حلف بغداد

(تم التحويل من CENTO)
Central Treaty Organization
CENTO flag
Flag

CENTO members shown in green
الاختصارCENTO
التأسيس24 February 1955
النوعIntergovernmental military alliance
المقر الرئيسيBaghdad (1955–1958)
Ankara (1958–1979)
منطقة العملEurasia
العضوية

منظمة الحلف المركزي Central Treaty Organization - CENTO أو حلف بغداد Baghdad Pact وعرف في بادئ الأمر باسم منظمة حلف الشرق الأوسط Middle East Treaty Organization - METO هو حلف أنشئ عام 1955 للوقوف بوجه المد الشيوعي في الشرق الأوسط خلال الخمسينات، وكان يتكون من العراق وتركيا وإيران وباكستان والمملكة المتحدة. وقد تم حله في عام 1979.

إلا أن هذا الحلف قد حل بعد انسحاب العراق منه إبان إعلان ثورة 14 تموز 1958 بقيادة عبد الكريم قاسم والتي انقلب فيها على النظام الملكي وأعلن الجمهورية العراقية وقد كان للسياسي العراقي نوري السعيد دور كبير في انشاء هذا الحلف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

التاريخ

صورة لثلاث طائرات فانتوم II F-4 رابضين في قاعدة شيراز الجوية (إيران) أثناء المناورة التدريبية Cento لحلف بغداد.

الولايات المتحدة الأمريكية هي صاحبة فكرة انشاء هذا الحلف ولكن لم تشارك فيه بشكل مباشر وانما وكلت بريطانيا للقيام به.


المبحث الثالث: محاولات واشنطن لربط الدول العربية، ودول المنطقة، بأحلافها

دأبت بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، منذ أن رفضت مصر، في 14 أكتوبر 1951، الانضمام إلى منظمة الدفاع عن الشرق الأوسط (M-E-D-O)، الرامية إلى ربط الدول العربية بعجلة الغرب ـ على السعي إلى جر الدول العربية، تدريجاً، إلى هذا الحلف.

وقد رفضت الثورة المصرية، منذ اندلاعها، في 23 يوليه 1952، كل محاولة من الغرب لضمها إلى هذه المنظمة؛ إذ رأتها بديلاً من معاهدة 26 أغسطس 1936. ونادت بسياسة الحياد، التي تعارض التكتلات والأحلاف العسكرية الاستعمارية، ثنائية كانت أم جماعية.

أولاً: زيارة دالاس إلى مصر

بعد أن وصلت المحادثات الأنجلو ـ مصرية، إلى طريق مسدود، قرر وزير الخارجية الأمريكية، جون فوستر دالاس، ضرورة اللجوء إلى طريق جديد، يؤدي إلى الدفاع عن الشرق الأوسط. وكان مقتنعاً بأن السوفيت، سيهاجمون. فاختار أن يلقي نظرة على الموقف، لتحديد الاقتراح البديل. وفي الفترة، الممتدة ما بين 9 و29 مايو، تنقل دالاس في أرجاء الشرق الأوسط. وكانت أول محطة له في القاهرة.

وأدى أول تصريح، أدلى به، عقب وصوله إلى مطار القاهرة، في 11 مايو 1953، إلى تبديد كل آمال مصر، أن تنتهج واشنطن سياسة أكثر استعداداً للمساعدة؛ إذ قال: "إن الإدارة الأمريكية الجديدة للرئيس أيزنهاور، تهتم اهتماماً جدياً بالدفاع عن الشرق الأوسط. وقد ناقشت هذا الأمر مع الحكومة البريطانية، على أساس مبادئ، كان قد أمكن الوصول إليها، مع إدارة الرئيس ترومان. كذلك، فإننا ناقشنا هذا الموضوع، وما يتصل به، مع الحكومة المصرية وممثليها، في واشنطن والقاهرة. وإن الولايات المتحدة الأمريكية، مهتمة برفاهية هذا الجزء من العالم؛ وقد توصلت إلى اقتناع بأنه لا بدّ من تحقيق حل، يضمن سيادة مصر الكاملة، ويؤكد الجلاء المرحلي للقوات البريطانية عنها، على نحو يحفظ أهمية منطقة القناة وقاعدتها، فتظل صالحة للعمل السريع، للدفاع عن العالم الحر، في حالة نشوب حرب".

وخلال مباحثات دالاس مع وزير الخارجية المصري، الدكتور محمود فوزي، في 11 مايو، والتي حضرها الوفد الأمريكي، المكون من هارولد ستاسين، مدير إدارة الأمن المتبادل؛ وهنري بايرود، مساعد وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط. أوضح الدكتور محمود فوزي أهمية مشروع السد العالي، مشيراً إلى أنه سيتعين على مصر، أن تعتمد على "أصدقائها"، لتوفير رأس المال والخبرة الفنية، اللازمين له. وأكد أنه لا يتقدم، بذلك، بطلب رسمي للحصول على معونة، بل إنه يضع وزير الخارجية في الصورة فحسب.

وبعد ذلك، أثار الدكتور فوزي القضية المحورية، وهي منطقة القناة، مؤكداً أن مصر تحاول حل قضايا الخلاف، بين القاهرة ولندن، "بالطريقة الأمريكية العملية الناشطة". إلاّ أن إصرار البريطانيين على الاحتفاظ "بالإدارة الفنية" للقاعدة، كان يعوق التوصل إلى اتفاق نهائي، بل يعرض السيادة المصرية للخطر؛ إذ لا يمكن استخدام المخازن والفنيين البريطانيين الباقين، ذريعة لاستمرار السيطرة الأجنبية.

وأشار الدكتور محمود فوزي إلى أن منظمة الدفاع عن الشرق الأوسط، هي "بالتأكيد مسألة غير محددة المعالم". واستطرد يقول، إن "هناك، أحياناً، اختلافاً عميقاً، بين الأوراق الموقَّعة وطبيعة الأشياء". وإنه ينبغي على الولايات المتحدة الأمريكية، أن تثق بأن مصر، لن تستخدم قوّتها في مواجهة الغرب؛ وإنما لصد العدوان من جانب "دوائر أخرى". وإن التزاماً بنظام دفاع جماعي، برعاية الولايات المتحدة الأمريكية، سيكون من شأنه أن يثير المصاعب (إشارة غير مباشرة، إلى المعارضة الشعبية لمثل هذا الارتباط الرسمي بالغرب).


وخلال محادثات دالاس مع اللواء محمد نجيب، في 11 مايو، علم دالاس، أن المصريين يعتزمون إجلاء القوات البريطانية عن قاعدة السويس؛ وإدارة تلك القاعدة بأنفسهم، من دون الاعتماد على الفنيين البريطانيين. وعلم، كذلك، أن ثقة المصريين بالإنجليز، باتت دون ثقتهم بالسوفيت. وأعلن نجيب، أن مصر لا تستطيع الاشتراك في أي حلف من الأحلاف، مع القوى الغربية؛ وإنما ستتعاون معها، في حال جلاء بريطانيا.


ويقول اللواء محمد نجيب، رئيس جمهورية مصر، في مقابلته دالاس: "وصل جون فوستر دالاس إلى القاهرة، ضمن برنامج لزيارة عدد من دول المنطقة … وكان انطباعي الأول عنه، أنه يمثل راعي البقر الأمريكي، الذي تنقصه رقة الحضارة. قدّم إليّ دالاس رسالة شكر، من الرئيس أيزنهاور، عن هديه كنت قد أرسلتها له، مع سفيرنا في واشنطن، الدكتور أحمد حسين؛ وكانت تمثالاً لإلهة الحكمة، من آثار مصر القديمة … ومع خطاب الشكر هدية من الرئيس أيزنهاور، عبارة عن مسدس، غطيت قبضته بالفضة، ونقش عليه العبارة الآتية، بالإنجليزية (إلى الجنرال نجيب، من صديقه الجنرال أيزنهاور). وقال دالاس، وهو يقدم المسدس "إنه هدية عظيمة"، وعقب جفرسون كافري، السفير الأمريكي بالقاهرة، بقوله "إنها هدية نافعة، ولكن لتأييد السلام" … وقلت لهما، فوراً، وأنا أضحك، "إننا نستخدم السلاح فقط، في حالة الدفاع عن النفس".


وبدأ دالاس حديثه مشيداً بحركتنا، وما حققته في مجال الإصلاح الداخلي. ثم انتقل إلى الشيوعية وخطرها على الشرق الأوسط، قائلاً: "إن روسيا تريد السيطرة على العالم، عن طريق نشر الشيوعية. وإن أمريكا تقوم بعمل حزام حولها، للدفاع عن العالم الحر. إن الشرق الأوسط، يمثل جزءاً هاماً في هذا النزاع؛ وإنه يجب قيام حلف من الدول العربية، بزعامة مصر، لاستكمال هذا الحزام. وإن حكومة الرئيس أيزنهاور، عنيت بدراسة الدفاع عن الشرق الأوسط، بالاشتراك مع بريطانيا؛ وإن مسألة الدفاع عن هذا الجزء من العالم ورفاهيته، هي من المسائل التي تعنى بها الحكومة الأمريكية ". وكان دالاس يتحدث بلهجة التاجر، الذي يريد أن يروج لبضاعته".

ويستطرد الرئيس محمد نجيب، فيقول: "وكان ردي على دالاس، بأن الخطر الشيوعي، هو خطر محتمل؛ ولكن الواقع، الآن، هو أن الإنجليز يحتلون بلادنا، فعلاً، رغم إرادتنا، فهُم، الآن، أعداء لنا ... وإنه بديهي، أنه لا يمكننا التحالف مع أعدائنا. وقلت له إن جلاء الجيوش البريطانية، هو أهم شيء،أجمع عليه الشعب المصري. أمّا الحديث عن عمل حزام، حول الاتحاد السوفيتي، واشتراك مصر في حلف، مع العالم الحر، فهذا أمر لا يمكنني البحث فيه، الآن … ولكنني أعدك بدراسة هذا الموضوع، بعد جلاء الإنجليز، وتحرير إرادتنا. وأوضحت لدالاس أسباب قطع المفاوضات الأخيرة، ذاكراً له أن الإنجليز، قد وصلوا بالمفاوضات إلى طريق مسدود. وقال دالاس، إنه لا بدّ من وجود عمل، يتمشى مع السيادة الكاملة لمصر، مع جلاء القوات البريطانية، على أن ينظم هذا الجلاء، حتى تظل القاعدة الحربية الهامة، في منطقة القناة، بمستودعاتها، في أمان تام، وأن تكون ميسّرة لاستعمال "العالم الحر"، في حالة قيام حرب، في المستقبل. وختم دالاس حديثه راجياً مني، أن يخيم الهدوء على منطقة الشرق الأوسط، حتى يعود إلى واشنطن، ويجتمع بالرئيس أيزنهاور".

ويقول جفري أرونسن: أمّا الاجتماع، الذي استغرق ساعتَين، مع محمد نجيب، فقد كان أكثر تعرضاً لجوهر المسائل. أشار الرئيس نجيب، خلاله، إلى سقوط واشنطن من مكانها، في نظر العرب، نتيجة لسياستها إزاء فلسطين، وتأييدها لبريطانيا، وكيف أن ذلك، أدى إلى نفور الرأي العام من فكرة الأحلاف، التي تضم الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا.

وقال نجيب، إن الاتفاقات، لا تكون "محترمة"، إلاّ إذا كانت بين أطراف متساوية. وحذر دالاس بقوله: "لو قلت إنني سأدخل حلفاً، فإنني سأخسر كل أنصاري". وأعلن أنه عندما يتحرر الشعب، ويتخلص من شكوكه، فإنه "سيكون مستعداً لأن يثق في أي طرف، حتى المملكة المتحدة. حررونا من الاحتلال البريطاني، وعندئذ، نستطيع أن نتفاوض بحسن نية". وأعرب عن اعتقاده، أنه يمكن تطوير ميثاق الأمن الجماعي الغربي، إلى " شيء ما، طيّب". وأضاف قائلاً، إن حل الخلافات الإنجليزية ـ المصرية، من شأنه أن يحقق "ما تريدونه، وما نريده"، في الدول العربية.

وخلال اجتماع دالاس إلى الرئيس محمد نجيب، أبدى جمال عبدالناصر، نائب رئيس مجلس الوزراء، ووزير الداخلية، تسليمه بضرورة الدفاع عن الشرق الأوسط، واقتناعه، في الوقت نفسه، بأن أهل المنطقة، هم الذين يستطيعون الدفاع عنها؛ ويحق لهم، بعد أن يحددوا ضرورات أمنهم، أن يستعينوا على ذلك بمن يشاءون.

كما أكد جمال عبدالناصر لدالاس، أن العرب لا يرون أمامهم خطراً على أمنهم، غير خطر الاستعمار، الذي سيطر على أراضيهم، منذ القرن التاسع عشر وقبله. وفي حالة مصر، فإن الاستعمار البريطاني، فرض سيطرته المطلقة، لأكثر من سبعين عاماً؛ وليس من المعقول، أن نقفز، فجأة، فنقول لشعبنا إننا اكتشفنا له عدواً جديداً، هو الاتحاد السوفيتي وهو لَمّا يتخلص بعد من عدوه القديم، الاحتلال البريطاني، كما كان عبد الناصر قاطعاً، مع دالاس، في تأكيد أن النزعة القومية، التي تنتهجها ثورة يوليه، هي القوة الوحيدة، في مصر، القادرة على الحيلولة دون انتصار حركة ثورية، معادية، في جوهرها، للغرب؛ وأنه بدلاً من أن تنتهج الولايات المتحدة الأمريكية سياسات، تقوض الرصيد القومي لمجلس قيادة الثورة، فإنها ينبغي أن تساند جهوده، بتقديم الأسلحة والمعونات، وقبول الانسحاب البريطاني الكامل؛ من دون أي التزام رسمي مصري، تجاه منظمة دفاع الشرق الأوسط المقترحة، أو تجاه حلف البلقان.

وكان أشد ما يخشاه محمد نجيب، والقادة العسكريون، هو افتقار القادة العسكريون، إلى الحساسية، تجاه حاجات النظام، الذي لا يزال يفتقر إلى تأمين قيادته،ومنهمكاً في ارتجال السياسات، التي تستهدف تدعيم سيطرته. فحتى 30 أبريل 1953، كان هنري بايرود، مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى، يشير إلى أنه "إذا فشل نجيب"، فإن ذلك سيعنى أن الجيش قد فشل. وإذا فشل الجيش، فما من أحد يعرف ما سيحدث، بعد ذلك، في مصر.

