا المجال التوسع في استعمال الحاسوب وجهاز إدخال المعطيات وماسح الصور وأجهزة نسخ الصور السريعة، وقد غدا من الممكن الحصول على صور متناهية في الصغر تستخدم في أكثر المكتبات ولاسيما العامة منها، فيمكن حفظ كتاب كامل في بطاقة واحدة أو على قرص واحد من أقراص الحاسوب.
ج ـ آلات النسخ الحراري: يعد نسخ الوثائق بالتصوير الحراري من طرائق النسخ الحديثة، وهو من تطبيقات استخدام الأشعة تحت الحمراء، فتطبق ورقة الأصل مع ورقة تصوير خاصة وتمرران في جهاز التصوير الذي يبث أشعة تحت الحمراء فتتحسس المناطق التي تحمل حروف النص وخطوط الأشكال بالحرارة المنبعثة عن الأشعة، ويتم الحصول بهذه الطريقة على نسخة مطابقة للأصل كلما مُرر الأصل مع ورقة التصوير الخاصة في الجهاز.
د ـ آلات النسخ الكهرستاتي: تعتمد هذه الآلات تطبيقات استخدام خصائص الكهرباء الساكنة لنسخ الصور، وهي تعرف لهذا السبب باسم آلات التصوير الجاف xerography، ومبدأ عملها استعمال مرآة عاكسة تمسح صورة الأصل في خطوط متوازية وتعكسها على أسطوانة مطلية بمادة السلينيوم، وهي مادة غير معدنية من خصائصها أنها تحتفظ بشحنتها من الكهرباء الساكنة في العتمة؛ فإذا تعرضت للضوء تبددت منها تلك الشحنة، ولما كانت مادة السلينيوم التي تطلى بها الأسطوانة ذات شحنة كهربائية موجبة، فإنها تحافظ على تلك الشحنة في المناطق التي تقابل حروف النص وخطوطه وبالمقدار الذي يتناسب طرداً مع درجة كثافة الحروف والخطوط في النص، في حين تتبدد شحنتها في الأماكن التي تتعرض للضوء من النص أي التي لا توجد فيها حروف أو خطوط، وإذا مررت الأسطوانة في دورانها على وعاء يحوي مسحوقاً من الفحم سالب الشحنة، فإن ذرات المسحوق تنجذب إلى المناطق ذات الشحنة الموجبة من الأسطوانة، وبكميات تتناسب طرداً مع كثافة الشحنة. ويكون ترتيب توضُّع تلك الذرات معكوساً بالموازنة مع الصورة الأصل. وحين تمرر ورقة بيضاء على تماس مع الأسطوانة فإنها تلتقط ذرات مسحوق الفحم العالقة بالأسطوانة وتخرج بها صورة مطابقة للأصل، ولتثبيت ذرات الفحم على الورقة تعرض لحرارة أشعة تحت الحمراء قبل خروجها من الآلة.
وثمة طريقة مباشرة في استخدام الكهرباء الساكنة في النسخ، وهي تختلف عن التصوير الجاف بطبع الصورة مباشرة على ورق مطلي خاص من دون مرحلة نقل وسيطة.
5 ـ نقل الصور من بعد: يتم نقل الصور من بعد facsimile سلكياً بجهاز يتولى مسح الصورة الأصل بوساطة مستقبل ضوئي وتجزئتها إلى خطوط متوازية ومن ثم تحويل هذه الخطوط إلى إشارات كهربائية ترسل عن طريق خطوط متوازية أو لاسلكياً إلى جهاز استقبال في مكان آخر يحولها إلى صورة يمكن طبعها على الورق من جديد. ويعتمد وضوح الصورة في هذه الحال على كثرة عدد الخطوط التي تقسم إليها الصورة الأصل.
يصنع جهاز الإرسال وجهاز الاستقبال، في العادة، في مجموعة واحدة صغيرة الحجم يمكن وضعها على طاولة صغيرة، ويمكنها إرسال الصور واستقبالها على مسافات بعيدة جداً، ويمكن لبعض أنواع هذه الأجهزة نقل الصورة والصوت على خطوط الهاتف. وقد استعملت هذه الطريقة في نقل صور أصول الصحف بين المدن المتباعدة لإصدارها في آن واحد من دون الحاجة إلى نقل كميات ضخمة من الصحف من مدينة إلى أخرى، أما اليوم فقد شاع استعمالها على نطاق واسع في الأعمال التجارية وبين المؤسسات ذات الفروع المتباعدة وفي تبادل الوثائق بين المواطنين العاديين بوساطة مؤسسات البريد.
