فن إيطاليا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الإتروسكيون
- مقالة مفصلة: الفن الإتروسكي
الرومان
البيزنطيون
فن العصور الوسطى
الفن البيزنطي
- مقالة مفصلة: الفن البيزنطي
العصر القوطي
- مقالة مفصلة: الفن القوطي
الفن الرومانسكي
كان الحكم المطلق نعمة على الفن وبركة، فقد كان أكثر من عشرة حكام يتنافسون في البحث عن المهندسين المعماريين، والمثالين، والرسامين ليزينوا لهم عواصمهم ويخلدوا ذكراهم، وكانوا ينفقون في هذا التنافس أموالا قلما تخصصها الديمقراطيات للجمال، أموالا لم يكن يستطاع تخصيصها للفن لو أن ثمار الجهود والعبقرية البشرية كانت توزع على الناس بالقسطاس المستقيم. وكانت نتيجة هذا ان الفن الإيطالي في عصر النهضة كان فنا خاص ببطانة الملوك ذا ذوق أرستقراطي، ولكنه كان في الأغلب الأعم يلم في شكله وموضوعه بحاجات العظماء من رجال الدنيا والسلطات الكنسية. ذلك هو فن النهضة على حين أن أنبل الفنون وأعظمها هو الذي يخلق للجماهير من كدحها ومن ثمار هذا الكدح هبة عامة ومجدا عاما، هكذا كانت الكنائس الفوطية الكبرى وهياكل بلاد اليونان وروما القديمة. وترى كل ناقد يندد بكتدرائية ميلان لإكتضاضها بالزخارف، واضطراب خطوط البناء، ولكن أهل ميلان لا يزالون منذ خمسة قرون يجتمعون في مبناها الضخم الظليل، مشغوفين به، ولا يزالون حتى في هذا العهد المتشكك يعتزون به ويرون أنه عملهم الجماعي وموضع فخرهم المشترك. وكان الذي بدأ هذا البناء هو جيان جلياتسو فسكونتي (1386)، وقد وضع تصميمه على نطاق خليق بعاصمة إيطاليا الموحدة التي كان يحلم بوجودها، فكانت تتسع لأربعين ألفا يعبدون فيها الله ويظهرون إعجابهم بجيان. وتقول الرواية المأثورة أن نساء ميلان كن يصبن في ذلك الوقت بمرض غريب في أثناء حملهن، وأن كثيرين من أطفالهن يموتون وهم صغار.
وقد مات لجيان نفسه ثلاثة أبناء تعسرت ولادتهم وماتوا بعد أن ولدوا بزمن قليل، وحزن عليهم أشد الحزن، ولهذا وهب المزار العظيم لمريم في مولدها Mariae nasceenti، رجاء أن يرزق بوارث، وأن تلد نساء ميلان أبناء أصحاء. ثم دعا المهندسين من فرنس وألمانيا للاشتراك في العمل مع المهندسين الطليان، فأما المهندسون من أهل الشمال فقد جاءوا بالطراز القوطي، وأما الإيطاليون فهم الذين أفاضوا عليها الزخرف، وضعف التناسق بين الطراز والشكل من جراء تضارب الآراء بين الجانبين ومن الزمن الطويل الذي تم فيه بناء الكنيسة، والذي بلغ قرنين من الزمان. تبدل خلالها مزاج العالم وذوقه، فلم يعد من أتموا هذا الصرح يحسون بما يحس به من بدأوه. ولم يكن قد تم من البناء حين توفي جبان جلياتسو (1402) إلا جدرانه، ثم توقف العمل لقلة المال. ثم أستدعى لدوفيكو برامنتي وليوناردو، وغيرهما ليصمموا السقف المستدير الذي يضم الأبراج المتفرقة الفخمة في تاج موحد، لكنه رفض آراءهم؛ ثم أستدعى آخر الأمر (1490) جيوفني أنطونيو أمديو من عمله الشاق في التشرتوزا دي بافيا، وعُهد إليه بالأشراف التام على مشروع الكنيسة الكبرى كله. وكان هو ومعظم مساعديه مثالين أكثر منهم مهندسين؛ ولهذا لم يكونوا يطيقون أن يبقى أي جزء من ظاهر البناء خاليا من النحت أو الزينة؛ وقضى الرجل في هذا العمل السنين الثلاثين الأخيرة من حياته (1490 - 1522) ومع هذا فإن السقف المستدير لم يتم إلا في عام 1759؛ كما أن واجهة الكنيسة التي بدأ بها في عام 1616 لم يتم إلا بعد أن فرض نابليون إتمامها فرضاً بأمر إمبراطوري (1809).