وعلى الرغم من تأييد دالاس للموقف البريطاني، من قضية الجلاء عن الأراضي المصرية، فإنه كان يسعى إلى أن ينأى بالسياسة الأمريكية عن السياسة البريطانية؛ ويجاهر بأن الولايات المتحدة الأمريكية، على صلتها الوثيقة ببريطانيا، فإنها لا تقبَل السياسة البريطانية قبولاً آلياً. وهو ما تمثل في قوله: "إننا نشارك المملكة المتحدة تراثاً ثقافياً ودينياً، وهو ما يعطينا وجهة نظر متماثلة، إزاء معظم المشكلات؛ وذلك في الوقت، الذي نحتفظ فيه بحق ممارسة التقرير المستقل تماماً، في كل الحالات. ومن الخطأ أن يقول أحد، إن المملكة المتحدة، تقود الولايات المتحدة الأمريكية، من أنفها".


ثانياً: واشنطن ترسم خطاً جديداً للحزام الشمالي (التعاون العسكري والاقتصادي)

بعد أن غادر دالاس مصر، توقف في تل أبيب، ثم غادرها إلى الأردن وسورية ولبنان والعراق والمملكة العربية السعودية، حيث شعر بالكره الشديد، الذي يكنّه العرب للإسرائيليين؛ وسبر عمق عدائهم للإنجليز؛ وقلة اهتمامها بالاتحاد السوفيتي. وقد واصل دالاس تبشيره بالدفاع الجماعي، وتوّج رحلته بزيارات قصيرة إلى كلٍّ من الهند وباكستان وتركيا واليونان وليبيا.

وفي الهند، قال: "أعتقد أن من الأهمية بمكان، أن تنشأ منظمة دفاعية إقليمية، في الشرق الأوسط؛ إذ من المكلف جداً، أن تنشئ دوله مؤسسات دفاعية خاصة بها، بشكل منفرد". فالنظام الجماعي أقلّ نفقة، وأدعى للاعتماد عليه. وليس لدي تصورات محددة، بدقة، في شأن نوع المنظمة، التي ينبغي إنشاؤها؛، ولكنني آمل أن يكون هناك نوع ما من التطور الإقليمي، نحو الأمن الجماعي.

عاد دالاس إلى الولايات المتحدة، في أواخر مايو 1953، وهو يحمل انطباعات محددة عن الموقف في الشرق الأوسط، جعلته يدرك أن المشروع الإقليمي، يجب أن يتفق مع رغبات شعوب المنطقة؛ وأن أي محاولة لفرضه، ستكون عقيمة. لقد أيقن بأن هناك مدّاً واسعاً من الشعور المعادي للغرب، في المنطقة، هو الذي حمل معظم الدول على التنكر لأي مشروع دفاعي. غير أنه أيقن، كذلك، بأن الدول، التي تعرف باسم "الدول الشمالية"؛ وهي تركيا وإيران والعراق وباكستان، يمكن أن تنضم إلى منظمة دفاعية إقليمية.

وحفزت جولة دالاس، السياسة الأمريكية إلى تعديل خطوطها العامة. فاستبدلت تفاهماً ثنائياً، غير رسمي، في شأن التعاون، العسكري والاقتصادي، بفكرة إنشاء تحالف جماعي ملزم، في الشرق الأوسط، على غرار حلف شمال الأطلسي. وهذا "التفاهم غير الرسمي"، سيشكل الخطوة الأولى نحو "نظام دفاع إقليمي كامل" للمنطقة. وكانت الدول الأكثر رغبة فيه، تقع على الحافة الشمالية للمنطقة الشاسعة، التي زارها وزير الخارجية الأمريكي، جون فوستر دالاس؛ ففي العراق وباكستان، وإلى درجة أقلّ في سورية، كان التهديد السوفيتي أكثر استشعاراً، منه في مصر والبلدان الأخرى، الواقعة إلى الجنوب.

لاحظ دالاس، أن التعاون الأمريكي مع إسرائيل وبريطانيا وفرنسا، كان ذا أهمية كبيرة، بالنسبة إلى دول الشرق الأوسط. وتأكد أن أي نوع من أنواع التنظيم العسكري، يجب أن ينبع من داخل المنطقة نفسها. ورأى أن تركيا والعراق وباكستان، هي أكثر الدول، التي يحتمل أن تتعاون فيما بينها. لقد كانت انطباعات دالاس شاملة، إلا أنه نسي حقيقة مهمة، هي قوة القومية العربية، التي انتابها الشك في الأحلاف الغربية.

ويمكن تلمس الملامح الرئيسية للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، من خلال البيان، الذي أدلى به دالاس، في 29 مايو 1953؛ والخطاب، الذي ألقاه عبر الإذاعة، في الأول من يونيه 1953؛ وتوصياته، التي قُنّنت في وثيقة مجلس الأمن القومي، التي أقرها الرئيس أيزنهاور، في 11 يوليه 1953. وهي تتلخص في النقاط الآتية:

1. العديد من الصراعات الإقليمية، في الشرق الأوسط، ظلت انعكاساً للصراع الأمريكي ـ السوفيتي؛ فسُحُب الحرب الباردة، التي لم تسمح لدالاس إلا برؤية ذراع السوفيت الخفية، التي تستغل النزاعات الإقليمية؛ إن لم يكن هو نفسه الذي يحركها ـ ظلت ثابتة في مكانها. ولا يعني ذلك، أن دالاس، ظل غافلاً عن التناحر المرير، في النزاع البريطاني ـ المصري، أو الصراع العربي ـ الإسرائيلي؛ وإنما بدت له تلك الصراعات ظواهر عابرة، تستمد أهميتها من دعمها أو عرقلتها للجهود، التي تبذلها الولايات المتحدة الأمريكية، لكسب الحرب الباردة، أو استعداداً للحرب "الساخنة".

2. تعيين الشرق الأوسط، وجنوبي آسيا، أهدافاً حيوية، بالنسبة إلى المصالح الأمريكية، الخاصة بالحرب الباردة.

3. محاباة الدول، التي تأخذ بالتطور المنظم. والحركات القومية، التي تنطوي على السيطرة الاجتماعية، والتحركات الإصلاحية المعتدلة، والاهتمام بحماية المصالح، الاقتصادية والأمنية، الأمريكية ـ سيكون في مقدورها أن تطمئن إلى حظوتها لدى واشنطن.

واقترح دالاس استبعاد نفوذ بريطانيا وفرنسا وجيوشهما، من الشرق الأوسط؛ على أن يواكب ذلك دور أكبر لسياسة أمريكية، قوامها الحياد، وعدم التحيز في العلاقات بإسرائيل والعالم العربي، والحفاظ على وحدة الثلاثة الكبار. وأكد أن وجود القوات البريطانية في الشرق الأوسط، هو "عامل اضطراب، أكثر منه عامل استقرار"؛ وأن العامل الإسرائيلي، وارتباط الولايات المتحدة الأمريكية، في أذهان شعوب المنطقة، بالسياسات الاستعمارية، الفرنسية والبريطانية ـ "هما عبء ثقيل معلق في أعناقنا"؛ وأن المنطقة بأسرها، تقريباً، تجتاحها روح ثورية متعصبة، تجعلها تضخم من مشكلاتها المحلية، وتقلل من الخطر السوفيتي. وارتأى الوزير الأمريكي، في ختام اقتراحه، أن تبادر واشنطن إلى:

  1. السعي، بكل الوسائل الممكنة، إلى تهدئة مخاوف العرب، إزاء الأهداف الإسرائيلية، مستقبلاً؛ وإقناعهم بأن الولايات المتحدة الأمريكية، تعمل وفقاً لسياسة عدم تحيز حق.
  2. بذل كل جهد ملائم، لإيجاد حل، أو على الأقل تخفيف ما تعانيه مصر وإيران والمملكة العربية السعودية، وكذلك، العلاقات الهندية ـ الباكستانية.
  3. تقديم كميات صغيرة، من مخصصات التنمية الاقتصادية، إلى دول معينة في المنطقة؛ وتشجيع استخدام أموال النفط، حيثما تتوافر، في أغراض التنمية الاقتصادية؛ والحرص على استخدام أموال المساعدات الأمريكية، في تطوير مشروعات المياه، التي ستخفف من المشكلات المحددة، مثل إعادة توطين اللاجئين، ومن مصلحتنا أيضاً تقديم كميات صغيرة من المعدات العسكرية؛ وإيثار بعض الدول المختارة، بكميات محدودة من المعدات العسكرية، تستخدم في بسط الأمن الداخلي، وتقوية الدفاع عن المنطقة، واكتساب ميزات سياسية.
  4. الإقرار بأن الدول العربية، لن تنضم، علناً، في هذا الوقت، إلى ترتيبات دفاعية، بالاشتراك مع القوى الغربية؛ ما يشكل فجوة خطيرة في الحزام الشمالي، الذي يتسم، أصلاً، بالحساسية إزاء التهديد السوفيتي. لذلك، لا بدّ من تلافي الانبهار بمفاهيم، لا أساس لها في الواقع؛ والسعي، من خلال تدابير، كالتي سبق ذكرها، إلى تحسين الموقف العام، من دون مطالبة أحد بمقايضة محددة. وعندما تُطلب ضمانات محددة من الدول المحلية، فإنها يجب أن تكون بسيطة، ومباشرة، وغير مفرطة في نزعتها القانونية. لسنا، بوجه عام، في وضع، يسمح لنا بأن نطالب بعائد محدد لاستثماراتنا، في هذه المرحلة. والفرصة الوحيدة المتاحة، هي أن نمضي قُدماً، ونحن نظهر الثقة والصداقة والأمل، لكي نحقق النتائج المرجوة.


ثالثاً: تنظيم شبكة جديدة، من دول الشرق الأوسط

واصل الأمريكيون، عقب جولة دالاس في الشرق الأوسط، تأييد استراتيجية بريطانيا وموقفها في السويس. بيد أنهم قرروا انتهاج سياسة مستقلة في المنطقة، تتيح لهم التغلغل فيها، بمعزل عن البريطانيين؛ فجهدوا في إنشاء تعاون عسكري أوثق، مع دول "الحزام الشمالي؛ ونشطوا إلى كسب النفوذ، في منطقة الهلال الخصيب. وعزمت إدارة الرئيس إيزنهاور، في أواخر يوليه 1953، على ملء الفراغات الإستراتيجية"، في الشرق الأوسط، وجنوب شرقي آسيا "بتحالفات إستراتيجية جديدة".

وفي منتصف نوفمبر، أُوفِد الأدميرال رايت، قائد البحرية الأمريكية في البحر الأبيض المتوسط، إلى الشرق الأوسط، ليحذر من أخطار الفراغ الإستراتيجي، وليجري محادثات حول فكرة التحالف الجماعي. وفي وزارة الخارجية الأمريكية، أكد بايرود الأنباء الصحفية المتوالية، عن تشكيل تحالف، يضم تركيا وإيران والعراق وباكستان؛ ويحول دون تعرّض أوروبا لعملية التفاف، من جانب قوى معادية، في غربي آسيا.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

رابعاً: التوسع الأمريكي في الشرق الأوسط

أنجز دالاس أولى مآثره، في "الحزام الشمالي"، في أبريل 1954، حينما وقعت تركيا وباكستان معاهدة صداقة وتعاون بينهما، لتحقيق الأمن المشترك؛ لا تعدّ تحالفاً عسكرياً؛ وإنما هي تنطوي على تعاون سياسي، وتشاور عسكري؛ ولا تتضمن تخطيطاً دفاعياً مشتركاً، بل هي إعراب عن تقدير طرفَيها "للأخطار الخارجية المشتركة، وتهديدات التخريب الداخلي". وأعقب ذلك الإعلان، في بغداد، في 25 أبريل 1954، أن واشنطن، وافقت على إمداد العراق بالأسلحة. وسارع الأمريكيون إلى عقد مؤتمر، في إستانبول، في منتصف مايو 1954، استمر أربعة أيام، وحضره ثلاثة عشر من رؤساء البعثات الأمريكية إلى المنطقة الممتدة من اليونان حتى باكستان. وخلال المناقشات، ذكر أن مساعد وزير الخارجية الأمريكية، بايرود، أعلن أن واشنطن، تعدّ حلف أنقرة ـ كراتشي، هو أهم تطور في الشرق الأوسط، منذ الحرب العربية ـ الإسرائيلية، عام 1948؛ وأنها تأمل توسيعه، ليشمل دولاً أخرى في الشرق الأوسط، وبخاصة إيران والعراق؛ وهو، بالنسبة إلى السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، يماثل معاهدة الدفاع الأوروبي، بالنسبة إلى سياسة واشنطن في أوروبا.

وأعرب المسؤولون، في هذا المؤتمر، عن ثقتهم بأن الانتخابات المقبلة، في العراق، ستخلق المناخ السياسي الداخلي، الضروري لالتحاق العراق بالتحالف، الذي سيملأ الفراغ، الذي خلقته منظمة دفاع الشرق الأوسط، والجامعة العربية "العاجزة"؛ وسيلفت العرب عن ميثاق الأمن الجماعي العربي، ويحول اهتمامهم بعيداً عن إسرائيل؛ وسيضمن لباكستان، الموالية لواشنطن، قيادة العالم الإسلامي، بعد تفوّقها على مصر، التي قد تفقد تأييد الجامعة العربية؛ فتضطر إلى الاكتفاء بالزعامة "الإسلامية لأفريقيا".