آلات الحساب
- مقالة مفصلة: آلة حاسبة
آلات الحساب calculating machines: هي أجهزة ميكانيكية أو ميكانيكية ـ كهربائية أو إلكترونية تقوم بالعمليات الحسابية، وتختلف أنواعها باختلاف الغاية منها وقدرتها على تنفيذ العمليات المطلوبة واستيعابها. وأبسط هذه الأجهزة هي آلات الجمع adding machines التي تقوم بعمليات الجمع والطرح فقط، فإن تجاوزت الآلة هذه الإمكانات إلى الضرب والقسمة أتماتياً أصبحت تدعى آلة حاسبة calculator، وهذه الآلات جميعها رقمية لأن الكميات العددية التي تدخل إلى الآلة ونتائج الحساب تظهر على نافذتها في صورة أرقام.
يعد «المِحْسَب» abacus أول آلة حاسبة متقنة الصنع استعملها الإنسان وانتشر استعمالها في العالم القديم كله، وما تزال تستعمل إلى اليوم. والمحسب إطار من خشب ركب فيه عدد من السّموط (الأسلاك) في كل نمط منها عشر خرزات حرة الحركة، ويدل أحد السموط على الآحاد والتالي على العشرات فالمئات فالآلاف وهكذا. ويستطيع الشخص الماهر استخدام المحسب بسرعة ودقة فائقتين لتنفيذ الكثير من العمليات الحسابية.
ومع بدء الثورة الصناعية وتطور العلوم في أوربا في القرن السابع عشر ظهرت بعض آلات الحساب الميكانيكية، وساعد في تطويرها استعمال اللوغاريتم عام 1614م على يد الرياضي الاسكتلندي جون نابير John Napier، وأدى تطبيقها ميكانيكياً إلى ظهور أنواع من آلات الحساب، فاخترع الفرنسي باسكال Blaise Pascal آلة جمع عام 1642م تعد أول آلات الحساب الرقمية الميكانيكية، ومبدأ عملها العد من الواحد إلى التسعة إضافة إلى الصفر. وفي عام 1671م صمم الرياضي الألماني گوتفريد لَيْبِنتز Gottfreid Wilhelm Leipniz آلة حاسبة تنفذ عمليات «الضرب» بتكرار «الجمع»، وأنجز صنعها عام 1694م، وتضم مجموعة مسننات تتناقص أقطارها. وقد ظل هذا المبدأ مطبقاً في بعض الآلات الحاسبة إلى أواسط القرن العشرين. وفي أواخر القرن التاسع عشر ظهرت إلى الوجود آلات حاسبة صغيرة الحجم نسبياً يمكنها القيام بكل العمليات الحسابية من جمع وطرح وضرب وقسمة والمضاعفة إلى القوة «عشرة» وتقديم النتائج على دولاب تظهر أرقامه من نافذة أمام العامل على الآلة. وأشهرها الآلة التي صممها الأمريكي وليم بوروز William S.Burroughs عام 1894م.
يعتمد نجاح الآلة الحاسبة على ثلاث وظائف أساسية هي: العمليات الحسابية الأساسية أي الجمع والطرح والضرب والقسمة، واتخاذ القرار فيما يخص الخطوات التالية وإظهار النتائج وتخزينها على ورق أو غيره. وقد بذلت جهود ضخمة لإيجاد آلة حاسبة تقوم بهذه الوظائف أتماتياً، ولكن صعوبات تقنية حالت دون تحقيق هذه الغاية حتى عام 1930م عندما صنع العالم الأمريكي ڤانڤار بوش Vannevar Bush آلة حاسبة تعمل بمبدأ التحليل الرياضي التفاضلي. وكانت تلك أول آلة حاسبة أتماتية كاملة بالمعنى الصحيح، ويمكن ضبطها وفق برنامج خاص لتأدية عمليات حسابية مختلفة. ومنذ ذلك الحين شهدت صناعة الآلات الحاسبة تطوراً سريعاً أدى في خاتمة المطاف إلى ظهور الحواسيب الإلكترونية.
1 ـ الطُرُز الأساسية للآلات الحاسبة الكهربائية ـ الميكانيكية: تصنف الآلات الحاسبة الكهربائية الميكانيكية في ثلاثة طُرُز أساسية هي آلات الجمع والجدولة، والآلات الحاسبة ذات مفاتيح التحكم، والآلات الحاسبة الدوارة. ولكل من الطرازين الأول والثالث من هذه الطرز لوحة من عشرة أزرار (مفاتيح) أو لوحة أزرار كاملة، أما الآلات ذات الأزرار فمصممة بحيث يمكن إدخال الأرقام المطلوبة بضغط الزر المقابل للرقم (من 0إلى 9). وأما الآلات ذات لوحة الأزرار الكاملة فمزودة بصفوف من الأزرار في كل صف تسعة أزرار لكل خانة عشرية وتختلف طاقة هذه الآلات باختلاف عدد صفوف الأزرار في الآلة.