وكانت في أيام لدوفيكو ثانية كنائس العالم من حيث الحجم، فقد كانت تغطي مساحة قدرها 120.000 قدم مربعة، أما اليوم فقد نزلت عن هذا الشرف الخداع، شرف الضخامة، إلى كتدرائية القديس بطرس في إشبيلية، ولكنها لا تزال تفخر بطولها وعرضها (486 قدماً × 289)، وبارتفاعها البالغ 354 قدماً من الأرض إلى رأس العذراء الذي يعلو المنارة القائمة في السقف المستدير، وبأبراجها المستدقة العلية البالغ عددها مائة وثلاثة وخمسين والتي تقلل من مجدها وعظمتها، وبالتماثيل البالغ عددها ألفين وثلاثمائة والتي تغطي هذه الأبراج المستدقة، والعمد، والجدران، والسقف. وقد شيدت الكنيسة كلها حتى سقفها نفسه بالرخام الأبيض جيء به إليها بجهد كبير من اكثر من عشرة محاجر في إيطاليا. وواجهة البناء منخفضة انخفاضاً يتناسب مع سعته، ولكنها مع ذلك تستر السقف المستدير البديع؛ وليس في وسع الإنسان أن يشاهد متاهات العمد التي تقوم فوق أرضها كأنها تضرع وتبتهل إلا إذا طار بجناحين ثم استطاع أن يقف في أعلاها وسط الهواء، وعليه إذا أراد أن يحس بروعة حجمها الضخم وما فيه من إسراف، أن يطوف المرة بعد المرة حول سقفها العظيم بين طائفة لا حصر لها من الدعامات؛ وعليه أن يجتاز شوارع المدينة الضيقة المزدحمة، ثم يخرج فجأة إلى ميدان الكنيسة الرحب المفتوح، لكي يدرك روعة الواجهة والمنارة اللتين تنعكس عليهما شمس إيطاليا فتبدلهما لآلاء حجرياً؛ وعليه أن يزاحم بمنكبيه الجموع الحاشدة في أحد أيام العطلة ويدخل معها من أبواب الكنيسة ويدع كل هذه الرحاب الواسعة؛ والعمد، التيجان، والعقود، والقباب، والتماثيل، والمحاريب، والألواح الزجاجية الملونة تنقل إليه بصمتها سر الإيمان والأمل والعبادة.
وإذا كانت الكاتدرائية هي الأثر الخالد الذي أقامه جيان جلياتسو فسكونتي، وإذا كانت تشرتوزا بافيا هي ضريح لدوفيكو وبيتريس، فإن المستشفى الكبير (Ospedale Maggiore) هو الأثر البسيط الضخم الذي يخلد ذكرى فرانتشيسكو اسفوردسا. وأراد اسفوردسا أن يخطط بطريقة "خليقة بأملاك الدوق العظيمة، وبالمدينة الكبرى الذائعة الصيت"، فاستدعي من فلورنس (1456) أنطونيو أفرولينو Antonio Averulino المعروف باسم فيلاريتى Filarete والذي اختار له شكلاً ضخما من الطراز الرومانسي اللمباردي، والراجح أن برامنتي هو المهندس الذي أنشأ الفناء الداخلي، وقد أنشأ في مواجهته طبقتين من العقود المستديرة تعلو كل طبقة منها شرفة ظريفة رشيقة. وقد ظل المستشفى الكبير من أعظم ما في ميلان من أمجاد حتى دكت الحرب الأوربية الثانية معظم أجزائه وتركتها خراباً تنعى من بناها.