على الرغم من أن الحلف الباكستاني ـ التركي، كان، من الناحية العسكرية ـ الإستراتيجية، عديم الفائدة، لا يعني سوى "تقنين للضعف"؛ فإنه أثار حفيظة بريطانيا وامتعاضها؛ إذ رأى البريطانيون، أن السياسة الأمريكية المستقلة، لن تضر بما تبقى من نفوذ بريطانيا في المنطقة فحسب، بل إنها تتعارض، كذلك، مع إستراتيجيتها الدفاعية، التي تتركز على السويس. وكتب جيمس سبين، في "الميدل إيست جورنال"، يقول: "من الواضح، أن فكرة "الحزام الشمالي" الأمريكية، لا تنسجم مع سياسة، تتركز على السويس ... فنقل البؤرة الأولية في الخطط الدفاعية الأمريكية، من قاعدة القناة، إنما يقلص القوة البريطانية تجاه مصر، وينزل بنزاع السويس إلى مجال مجادلات القوى الاستعمارية الأوروبية، بدلاً من مجال التنظيم الدفاعي المشترك. إن مد النفوذ الأمريكي المباشر إلى جنوبي آسيا، يكمل "الاستيلاء" الأمريكي على الشرق الأوسط".

أمّا في العالم العربي، فقد قبِل المعاهدة الباكستانية ـ التركية، مبدئياً، كلٌّ من الأردن وسورية والمملكة العربية السعودية. وأعربت مصر عن مخاوفها من تلك المعاهدة. وأبلغ، وزير الخارجية المصري، الدكتور محمود فوزي، السفير الأمريكي لدى القاهرة، كافري، أن مصر ستقاوم "بكل الوسائل" اشتراك العراق في الحلف التركي ـ الباكستاني. كما أعلنت اللجنة السياسية، في جامعة الدول العربية، تحت قيادة مصر ـ معارضتها انضمام أي دولة عربية إلى أحلاف دفاعية غربية. وكذلك، لم ترحّب القاهرة بإمداد العراق بالأسلحة الأمريكية.

خامساً: الجلاء عن مصر، والدخول الأمريكي إلى المنطقة

تحثّ إحدى الوثائق الإستراتيجية الأمريكية، التي أقرها مجلس الأمن القومي الأمريكي، في 23 يوليه 1954 ـ الولايات المتحدة الأمريكية على "ربط مصر بالترتيبات الدفاعية، إذا ما طلبت ذلك. وأن نوضح لها، أن مفهوم "الحزام الشمالي"، لا يقلل من الأهمية، التي توليها الولايات المتحدة الأمريكية لتقوية مصر ... الاستمرار في تقديم المعونات العسكرية للدول، التي تُشكل "الحزام الشمالي" (تركيا وباكستان وإيران والعراق). وتقديم المساعدات العسكرية، عندما تدعو لذلك التطورات الخاصة بقاعدة السويس ...".

وعلى أثر توقيع "الاتفاق الإنجليزي ـ المصري"، في 27 يوليه 1954، سارع الرئيس الأمريكي، أيزنهاور في اليوم التالي، إلى الإشادة باتفاقية الجلاء، بين مصر وإنجلترا، قائلاً: "أعتقد أن الآمال الوطنية المشروعة، كانت موضع صيانة (في الاتفاقية)؛ وأن متطلبات الدفاع الغربية، كانت موضع رعاية. وآمل، الآن، مخلصاً، أن يكون في مقدور مصر، أن تمضي قُدماً، من الفور، مع أصدقائها، في تحسين وضعها، الاقتصادي والأمني. أنني سعيد جداً بذلك".

وفي اليوم نفسه، أصدر جون فوستر دالاس، بياناً، يؤكد، من جديد، سعادة الولايات المتحدة الأمريكية بالاتفاقية، واهتمامها بتقديم المعونة، قائلاً: "إن ما حدث، هو خطوة كبرى في تطور العلاقات، بين بلدان الشرق الأدنى ودول الغرب. وإن هذه الاتفاقية، قد قضت على مشكلة، لم تكن تؤثّر في العلاقات، بين المملكة المتحدة ومصر فحسب، بل في علاقات الدول الغربية بالدول العربية، كذلك. وآمل أن تكون بداية حقبة جديدة، من التعاون الأوثق، بين دول الشرق الأدنى ودول الغرب".


سادساً: محاولة إشراك مصر في تحالف أمريكي

بعد توقيع اتفاقية الجلاء المصرية ـ البريطانية، نشطت الولايات المتحدة الأمريكية، لإشراك مصر في تحالف أمريكي، متجاهلة القيود المفروضة على جمال عبدالناصر؛ واعتقاد رجال الثورة المصرية، أن الدفاع عن المنطقة، يأتي من الداخل، بالاعتماد على دولها. وحاول جمال عبدالناصر، أن يشرح ذلك للأمريكيين؛ وقال لمراسل "نيويورك تايمز"، كينيت لاف، بعد التوقيع بالأحرف الأولى على اتفاقية الجلاء: "بعد تسوية السويس، خلا الطريق من كل ما يعوق إنشاء علاقات طيبة مع الغرب. ولكن هذا الإصرار على الأحلاف، لن يؤدي إلاّ إلى إبقاء الشكوك القديمة حية في أذهان الشعب؛ والشيوعيون يعرفون جيداً كيف يستغلون مثل هذه الشكوك".

وبادر السفير الأمريكي، كافري، في اليوم نفسه، الذي وقعت فيه اتفاقية الجلاء ـ إلى إبلاغ وزير خارجية مصر، محمود فوزي، استعداد الولايات المتحدة الأمريكية، للبدء بمناقشات في شأن المعونة، التي حُددت قيمتها في مذكرة، قدّمها دالاس إلى الرئيس الأمريكي، أيزنهاور، في 6 أغسطس 1954؛ والبالغة 20 مليون دولار لمرافق التنمية ومثلها في المجال العسكري.


وفي الوقت، الذي بدأت فيه المفاوضات الأمريكية ـ المصرية، في شأن المعونة، كُلف هربرت هوفر، وكيل وزارة الخارجية الأمريكية، بالإشراف على برنامج المساعدات الخارجية؛ فوضع لها شروطاً، لا تبيح إعطاءها، إلاّ للدول التي تتعاون مع الخطط العسكرية الأمريكية؛ وإلاّ عُدَّت تبذيراً. ولم تكن المعونة المخصصة لمصر، استثناء من هذه القاعدة؛ فوثائق مجلس الأمن القومي الأمريكي، توضح أن واشنطن مستعدة لتوفير مساعدات متزايدة لمصر، لسببَين:

  1. قدرتها المتزايدة على أداء دور مهم، في التعاون مع الغرب على ترتيبات الدفاع عن المنطقة.
  2. تقوية اقتصادها ووضعها الأمني، لتكون قادرة على الإسهام في الحفاظ على المصالح الأمنية الغربية، في الشرق الأدنى.

سابعاً: المعونة العسكرية لمصر

رهنت الولايات المتحدة الأمريكية، المعونة العسكرية لمصر، بضرورة التزامها متطلبات تشريع الأمن المتبادل الأمريكي؛ ما حال دون الاتفاق في شأن تلك المعونة.

وفي أوائل نوفمبر 1954، بذلت محاولات لحل الخلافات؛ اضطلع بإحداها إيفلاند وجيرهارد (كمبعوثين لوزارة الدفاع الأمريكية)، اللذان حاولا إقناع جمال عبدالناصر بضرورة وجود فريق عمل (مستشارين)، سيبقى في مصر ريثما يسلّم الأسلحة للوحدات. ولكن عبدالناصر، اعترض على هذا الاقتراح.

وذكر مايلز كوبلاند مهمة هذه البعثة بشيء من التفصيل، مُبْرزاً التناقضات الأمريكية ـ المصرية، إذ يقول: "شرح بيل إيفلاند لكلٍّ من جمال عبدالناصر؛ ورئيس أركانه، عبدالحكيم عامر؛ ومساعده، حسن التهامي … أن الدفاع الإقليمي، هو النوع الوحيد، الذي يمكن أن يكون فعالاً، في الشرق الأوسط؛ فالقدرات العسكرية المنفردة لكل دول الشرق الأوسط، إذ ما أضيف بعضها إلى بعض، فإنها ببساطة، لن تفيد أحداً، ولا سيما مصر".


ورد عامر قائلاً: "إن ترتيباً إقليمياً، قد يخدم أغراضكم أنتم. وقبل أن نقول ما الذي يخدم أغراضنا، فإننا نودّ أن نعرف من الذي سنقاتله؟ من الذي سوف نقاتله؟" .. واعترف جيرهارد وإيفلاند، بأن من "فرضيات التخطيط"، في واشنطن، أن الروس سيكونون العدو؛ ولكن، ليس هناك ضرورة لقول ذلك، بصراحة، في الخطط الإقليمية. وقال جيرهارد: "إن توقعنا يتمثل في أن تكون ترتيباتكم الدفاعية الإقليمية، موجهة إلى أي عدو يظهر في الأفق. وسنجازف، فنترك التعرف بالعدو المشترك، إلى لحظة ظهور خطر حقيقي".

واستبعد جمال عبدالناصر، الذي كان يجلس هادئاً، خلال المناقشة، ذلك الغموض النظري، الخاص "بالعدو"؛ فالمخططون العسكريون العرب، سيرون إسرائيل هي العدو؛ بينما سيشغل الإستراتيجيون الأمريكيون أنفسهم بالاتحاد السوفيتي.

وقال عبدالناصر: "سيقول العرب، إنكم تحاولون توحيدهم، لكي يحاربوا عدوكم أنتم. ولو أظهروا أي نية في محاربة عدوهم هم، فإنكم ستوقفون كل المعونات، من الفور؛ وأي اتفاقية عسكرية إقليمية، لا تضع هذا الموقف في حسبانها، ستكون خدعة".

ورداً على ما نقل عن دالاس، أن العرب "ينبغي أن يدركوا، أن عدوهم الحقيقي، هو الشيوعية الدولية"، قال عبدالناصر: "في هذه المنطقة، لا نعرف سوى عدوَّين: الإسرائيليين، الذين لا نزال في حالة حرب معهم، من الناحية الفنية؛ والبريطانيين، الذين يحتلون أرضاً عربية. إن العرب لا يعرفون أي شيء عن الروس؛ ومن الحماقة إثارة خوفهم من غزو سوفيتي!!".

وراح إيفلاند يكرر الموقف الأمريكي، أن المعونات، الاقتصادية والعسكرية، لدول الشرق الأوسط، ستتلاءم مع مدى مواءمة كلٍّ من هذه الدول لخطط الدفاع الأمريكية، المعادية للسوفيت.

فردّ عبدالناصر، قائلاً:

"ربما يكون نوري باشا مستعداً لاتخاذ قراراته، على أساس ما إذا كانت تتفق أو لا تتفق مع إستراتيجيتكم العالمية. ولكنني، لست مستعداً لذلك؛ فإنني أعتزم أن أصدر حكمي على القضايا، حسب وقائعها الموضوعية؛ وألاّ أتخذ قراراتي، إلاّ على أساس ما هو مفيد لمصر. والتمتع بهذا النوع من الحرية، هو هدف، لا يقلّ، في أهميته، بالنسبة إلينا، عن الازدهار الاقتصادي. وإضافة إلى ذلك، وعلى الرغم مما تقولان، فإنني أعتقد، أن حكومتكما ستكون، على المدى البعيد، أكثر عوناً لدولة حرة، منها لدولة تابعة".

وقال إيفلاند:

"هراء. ليس هناك شيء، من قبيل "الاستقلال" الكامل لأية دولة في هذا العالم؛ وبالذات لدولة، تعتمد على المعونة الخارجية، مثل مصر". واشترط، لإعطاء المعونة الاقتصادية، أن تراعي الدولة، التي مُنِحتها، المصالح الأمريكية؛ وإلاّ فهناك أُخريات، سيفعلن ذلك، لدينا، بالفعل: العراق ولبنان والأردن والمملكة العربية السعودية وتركيا وإيران وباكستان".

واستغل جمال عبدالناصر وصول نورمان بول، في منتصف نوفمبر 1954، ليعرض، من جديد، المنطق، الذي يكمن وراء رفضه قبول الشروط، المرتبطة بمَنْح المعونة العسكرية الأمريكية. وكان بول، مدير قسم الشرق الأدنى، في إدارة العمليات الخارجية والمعونات الاقتصادية، في وزارة الخارجية ـ يزور القاهرة، لمتابعة أمور تتصل باتفاقية المعونة الاقتصادية، التي أعلنت في 6 نوفمبر. ولذلك، لم يكن مستعداً، على الإطلاق، لمناقشة جمال عبدالناصر، في قضية المعونة العسكرية الأمريكية. وهكذا، أخفقت البعثات الأمريكية. وتبددت الآمال المصرية؛ وإذا الطرفان كل في طريق.

المبحث الرابع: مكونات الحلف ونشاطه

أولاً: التمهيد لعقد الحلف

اتسمت المباحثات، بين الولايات المتحدة الأمريكية، والدول المتاخمة للاتحاد السوفيتي، في الشرق الأوسط وغربي آسيا ـ بثنائية مظهرها. إلاّ أن ثنائيتها، اقتصرت على ما يتعلق منها بالمعونات والإمدادات العسكرية؛ إذ انطوت على تشجيع حلف دفاعي، متعدد الأطراف، معادٍ للسوفيت، تموله واشنطن. <o:p></o:p>


1. الاتفاق الباكستاني ـ التركي

ومع الأشهر الأولى من عام 1954، اكتسبت المبادرة الأمريكية، على امتداد "الحزام الشمالي"، حظاً وافراً؛ على الرغم من تنكر مصر لها، ومعارضة الهند لما يتعلق منها بتسليح باكستان. فأعيد تنصيب شاه إيران وتسليحه، لحماية بلاده، الموالية لواشنطن؛ والعراق يسعى إلى معونة عسكرية أمريكية؛ والمملكة العربية السعودية، توشك أن تتوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية، في شأن الأسلحة.

أمّا باكستان، التي أُعلن، في ديسمبر 1953، تحوُّلها إلى "دولة إسلامية" ـ فتحمست للمعونة الأمريكية، بالشروط الأمريكية. فهلّلت واشنطن لذلك؛ إذ إن باكستان "الإسلامية"، التي تعززها المساعدات الأمريكية، العسكرية والاقتصادية، يمكنها أن تقود الدول العربية، بعيداً عن المعسكر المحايد، إلى المعسكر الغربي؛ خاصة أن نفوذها، المتنامي في العالم العربي "ربما بات ينافس حتى نفوذ مصر؛ فمع سكان يناهزون الثمانين مليوناً، ويكوّنون شعوباً ذات قدرات عسكرية بارزة، ونزعات نحو النوع الغربي من التطور المادي؛ ما يجعلها مرشحة للنهوض بدور قوة إسلامية قائدة".