تستطيع آلات الجمع والجدولة كلها القيام بالعمليات الحسابية الأربع الأساسية (الجمع والطرح والضرب والقسمة)، ولكن سرعتها بطيئة نسبياً في تنفيذ عمليات الضرب والقسمة، لذا صار استخدامها مقتصراً غالباً على الجمع والطرح. وتجهز هذه الآلات عادة بشريط ورقي تطبع عليه الأرقام المدخلة ونتائج الحساب.
أما الآلات الحاسبة ذات مفاتيح التحكم، وهي كلها مزودة بلوحة أزرار كاملة فتقوم بالعمليات الحسابية الأربع بعد الضغط على الأزرار المناسبة، وتظهر النتائج في نافذة صغيرة. وقد تجهز بعض هذه الآلات بنافذتين تبين إحداهما نتيجة كل عملية وتظهر في الثانية النتيجة الإجمالية لكل العمليات. وهذه الآلات مناسبة للمسائل الحسابية التي تتطلب سرعة الإنجاز ولاسيما الجمع والضرب.
أما الآلات الحاسبة الدوارة فتتطلب إضافة إلى ما ذكر ذراع تدوير يدوية أو ذراعاً بمحرك، ولا يسجل الرقم المدخل إلى الآلة إلا بعد إدارتها، ومع أن هذه الآلات تقوم بالعمليات الحسابية الأربع إلا أنها تستعمل أساساً لعمليات الضرب والقسمة. ويمكن أن تجهز الآلة من هذا النوع بشريط ورقي واحد أو أكثر لتسجيل النتائج. وهي تحتفظ بالرقم الأخير حتى تنفذ عليها عملية جديدة، وبعض أنواعها يسجل على نصف الشريط الأرقام المدخلة، ويسجل على النصف الآخر نتائج الحساب وقد يصمم بعضها للقيام بعمليات حسابية خاصة أتماتياً كحساب النسبة المئوية وحساب الفائدة وغيرها.
2ـ مبدأ عمل الآلات الحاسبة الميكانيكية: إن الجزء الأساسي في كل آلة حاسبة ميكانيكية هو المسجِّل Register، ويتألف المسجل من مجموعة دواليب بعدد الخانات العشرية، ويقسم محيط كل دولاب إلى عشرة مواضع توافق الأرقام من 0 إلى 9 وعند إدخال رقم ما يدور دولاب الخانة المناسب ليقف عند الرقم المطلوب. وقد يكون المسجل من نوع «العداد» counter المزود بأداة «ترحيل» ترحِّل الرقم من خانة سابقة إلى الخانة التي تليها عندما ينتقل الدولاب من الرقم 9 إلى 0، ويتم ذلك بوساطة دولاب مسنن مقطوع ينقل الحركة إلى الدولاب المناسب فيديره خطوة واحدة، ويطلق على المسجل من هذا النوع اسم المِرْكم (المُرَكِّم) accumulator لأنه يركم الأرقام بعضها على بعض. وثمة أساليب كثيرة لعمل المركمات تختلف باختلاف المسننات والجزوع المسننة والموقفات المستخدمة فيها وبطريقة تجميعها. ولكن أهم ميزة تتمتع بها الآلات الحاسبة الميكانيكية هي أن عمليات الحساب فيها تتم متسلسلة في مراحل تتسبب كل مرحلة منها في بدء المرحلة التالية. وثمة عقبات كثيرة اعترضت عملية ترحيل الأرقام في الماضي أمكن التغلب عليها بطرائق عدة، منها إدخال العدد المضاف على آلية منفصلة، ثم تغذية المركم بها دفعة واحدة. ومن الحلول المطبقة في هذا المجال كذلك ما قدمه المخترع لَيْبِنتز الذي صمم آلية تخزين للأرقام المرحَّلَة في أثناء تغذية الآلة بالأعداد المطلوبة، ثم تجمع كل الأرقام المرحّلة مسلسلة في موجة ترحيل واحدة. وثمة طريقة أخرى متفرعة عن هذا الحل طورها «باباج» لاختصار مدة الترحيل، وخاصةً في حال استخدام النبضات الكهربائية في هذه العملية، ومنها كذلك استخدام جزعي إدخال وجزع إخراج واحد مربوط بهما، فيكون عدد دوران جذع الإخراج مساوياً مجموع عدد دوران جزعي الإدخال، وبهذه الطريقة تتم عملية التغذية بالأعداد المدخلة وعملية الترحيل في آن واحد.
