التنشئة الاجتماعية وأهدافها

حول المؤلف

مساهمات حديثة أخرى

اجعل هذه الصفحة أفضل بتحريرها.
ManarSaadTaghreed

التنشئة الاجتماعية وأهدافها

عملية التنشئة الاجتماعية عملية يهتم بدراستها العديد من العلوم ومن ضمنها علم الاجتماع ويندرج تحت حقل علم اجتماع الأسرة ويكتب فيه من زاوية التربية الأسرية. ولكن من مع تطور الحياة الاجتماعية وعلم الاجتماع أصبحت التنشئة الاجتماعية مدار جديد لوحده وتم تخصيص حقل مستقل بهذا النشاط لكي يتم التعمق فيه والاحاطة بمداراته الفرعية وبمؤثراته على حياة الافراد. يخضع جميع افراد الإنسان إلى التنشئة الاجتماعية وتهدف التنشئة الاجتماعية إلى عدد من الأهداف والغايات التي يقصدها الفاعلون الاجتماعيون أفرادًا ومؤسسات وتتجلى بصياغة إنسان اجتماعي ذي طبائع وصفات وسلوك وتصرفات تأتلف مع البيئة والمجتمع أكثر مما تختلف معه.

أولًا: مفهوم التنشئة

"كلمة تنشئة مشتقة من الفعل نشأ بمعنى ربا وشب، والشباب أي: الفتاء والحداثة، ويقال نشأ فلان في بيت فلان أي: ترعرع فيهم وكبر. ومن هنا جاء فعل نشأ ينشئ، وتنشئة بمعنى ربي يربي تربية". ذكر في الدراسات الاجتماعية والإنسانية عدد كبير من التعريفات لهذا المفهوم، وعلى الرغم من أنه مفهوم علمي حديث في الاستخدام السوسيولوجي فإنه لم يستخدم إلا في نهاية الثلاثينيات من القرن الماضي.

"يعرف القاموس الفرنسي لاروس الصغير المصطلح بأن التنشئة الاجتماعية هي العملية التي يستبطن من خلالها الطفل العناصر المتنوعة من البيئة الثقافية المحيطة به ويندمج في الحياة الاجتماعية. وتوجد في معاجم علم الاجتماع؛ إذ تعرفها مادلين غرافيتز بأنها الصيرورة التي يتم من خلالها اندماج الفرد في المجتمع من خلال استبطانه للقيم والمعايير والرموز، ومن خلال تعلمه للثقافة في مجملها بفضل الأسرة المدرسة وكذلك اللغة.

تمثل التنشئة الاجتماعية المقاربة التي يتخذها علم الاجتماع في النظر إلى التربية فثمة ثقافة ذات وجود مستقل عن ناقليها ومتلقييها تنقل إلى الجيل الجديد عن طريق التربية التي تصيف الكائن الاجتماعي إلى الكائن البيولوجي وبهذا المعنى الاجتماعي لدور التربية تجري التنشئة في وكالات مثل الأسرة والمدرسة والمؤسسة الدينية والمؤسسة الإعلامية باعتبار ان هذه المؤسسات موكلة من قبل المجتمع للقيام بهذا الدور. وقد كانت تنشئة محل اهتمام في السنوات الخمسين الماضية، وكانت تضاف في كل عقد مؤسسة أو وسيلة لتنشئة الطفل. التنشئة الاجتماعية مفهوم علمي وعملية ثقافيه تنقل بواسطتها الثقافة من جيل إلى جيل، ما يمكن الافراد منذ طفولتهم من العيش في مجتمع ذي ثقافة معينه، هي كيف يتكون الإنسان اجتماعيًا من خلال عملية تفاعله بما لدية من استعدادات م البيئة التي يعيش فيها، ومن خلالها تتكون شخصيته الفريدة وتنمو تدريجيًا وتندمج في الجماعة من جهة أخرى. ويمكن اختصارها بأنها عملية تعليم الطفل المعتقدات والقيم بما يجعله مسؤولًا وعضوًا مقتدرًا في المجتمع".