وسرعان ما أعلنت باكستان، في 19 فبراير 1954، عزمها على عقد معاهدة مع تركيا؛ وصفها رئيس الوزراء الباكستاني، محمد علي، بأنها، "في المقام الأول، اتفاقية للتعاون الودي، الذي لا يلزم الدولتَين بالتزامات دفاعية رسمية". وبعد ثلاثة أيام (22 فبراير 1954)، طلبت باكستان أسلحة، بموجب تصريح الأمن المتبادل الأمريكي. فأقر أيزنهاور الطلب الباكستاني، في 25 فبراير 1954. وفي مقابلة مع "الصنداي تايمز"، دعا وزير الخارجية الباكستاني، ظفرالله خان، في 14 مارس 1954، الدول "ذات التفكير المماثل" لأن تنتهج النهج التركي ـ الباكستاني، الذي سيأخذ شكله الرسمي، في 2 أبريل 1954، بتوقيع معاهدة الدعم المتبادل بين البدلين. وتمادت باكستان في اندفاعها، فزار وزير خارجيتها مصر، لإقناعها بالتخلي عن دورها، في الدفاع عن المنطقة، لتضطلع به كراتشي. ولكن، خاب سعيه.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

2. المباحثات العراقية ـ الأمريكية

انطلق رجال تركيا وباكستان، في رحلات مستمرة إلى الدول العربية، ينشرون الدعاية لميثاقهم ويحاولون إغراء بعض حكوماتها به. فقوبلوا بالصد؛ وشذت حكومة بغداد وحدها؛ إذ رغبت في الانضمام إليه. وتكشف وثائق الخارجية الأمريكية النقاب فأجرى السفير الأمريكي لدى بغداد بيري، مباحثات، في 22 فبراير 1954، مع الملك فيصل؛ ووليّ العهد، عبد الإله؛ ورئيس الوزراء العراقي، نوري السعيد، في خصوص طلب العراق مساعدات عسكرية أمريكية، كمنحة، استعداداً للانضمام إلى الحلف التركي ـ الباكستاني … ووافقت الولايات المتحدة الأمريكية على ذلك.<o:p></o:p>

وفي 22 مارس 1954 أذيع، في واشنطن، "أنه اتٌّفق على ضم حكومة العراق إلى الحلف التركي ـ الباكستاني، مقابل مد الولايات المتحدة الأمريكية لها بالسلاح". وأنكر رئيس الوزراء العراقي، الدكتور محمد فاضل الجمالي، تلك التصريحات، وتنصل منها. إلاّ أن زيارة الملك فيصل إلى باكستان، في 12 مارس 1954، أي قبل أن تذيع واشنطن ما أذاعته بعشرة أيام، جاءت مؤيدة لها. واللافت في تلك الزيارة الرسمية مشاركة نوري السعيد فيها (ولم يكن يتقلد منصباً في الدولة)، وسفره مع الملك، بدلاً من رئيس الوزراء، أو وزير الخارجية، اللذَين كان يجب أن يصحباه.

واغتنم نوري السعيد الزيارة، فتحدث إلى الصحافة الباكستانية، مؤيداً الميثاق المعقود بين تركيا وباكستان، فقال: "إن الكتلة الجديدة، ستكون أقوى ما عرفه الشرق الأوسط". وفي 24 مارس، عقد رئيس الحكومة العراقية، الدكتور محمد فاضل الجمالي، مؤتمراً صحفياً، فأعاد ما كان قاله، وأكد أن العراق، لم يُدعَ إلى المشاركة في الحلف، ولم يشترك فيه. وقال عن سفر نوري السعيد مع الملك، إنه ذهب للدراسة، ولم يفوض عقد أي اتفاق.

3. اجتماع مجلس الجامعة

مظاهرة ضد حلف بغداد في دمشق، 1958.

اجتمع مجلس جامعة الدول العربية، في دورة غير عادية، في 26 مارس 1954، للنظر في الحلف التركي ـ الباكستاني. وأكد العراق، في الاجتماع، عدم اعتزامه المشاركة في هذا الحلف .. كما نفى إزماعه عقد اتفاق للتعاون العسكري مع حكومة الولايات المتحدة الأمريكية. وأذاعت جامعة الدول العربية بياناً رسمياً، في شأن ذلك، في الأول من أبريل 1954؛ لم يلقَ أي ارتياح في واشنطن، التي لا تزال تطمع في انضمام الدول العربية إلى أحلافها. <o:p></o:p>

4. غضب الولايات المتحدة الأمريكية

فوجئت حكومة واشنطن بتصريحات العراق، في اجتماع مجلس جامعة الدول العربية، التي أثارتها، فأخرجتها عن دبلوماسيتها، في وصف موقف حكومة العراق. فقد أرسل جون فوستر دالاس، وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية، إلى سفيره لدى العراق، بيرتون بيري، بتعليمات واضحة، في خصوص الحلف التركي ـ الباكستاني، واتفاقية المساعدة العسكرية، قال فيها:

"لقد تزايد قلقنا، باطراد، من الموقف الجبان، الذي تقفه الحكومة العراقية، في شأن اقتراحنا الخاص باتفاقية المساعدة العسكرية. وقد عزّز هذا القلق، إلى حدّ بعيد، بيان الجامعة العربية، الذي أصدرته في الأول من أبريل، في القاهرة، والذي ينص في جزء منه على ما يلي: "إن المسألة الأولى، التي بحثتها اللجنة، تتعلق بالشائعات، التي ترددت، مؤخراً، عن إمكان انضمام إحدى الدول العربية إلى الحلف التركي ـ الباكستاني؛ وما يتعلق باحتمال توقيع اتفاقية للتعاون العسكري، قريباً، بين دول عربية، من ناحية، والولايات المتحدة الأمريكية، من ناحية أخرى. إن جميع ممثلي الدول العربية في اللجنة، يعلنون أن هذه الشائعات زائفة، ولا أساس لها من الصحة. أمّا فيما يتعلق بالحلف التركي ـ الباكستاني، فإن الممثل العراقي، قد أكد، باسم حكومته، ما أعلنه رئيس مجلس الوزراء العراقي، وهو أن العراق، لم يُدعَ للانضمام إلى هذه الحلف؛ وأنه لم يبحث الانضمام إليه؛ وأن كل شيء، قيل في شأن صلة العراق بهذا الحلف، لا أساس له".

إن الحكومة العراقية، تفتقر إلى الشجاعة الضرورية، وإلى الثقة بالذات، لتنفيذ البرنامج الدفاعي الملائم، وإتباع السياسات الضرورية للدفاع عن المنطقة.

وأبرق السفير الأمريكي لدى بغداد، في 16 أبريل 1954، إلى وزارة الخارجية الأمريكية، قائلاً:

"لقد فشلت السفارة ... في إقناع وزارة الخارجية العراقية، بمدى أهمية اتفاقية التعاون العسكري الثنائية، الأمريكية ... إن الاتفاقية هي الحجر الأساسي لبنيان، نشيده في الشرق الأوسط، قادر على وقف تقدم الشيوعية ... ومن طريق نفوذنا، الذي نمارسه ممارسة متزايدة على العراقيين، الذين يصرون على الارتباط بنا على نحو أوثق، سنتمكن من جذب انتباههم إلى التركيز في أخطار الشيوعية، والحاجة إلى محاربة هذا الخطر، عبر الإصلاح الداخلي. إن هذا التناول، إذ طبق بمهارة ودأب، يمكن أن يحطم الحلقة العربية العدائية، المحيطة بإسرائيل، ويضمن لها، بالتعاون معها، البقاء السلمي.

إن سحب العرض الأمريكي للمساعدة العسكرية للعراق، سيسفر، محلياً ... عن تكذيب للاعتقاد بضرورة تفهّم أكبر لوجهات النظر العربية، وهو الاعتقاد، الذي كان قد ازدهر، بعد زيارة الوزير دالاس إلى المنطقة .. وليس من شأن هذا النبأ، إلاّ أن يزيد من إحباط وتيقظ رئيس الوزراء (العراقي)، محمد فاضل الجمالي، الذي كان قد رحّب، من البداية، بالاتفاقية وقبِلها؛ ولم يطلب إلاّ تغيير في الصياغة ـ لزيادة قدرته على بيعها للرأي العام. ومن ثَم، فإنني أخشى أن يستقيل، بعد وقت قصير؛ وبذلك، فإننا سنفقد أشد زعماء العرب على الشيوعية، وأكثر المسؤولين العراقيين اقتناعاً بالرغبة في تعاون عربي مع الغرب.

ومن المحتمل أن يخلفه، كرئيس للوزراء، واحد من "العصابة القومية". وستتيح هذه الفرصة ... بزوغ مصالح القوميين والشيوعيين، في جبهة مشتركة، وبداية الحكم بواسطة أعمال الغوغاء ...".

وأتبَع بيري برقيته بأخرى، في 18 أبريل 1954، قائلاً:

"زرت، صباح اليوم، رئيس الوزراء، الجمالي. وأبلغته أنني تلقيت تعليمات بوقف المفاوضات، مؤقتاً، في شأن اتفاقية التعاون العسكري. وقلت له إنني أفترض، أن واشنطن في صدد عملية إعادة نظر أساسية للمسألة برمتها.

وأضفت أنني أخمن، أن بيان الجامعة العربية، الصادر في الأول من أبريل؛ وقد تلوته عليه، لحظتها ـ له شأن بالأمر. وقد يبدو أن الوقت ملائم ليبادر العراق إلى التشاور مع تركيا وباكستان، وتحديد ما إذا كان يرغب، أو لا يرغب، في ربط نفسه، بشكل مُرض، باتفاق التعاون المتبادل، قبل أن نحاول اللجوء إلى تحرك آخر، في تفاهمنا العسكري معه.

وقال رئيس الوزراء (العراقي)، إنه لا يوجد شيء يستطيع قوله، رداً على ذلك، سوى "أننا نخسر الوقت". ولم يعقب على اقتراحي، أن يسعى للتباحث مع تركيا وباكستان.

إنه حينما أصبح رئيساً للوزراء، طوّر ثلاثة مجالات، لمحاربة الشيوعية في العراق. وهي:

أ. تطوير التنظيم والاستقرار السياسيين.

ب. تطوير البلاد.

ج. تطوير القدرات الدفاعية، مع التحالفات الدولية، اللازمة لهذه الغاية. ذلك، فقد عقب بأنه يميل إلى الاعتقاد، أننا نحمِّل بيان القاهرة أكثر مما ينبغي ... ومع ذلك، فإنه يشعر أن قرار وقف المفاوضات، لم يصدر بسبب هذا البيان، ولا بسبب الإجراء، الذي اتخذته الجامعة العربية، ولا نتيجة لأحداث محلية؛ إنما صدر عن "تيارات مشؤومة"، في واشنطن، تحت ضغوط إسرائيلية".

5. الرياض تنذر القاهرة

كانت الرياض، هي الأحرص على تتبّع تحركات بغداد؛ فضلاً عن صِلاتها القوية بما يجري في دمشق وبيروت وعمّان.

وبدأت تترى رسائل الملك سعود إلى جمال عبدالناصر. وكانت أولاها في 17 مايو 1954، تُعلمه أن:

"حكومة العراق، أعلنت، أمس، أنها قبلت عرضاً من الحكومة الأمريكية، بتزويدها وإمدادها المساعدات العسكرية؛ وأن هذا جاء نتيجة لقبول العراق أن ينضم لحلف تركيا ـ باكستان، الذي يفترض أن تنضم إليه بلاد الشرق الأوسط جميعاً ... فما هو الرأي في هذا الموقف؟ وما هي التدابير، التي يمكن بها الحيلولة دون تحقيق هذه الغاية، سواء بالمفاهمة مع الحكومة العراقية، أو بالدعاية لدى الشعب العراقي؟ ... ونعتقد أن الدافع لهذا، هو الضغط الأمريكي ـ الإنجليزي، للتفاهم مع إسرائيل".

وما لبث السفير السعودي لدى القاهرة، أن قابل الرئيس جمال عبدالناصر، تنفيذاً لتعليمات الملك سعود، القائلة:

"قابِل السيد الرئيس جمال عبدالناصر. وأخبره ... أن قبول العراق بعدم استعمال السلاح ضد إسرائيل، التي لا يوجد عدو غيرها للعرب، لما يدل على خروجهم (أي العراقيين) عن الضمان الجماعي، وخروجهم عن الضمانات، التي التزموا بها، كسائر الدول العربية. وربما يكون وراء هذه الخطوة، ما هو أعظم منها، وهو انضمام العراق إلى الحلف الباكستاني، والسَّير وراء المستعمِر لتحقيق مصالحه".

وأيقن جمال عبدالناصر، أن غاية السياسة الأمريكية، هي تقييد المنطقة بسياسة الأحلاف؛ فضلاً عن تطويق مصر، لتصبح وحيدة في مواجهة إسرائيل.

6. محاولة التطويق

فناصر كل مناوأة لتلك السياسة؛ فأيد أحزاب المعارضة العراقية، التي وجهت تحذيراً إلى نوري السعيد، من عواقب الانضمام إلى الحلف العسكري، الموقع بين باكستان وتركيا؛ لكونه حلفاً، لا يخدم مصالح الأمة العربية. وحذر الرئيس المصري حكومة العراق، من الانضمام إلى حلف غير عربي. <o:p></o:p>

7. محاولة تطويق مصر

ولكنه فوجئ، في 9 سبتمبر 1954، بخطوتَين، غرب الحدود المصرية، حيث وقعت الحكومة الليبية، برئاسة مصطفى بن حليم، اتفاقاً عسكرياً، منح الولايات المتحدة الأمريكية قاعدة ضخمة في طرابلس؛ واتفاقية دفاع مشترك، بين ليبيا وتركيا. وكان معنى ذلك، أن الخطوة الأولى، في محاولة تطويق مصر، قد بدأت على حدودها الغربية؛ إذ أصبح على أرض ليبيا قاعدتان أجنبيتان؛ إحداهما أمريكية، في طرابلس؛ والثانية بريطانية، في بنغازي. ناهيك من أن ليبيا نفسها، باتت ترتبط، على نحو أو آخر، بالحلف التركي ـ الباكستاني؛ لارتباطها باتفاقية دفاع مشترك مع تركيا.

8. مؤتمر "سرسنك"

وأوفدت الحكومة المصرية، في 15 أغسطس 1954، وفداً، على مستوى عالٍ، برئاسة صلاح سالم، عضو مجلس قيادة الثورة المصرية، إلى العراق حيث التقى، في "سرسنك"، في الموصل، رئيس الحكومة العراقية، نوري السعيد؛ وشاكر الوادي، وزير الخارجية العراقية، بالنيابة؛ ورفيق عارف، رئيس هيئة الأركان العامة العراقية.

وخلال المحادثات، أعلن رئيس الوفد، أن مصر أطلعت حكومات الغرب، على وجهة نظرها في مشروع الدفاع عن البلاد العربية؛ فهي ترى أن الدفاع عنها، يجب أن يتولاه العرب بأنفسهم؛ وأن يُبنى على ميثاق الضمان الجماعي.

وقال نوري السعيد، إن العراق حريص على استقلاله؛ غير أنه في حاجة إلى صداقة تركيا، خوفاً على الموصل ونفطها؛ وعلى صداقة إيران كذلك، اتقاءً لمطامعها في بعض المناطق، على الحدود بين البلدين. ثم طالب بتوسيع نطاق ميثاق الضمان الجماعي، ليشمل باكستان؛ وأن تعقد دول الميثاق اتفاقاً عسكرياً مع بريطانيا؛ لكي تمده بالأسلحة وتتعاون معه؛ وأن ينشأ اتحاد بين دمشق وبغداد، يتيح للعراق بلوغ البحر الأبيض المتوسط. واقترح استشارة الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، في المشروع، قبل بتّه، تعزيزاً لميثاق الضمان الجماعي العربي.

ورد صلاح سالم، بأن مصر لا تعارض الاتحاد بين سورية والعراق. ولكنها ترى استحالة انضمام باكستان إلى الميثاق؛ لأن الدول العربية، هي المخصوصة به. وكذلك الاتفاق مع بريطانيا، هو مستحيل؛ لأنه يجعل العرب تابعين لها. أمّا استشارة واشنطن ولندن، فمعناها طلب موافقتهما، مما لا ترضاه مصر، ولا الدول العربية الأخرى.

9. مؤتمر القاهرة

وإزاء ما استعصى على الطرفَين حلّه، فقد اتفقا على تأجيل المفاوضات، حتى زيارة نوري السعيد القاهرة. وفي 14 سبتمبر، وصل رئيس وزراء العراق إلى العاصمة المصرية، حيث استقبله الرئيس جمال عبدالناصر في مكتبه، في اليوم نفسه. إلاّ أن محادثات القاهرة، لم تكن أوفر حظاً من تلك التي شهدتها سرسنك؛ إذ دار الطرفان في حلقة مفرغة.

10. مشروع جديد يطرحه نوري السعيد

أمعن نوري السعيد في تنفيذ سياسته، على الرغم من المعارضة العربية؛ فزار لندن، في 23 سبتمبر 1954، حيث طلب من سلوين لويد، وزير الدولة البريطاني للشؤون الخارجية، إقرار مشروع، كان حمله معه إلى العاصمة البريطانية، ويتلخص في:

أ. ربط ميثاق الضمان الجماعي العربي ربطاً وثيقاً بالدول الغربية.

ب. تزويد الحكومات العربية بالأسلحة والمعدات الكافية.

ج. تولّي تلك الدول تدريب الجيوش العربية.

هلّلت بريطانيا للمشروع العراقي، واستكملته باتفاق مع رئيس الوزراء العراقي، يقضي بالإسراع في عقد ميثاق بين تركيا والعراق، تنضم إليه، فيما بعد، إيران وباكستان وإنجلترا نفسها.

11. محادثات نوري السعيد في أنقرة

وفي عودته من لندن إلى بغداد، عرّج نوري السعيد، في 10 أكتوبر 1954، على أنقرة، حيث عقد سلسلة من المحادثات مع عدنان مندريس، رئيس الحكومة التركية.

أعلن نوري السعيد، في أنقرة، أن أمن العراق وسلامته مرتبطان بأمن جارتَيه تركيا وإيران وسلامتهما. أمّا نظيره التركي، فأعلن أن تركيا عازمة كل العزم على تأمين الدفاع عن المنطقة، التي توجد فيها دول الجامعة العربية، وإنشاء تعاون تركي ـ عربي فيها.

وأعرب الطرفان، في ختام محادثاتهما، عن اتفاقهما على:

أ. ارتباط أمن العراق بتعاونه مع جارتَيه؛ وتعاون جميع الدول العربية مع إيران وباكستان.

ب. مراودة مصر، خلال اجتماعات تركيا والعراق المقبلة معها، على أن تكون عضواً في وحدة العمل المزمع إتمامه؛ وإلاّ فسيبذلان المساعي، لتأمين اشتراكهما في إعداد مشروع الاتفاق، على أن تصبح القاهرة، فيما بعد، عضواً فيه. <o:p></o:p>

ج. استمرار الاتصال بين العراق وتركيا، للبحث في المساعي، التي سيبذلانها نحو سورية وإيران وباكستان. <o:p></o:p>

د. مناهضة الدعاية، الشيوعية والصهيونية

هـ. توسيع التعاون الاقتصادي، بين العراق وتركيا؛ ووضع الاتفاقَين، الاقتصادي والثقافي، الموقعَين بينهما عام 1946، موضع التنفيذ. <o:p></o:p>

واختتمت الزيارة بصدور بيان، في 15 أكتوبر 1954، يوضح أن المباحثات، تناولت تنظيم الأمن في الشرق الأوسط، وعقد اتفاق، يتضمن تعهداً، يقضي بالتعاون على صد أي اعتداء، قد يقع عليهما، من داخل المنطقة أومن خارجها، وتأسيس جبهة أمن مشتركة، ومتماسكة، في مواجهة أولئك الذين يهدفون إلى الاستيلاء على المنطقة والتحكم في شؤونها.

12. الإجراءات العراقية

وطّأ نوري السعيد لتنفيذ سياسته؛ بزيارة بعض العواصم، العربية والغربية. وقطع، في 14 يناير 1955، علاقات العراق الدبلوماسية بالاتحاد السوفيتي. أمّا على الصعيد الداخلي، فقد أصدر، عام 1954، عدة مراسيم، أبرزها:

أ. المرسوم الرقم 16، الذي يقضي بالحبس، لمدة لا تقل عن خمس سنوات، لكل من يعتنق أو يروج أيّاً من المبادئ الهدامة، من المذاهب الاشتراكية والبلشفية أو الشيوعية أو الفوضوية والإباحية، الرامية إلى تغيير نظام الحكم؛ وقد تصل هذه العقوبات إلى الحبس المؤبد، بل الإعدام، إذ كان مروجها من أفراد القوات المسلحة. <o:p></o:p>

ب. المرسوم الرقم 17، الذي أباح مجلس الوزراء إسقاط الجنسية العراقية، عن الذين تثبت المحاكم إدانتهم بالشيوعية. <o:p></o:p>

ج. مرسوم النقابات العامة، الرقم 18، الذي خوّل مجلس الوزراء حق إغلاق أي نقابة، حينما يصبح سلوكها يمس الأمن العام. <o:p></o:p>

د. مرسوم الجمعيات، الرقم 19، الذي فوض إلى وزير الداخلية، بموجب المادة 25 منه، إلغاء جميع الجمعيات والنوادي ودُور التمثيل، المجازة في العراق. <o:p></o:p>

هـ. مرسوم المطبوعات، الذي ألغيت بموجبه إجازات الجرائد والمجلات، الممنوحة سابقاً؛ على أن يتقدم أصحابها بطلبات جديدة، لحيازة امتيازات جديدة.<o:p></o:p>

ناهيك بأنه عمد إلى حل الأحزاب العراقية؛ ليمكّن الموالين لسياسته من دخول البرلمان الجديد.

13. مؤتمر وزراء الخارجية العرب، وقراراته

أثارت مواقف نوري السعيد وتصريحاته، ضجة عنيفة في العالم العربي، ما حمل الجامعة العربية، على توجيه دعوة إلى وزراء خارجية الحكومات العربية (اللجنة السياسية). فاجتمع في القاهرة، في 22 ديسمبر 1954، وزراء خارجية مصر وسورية والمملكة العربية السعودية ولبنان والأردن وليبيا؛ ومثل بغداد في هذا الاجتماع برهان الدين، كبير موظفي وزارة الخارجية العراقية. وقرروا:

أ. تعاون الدول العربية مع الغرب، بعد حل القضايا العربية المعلقة، وعلى أساس تقوية ميثاق الضمان الجماعي؛ وتزويد العرب بالسلاح؛ لأن في ذلك حماية لمصالحهم.

ب. امتناع الدول العربية عن عقد أي حلف، خارج نطاق ميثاق الجامعة، والضمان الجماعي.

ج. التمنع عن الانضمام إلى الحلف العراقي ـ التركي المزمع.

وسجّل ممثل العراق، من هذا القرار، التحفظ الآتي:

"إن العراق، مع تأكيد التزاماته بميثاق جامعة الدول العربية، وميثاق الضمان الجماعي، يحتفظ بحق اتخاذ أي إجراءات إضافية، من أجل ضمان سلامته".

ثانياً: تكوين حلف بغداد

إعلان بغداد

وصل عدنان مندريس، رئيس وزراء تركيا، فجأة، في 12 يناير 1955، إلى بغداد، حيث أعلن أن تركيا والعراق، قررا عقد اتفاق عسكري بينهما، يرمي إلى "تحقيق التعاون، وكفالة الاستقرار والأمن في الشرق الأوسط؛ ويدعو الحكومات العربية للدخول فيه".<o:p></o:p>

فانطلقت، في سورية، في 15 يناير، مظاهرات عنيفة، قادها حزب "البعث" السوري، ضد سياسة الأحلاف. وأصدرت أحزاب المعارضة العراقية بياناً، تعارض فيه انضمام العراق إلى حلف غربي. ووجّه الملك سعود، من الرياض، نداء إلى نوري السعيد، يناشده فيه الإبقاء على وحدة العرب. <o:p></o:p>

مصر تدعو إلى مؤتمر رؤساء الحكومات

وقررت مصر، أن تدعو رؤساء الحكومات العربية، إلى اجتماع عاجل، يعقد يوم السبت، 22 يناير، في مقر الجامعة العربية لبحث موضوع انفراد العراق بالانضمام إلى حلف عسكري، خارج إطار الدول العربية، ما يهدد كيان تلك الجامعة. وأعلنت الحكومة المصرية، في بيان الدعوة، أنها لا تزال تؤمن بالتعاون مع العرب جميعاً، وبعيداً عن النفوذ الأجنبي، المتمثل في سياسة الأحلاف. وردّ نوري السعيد، من بغداد، بأنه لن يحضر اجتماع رؤساء الحكومات العربية، بدعوى أنه تدخّل في شؤون العراق الداخلية وحجْر على استقلاله وحريته في التصرف.<o:p></o:p>

وانعقد المؤتمر في موعده. واستمر انعقاده إلى 6 فبراير 1955؛ إلاّ أنه لم يستطع الوصول إلى نتيجة.

وقبل ساعة واحدة من موعد الجلسة الأولى، تلقى جمال عبدالناصر، رئيس وفد مصر، ورئيس المؤتمر، برقية من نوري السعيد، تتضمن اعتذاره عن عدم الحضور، بسبب مرضه.<o:p></o:p>

ودخل الوفد اللبناني إلى قاعة الجلسة، يحمل رسالة من الرئيس كميل شمعون، رئيس الجمهورية اللبنانية، إلى المؤتمر، تفيد بأنه علم بغياب نوري السعيد، وأنه بعث إليه مقترحاً تفويض حضور الاجتماع، بدلاً منه، إلى وزير خارجيته، السيد فاضل الجمالي. <o:p></o:p>

وبعد التداول، تقرر الموافقة على اقتراح كميل شمعون. وبعد مشاورات واتصالات، وصل وزير خارجية العراق، فاضل الجمالي، إلى مصر، على رأس وفد المملكة العراقية، وعضوية برهان الدين باش أعيان، وزير الدولة للشؤون الخارجية، ونجيب الراوي، سفير المملكة العراقية لدى مصر. وحضر جلسات المؤتمر، ابتداءً من الجلسة الثامنة حتى نهاية الجلسات، ليقول إنه ليس مفوضاً إليه أكثر من إبلاغ المؤتمرين وجهة نظر العراق، الذي من حقه، أن يحدد بنفسه نوع الأخطار، التي تهدده، وأن يكون حرّاً في عقد اتفاق مع من يشاء من أطراف، وكما يشاء، وأن العراق مع تأكيد التزاماته بميثاق جامعة الدول العربية ومعاهدة الدفاع المشترك بين دول الجامعة العربية، يحتفظ بحق اتخاذ أي إجراءات إضافية من أجل ضمان سلامته.<o:p></o:p>

ولم يسفر المؤتمر، بعد خمس عشرة جلسة عن شيء؛ ولكن محاور الحركة في العالم العربي، تحددت فيه تحديداً قاطعاً. وأصدر مجلس الجامعة، في 8 فبراير 1955، البيان الختامي للاجتماع: "ترتكز السياسة الخارجية للدول العربية، على ميثاق الجامعة العربية، ومعاهدة الدفاع المشترك، والتعاون الاقتصادي بين الدول العربية، وميثاق الأمم المتحدة؛ ولا تقر عقد أحلاف غير ذلك" (<a href="mol01.doc_cvt.htm">أُنظر ملحق محاضر جلسات مؤتمر رؤساء الحكومات العربية خلال الفترة من 22 يناير حتى 8 فبراير 1955</a>). <o:p></o:p>

ميثاق التعاون المتبادل بين العراق وتركيا

توقيع ميثاق التعاون المتبادل العراقي-التركي.