وأبسط هذه الآلات هي التي لها مركم ولوحة أزرار كاملة وآلية تغذية إضافية وآلية ترحيل تحركها ذراع على جانب الآلة. وتضم لوحة الأزرار الكاملة عشرة صفوف أفقية عمودية من الأزرار (100 زر)، ويحمل كل صف منها أرقاماً مسلسلة من 0 إلى 9. يمثل كل صف عمودي خانة عشرية، ويتم جمع الأعداد اللاحقة بإدخالها عن طريق لوحة الأزرار ثم تحريك الذراع في اتجاه واحد، أما الطرح فيكون بتحريك الذراع في اتجاه معاكس، وتُظهِر نتيجة الحساب أرقاماً على المسجل المركم، ويمكن أن يضاف إلى هذه الآلة مجموعة دواليب طباعة فتكون المحصلة آلة جمع تطبع النتائج على شريط من ورق، وهي تطبع الأعداد المدخلة كلها كما تطبع نتيجة الجمع والحساب الإجمالي، ويكون لمثل هذه الآلات آلية تعيد المسجل المركم إلى وضعية الصفر بعد انتهاء عملية الجمع. وأكثر آلات هذا النوع هي اليوم كهربائية.
أما آلات الجمع ذات الأزرار العشرة فهي أكثر تعقيداً وأسهل استخداماً فلا يضطر المستثمر إلى تثبيت نظره على لوحة الأزرار عند إدخال الأعداد المطلوبة. وعند إدخال عدد ما في هذه الآلة تتولى آلية التغذية الإضافية تخزينه وتتجهز لاستقبال الأعداد التالية، ثم يعرض الرقم المُدْخل في لوحة المسجل للتحقق من صحته، وفي حال الخطأ يمكن محو العدد من آلية التغذية وتسجيل غيره من دون أن يؤثر ذلك في المجموع السابق، وأكثر هذه الآلات كهربائية أيضاً، ومنها ما يزود بآلية طباعة تعطي النتائج على الورق. وأكثر ما تستخدم مثل هذه الآلات في المحلات التجارية كما تستخدم على نطاق أضيق في مجالات المحاسبة.
إن تطوير آلة الجمع الميكانيكية لتقوم بعمليات الضرب والقسمة ممكن بتعديل آلية التغذية الإضافية بحيث يمكن استرداد العدد المضروب وإزاحة الخانات عند إدخال الرقم التالي من العدد المضروب فيه، وفي الآلات القليلة التعقيد تتم عملية الضرب بتكرار عملية الجمع بعدد الرقم المضروب فيه. وفي النسخ الأقدم منها يتم تكرار الجمع بالضغط على زر خاص وإبقائه على حاله هذه حتى يبلغ الناتج الرقم المضروب فيه.
3ـ مستقبل الآلات الحاسبة الميكانيكية: مع أن للآلات الحاسبة الميكانيكية مكانتها في العمليات الحسابية، فقد حلت محلها معدات أوسع مجالاً كآلات معالجة المعطيات المؤتمتة، وآلات الحساب المعدة للأغراض العلمية والحواسيب المبرمجة سلفاً. كذلك فإن الآلات الحاسبة الإلكترونية ذات الاستطاعة المماثلة للآلات الحاسبة الميكانيكية تتمتع بميزات أكبر من حيث سهولة الاستخدام وبساطة البنية وسرعة تقديم النتائج. ولكن الآلات الحاسبة الميكانيكية الكهربائية ستبقى مفيدة في مجالات كثيرة ومتنوعة منها مراكز البيع في الأسواق المركزية supermarket التي تستعمل آلات تزن البضاعة وتطبع بطاقات تحمل الوزن وسعر وحدة الوزن والسعر الإجمالي، ومنها مضخات بيع الوقود في محطات الوقود التي تبين سعر اللتر وكمية الوقود المبيعة والسعر الإجمالي، وكذلك أجهزة المراقبة التي تعد السلع المنتجة أو تقيس حجومها، وساعات التوقيت التي تحدد دوام العاملين وتطبع النتائج على بطاقات وغير ذلك.