وكان لدوفيكو وحاشيته يرون أن فنان ميلان الأعظم هو برامنتي لا ليوناردو، لأن ليوناردو لم يكشف لأهل زمانه إلا جزاءاً من نفسه. وقد ولد دوناتو د انيولو Donato d'Agnolo في كاستل ديورانتي Castel Drante القريبة من أربينو Urbino وأطلق عليه من قبيل السخرية لقب برامنتي ومعناه الشخص الذي يلتهب بالرغبات الجامحة التي لا تشبع. ورحل إلى مانتوا ليدرس مع مانتينيا Mantegna؛ وتعلم فيها ما يكفي لأن يخرج بعض مظلمات متوسطة الجودة، ويرسم صورة ملونة رائعة للعالم الرياضي لوكا بتشيولي Leca Pocioli؛ ولعله التقى في مانتوا بليون باتستا البيرتي Leon Batista Alberli الذي كان يصمم كنيسة سانت أندريا Sant' Andrea؛ وسواء كان هذا أو لم يكن فان طائفة من التجارب المتكررة في فن المنظور نقلت برامنتي من التصوير إلى العمارة؛ ونشاهده عام 1472 في ميلان يدرس كنيستها الكبرى بدقة الرجل الذي يعتزم القيام بأعمال جليلة. وأتيحت له حوالي عام 1476 فرصة يظهر فيها كفايته، وكانت هذه الفرصة هي تخطيط كنيسة سانتا ماريا حول كنيسة سان ساتيور San Satiro الصغيرة. وقد أظهر في هذه الآية الفنية المتواضعة طرازه المعماري الخاص في القباءات نصف الدائرية، وحجر المقدسات، والقبب المثمنة الأضلاع، والقباب الدائرية، التي تعلوها كلها طنف رشيقة، والتي تزدحم بعضها فوق بعض في صورة جامعة تخلب اللب. ولما عجز برامتي عن أن يجد مكانا للقبا، أخذ يداعب بفن المنظور، فنقش على الجدار القائم خلف المحراب صورة قبا تخدع الإنسان خطوطه المتجهة كلها نحو مكان واحد فلا يكاد يشاهد قبا غائراً بحق. وقد أضاف إلى كنيسة سانتا ماريا دل جراتسي قباً، وسقفاً مستديراً مقببا، والمداخل المعمدة للطرق المقنطرة التي كانت هي الأخرى بين ما دمرته الحرب الأوربية الثانية. ولما سقط لدوفيكو رحل برامنتي نحو الجنوب، متأهباً لأن يهدم روما ويبنيها من جديد.
ولم يكن المثالون الذي في بلاط لدوفيكو فنانين جبارين مثل دوناتلو وميكل انجلو، ولكنهم نحتو للشيرتوزا، والكتدرائية، والقصر، مائة صورة وصورة ذات رشاقة خلابة فتانة. وسيضل الناس يذكرون اسم كرستوفورو سولاري Cristoforo Solari الأحدب (II Gobbo) ما بقي القبر الذي أنشأه للدوفيكو وبياتريس قائما. وكسب جيان كرستوفورو رومانو محبة الناس جميعاً بظرفه وغنائه العذب؛ وكان من كبار المثالين في التشيرتوزا ولكنه انتقل إلى مانتوا بعد موت بيتريس بعد أن ظلت هذه المدينة تلح عليه عاماً كاملاً، وفيها نحت لإزبيلا مدخلاً ظريفاً لحجرة مكتبتها في قصر البرديزو Paradiso (الجنة) ثم حفر صورة لها في مدلات تعد من اجمل مدليات النهضة. وانتقل بعدئذ إلى أربينو ليعمل فيها عند الدوقة إلزبتا جندساجا Elisabetta Gonzaga، ثم أصبح من أبزر الشخصيات في كتاب البلاط لكستجليوني Caztiglione. وكان أعظم حفاري المدليات في ميلان كلها هو كرستوفورو فبا Crcistoforo Foppa. الملقب من قبيل السخرية كرادسا Caradossa، وهو الذي قطع الجواهر البراقة التي كانت تتحلى بها بيتريس، وجاب على نفسه حسد تشيليني Cellini.
وكان في ميلان مصورون جيدون قبل ليوناردو بجيل من الزمان، كان فيها فينتشندسوفيا الذي ولد في بريشيا، وتكون في بدوا، وقام أكثر أعماله في ميلان، وذاعت في أيامه شهرة مظلماته التي صورها في سانت يستورجيو sant' Eustorgio، ولا تزال صورة استشهاد القديس سبستيان تزين أحد جدران الكاستلو. وترك لنا أمبروجيو برجنيوني الذي نسج على منواله بميلان، وفي تررين،وبرلين، وكلها تجرى على تقاليد روح التقى الصادق القوي؛ وترك لنا كذلك صورة أنيقة لجيان جلياتسو اسفوردسا في طفولته هي الآن بين مجموعة ولاس wallace في لندن. وفي الصور نجاحا في التعبير عن هذا الموضوع الشاق. وكان أمبروجيو ده برديس Ambrogio de Perdis مصور البلاط عند لودفيكو حين قدم إليه ليوناردو، ويلوح أنه كان له نصيب في تصوير عذراء الصخور مع ليوناردو نفسه، لعله هو الذي رسم الصورة الساحرة للموسيقيين الملائكة المحفوظة في المعرض القومي بلندن، ولكن أجمل مخلفاته صورتان محفوظتان في الأمبروزيانا: أحدهما لشاب جاد غاية الجد لا يعرف من هو ، والثانية لفتاة يعتقد الآن إنها بيانكا ابنة لدوفيكو غير الشرعية. وقلما أفلح فنان غيره في إدراك المفاتن المتضاربة لفتاة تتصف بالحشمة والبراءة، ولكنها مدركة لجمالها الساذج فخورة به.