اطَّرح نوري السعيد كل المساعي العربية، الرامية إلى تأجيل توقيع الميثاق، مراعاة للمصلحة، واستجابة لنداء الشعوب العربية. وفي 22 فبراير 1955، وصل بغداد وفد تركي، برئاسة عدنان مندريس، رئيس الوزراء؛ وفؤاد كوبرللو، وزير خارجية تركيا. واجتمع إلى الوفد العراقي المفوض، والمؤلف من أحمد بابان، نائب رئيس الوزراء؛ وبرهان الدين باش أعيان، وزير الدولة للشؤون الخارجية؛ وإبراهيم عاكف الألوسي، سفير العراق لدى أنقرة، وبعض كبار موظفي وزارة الخارجية. وفي 24 فبراير 1955، وُقِّع ميثاق التعاون المتبادل بين العراق وتركيا. وأعلن أن نصه، سينشر في بغداد وأنقرة، في 26 منه.(انظر: ملحق الميثاق التركي-العراقي)

وفي اليوم الموعود، وعلى أثر فوز الميثاق بموافقة 112 نائباً عراقياً عليه، ومعارضة 4 نواب فقط؛ وموافقة 25 عيناً من مجلس الأعيان، ومعارضة عين واحد، هو الشيخ محمد رضا الشبيبي؛ وبعد إجماع مجلس الأعيان التركي عليه، ونيل الميثاق موافقة 449 مندوباً، هم الذين حضروا جلسة المجلس ـ أعلن ميثاق التعاون المتبادل، بين تركيا والعراق؛ وغايته صيانة سلامتهما والدفاع عن كيانيهما. وحددت مدته بخمس سنوات، قابلة للتجديد.

وفي 3 أبريل عام 1955، وصل إلي بغداد وكيل وزارة الخارجية البريطانية ومعه مقترحات إيدن حول عقد الاتفاق الخاص ليحل محل معاهدة عام 1930.
انظر:

تقاطر المنضمين للحلف

سرعان ما تجاوز الميثاق ثنائيته، ليصبح، في 4 أبريل 1955، ثلاثياً، حين وُقع انضمام بريطانيا إليه، في بغداد كلٌّ من رئيس الوزراء العراقي، نوري السعيد؛ ووزير الدولة للشؤون الخارجية، برهان الدين باش أعيان؛ عن الحكومة العراقية؛ ومايكل رايت، سفير بريطانيا لدى بغداد؛ والكولونيل هيوتر ترفتن، وكيل وزارة الخارجية؛ عن الحكومة البريطانية. وعلى أثر ذلك، أصبح الميثاق يعرف باسم "حلف بغداد" (انظر ملحق المعاهدة الإنجليزية العراقية 1955).

الوفد الباكستاني، مكوناً من إسكندر مرزا وأيوب خان، في بغداد، 23 سبتمبر، 1955.

وتلت باكستان بريطانيا، في 23 سبتمبر 1955، حين قدّم شعيب قريشي الوزير الباكستاني المفوض لدى العراق، وثيقة انضمام بلاده إلى الحلف، الذي أضحى رباعياً؛ ما يخوّله، وفقاً لأحكام المادة السادسة من الميثاق، إنشاء مجلس دائم. وأمسى الحلف في 3 نوفمبر 1955، خماسياً، بعد انضمام إيران إليه.<o:p></o:p>

أمّا الولايات المتحدة الأمريكية، فقد اكتفت بدور المراقب، في إجراءات اجتماع مجلس حلف بغداد، وفي لجنته الدائمة، السياسية والعسكرية. وانضمت، عام 1957، إلى اللجنة العسكرية وسواها، كلجنة مقاومة المبادئ الهدامة، ولجنة الاتصال (الإعلام).

السفير بيري يقصد بالعصابة القومية ثورة رشيد الكيلاني التي سيطرت على العراق في أبريل 1941 وتولى فيها الكيلاني رئاسة الوزارة، وكان زعيما يحظى باحترام الجماهير العراقية بسبب دعوته إلى سياسة حيادية للعراق بين بريطانيا ودول المحور، وبسبب نزعته القومية العربية القوية. وفي بداية هذه الثورة اضطر رجل الإنجليز الأول في العراق آنذاك الأمير عبدالإله الوصي على العرش إلى الفرار في سيارة الوزير المفوض الأمريكي في بغداد. وقد لعبت القوات البريطانية، مع `الفيلق العربي` الذي كان يقوده جلوب باشا الدور الأكبر في إخماد الثورة وإعادة عبدالإله.

وثائق الخارجية الأمريكية، وثيقة رقم 1412، برقية مرسل من السفير برتون بيري برقم 624 بتاريخ 18 أبريل 1954 إلى المستر بايرود مساعد وزير الخارجية الأمريكي. تبين من ملفات وزارة الخارجية أن ثمة برقية أخرى غير منشورة ضمن هذه الوثائق، تحمل رقم 584 بتاريخ 17 أبريل 1954، صادرة من وزارة الخارجية إلى سفيرها في بغداد بيري. ويفترض وفقا لهذا التاريخ أن تكون قد أرسلت إلى السفير قبل يوم واحد من برقيته الأخيرة التي أوردنا نصها والتي تحمل تاريخ 18 أبريل. وربما يكون فارق التوقيت بين واشنطن وبغداد قد لعب دوره في تأخير وصول برقية تحمل تاريخ يوم ما إلى اليوم التالي، وبعد أن كان السفير قد بعث فعلاً ببرقيته. المهم أن برقية الخارجية الأمريكية رقم 584 حملت إليه تعليمات بأن يوقف تنفيذ الأمر الصادر إليه في البرقية رقم 577- الخاص بوقف مفاوضات المساعدات العسكرية الأمريكية للعراق مؤقتاً- لحين تلقي إشعار آخر. وبادر السفير بيري إلى إرسال برقية أخرى من بغداد برقم 625 في اليوم نفسه- أي 18 أبريل- لاحقة لبرقيته التي شرح فيها فحوى مقابلته مع الجمالي. وقد أبلغ وزارة الخارجية بأنه تحادث هاتفياً مع رئيس الوزراء العراقي وطلب منه أن يعتبر الحوار الذي دار بينهما أمراً شخصياً وسرياً إلى أن يتمكن- أي السفير- من التحدث إليه من أخرى.

تقع منطقة سرسنك في الموصل مصيف يصطاف فيه الملك فيصل ورجال الحكومة العراقية وكبار المسؤولين.

المبحث الخامس: مبادئ الحلف ونشاطه

أولاً: مبادئ الحلف ومنظماته

تضمن ميثاق بغداد عدداً من المبادئ، يتعلق بعضها بتنظيم العلاقات بين دوله الأعضاء؛ وبعضها الآخر، يتعلق بإقرار ميثاق الأمم المتحدة، والالتزامات الدولية الأخرى. وتُعَدّ المساواة في السيادة، من أهم مبادئ الميثاق؛ إذ أكدت ديباجة الاتفاق الخاص، أن العراق وبريطانيا شريكان متساويان. وكان تمثيل جميع الدول الأعضاء في مجلس الحلف، هو أول مظهر من مظاهر تلك المساواة. كذلك، فإن اشتراط الإجماع على صدور قرارات ذلك المجلس، يحُول دون فرض دولة، أو مجموعة من دول الحلف، إرادتها على أعضائه الآخرين.


ووفقاً لأحكام المادة الخامسة من الميثاق، يشترط لانضمام أي دولة إلى الميثاق، أن تكون دولتاه (العراق وتركيا) تعترفان اعترافاً كاملاً، بالدولة المنضمة. وأباحت الفقرة الأخيرة من هذه المادة، لأي دولة عضو فيه، أن تعقد اتفاقات خاصة، بموجب المادة الأولى منه، مع دولة أو أكثر من دوله الأعضاء؛ لتقوية الطاقات الدفاعية الجماعية.


واشترطت المادة السابعة، للانسحاب من الحلف، شرطَين:


1. إبلاغ الرغبة في الانسحاب، كتابة، إلى الأطراف الأخرى.


2. تقديم طلب الانسحاب، قبل ستة أشهر من انتهاء المدة المقررة، التي تبلغ خمس سنوات.


وتعهّد الفريقان المتعاقدان، بمقتضى المادة الأولى من ميثاق بغداد، الدفاع المشترك ضد أي هجوم على أحدهما، طبقاً للمادة الحادية والخمسين من ميثاق الأمم المتحدة.


وأكدت المادة الثالثة امتناع أي طرف عن التدخل، بأي شكل من الأشكال، في شؤون الطرف الآخر الداخلية؛ وحل أي نزاع بينهما بالسُّبُل السلمية، وفقاً لميثاق الأمم المتحدة.


كوّن حلف بغداد جهازاً مختصاً، انبثقت منه منظمات، أطلق عليها اسم اللجان المختصة، وعهد إليها تنفيذ أهدافه. ويتكون جهاز الحلف مما يلي:


1. المجلس الدائم:<o:p></o:p>


هو المنظمة العليا للحلف. أنشئ بموجب قرار دوله الخمس الأعضاء، في اجتماعها الأول، في بغداد، في نوفمبر 1955، طبقاً لأحكام المادة السادسة من الميثاق، التي تنص على أن يُشكل مجلس دائم من الوزراء للعمل ضمن نطاق أهداف هذا الميثاق، وذلك عندما يبلغ عدد الأعضاء أربع دول على الأقل. وجُعِل في حالة اجتماع دائم.<o:p></o:p>

وعقد هذا المجلس عدداً من الاجتماعات، كان أولها الاجتماع الذي عُقد بعد أسبوع فقط من تأسيس مجلس الحلف الدائم، وتولي رئاسته وزير الدولة للشؤون الخارجية العراقي، برهان الدين باشا أعيان، ومُثًلت الدول الأعضاء في هذا الاجتماع عن طريق سفرائها المقيمين في بغداد. واتفق الوكلاء في ذلك الاجتماع، علي تقديم توصياتهم إلى المجلس الوزاري، حول الطرق التي يجب أن تتبع لمكافحة النشاطات الهدامة. ثم عُقدت ثلاثة اجتماعات أخري على التوالي. وفي الاجتماع الرابع، الذي عقد في بغداد، في 23 ديسمبر 1955، استلم الوكلاء من السكرتير العام لسكرتارية الحلف، عوني الخالدي، أول تقرير أصدرت منظمة الأمن التابعة لمجلس الحلف. (<a href="mol10.doc_cvt.htm">أُنظر ملحق الوثيقة السرية لاجتماع حلف بغداد في ديسمبر 1955</a>)<o:p></o:p>

وسنّ المجلس نظامه الخاص، فأكد ضرورة التشاور في جميع القضايا، السياسية والاقتصادية، المتعلقة بالمصالح المشتركة للدول الأعضاء، والاهتمام بها اهتماماً مماثلاً لما يوليه للنواحي العسكرية. وعهد إليه، كذلك، بتوحيد العمل بين الدول الأعضاء، في قضايا الدفاع، وتحقيق الأمن لمنطقة الحلف الإقليمية. <o:p></o:p>

ويمكن انعقاده على مستويين:

<![if !supportLists]>· <![endif]>المستوى الوزاري:<o:p></o:p>

يتحقق هذا المستوى باشتراك رؤساء حكومات الدول الأعضاء، أو وزراء خارجيتها، أو أكبر وزرائها سِناً. ويجتمع المجلس، على المستوى الوزاري، مرتين في السنَة أو على الأقل مرة واحدة وجوباً. وتتداول الدول الأعضاء رئاسة جلساته، سنوياً، وفقاً للحروف الهجائية الأولى من أسمائها، باللغة الإنجليزية. ويلتئم الاجتماع في الدولة التي تتولّى الرئاسة. وعقدت أول دورة له في بغداد، في نوفمبر 1955، برئاسة نوري السعيد، رئيس الوزارة العراقية.<o:p></o:p>

<![if !supportLists]>· <![endif]>مستوى مجلس الوكلاء:<o:p></o:p>

يحدده اشتراك ممثلي حكومات الدول الأعضاء، على مستوى السفراء، الذين يضطلعون باجتماعات إضافية، تستدعيها جلسات المستوى الوزاري. وكان أولها الاجتماع، الذي عقد بعد أسبوع فقط من تأسيس مجلس الحلف الدائم. وتولى رئاسته وزير الدولة للشؤون الخارجية، برهان الدين باش أعيان؛ ومثّل الدول الأعضاء فيه سفراؤها لدى بغداد؛ فضلاً عن الوفد الأمريكي المراقب، برئاسة سفير واشنطن لدى بغداد، ولد مارغلمن. وأتفقوا، خلاله، على رفع توصياتهم إلى المجلس الوزاري، في شأن السُبل، التي يجب أن تتبع في مكافحة الأنشطة الهدامة.

ورغبة في تنفيذ قراراته، والنهوض بأنشطته العديدة، قرر المجلس إنشاء سكرتارية عامة، بأربع لجان رئيسية، هي:

أ. اللجنة العسكرية:<o:p></o:p>

تتألف اللجنة العسكرية من رؤساء أركان جيوش الدول الأعضاء في الحلف، أو نوابهم. وتُعَدّ، من الناحية الوظيفية، من أهم اللجان وأشدها خطراً. وهي تابعة للمجلس، ومسؤولة أمامه. مهمتها دراسة التعليمات، التي تتعلق بوظيفتها الفنية؛ ورفع توصياتها إلى المجلس، والتي تتعلق بزيادة فاعلية الضمان العسكري للدول الأعضاء، وتعاونها على الأمور الدفاعية؛ وتدبير التخطيطات العسكرية للميثاق، التي تقررها، مسبقاً منظمة التخطيط العسكري المشتركة.<o:p></o:p>

أمّا رئاستها، فتتناوبها الدول الأعضاء، سنوياً، لتوافق تداولها رئاسة مجلس الحلف. فكان، أول رئيس لها، عام 1955، هو رئيس أركان الجيش العراقي، الجنرال رفيق عارف؛ إذ إن رئاسة المجلس الدائم، كانت، عامئذ، للعراق.

ب. لجنة مكافحة المبادئ الهدامة:<o:p></o:p>

تتألف هذه اللجنة من ممثلي كافة الدول الأعضاء في الحلف. ومهمتها استشارية، تتمثل في تقديم نصائحها وآرائها إلى المجلس، في خصوص السُبل الأكثر فاعلية، في مقاومة الأنشطة الهدامة (الشيوعية). وتتداول الدول الأعضاء رئاستها، سنوياً. وكان أول اجتماعاتها، في طهران، في أبريل 1956.

ج. لجنة الاتصال (الإعلام):<o:p></o:p>

تتألف هذه اللجنة من ممثلي الدول الأعضاء. ومهمتها النهوض بمسؤوليات عامة، كتسهيل تبادل الإعلام بين الدول الأعضاء، في المسائل المتعلقة بأمن الإقليم.