4ـ الآلات الحاسبة الإلكترونية: مع أن الآلات الحاسبة الإلكترونية المكتبية لم تكتمل عملياً إلا في ستينات القرن العشرين فقد كان لها تاريخ حافل قبل ذلك، وكانت التصميمات الأولى منها بطيئة كبيرة الحجم، حتى إذا ظهر الترانزيستور وأنصاف النواقل أمكن التوصل إلى تقليص حجمها وزيادة سرعتها. ومع ظهور الدارات المتكاملة والمطبوعة بدأت تخرج إلى الوجود آلات حاسبة إلكترونية صغيرة الحجم سريعة العمل يرتكز تصميمها أساساً على الدارات المتكاملة المطبوعة على شرائح السيليكون الصغيرة جداً والمغلفة بطبقة من اللدائن الخاصة تعزلها عن الوسط الخارجي، وتخرج منها أقطاب صغيرة من معدن الذهب تربطها مع بقية عناصر الدارة. وقد توالى تطوير هذا النوع من الدارات المتكاملة إلى درجة بالغة التعقيد سهلة الاستخدام قليلة التكلفة، وأصبح من ثم استخدام الآلات الحاسبة الإلكترونية ميسوراً لأكثر الناس وفي أكثر من مجال، فازداد إقبال الناس عليها، وصارت أداة حساب أساسية حتى في المنازل.
كانت الصعوبة الأساسية التي تعترض تطوير الآلات الحاسبة الإلكترونية الصغيرة الحجم تطبيق نظام العدِّ الثنائي المناسب لعمل الآلات الإلكترونية محل التدوين العشري العادي الذي يرغب فيه المستثمر. وقد أمكن التغلب على هذه الصعوبة بإدخال دارات إلكترونية تتولى تحويل صيغة العد العشرية إلى صيغة ثنائية لتقوم الآلة بعملها الحسابي، ثم تُحول الناتج من الصيغة الثنائية إلى صيغة عشرية لإظهاره رقمياً على المخرج. كذلك اعترضت المصممين صعوبة مهمة أخرى هي إيجاد المخرج المناسب لإظهار النتائج في الآلة، ومن بين الحلول التي أوجدت لهذه المعضلة استخدام آلة كاتبة كهربائية مصغرة ومجهزة بآلية تثقيب لشريط ورقي مساعد بالأسلوب المطبق في آلات الطبع عن بعد أو طابعة الأنيلين flexowriter، ومن تلك الحلول كذلك استخدام أنبوب أشعة مهبطية يظهر الأرقام مرئية على شاشة صغيرة، على غرار شاشة التلفزيون، تحتوي على عدد من الخانات العشرية بقدر استطاعة الآلة الحاسبة، ويمكن إظهار الأرقام في بضعة أسطر في آن واحد. ولهذه الآلات قدرة على تخزين المعطيات تفوق قدرة الآلات الحاسبة الميكانيكية، ولها كذلك أزرار إضافية لنقل المعطيات بين مسجلات التخزين (الذاكرة) والتحقق من نتائج العمليات الحسابية مع إظهارها على الشاشة أو من دون ذلك.
وتتميز الآلات الحاسبة الإلكترونية الحديثة ببساطتها وسهولة تشغيلها وقدرتها على إجراء العمليات الحسابية البسيطة والمعقدة وتنوع أشكالها وحجومها بحسب الغاية منها، وهي تزداد تعقيداً كلما ازداد العمل المرغوب فيه اتساعاً. ومن الآلات الحاسبة الإلكترونية ما يقتصر استعماله على عمليات الحساب الأساسية كالجمع والطرح والضرب والقسمة والمضاعفة والتربيع والجذر وحساب النسب المئوية واللوغاريتم والعمليات الحسابية المتسلسلة، ومنها ما هو مبرمج سلفاً للقيام ببعض هذه العمليات وتدوين المعطيات على أشرطة أو أقراص قابلة للتخزين، وقد تزود هذه الآلات بأزرار خاصة لحل المسائل الرياضية والهندسية المعقدة، بذاكرة محدودة السعة على غرار الحواسب الإلكترونية computers البسيطة. ومن هذه الآلات أيضاً ماهو قابل للبرمجة عن طريق إدخال بطاقات مثقبة أو شريط مغنطيسي أو قرص مغنطيسي، ويلحق بها في هذه الحال جهاز مساعد لقراءة التعليمات المرمزة وتشغيل أزرارها أتماتياً. وعلى هذا النحو أصبحت الآلات الحاسبة الإلكترونية قادرة على تنفيذ بعض العمليات الرياضية التي كانت تعد إلى وقت قريب وقفاً على الحواسيب الإلكترونية وسواء كانت هذه الآلة مسبقة البرمجة أو قابلة للبرمجة فإن برامجها أقصر عادة من برامج الحواسيب الإلكترونية، ويمكن إعطاؤها أوامر بالتوقف لإدخال معطيات جديدة يدوياً.
ومع ازدياد الإمكانات التقنية في صناعة الآلات الحاسبة الإلكترونية فإن الثغرة تتقلص باستمرار بين إمكانات هذه الآلات وإمكانات الحواسيب الإلكترونية في مجال الرياضيات، إلا أن الفارق بينهما يبقى قائماً لقدرة الحواسيب على التعامل مع مجال أوسع من المعطيات الرياضية وغير الرياضية والتصرف إزاءها بحسب مقتضيات الأحوال والنتائج.