كما يرى إميل دوركهايم أن المجتمع وان كان يتكون من مجموعة من الأفراد، إلا أن له وجودًا مستقلًا عن هؤلاء الأفراد، يتمثل في العقل الجمعي الذي له صفة الإلزام والجزم على الافراد، فالفرد ليس حرًا في تكوين شخصيته، ولكن المجتمع هو الذي يحدد شخصية أفراده وهو الذي يحدد طريقة تفكيرهم ويحدد سلوكهم. ويعتبر دوركهايم أنه ليس هناك تربية مثالية او نموذج مثالي للفرد الذي تربيه. النموذج المثالي يخص كل مجتمع على حدة يتغير عبر الزمان والمكان ويوجد لكل مجتمع في مرحلة معينه من تطوره نظام للتربية يفرض نفسه على الأفراد بقوة لا تقاوم عمومًا. فالمجتمع هو لذي يخرجنا من أنفسنا ويلزمنا التصرف من أجل مصالح غير مصالحنا الفردية المباشرة، وهو الذي يجعلنا نسيطر على عواطفنا وغرائزنا.

ثانيًا: اهداف التنشئة الاجتماعية

يبقى الهدف الأساسي الأول للتنشئة الاجتماعية هو تحويل الطفل إلى عضو فاعل قادر على القيام بأدواره الاجتماعية، وتهيئته وفقا للقيم والمعايير والتوجهات السائدة والمعتقدات المشتركة، إلا أن لها أيضا أهداف جزئية أخرى، أهمها:

– تكوين الضمير (الأنا الأعلى): من خلال التنشئة الاجتماعية وإطارها الأسري والمُؤسسي (قبول أو رفض السلوك)، ومن خلال المواقف الحياتية اليومية… ينشأ لدى الطفل رقيب داخلي (الضمير) يمنعه من الخطأ ويدفعه إلى فعل لصواب، (اُنظروا أسفله نظرية التحليل النفسي من الفقرة رقم 8، بعنوان مقاربات ونظريات التنشئة الاجتماعية ).

– توافق الفرد ومُجتمعَه: بتعلمه لغة قومه واكتسابه ثقافتهم وبنائه علاقات طيبة بأفراد مجتمعه، يبدأ الفرد/الطفل تدريجيا في التوافق مع مجتمعه.

– وضع أُسس السلوك الاجتماعي: عبر تخفيف أنانية الطفل المتمركز حول ذاته وتحويله تدريجيا من كائن لا اجتماعي إلى كائن اجتماعي، يستوعب وجود غيره، ويتفاعل معه، من كائن بيولوجي إلى كائن اجتماعي -بتغيير السلوك الفطري والحاجات الفِطرية، إلى حاجات اجتماعية- ليصبح كائنا اجتماعيا متوافقا قدر الإمكان مع المجتمع الذي يعيش فيه (الضبط الاجتماعي والامتثال للقواعد والقيم).

– غرس القيم والمثل العليا وتكوين الاتجاهات: وتقع هذه المهمة على عاتق الوالدين والمربين، بهدف غرس القيم والمثل العليا للاتجاهات و السلوك، من خلال التطبيع والتنشئة الاجتماعية، مستعينين في ذلك بالأنشطة واللعب والقصص والحكايات والقدوة.

– التعرف على البيئة المحيطة والعالم: عبر تنمية فضول الطفل و مساعدته في سعيه نحو العلم وإشباع حاجته للمعرفة والاكتشاف…

– اكتساب اللغة ومفرداتها: سواء في المنزل أو في رياض الأطفال أو في المدرسة، ينبغي -في هذه المرحلة- إيلاء اللغة الأم الأهمية الكبرى والعناية التي تلزمها، فهي مفتاح التواصل الأول للطفل مع مجتمعه.