د. اللجنة الاقتصادية:<o:p></o:p>

مثّل الدول الأعضاء في هذه اللجنة، وزراء أو موظفين قدماء. مهمتها دراسة وتنظيم الأعمال الاقتصادية التعاونية، التي من شأنها أن تؤدي إلى تطوير وتقوية الاقتصاد المشترك والمصادر المالية للدول الأعضاء؛ والاضطلاع بدراسات خاصة، وفقاً لطلبات مجلس الحلف. وتتعاقب في رئاستها الدول الأعضاء، سنوياً.

وأنشأت هذه اللجنة لجاناً فرعية، تابعة لها. من أهمها:

(1) لجنة الخبراء الاقتصادية، التي تتألف من خبراء اقتصاديين، من الدول الأعضاء، متماثلين في درجاتهم العلمية. وتعقد اجتماعاتها قبل عقد جلسات اللجنة الاقتصادية؛ لأن مهمتها التدقيق في التقارير، الواردة من اللجان الفرعية المتعددة؛ وتهيئة الموضوعات، التي تشمل القضايا الأكثر أهمية، المتعلقة بالسياسة الاقتصادية، والتي ستبحثها اللجنة الأم.

(2) لجنة المواصلات والأعمال العامة، وتتكون من عضوَين إداريَّين؛ أحدهما مختص بشؤون إصلاح الطرق العامة. ومهمة الآخر تطوير المشاريع المشتركة لحوض دجلة والفرات.

(3) اللجنة التجارية، وقوامها عضوان إداريان؛ أحدهما مختص بشؤون نقل البضائع وإجراءات ترحيلها. ودور الآخر الاهتمام بالاتحاد الجمركي لمنطقة التجارة الحرة، وللسوق المشتركة، المقترح إنشاؤها.

(4) اللجنة الزراعية، وتتألف من عضوَين إداريَّين؛ أحدهما يراقب الآفات الزراعية. ويهتم الآخر بالثروة الحيوانية وأمراضها، وبعلم الأحياء (البايولوجي).

(5) اللجنة الصحية، التي أنشأت معهد المرشدين، الذي اختص بمكافحة الملاريا.

وللمجلس الدائم أجهزته التنفيذية، التي تضم عدداً من الأقسام والمكاتب، العاملة تحت إدارة وإشراف السكرتارية العامة للحلف. وأهمها:

1. القسم السياسي<o:p></o:p>

ويتولى إدارته وكيل السكرتير العام، الجنرال البريطاني، جون بوشيل. وعهد إلى هذا القسم بمهمة مساعدة نائب السكرتير العام على تنسيق أعمال السكرتارية، قبل عرضها على المجلس؛ والتنسيق مع المنظمات الرئيسية الأخرى؛ وتقديم المشورة في المسائل السياسية.

2. القسم الإداري<o:p></o:p>

ويضطلع بإدارته مدير القسم السياسي نفسه. وعهد إليه بتخطيط وتنفيذ البرامج، الإدارية والمالية، التابعة للسكرتارية العامة؛ وتهيئة الخدمات العامة، الضرورية لاجتماعات المجلس والهيئات الأخرى.

3. القسم الاقتصادي<o:p></o:p>

وعهد بإدارته إلى وكيل السكرتير العام، التركي بولند كيستلي. ونيط بهذا القسم تهيئة القضايا الجوهرية، التي تبحث في اجتماعات اللجنة الاقتصادية، والهيئات الثانوية التابعة لها، وتقديم المشورة في المسائل الاقتصادية؛ وإدارة برنامج المساعدة الفنية، الذي يضعه الحلف؛ وتبادل الخبرات الفنية بين الدول الأعضاء؛ وتطوير القضايا الإحصائية الجوهرية؛ والاتصال مع المنظمات العامة، كالمجلس العلمي، والمركز الذري لميثاق بغداد.

4. مكتب مكافحة المبادئ الهدامة<o:p></o:p>

ويتولى تقديم الخدمات الضرورية، التي تتطلبها اجتماعات لجنة مقاومة المبادئ الهدامة.

5. منظمة الأمن<o:p></o:p>

وعهد بإدارتها وتوجيهها إلى مستشار الأمن، الذي يكون مسؤولاً عن إعداد توصيات، في جميع القضايا المتعلقة بحفظ الأمن، المدني والعسكري. وتوخت هذه المنظمة مكافحة النشاطات السياسية المدنية، المعادية للسياسة الغربية؛ والعمل على تقوية القدرة العسكرية للدول الشرقية الأعضاء، لمواجهة أي هجوم سوفيتي.

وأخيراً هناك التخطيط العسكري للحلف وفيما يلي شرحه:

أ. منظمة التخطيط العسكري المشتركة، التي أنشئت بموجب قرار مجلس الحلف، في كراتشي، في يونيه 1957 وفقا لتوصية اللجنة العسكرية، التي أكدت ضرورة إنشاء منظمة خاصة تتولى وضع التخطيطات العسكرية. وكان أول رئيس لها، هو الجنرال الباكستاني، محمد حبيب الله خان؛ كما عين الجنرال الأمريكي، دانيل كامبل، وكيلاً للرئيس.

ب. منظمة الدفاع ضد الغارات الجوية، وتشمل منظومة رادار للإنذار؛ وأخرى للكشف والإخبار عن الطائرات. وتتولى بريطانيا تأمين الخبراء، العسكريين والفنيين، ذوي الاختصاص، لتقديم المعونة والمشورة اللازمتَين، في هذا الخصوص.

ثانياً: نشاط الحلف

توافقت بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، في أهمية الدفاع عن الشرق الأوسط، في مواجهة التوسع السوفيتي؛ إلاّ أنهما اختلفا في كيفية تنظيم ذلك الدفاع؛ ما كان سبباً من الأسباب الرئيسية للضعف، الذي انتاب حلف بغداد. وعلى الرغم من توافق سياستَيهما، في معظم التنظيمات الدفاعية، المنتشرة في أنحاء العالم؛ فإنهما اختلفا في المنطقة العربية، حيث رغبت بريطانيا في استعادة ما خسرته من امتيازات؛ بينما تنكر عليها حليفتها هذه الرغبة، بل ترى ضرورة جلاء القوات البريطانية عن قاعدة السويس.

بيد أن الاختلاف الأمريكي ـ البريطاني، لم يحُل دون تعدد نشاط الحلف، في المجالات، السياسية والعسكرية والاقتصادية والعلمية.


1. النشاط السياسي

حرصت دول الحلف على توسيع رقعته. وإزاء رفض الدول العربية الانضمام إليه، حُمَّ النشاط إلى استمالتها؛ فرفع السفير الأمريكي لدى دمشق، مذكرة إلى حكومتها، في سبتمبر 1955، يبلغها فيها حرص واشنطن على انضمام الدول العربية إلى الحلف، معلناً أن المساعدة العسكرية لدول المنطقة، ستقتصر على تلك التي ستستجيب الرغبة الأمريكية، وتسعى إلى تحسين علاقاتها بإسرائيل.

وفي أواخر نوفمبر 1955، لجأ نوري السعيد، وعدنان مندريس، إلى دفع سفير الأردن لدى بغداد، إلى إغراء حكومته بالانضواء إلى الحلف. فرفض محاولتهما. فعُهِد بإقناع عمّان، في ديسمبر 1955، إلى المبعوث البريطاني، تمبلر. فأخفق هو الآخر.

ولم تتردد دول الحلف في إيفاد ولي عهد العراق، عبدالإله إلى واشنطن، في 2 نوفمبر 1956، في محاولة لإقناع حكومتها بالانضمام إلى الحلف انضماماً كاملاً؛ إلاّ أنها رفضت تلك الدعوة.

ثم كان صدور مبدأ أيزنهاور أن أصبح عنصراً جديداً في تطوير الصراع والنشاطات الدبلوماسية بين دول الحلف وبعض الدول العربية الأخرى.

وعلى أثر زيارة الملك سعود بغداد، في 19 مايو 1957، تبددت شكوكه في استخدام الحلف أداة لانتزاع الأراضي الحجازية من سلطته. وعلى الرغم من ذلك، فقد رفضت الحكومة السعودية، على لسان سفيرها المتجول، عبد الله الدملوجي، الانضمام إلى حلف بغداد.

وسارع العراق، في فبراير 1958، إلى تطوير العلاقات السياسية بالأردن، من خلال إنشاء "الاتحاد العربي"، كمواجهة من الحلف لإعلان الجمهورية العربية المتحدة، بإيجاد توازن سياسي بينها وبين الحكومة العراقية.

وركز الحلف نشاطه السياسي، في التصدي للاتحاد السوفيتي، ومقاومة الشيوعية. فقرر في دورته، المنعقدة في طهران، في أبريل 1956، إنشاء لجنة خاصة، أطلق عليها اسم "لجنة مقاومة المبادئ الهدامة". وكان قد أكد في دورته الأولى، في بغداد، في نوفمبر 1955، خطر التهديد الشيوعي. وطفق رئيس الدورة، نوري السعيد، يحذر من الشيوعية، وخطر انتشارها في الشرق الأوسط، داعياً إلى نشاط فعال، يوقف تناميها. ولم يتردد، عام 1957، في حشد قوات عسكرية عراقية ـ تركية، على الحدود السورية، متذرعاً بتزايد خطر الحزب الشيوعي السوري على الأمن القومي، في العراق وتركيا، وسائر أقطار الشرق الأوسط.

بيد أن النشاط السياسي لحلف بغداد، أخفق في دحر الشيوعية، في الشرق الأوسط؛ بل أدّى إلى تزايد نشاطها، حتى كادت تسيطر على نظام الحكم في سورية والعراق، عامَي 1957 و1958 على التوالي.

2. النشاط العسكري

لم يتّسم النشاط العسكري لحلف بغداد، بمظاهر فعلية؛ وإنما نمَّ به مؤشران: المساعدات العسكرية الأمريكية لدول الحلف، والتعاون العسكري البريطاني ـ العراقي.

3. المساعدات العسكرية الأمريكية

كانت كل دول الحلف، عدا بريطانيا، في حاجة إلى المساعدات العسكرية، وفنون التدريب العسكري الحديث. ولكن المساعدات العسكرية الأمريكية، لم تكن إلزامية؛ فهي هبات، وليست حقاً. ناهيك بأن تحديد كمياتها، كان يخضع لتقدير واشنطن، التي لم تسخُ بها، مما اضطر العراق، مثلاً، أن يطلب منها مساعدة عسكرية إضافية. فضلاً عن ارتهان المساعدات بموافقتها المصلحة الأمريكية؛ فتتوافر إن اتفقت معها، كتوافرها وتدفقها إلى بغداد وأنقرة وعمّان، عام 1957، إبّان الأزمة السورية؛ وكذلك إبلاغ المبعوث الأمريكي، في 18 أبريل 1957، إلى نوري السعيد، عزم واشنطن دعم العراق، عملاً بمبدأ أيزنهاور، الصادر في 5 يناير 1957، بمساعدة عسكرية إضافية، وشق وتحسين طرقه ووسائل اتصالاته مع دول الحلف الأخرى.

4. التعاون العسكري البريطاني ـ العراقي

يُعَدّ تدريب الجيش العراقي، من أبرز سمات النشاط العسكري المشترك، بين العراق وبريطانيا؛ إذ تعهدت الحكومة البريطانية، وفقا لأحكام الفقرة (أ)، من المادة السادسة، من الاتفاق الخاص، المعقود بينها وبين الحكومة العراقية، في 4 أبريل 1955 ـ بالمشاركة في تأسيس قوة جوية عراقية فعالة، باضطلاعها بالتدريب والتمرينات المشتركة، في الشرق الأوسط. كما نصت الفقرة (ب)، من المادة عينها، على التزام بريطانيا تجهيز القوات العراقية وتدريبها، للدفاع عن بلادها. وبمقتضى المادة نفسها، التزمت المشاركة في تشييد المنشآت العسكرية؛ والمساعدة على صيانتها وصيانة المطارات؛ وتأسيس جهاز للإنذار بالغارات الجوية؛ وصيانة الأجهزة الدفاعية داخل الأراضي العراقية.

ووفقاً للفقرة الثانية، من المذكرة المرفقـة بالكتاب الرقم (1)، يضطلع البريطانيون، المقيمون بالعراق، بمعاونة القوات العراقية على التدرب، وتشغيل التجهيزات العسكرية وإدارتها، وخدمة الطائرات. وتؤمن إنجلترا، وفق الفقرة الخامسة، الخبراء البريطانيين، لتقديم المساعدة المستمرة، المتعلقة بأساليب التدريب وفنونه. أمّا الفرع (ج) من هذه الفقرة، فقضى بمشاركة أسراب من الطائرات البريطانية، في التدريب المشترك، في العراق، في جميع الأوقات؛ وإسهام بريطانيين في العمل في المطارات العراقية، المشترك استعمالها. وتعهدت، بموجب الفقرة عينها، إنشاء ما يتفق على ضرورته، من مطارات إضافية.

وأوجبت الفقرة السابعة، أن يتولى مدربون بريطانيون تدريب القوات العراقية تدريباً، يحاكي تدريب نظيرتها البريطانية. كما التزمت الحكومة البريطانية تأمين العسكريين والفنيين، لتأسيس منطقة مشتركة، لمراقبة رفع الألغام، في شط العرب؛ وبذل الجهد في تجهيز العراق بالسلاح والمعدات. أمّا الفقرة الثامنة، فتضمنت عزم الحكومة البريطانية على تقديم مشورتها الفنية العسكرية، في تعيين مواقع المنشآت المذكورة وتشييدها، والمساعدة على تشغيلها وصيانتها. ونصّت الفقرة العاشرة على تأمين الطائرات الضرورية ومعداتها؛ على أن تكون حديثة النوع.

وفي المقابل، تعهد العراق خدمة الطائرات العاملة بإمرة القوة الجوية البريطانية، في العراق، وتسهيل مرورها وهبوطها وتموينها؛ وتأمين المستودعات، الضرورية للمحافظة على أكداس السلاح، التي يشترك والحكومة البريطانية في تأسيسها.

وأكد الطرفان اشتراكهما في تكديس المدخرات (الذخيرة) والتجهيزات العسكرية، في العراق، ليستخدمها في الدفاع عنه؛ وعُهد إلى الحكومة العراقية بحمايتها.