آلات الحساب والمحاسبة المتخصصة
تصنف آلات الحساب والمحاسبة المتخصصة specialized calculating and accounting machines في ثلاثة أنواع هي آلات تسجيل النقد cash registers وآلات المحاسبة accounting machines. وآلات التصنيف والجدولة classifying and tubulating machines.
تستخدم آلات تسجيل النقد في ضبط عمليات جمع أسعار السلع وتسديد أثمانها نقداً في المؤسسات والمحلات التجارية، وعمليات صرف العملة، مع تقديم قائمة بقيمة السلع للبائع والشاري على السواء. وهذه الآلات كثيرة التنوع وتراوح بين البساطة والتعقيد الشديد، وتتصف جميعها بميزات أساسية واحدة هي أنها تقدم إيصالاً بكل عملية بيع نقداً، وتسجل كل عملية بيع بالدين، وفيها سجل كامل لكل العمليات المنفذة وعددها وعدد الزبائن. ومن هذه الآلات ما يصلح للاستعمال في المؤسسات المتعددة الفروع، فيقوم البائع في كل فرع بتدوين عدد القطع المبيعة من كل مادة على بطاقة خاصة مطبوعة سلفاً، وإدخال هذه البطاقة في الآلة التي تتولى بدورها طبع السعر الإفرادي لكل مادة والقيمة الإجمالية، وترسل المعلومات عن المواد المباعة وتعدادها والمبالغ التي تم قبضها إلى حاسوب مركزي في إدارة المؤسسة، بحيث تطّلع الإدارة على حال المواد وتوافرها وكمياتها والمبالغ المقبوضة في كل فرع، فإذا حدث تبدل في أسعار السلع يمكن تلقيم الآلة الأسعار الجديدة مركزياً.
أما آلات المحاسبة فهي آلات معقدة يغلب استعمالها في المصارف ومؤسسات النقد والصرافة والفنادق والشركات التجارية الكبيرة، وهي تؤدي وظائف الآلة الحاسبة مع التسجيل، ويمكن أن تحل محل المحاسبين في أكثر أعمالهم. فهناك على سبيل المثال آلات لتنظيم الفواتير مع طبع الأسماء والعنوانات والمواصفات وحساب الحسم وتقديم المجموع والنتائج النهائية للحساب، وبعضها بسيط التصميم غير مجهز بآلة كاتبة، وبعضها معقد يضم عدداً من الأشرطة وآلة كاتبة، ويستطيع القيام بأعمال المحاسبة المتنوعة أتماتياً ولكل حساب على حدة.
وأما آلات التصنيف والجدولة فتبنى على أساس تنفيذ عمليات فرز المعلومات وترميزها وتصنيفها وتدوينها على بطاقات جدولة مثقبة، والغاية منها تسهيل عملية فرز المعطيات وجدولتها. وأبسط أنواعها تلك التي تحدث ثلماً في حرف البطاقة طبقاً لرمز خاصّ بها ومهمتها القيام بالفرز فقط، ويتم تشغيلها بجهاز أو بأداة بسيطة مزودة في الغالب، بقضيب معدني يدخل في حيز خاص على محيط مجموعة من البطاقات فإذا رفع القضيب خرجت معه كل البطاقات ما عدا البطاقات ذات الثلم.
وقد استخدم أول جهاز حديث من هذا النوع في عمليات الجدولة الإحصائية وبعد جهود كبيرة أمكن التوصل إلى آلات جدولة أتماتية تقدم تقريراً عن المعلومات التي أدخلت إليها مرمزة على شكل ثقوب في بطاقات أو شريط. وكان تشارلز باباج Charles Babage الإنكليزي قد صمم بين عامي 1834 و1854م آلة تحليل معلومات تعمل بالبطاقات المثقبة إلا أنه لم يُكْمل صنعها بسبب صعوبات تقنية في ذلك الحين. أما صاحب الفضل في إيجاد آلة الجدولة الحديثة فهو عالم الإحصاء الأمريكي هرمان هولريت Herman Hollerith الذي تمكن من صنع آلة تقرأ النتائج الإحصائية كهربائياً من بطاقات معلومات مثقبة، ثم تُقدم الإجمالي في لوائح منفصلة. واستخدمت منظومته هذه بنجاح في الإحصاء السكاني الذي جرى في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1890م، ثم في إحصاء عام 1911م في إنگلترا. وأدخلت في العقود التالية تحسينات كبيرة على هذه المنظومة إذ يتم إلقام البطاقات وفرزها في مجموعات، وقراءتها أتماتياً وبسرعة كبيرة، وتقدم نتائج الإحصاء في وقت قصير نسبياً (سنة و7 أشهر) بعد أن كانت الإحصاءات المستندة إلى ثلاثة عوامل فقط (الجنس والتبعية والمهنة) تحتاج إلى خدمات ما لا يقل عن مئة كاتب لمدة سبع سنوات كاملة. وقد لاقت هذه المنظومة كذلك إقبالاً شديداً من المؤسسات التجارية والدولية وشاع استخدامها في أكثر دول العالم، ولا ينحصر استخدام مثل هذه المنظومات في عمليات الإحصاء السكاني فقط، فكل عملية تشتمل على أرقام يتكرر استعمالها يصبح من الأفضل، اختصاراً للوقت والجهد، ترجمة معطياتها في بطاقات مثقبة. فإذا وضعت المعطيات الخاصة بإنتاج قطع معينة في معمل مثلاً، على بطاقات مثقبة يمكن في كل لحظة حساب مجموع أجور العمل وتكاليف الإدارة والآلات وساعات العمل اللازمة للإنتاج.