وكانت المدن الخاضعة لميلان تقاسي الأمرين من جراء نزوح ذوي المواهب من أهلها إلى تلك العاصمة لما فيها من مغريات، ولكن كثيرا من هؤلاء استطاعوا أن يخلدوا أسماءهم في تاريخ الفن. ولم تكن كومو تقنع بأن بابا لا أكثر لميلان يوصل إلى البحيرة التي سميت تلك المدينة باسمها، بل كانت هي أيضاً تفخر بروائعها الفنية مثل برج القومون Torre del Comune، وبرولتو Broletto وتفخر أكثر من ذلك بكتدرائيتها الفخمة المشيدة من الرخام. وقد قامت الواجهة القوطية الرائعة لهذه الكاتدرائية أيام اسفوردسا (1457 - 1487)؛ وصمم برامنتي لها مدخلا جميلا من الجهة الجنوبية، وشاد ستوفورد سولاري القبا الخلاب على الطراز البرامنتي. وأهم من هذه المعالم وأكثر إمتاعا تمثالان يجاوران المدخل الرئيسي: أحدهما على اليسار لبلني الأكبر Pliny the Elder وثانيهما على اليمين لبلنى الأصغر Pliny the Younger، وهما من أبناء روما القدمين، وثنيان متحضران اتخذا لهما مكانا في واجهة كتدرائية مسيحية أيام لدوفيكو المغربي السمحة.
وكانت أجمل درة في برگامو Bergamo هي الكابلا كليوني Capella Colleoni وكان سبب قيامتها أن الأفاق البندقي المغامر الذي ولد هنا أراد أن يشاد له معبد تثوى فيه عظامه وأن يكون لقبره شاهد يخلد انتصاراته. وصمم جوڤاني أنطونيو أماديو المعبد والقبر، وحرص على أن يظهر فيهما الروعة والذوق السليم، ثم أقام سكستس سيري النورمبرجى Sixtus Siry of Nuremberg على الضريح تمثال فارس من الخشب، لو أن فيروتشيو ولم يَصُب لهذا القائد العظيم تمثالاً آخر من مادة أقوى وهي البرنز لكان لهذا التمثال الخشبي شهرة أوسع من شهرته الحاضرة. وكان قرب برگامو من ميلان مانعاً لها من الاحتفاظ بمصيرها، ولكن واحداً منهم هو أندريا پرڤيتالي Andrea Previtali عاد إلى برگامو (1513) بعد أن درس مع جوڤاني بليني في البندقية، وأورثها صوراً تمثل التقى بأعظم معانيه والتواضع في أجمل صورة.
وكانت بريشيا تخضع تارة للبندقية وتارة لميلان، وساعدها ذلك على أن تحفظ التوازن بين التأثيرين، وأن يكون لها مدرسة للفن خاصة بها. وكان من أبنائها النابهين فنتشيندسو، وقد وزع ثمار مواهبه على ست مدن أو نحوها، ثم عاد بعدئذ ليقضي السنين الأخيرة من عمره في مسقط رأسه، وشارك تلميذه ڤينچندسو جڤركيو Vincezo Giverchio شرف تكوين المدرسة البريشية الفنية. ودرس جيرولامو روماني المعروف باسم رومانينو مع فيرامولو، ثم درس في ما بعد في بدوا والبندقية، ثم أتخذ بريشيا مركزا له وصورة فيها وفي غيرها من بدن إيطاليا الشمالية سلسلة طويلة من المظلمات وستر المحاريب، والصور، ألوانها ممتازة ولكن خطوطها لا تبلغ هذه الدرجة من الإتقان. وحسبنا أن ننظر من هذه الصور صورة العذراء والطفل المحفوظة في إطار فخم من صنع استيفانو لمبرتي Stefano Lamberti في كنيسة سان فرانتشيسكو. وسما تلميذه السندرو بنفيتشينو Alessandro Bonvieino، المعروف باسم مورتا دا برشيا Moretto da Brescia، بهذه الأسرة إلى أعلى مكانتها بأن مزج مجد البنادق ذوي الإحساس المرهف بالعاطفة الدينية المتحمسة التي ظلت تمتاز بها صور بريشيا إلى آخر أيامها. وقد رسم موريتو في كنيسة القديسين نادسارو وتشيلسو Nazaro e Celso حيث وضع تيشيان صورة البشارة، صورة لا تقل عن هذه الصورة الأخيرة جمالاً وهي صورة تتويج العذراء. وصورة الملاك الأكبر التي بها لا تقل من حيث رقة الشكل والملامح عن أجمل الأشكال الموجودة في الكريجورو. وكان في وسعه أن يصور كلما شاء صوراً لفينوس مثيرة للشهوات شأنه في هذا شأن تيشيان؛ وتكشف صورة سالومي عن وجه من أظرف وأرق ما صور من الوجوه في نطاق فن النهضة كله بدل أن تكشف عن صورة قاتلة بالنيابة.