– تأكيد الذات: يسعى الطفل مع مرور السنين إلى تأكيد ذاته، بطريقة قد تصل أحيانا إلى درجة العناد وفض طاعة الكبار، الذين عليهم تفهم هذا الأمر وتعزيز ثقته بنفسه ومساعدته على الاستقلالية والاعتماد على النفس (بتكليفه ببعض المسؤوليات البسيطة) وعدم مقابلة العناد والدخول في صراع لا رابح َفيه. بل اعتماد المُحاورة وإفهامه الخطأ وتعليمه السلوك الصحيح، فهو يحتاج للشعور بالحب ممن حوله.

كما تهدف إلى تحقيق أهداف أخرى مثل:

– خلق ما يُصطلح على تسميته الشخصية المِنوالية للمجتمع.

– تمتين رابطة الحب بين الأم والطفل.

– تعليم الأطفال الأدوار الاجتماعية.

ـ توفير الجو الاجتماعي السليم والضروري لعملية التنشئة الاجتماعية.

– إنتاج شخص ذي كفاية اجتماعية: إعداده للتفاعل الاجتماعي.

خلاصة القول إذن أن التنشئة الاجتماعية عملية ذات أهمية بالغة، لكنها معقدة ومتشعبة الأهداف والمرامي.

ثالثًا: العوامل المؤثرة في التنشئة الاجتماعية

أ- العوامل الداخلية:

– الدين: للدين تأثير كبير في عملية التنشئة الاجتماعية نظرا لاختلاف الأحكام والطباع التي تنبع من كل دين، حيث يسعى كل مجتمع إلى تنشئة أفراده حسب الأفكار والمبادئ التي يؤمن بها.

– الأسرة: تعتبر المساهم الأساسي في تكوين شخصية الطفل/الفرد من خلال التفاعل والعلاقات بين أفرادها، كما تعتبر أول العوامل المؤثرة في التنشئة الاجتماعية ، ويرجع هذا التأثير إلى اختلاف خصوصيات الأسر الذي يتجلى في:

  • المستوى التعليمي والثقافي للأسرة.
  • نوع العلاقات الأسرية (الزوجية)
  • الطبقة الاجتماعية للأسرة.
  • نمط التربية السائد في الأسرة: ديكتاتوري، فوضوي، ديمقراطي…
  • الوضع الاقتصادي والاجتماعي للأسرة.

ب- العوامل الخارجية:

– الثقافة السائدة في المجتمع: لكل مجتمع ثقافته الخاصة التي تؤثر بشكل كبير في التنشئة، وفي صنع الشخصية الأساسية (العامة).

– المؤسسات التعليمية: وهي دور الحضانة والمدارس والجامعات والمؤسسات والمعاهد التعليمية ومراكز التأهيل على اختلاف أنواعها.

– دور العبادة من مساجد وكنائس وأماكن العبادة المختلفة.

– الوضع السياسي والاقتصادي للمجتمع: كلما كان المجتمع مُستقرا ولديه القوة الاقتصادية، كلما كان تأثيره على التنشئة الاجتماعية إيجابيا، والعكس صحيح.

– وسائل الإعلام: قد يعتبرها البعض أخطر ما يهدد التنشئة الاجتماعية للأفراد، وخاصة التليفزيون، الذي قد يتسبب في تشويه العديد من القيم التي يكتسبها الأطفال، ناهيك عن إمكانية اكتسابهم قيما أخرى دخيلة قد تكون سيئة.

– جماعة الأقران والرفاق: سواء في الحي أو النادي أو المدرسة أو الجامعة أو في غير ذلك من الأماكن.

الخاتمة

ختامًا التنشئة الاجتماعية ليست إلا عملية تطبيعٍ اجتماعي وضبط اجتماعي وتكيف اجتماعي. إنها بالتحديد ذلك الشيء الذي يُميِّز الإنسانَ عن الحيوانِ، ويجعله ناجحا أو فاشلا، صالحا أو مجرما، أمينا أو خائنا… التنشئة الاجتماعية تُكْسِبُ الإنسانَ إنسانيتَهُ.

المصادر

  • صادق عباس الموسوي، التنشئة الاجتماعية والالتزام الديني، الطبعة الأولى، مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، بيروت، 2017.