تتألف المنظومة عادة من وحدة تثقيب ووحدة تصنيف ووحدة جدولة. وتضم وحدة التثقيب جهازاً فيه اثنا عشر طارداً يثقب كل منها مكاناً محدداً من البطاقة بحسب الرمز المعطى له، ويتجاوز الحقول التي لا تحتاج إلى تثقيب. أما وحدة التصنيف فتتولى فرز البطاقات وتصنيفها على أساس رقمي أو هجائي أو نوعي بقراءة مواقع الثقوب بوساطة «فراشٍ» كهربائية أو خلايا كهربائية ضوئية، وبسرعة قد تصل إلى 2000 بطاقة في الدقيقة، ومن ثم تفرز البطاقات المتجانسة في جيوب مستقلة بحسب موضوع التصنيف. وأما وحدة الجدولة فتقرأ البطاقات المثقبة وتُجَدْوِلَها بحسب التعليمات المعطاة لها من وحدة التوجيه، وبحسب نوع المعلومات المطلوبة، والمكان الذي يجب طبع النتائج فيه. ويمكن إضافة تجهيزات أخرى إلى وحدة الجدولة بحيث تصبح قادرة على قراءة التقارير و«الفواتير» وتحليلها، ويمكن استخدامها بديلاً عن آلات المحاسبة وآلات إصدار «الفواتير» التجارية المختلفة.
الآلات المكتبية المتفرقة
هناك، إضافة إلى ما سبق، عدد وافر من الآلات المكتبية المتخصصة التي تستعمل في وظائف معينة في المؤسسات والمكاتب على اختلافها. ففي المصارف والمؤسسات التي تتعامل مع كميات كبيرة من النقود المعدنية على سبيل المثال، تستخدم آلات فرز خاصة تفرز النقود المعدنية بحسب أحجامها وتعدها وتغلفها بكميات محددة ثم تخزنها مرتبة بحسب قيمها في آلة الصرافة. وتقوم آلة الصرافة بدورها بتحرير المبلغ المطلوب عند الضغط على الأزرار المناسبة منها كما في آلات المحاسبة. وهناك أيضاً آلات عدّ العملة الورقية التي تستعمل في المصارف ومحلات الصرافة للإسراع في عملية التسليم. ومن الآلات المكتبية المهمة كذلك آلات تصريف البريد الصادر والوارد في المؤسسات الكبيرة التي يتطلب بريدها الصادر حجم عمل أكبر من العادة. وتقوم هذه الآلات بطي الرسائل ووضعها في غُلُف ولصقها وختمها بالطابع أو لصق طوابع البريد عليها أتماتياً. ومن هذه الآلات ما هو مخصص لإعداد الطرود البريدية وتغليفها ووزنها ولصق الطوابع اللازمة على أساس الوزن.
ومن الآلات الشائعة الاستعمال في المكاتب اليوم منظومات الاتصال الثنائي والجماعي ذات الاتجاهين interphone أو ما يعرف بمنظومات الاتصال الداخلي التي تعمل بمبدأ الهاتف، وهي تتيح الاتصال بين أماكن العمل المختلفة في المؤسسات الحديثة لتسهيل سير العمل وتوفير الزمن. وهي تمكن المسؤول أو الفرد العامل من الاتصال بفرد آخر أو بمجموعة من الأفراد محددة العدد في آن واحد بالضغط على الأزرار المناسبة في جهاز ويرد هؤلاء عليه بالطريقة نفسها.
