هرناني (دراما)
ابراهيم العريس ساهم بشكل رئيسي في تحرير هذا المقال
|
هرناني Hernani (العنوان الكامل: هرنان، أو الشرف القشتالي Hernani, ou l'Honneur Castillan) هي دراما كتبها ڤيكتور هوگو الكاتب المسرحي الرومانسي الفرنسي.
أٌفتُتحت المسرحية في باريس في 25 فبراير 1830. واليوم، فإن الدراما تـُذكر بالمظاهرات التي صاحبت افتتاحها، ولكونها مصدر الالهام لأوپرا ڤردي إرناني، أكثر من المسرحية نفسها.
وتُستخدم المسرحية لوصف أبهة وفخامة الحفلات التنكرية للأمير پروسپـِرو. كما أشار إليها إدگار ألان پو في قصته القصيرة، "قناع الموت الأحمر". كما انتقد گينورمان Gillenormand في البؤساء Les Misérables مسرحية هرناني.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مقدمة
في كتابه الشهير «تاريخ الرومانسية» يروي الكاتب الفرنسي تيوفيل گوتييه كثيراً من الأمور التي واكبت منذ بداية الربع الثاني من القرن التاسع عشر، نشوء الحركة الرومانسية في فرنسا. وهو يروي بخاصة لقاءه مع فيكتور هوگو وحضوره العرض الافتتاحي الاول لمسرحية «هرناني» التي قدمت في باريس أواخر فبراير 1830، مثيرة زوبعة عنيفة من الصدامات والاحتجاجات بين نوعين من الرومنطيقيين: القوم الذين كانوا يضعون لتلك الحركة قواعد وضوابط قاسية تحوّلها الى «سجن فكري»، والجدد الذين كانوا يرون ان الرومانسية صنو للحرية وبالتالي لا يمكن تقييدها. وگوتييه، الشاب آنذاك وصديق ڤيكتور هوگو الصدوق، كان من النمط الثاني، ومن هنا يروي لنا كيف خاض «المعركة» بعنف، بل كيف انه من أجل ذلك العرض الأول ارتدى قفازاً أحمر سرعان ما صار رمزاً للحركة كلها. أما مسرحية «هرناني» التي اشعلت كل ذلك السجال وكل تلك الحماسة، فهي واحدة من أشهر أعمال هوگو، حتى وإن لم تكن من أقواها. ويروي لنا تاريخ هذا الكاتب انه أنجز كتابتها خلال شهر واحد، اذ كانت مسرحية له عنوانها: «ماريون ديلورم» منعت من الرقابة بعد ان برمجت في عروض «الكوميديا الفرنسية»، فاضطر هوگو الى كتابة «هرناني»، فعرضت... مع العلم ان رقابات عدة ستمنعها بعد ذلك... ولا سيما في إيطاليا حين عمد بليني إلى تلحين أوبرا انطلاقاً منها - سائراً في ذلك على خطى فردي - فمنعتها الرقابة، ما جعله يستخدم الألحان التي وضعها لها في أوبرا أخرى له هي: «السائر نائماً» لكن هذه حكاية أخرى.
أشهر مسرحياته
«هرناني» اذاً، كانت عملاً كتبه فيكتور هوگو على عجل... لكن هذا العمل عاش طويلاً وعرف طريقه الى الشهرة... ليس بفضل قوة الكتابة، أو رسم الشخصيات وسيكولوجيتها، اذ في هذا الاطار، يبدو العمل ضعيفاً، ولكن بفضل قدرة هوگو على تصوير المواقف والعلاقة بين الشخصيات. ثم - بخاصة - بفضل قدرته على وضع حوارات شاعرية رائعة على سبيل المثال، تلك التي تدور بين هرناني وحبيبته دونا سول، * والتي يمكن اعتبارها مرجعاً أساسياً في خطاب العشق، لقوة تعبيرها وشفافيتها.
هرناني في هذه المسرحية هو خارج على القانون ثائر جمع لنفسه عصابة في اسبانيا بدايات القرن السادس عشر... لكنه في الوقت نفسه مناضل سياسي يريد ان يحارب السلطات. والسلطة في ذلك الحين كانت للملك الشاب دون كارلوس (الذي سيصبح خلال أحداث المسرحية امبراطوراً منتخباً تحت اسم شارلكان). والذي كان يجمع بين الملك والثائر في ذلك الحين هو غرامهما معاً بالحسناء دونا سول. وهذه الحسناء كانت مغرمة بهرناني وحده، حتى وإن كان عم لها هو الدون روي گوميز قرر ان يتخذها لنفسه زوجة. وهذا كله اذ نعرفه منذ بداية المسرحية، نجدنا أمام وضوح في الاحداث من الصعب ان يحمل لاحقاً أية خبطات مسرحية حقيقية، حتى في اللحظات الاخيرة. ذلك ان كل الاحداث التي تشهدها فصول المسرحية الخمسة، إنما هي مطاردات وكرّ وفرّ بين الثلاثة المغرمين بدونا سول، بما في ذلك من مناورات ومؤامرات وتحالفات تربط هنا لتفك هناك. أما التحالف الرئيس في سياق المسرحية فإنما هو ذاك الذي يعقد بين هرناني وبين روي گوميز ضد الملك، اذ يكشف الأول للثاني عن هيام هذا الملك بدونا سول. وهكذا، اذ يتمكن هرناني بين الحين والآخر من لقاء حبيبته خفية في القصر الذي ينقلها اليه خاطبها العجوز، وإذ يكتشف الملك وجود هرناني في القصر - بعدما كان هرناني قدم نفسه لروي گوميز على انه حاج لاجئ - يطلب الملك من روي گوميز ان يسلمه الثائر الشاب، لكن روي گوميز يرفض منقذاً حياة هرناني حتى وإن كان يعرف انه غريم له في الغرام. هنا اذ يتم انقاذ هرناني على تلك الشاكلة في المرة الأولى، يعقد التحالف بين هرناني وروي گوميز وفحواه التآمر لاغتيال الملك... بعدما كان قبل ذلك - وضمن اطار تحالفه مع روي گوميز - تعهد بأن يقتل نفسه ما إن يدعوه روي گوميز الى ذلك مستخدماً بوقاً أهداه هرناني اليه: حين يريد روي گوميز من هرناني ان يمحو نفسه كلياً لن يكون عليه إلا ان ينفخ في البوق. المهم ان دون كارلوس يتمكن من اكتشاف المؤامرة والمتآمرين. لكنه في الوقت الذي كان يهم فيه بمعاقبتهم، يصله خبر انتخابه امبراطوراً... وهكذا في لحظة يحس ان عليه ان يسمو فوق كل تلك الصغائر وأن يكف عن «ترهات الشباب»، فيعفو عن المتآمرين وعلى رأسهم هرناني، بل يرد الى هذا أملاك جدوده وأبيه، اضافة الى انه في لحظة سخاء امبراطورية مدهشة، يمنحه حق الزواج من دونا سول. وهكذا تبدو الحياة رائعة، ويجتمع هرناني بحبيبته. ولكن في تلك اللحظة بالذات يحدث ما كانوا جميعاً قد نسوه: ينفخ روي گوميز في بوقه داعياً هرناني الى قتل نفسه كما كان وعد. ولأن هرناني فارس وشهم ولا يمكنه ان ينكث بوعد او عهد... ولأن المسرحية الرومانسية كلها تبجّل قواعد الفروسية والشرف، ولأن الموت بشرف لدى الرومانسيين خير من حياة الذل، لا يتردد هرناني عن تجرع السم. واذ تشاهد دونا سول ما يحدث أمامها، تشرب بدورها جرعة من السم لكي تلحق حبيبها الى الملكوت الأعلى. أما روي گوميز فإنه حين يكتشف فداحة ما صنعت يداه، يسرع بدوره الى تناول السم فيموت.
من الواضح ان فيكتور هوگو، الذي جعل من مسرحيته هذه فاتحة لاندلاع حركة رومانسية حقيقية في المسرح الفرنسي في ذلك الزمن، كانت في ذهنه وهو يكتب «هرناني» أعمال مسرحية كبيرة مثل «إل سيد» لكورناي و «اللصوص» لشيلر، بل إن في «هرناني» لحظات تجمع أجواء هاتين المسرحيتين بالذات، ومن هنا الإقبال الجماهيري الكبير على ذلك العمل في مقابل مهاجمة النخبة له منذ ليلة العرض الأولى. وهوگو كان، على أي حال، موضع مسرحيته ضمن اطار تحرك سياسي واضح، اذ صرح عشية عرضها بأن «على الدراما أن تلهم الناس والمتفرجين بخاصة أساليب تفهّمهم لمعاني الحرية السياسية». ومن هنا لم يفت هوگو ان يقول عن «هرناني» كما عن «ماريون ديلورم» انهما عملان «سياسيان جزئياً، كما انهما أدبيان جزئياً». وعلى هذا النحو تعهد هوگو ان يزيد من حدة السجال حول مسرحيته «هرناني»، الى درجة انه صار ثمة في تاريخ الحياة السياسية - الثقافية الفرنسية قضية تسمى «قضية هرناني»، هيمنت تفاصيلها وأخبارها على تلك الحياة طوال عقود من السنين، الى درجة انه حين تحدث عنها غوتييه في كتابه المذكور والصادر في العام 1974، اي بعد حوالى نصف قرن، بدا للقراء انها معركة دارت أمس فقط!
حتى اليوم، وعلى رغم ضعفها الذي أشرنا اليه، لا تزال «هرناني» تعتبر من أشهر مسرحيات ڤيكتور هوگو (1802-1885) الى جانب أعمال مثل «روي بلاس» و «لوكريشيا بورجيا» و «الملك يلهو». وحتى اذا كان فيكتور هوگو لم يشتهر ككاتب مسرحي كبير بقدر شهرته كروائي مميز لـ «البؤساء» مثلاً أو شهرته كشاعر وكاتب سياسي وناقد أدبي ومؤرخ... فإنه عرف كيف يكتب بين عامي 1812 و1882، عدداً كبيراً من المسرحيات التي تضعه بين أخصب كتاب عصره... بل إنه وقّع مسرحيات عدة اختفت ولم تقدم خلال حياته، ليعاد اكتشافها خلال النصف الأول من القرن العشرين، وتقدم للمرة الأولى على الكثير من الخشبات الفرنسية، ومن هذه المسرحيات «التدخل» و «عند تخوم الغابة» و «اسكا»، اضافة الى مسرحيات اخرى اكتشفت وبعضها لم يمثل ابداً حتى الآن... ما يعني أن ڤيكتور هوگو ينبغي اعتباره كاتباً مسرحياً في حاجة إلى أن يكتشف وإلى أن يعاد اكتشافه من جديد في كل عصر وتبعاً لمزاجية كل زمن.
المصادر
- ابراهيم العريس (2010-10-27). "«هرناني» لفيكتور هوغو: المعركة الغريبة التي افتتحت عصر الرومانسية". جريدة الحياة اللبنانية.