5. النشاطان الاقتصادي والعلمي

يمثّل الاهتمام بوسائل الاتصال مظهراً من أهم مظاهر هذا النشاط؛ إذ أولى الحلف اهتمامه الاتصالات الهاتفية البعيدة، التي تربط دوله بعضها ببعض؛ وخصص لها اللجان الفرعية. وقدّمت الولايات المتحدة الأمريكية مبلغ مليونين ومائة ألف دولار، خصِّص معظمه لتطوير الاتصال التليفوني البعيد وإصلاح خطوطه .

وأسهمت، كذلك، في نفقات الطرق، التي تربط المدن المهمة في الدول الأعضاء بعضها ببعض. ودرست اللجنة المختصة بالطرق، إمكانية ربط دول الحلف بشبكة من السكك الحديدية.

وفوض مجلس الحلف إلى اللجنة الاقتصادية، ومنظمتها الفرعية، بحث السُبل، المؤدية إلى تسهيل التجارة بين دوله وتوسيعها. كما عهد إليها بإجراء دراسات وافية، ترمي إلى تنمية تلك التجارة. وشملت تلك الدراسات إمكانية تسهيل انتقال البضائع التجارية، وتخفيف الرسوم الجمركية وتقليل تعقيدها؛ وتسهيل انتقال رجال الأعمال، للتعاون على تسويق المنتجات المشتركة. كذلك، أجريت دراسات لإنشاء اتحاد جمركي، ومنطقة حرة للتجارة أو سوق مشتركة. إضافة إلى درس ما ستنفقه البضائع ونقلها.

وفي المجال الزراعي، كانت مهمة اللجنة الاقتصادية، هي تبادل المعرفة الفنية والخبرة النافعة؛ ودراسة إمكانية زيادة الإنتاج الزراعي؛ والتوسع في اقتصاديات الزراعة، المتكاملة مع الاقتصاديات الأخرى؛ والتعاون على التخطيط الزراعي، وتسويق الإنتاج، ومكافحة الأمراض، الزراعية والحيوانية.

ووضعت خطة عامة، تشرف عليها اللجنة الصحية الفرعية؛ وتهتم بمكافحة الأمراض المُعدية، وإنتاج الأدوية من طريق الفيزياء النووية. كما نظمت الاتصالات، اللازمة للتعاون على مقاومة مرض الملاريا، في دول الحلف. وبالنسبة إلى الأمراض الحيوانية، فقد أجريت دراسات منظمة، لما يمكن إتباعه في مكافحتها، بما في ذلك تبادل الدول العلماء المتخصصين بعلم البايولوجي.

وأنشئ جهاز، يتولى تقديم المساعدات لأيٍّ من الدول الأعضاء، في حال تعرّضها للكوارث، كالفيضانات، والجدب، والأوبئة، أو في الحالات الضرورية القصوى.

وأما في خصوص النشاط العلمي، فقد قرر مجلس الحلف، في دورة انعقاده الأولى، إنشاء مركز ذري. وأعلن ممثل بريطانيا، "أن حكومته مستعدة لتجهيز أقطار حلف بغـداد بالطاقة الذرية، تزويدها بالخبرة، العلمية والفنية، في هذا النطاق؛ لمساعدتها على تأسيس مشروعات الطاقة الذرية، للأغراض السلمية". وافتتح مركز الطاقة الذرية، الذي اتخذ بغداد مركزاً له، في مارس 1957. وعيِّن أحد الموظفين البريطانيين مديراً له؛ وتقرر إنشاء مجلس علمي، يتكون من ممثلي الدول الأعضاء، يتولى شؤونه. وقد عقد أول اجتماع له، في مايو 1957، برئاسة ممثل بريطانيا، جون كوكروفت JOHN COCKROFT ، رئيس طاقة البحوث الذرية البريطانية، المنشئة في هارول.

اجتماعات مجلس حلف بغداد

أوجبت دولتا ميثاق التعاون المتبادل بين العراق وتركيا (نواة حلف بغداد)، أن يجتمع مجلسه مرة واحدة، سنوياً. وكان اجتماعه الأول في بغداد، يومَي 21 و22 فبراير 1955. وحضره رئيسا حكومتَي البلدّين. وافتتحه نوري السعيد، رئيس الحكومة العراقية؛ فأعرب عن ترحيب العراق بعقد أول اجتماع في عاصمته؛ وتحدث عن المادة 51، من ميثاق الأمم المتحدة، التي أباحت عقد مثل هذا الاتفاق، لتأمين الدفاع الشرعي. ووجّه المجلس الدعوة إلى حكومة الولايات المتحدة الأمريكية، للمساهمة في مناقشاته. فاستجابت له، وحضر سفيرها لدى بغداد، ولدمارغلمن، الاجتماع، كمراقب سياسي؛ وفي صحبته الأميرال أكسادي، والجنرال فورست كراوي، كمراقبَين عسكريَّين. وأعلن السفير، باسم حكومته، "أن وجود المراقبين الأمريكيين في هذا المجلس، دليل آخر على اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية المتواصل، بالميثاق وأغراضه.

وفي الاجتماع الثاني، كان عدد الدول الأعضاء في الحلف، قد ازداد؛ فأكد كلٌّ من رؤساء حكوماتها، النقاط التي تهم بلده. فأَوْلى ماكميلان، رئيس الحكومة البريطانية، اللجنة الاقتصادية اهتمامه. وأعرب رئيس الحكومة الإيرانية، حسن علي، عن رغبة بلده في بحث مشاكل الحدود، مع العراق وتركيا. الوصول إلى حل لها. وركّز رئيس الحكومة الباكستانية، محمد علي، في عداء أفغانستان لبلاده. وأكد رئيس الحكومة التركية، عدنان مندريس، أهمية الصداقة القائمة بين أعضاء الحلف؛ وضرورة حل القضية الفلسطينية. وأجمع الرؤساء أجمعون على التحذير من خطر التهديد الشيوعي لبلادهم.

واتخذ المجلس القرارات التالية:

أ. العمل، على قدم المساواة، ولهدف موحد، على السلام والأمن في الشرق الأوسط؛ والدفاع عن بلادهم، في مواجهة العدوان والأعمال التخريبية، في سبيل زيادة سعادة شعوب المنطقة ورفاهيتها.

ب. تأسيس مجلس دائم للحلف، تكون بغداد مقراً له ولمنظماته.

ج. الموافقة على تأسيس سكرتارية دائمة للميثاق، مقرها في بغداد.

د. إنشاء لجنة عسكرية دائمة.

هـ. تأسيس لجنة اقتصادية، تسهم في تطوير موارد المنطقة، الاقتصادية والمالية؛ بالتعاون مع مصر ومنظمة الصحة العالمية.

ولاحظ المجلس، بتقدير كبير، المساعدات الأمريكية المهمة؛ والرغبة البريطانية في تجهيز دول الحلف بالطاقة الذرية، وتزويدها بالخبرة، العلمية والفنية، لمساعدتها على تأسيس مشروعات الطاقة الذرية، للأغراض السلمية.

وكذلك أطلق على معاهدة التعاون المتبادل بين العراق وتركيا بميثاق بغداد. ثم عقد المجلس اجتماعه الثاني في طهران بإيران خلال الفترة من 16 إلى 19 أبريل 1956 وقد تولى رئاسته رئيس الحكومة الإيرانية حسين علاء. وقد حضر جميع ممثلي الدول الأعضاء والمراقبون الأمريكيون، فعن العراق حضر نوري السعيد، وعن بريطانيا وزير دفاعها ويتر مونكتون "WAITER MONCKTON"، وعن تركيا عدنان مندريس، وعن باكستان محمد علي، وعن الولايات المتحدة وكيل سكرتير الدولة، لوي هندرسون LOY W. HENDERSON.

وفي هذا الاجتماع أعلن وفد المراقبين عن رغبة حكومتهم في إنشاء لجنة اتصال عسكرية دائمة تابعة لميثاق بغداد. وفي هذا الاجتماع تقرر أيضا إنشاء لجنة مقاومة المبادئ الهدامة التي انضمت أمريكا إلى عضويتها أيضا. كما قرروا ضرورة الإسراع في اتخاذ التدابير التي تكفي لمقاومة التسلل الشيوعي في المنطقة الإقليمية. وعقد مجلس الحلف دورته الثالثة، في كراتشي، في باكستان، خلال الفترة من 3 إلى 6 يونيه 1957، برئاسة رئيس الحكومة الباكستانية، حسين شهيد سهروردي. ومثل العراق نوري السعيد؛ وتركيا عدنان مندريس؛ وإيران إقبال. ومثل بريطانيا وزير خارجيتها، سلون لويد. وترأس وفد المراقبين الأمريكي، وكيل سكرتير الدولة، لوي هندرسون.

وتميزت هذه الدورة بانضمام الولايات المتحدة الأمريكية، إلى عضوية اللجنة العسكرية للحلف؛ بعد أن كان دورها مقتصراً فيها على المراقبة.

قمة حلف بغداد العاجلة في طهران، بمناسبة العدوان الثلاثي على مصر. الشاه محمد رضا پهلوي من إيران (على الطرف الأقصى للطاولة)، يحضر لقاء الأمم الأربع الأعضاء في حلف بغداد في قصره. البيان المشترك لوزراء خارجية إيران والعراق وتركيا وپاتكستان أدان "العدوان" الإسرائيلي على مصر ودعى إلى الانسحاب الفوري للقوات الإسرائيلية من الأراضي المصرية. وقد ترأس اللقاء الميجور جنرال إسكندر مرزا، على رأس الطاولة، رئيس پاكستان. وإلى يمين مرزا رئيس وزراء تركيا عدنان مندريس. ويجلس على يمين الشاه رئيس وزراء العراق نوري السعيد. رئيس وزراء پاكستان حسين شهيد سهروردي يجلس إلى يسار الشاه.
رئيس تركيا جلال بايار يستقبل شاه إيران والرئيس الباكستاني إسكندر مرزا في مطار أنقرة. يوليو 1958. وأثناء المؤتمر تلقوا خبر الانقلاب في العراق ومقتل الملك ورئيس الوزراء.
قمة حلف بغداد في لندن، 28 يوليو 1958. من اليسار: محمد علي جناح (پاكستان) ، عدنان مندريس (تركيانوري السعيد (العراقمكميلان (المملكة المتحدة).

والتأم الاجتماع الرابع للحلف، في 28 يوليه 1958، في لندن. واقتصر على دوله الشرقية، عدا العراق، الذي قضى انقلاب عسكري على نظامه الملكي. واتسم هذا الاجتماع بتحمّل الولايات المتحدة الأمريكية، مسؤولية الدفاع عن دول الحلف الشرقية.

بيد أن حلف بغداد، لم يتردد في عقد اجتماعات طارئة، تفرضها ظروف سياسية خاصة. فقد دعا شاه إيران، على أثر العدوان الثلاثي على مصر، عام 1956، دول الحلف الشرقية لعقد اجتماع طارئ؛ التأم خلال الفترة من 12 إلى 18 نوفمبر من العام نفسه.

وأكد الأعضاء، في مناقشاتهم، صيانة مصالح دولهم، وصد العدوان عنها، وحل مشاكلها، وعلى الأخص مشكلة فلسطين، حلاً، يضمن للعرب حقوقهم، وفق قرار الأمم المتحدة، عام 1947، الذي صادقت عليه الجامعة العربية؛ وقرار مؤتمر باندونج، الذي حضرته جميع الدول العربية.


واختتمت الاجتماعات بالإجماع على بيان مشترك، تضمّن:

أ. استنكار العدوان الإسرائيلي الأثيم على مصر، والمطالبة بجلاء القوات الإسرائيلية، من الفور، عن الأراضي المصرية، وإطلاق الأسرى المصريين.

ب. استنكار العدوان الفرنسي ـ البريطاني، المستهجن، على الأراضي المصرية، والمطالبة بجلاء القوات، الفرنسية والبريطانية، من الفور، عن الأراضي المصرية.

ج. حل قضية فلسطين، وفق قرارا الأمم المتحدة، المتخذ عام 1947؛ واحترام سيادة مصر واستقلالها احتراماً كاملاً، عند بحث مشكلة قناة السويس، في الأمم المتحدة.

وأكدت الدول الأربع اعتقادها، أن التوصيات، التي صدرت عنها، في البيان المشترك، في طهران ـ لا تزال تصلح كأساس لتسوية دائمة، عادلة، لمشاكل الشرق الأوسط. ولاحظت أن البلاغ، الذي صدر عن مؤتمر ملوك الدول العربية ورؤسائها، في بيروت، في 16 نوفمبر 1956 ـ يكاد يوافق وجهات نظرها. كما استعرضت، بقلق، موجة التخريب المرتفعة، في الشرق الأوسط، وقررت اتخاذ جميع الإجراءات الضرورية، لمواجهة هذا التهديد، وفقاً لميثاق الأمم المتحدة.

اجتماع قمة طارئ لحلف بغداد في 30 يناير 1958، لبحث القضية الفلسطينية.

وعقد المجلس اجتماعاً طارئاً، في أنقرة، في ديسمبر 1957؛ لتحديد موقف دوله الشرقية من قضية فلسطين. وأكد أن عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، لم يكن إلاّ نتيجة لعدم حل المشكلة الفلسطينية. وعهد إلى رئيس الحكومة التركية، عدنان مندريس، بإبلاغ موقف دوله إلى مجلس حلف شمال الأطلسي، الذي سيلتئم لحل تلك القضية.

خط زمني

  • 1954 فبراير: تركيا توقع حلف تعاون مشترك مع باكستان.
  • 24 فبراير 1955: A military agreement is signed between Iraq and Turkey, and the term "حلف بغداد" starts to be used. Iran, Pakistan and the United Kingdom join the Baghdad Pact.
  • 1959 مارس: The new republican regime of Iraq withdraws the country from the alliance.
  • 1965: Pakistan tries to get help from its allies in their war against India, but without success.
  • 1971: In a new war with India, Pakistan again tries unsuccessfully to get allied assistance. (The U.S. provides limited military support to Pakistan, but not under the rubric of CENTO.)
  • 1979: النظام الإسلامي الجديد في إيران ينسحب من سنتو.

الإعلام

انظر أيضاً

الهامش


وصلات خارجية