كذلك فإن منظومات النداء الفردي paging system المرتبطة بمقاسم الهاتف أو شبكات الاتصال الداخلي كثيرة الشيوع في المؤسسات الكبيرة كالمصارف والمستشفيات والفنادق والمعامل، وبها ينادى الشخص المطلوب بوساطة منبه صوتي أو ضوئي وما شابه ذلك في جهاز صغير يحمله، أو ينادى باسمه أو برمزه عن طريق مكبرات الصوت. وعندما يتلقى المنادى الإشارة يتوجه إلى أقرب هاتف ويتصل بعامل المقسم لتلقي الرسالة أو التحدث مع الشخص الذي يطلبه، وبوجود هذه المنظومة يمكن للمسؤول أو العامل أو الطبيب أن يتحرر من مكان العمل الثابت أو المكتب ويقوم بجولاته بين الآلات أو المرضى بحرية مع الاستعداد الدائم لتلبية النداء عند الطلب.
أما منظومات الطبع عن بعد أو التلكس فتوفر الاتصال المكتوب بين نقطتين أو أكثر. ويتم تسلم الرسائل وتسجيلها ولو كان الشخص المطلوب غير موجود قرب الآلة. ولهذه المنظومات قيمة كبيرة من أجل الاتصالات البعيدة السريعة بين عدد كبير من المكاتب المنفصلة في المدن الكبرى وضمن البلد الواحد وبين أكثر من بلد.
ومن الآلات الأخرى وحدات التسجيل dataphone المربوطة بالهاتف العادي، وهي تستقبل الرسالة وتسجلها صوتياً بعد أن تعلم الشخص الطالب بغياب المطلوب وأنها جاهزة لتلقي الرسالة بعد إشارة معينة. وقد شاع استعمال نوع من هذه المسجلات يرتبط بخطوط الهاتف العادية ويزود بجهاز استقبال وإرسال خاص يتلقى معطيات الحاسوب ويرسلها صوتياً، ويقدم للمشترك معلومات عن أنواع السلع وأسعارها بحسب الطلب. وثمة مسجلات أخرى مزودة بجهاز استقبال وإرسال يرسل المكالمة الهاتفية لاسلكياً إلى الشخص المطلوب حيثما وجد.
وهناك أيضاً تجهيزات الدارة التلفزيونية المغلقة التي تسمح للناظر برؤية الوثائق وسماع الاستفسارات من أماكن بعيدة، وتوفر سرعة إرسال المعلومات المسجلة من أجل التثبت من صحتها وتعرفها أو إدخالها في الحاسوب. ويمكن نقل التواقيع أو الحسابات المصرفية تلفزيونياً من المركز إلى فروع بعيدة نقلاً فورياً للتحقق من صحتها ومن وجود الرصيد المطلوب من دون حاجة إلى أعداد ضخمة من النسخ أو الوثائق. ومن فوائد مثل هذه الدارات التلفزيونية المغلقة أيضاً إمكان مراقبة العمليات الجارية في المصانع أو مراكز البيع أو الصرافة، ومراقبة سلوك الزبائن والزائرين، وفي أمن المنشآت، وربما وجدت لها استخدامات أخرى في المستقبل.
وثمة معدات أخرى كبيرة كآلات قص الورق والثقابات وآلات الخرز والتغليف والطي متوافرة بحجوم مختلفة للاستخدام المكتبي، ومنها كذلك آلة إتلاف الوثائق التي تتلف الأوراق المستهلكة أو التي انتهى أجلها بتقطيعها شرائح صغيرة لا يمكن تعرفها، ومنها آلة تجميع الوثائق المطبوعة في ترتيب محدد.
ومن الآلات المكتبية الشائعة اليوم آلات تسجيل الوقت التي تجمع بين ساعة التوقيت وجهاز التسجيل والطبع، وتقوم بتسجيل الوقت الصحيح لأعمال متتالية بسرعة ودقة، ومنها آلات ختم التوقيت على الوثائق والرسائل، وآلات ختم توقيت الوصول والمغادرة على بطاقات عمل الموظفين، وآلات توقيت بدء بعض الأعمال وانتهائها وغير ذلك. وهناك آلات طبع المبالغ على الشيكات المصرفية وختمها والتوقيع عليها وآلات الترقيم والتأريخ وغيرها، وكثير من الآلات المكتبية التي تستعمل في حالات خاصة والتي توفر الكثير من الجهد وتؤدي دورها بالسرعة والدقة اللتين تفرضهما الحياة العصرية واتساع نطاق أعمال المؤسسات والشركات والمكاتب على اختلافها.[1]
انظر أيضاً
المصادر
- ^ محمد وليد الجلاد. "الآلات المكتبية". الموسوعة العربية.