وجمعت كريمونا حياتها كلها حول كنيستها الكبرى التي أنشئت في القرن الثاني عشر وحول البرج (Torrazo) المجاور لها وهو برج يكاد يضارع برج جيتو والخرلدة Giralda. ورسم جوڤاني ده ساكي Giovanni de Sacchi، المسمى البرودينوني II Prodenone بسام المدينة التي أنشأ فيها، داخل هذه الكنيسة أروع آية من آياته الفنية هي صورة يسوع يحمل صليبه. وأنجبت ثلاث أسر عظيمة في تلك المدينة أجيالا متعاقبة من ذوي المواهب العالية في فن التصوير الكريموني: أسرة بيمي Bempi (وقد أنجبت بنيفادسيو Benifazio، وبندتو benedetto، وجيان فرانتشيسكو وأسرة بكاتشيني Boccaccini وأسرة كامي Campi. ودرس يوكاتشيويكا تشيبني في البندقية، وأقحم نفسه في منافسة لا طاقة له مع ميكل أنجلو في روما، ثم عاد إلى كريمونا، وعلا صيته بما انشأ من مظلمات في كتدرائيتها صور فيها العذراء، وواصل ابنه كاملو Camillo أعماله الرائعة الممتازة. كذلك واصل جيليو Giuilio وانطونيو ولدي جلبترو كامي وبرتردينو كامى تلميذ جيوليو أعمال جلياتسو. وكان جلياتسو هذا قد وضع تصميم كنيسة سانتا مرغريتا في كريمونا ثم رسم فيها صورة المخلص في المعبد. وهكذا نزعت الفنون في إيطاليا على عهد النهضة إلى أن تجتمع في عقل واحد، وقد ازدهرت في عهد عباقرة متعددي الكفايات تعددا لم يعرف حتى في بلاد اليونان.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
عصر النهضة
- مقالة مفصلة: النهضة الإيطالية
أحس الفن كما أحست السياسة بهذه المنافسة المشتدة بين شئون الدنيا وشئون الدين. كان رجال الكنيسة لا يزالون أغنى رعاة الفن، يوصون بالمباني، والصور والتماثيل، والزخارف، ولكن الأرستقراطية استكثرت الآن من القصور بأسرع من الكنائس، وتوددت إلى الأجيال القادمة بالصور، وأهدتها مجموعات من التحف الفنية. وفي إيطالية القرن السابع عشر جرى تيارا الرعاية هذان جنباً إلى جنب في انحدار بهي من النهضة الأوربية. وكانت تورين تتخذ طريقها إلى الثراء تحت حكم أدواق سافوي. وقد صمم جوارينو جواريني لكتدرائية سان جوفاني باتيستا "كابيل ديل سانتيسيمو سوداريو" أي كنيسة الكفن الأقدس (الذي اعتقد المؤمنون أن يوسف الرامي كفن فيه جسد المسيح). وقد انهارت قبة كنيسة سان فيلييو الكبرى، التي بدأها جواريني، قبيل أن تكتمل، فرممها فيلييو ايوفارا، الذي ولد سنة 1676 قبل موت جواريني بسبع سنوات. ولعلنا نلتقي بايوفارا مرة أخرى. وفي جنوة كان أروع بناء شيد في هذا العهد هو قصر دوراتزو الذي بناه فالكوني وكانتوني في 1650، واشتراه بيت سافوي في 1817، واستخدم بعد ذلك قصراً ملكياً للأسرة. وقد تحطمت قاعة مراياه الشهيرة في الحرب العالمية الثانية، وكانت رائدة لقاعة مرايا فرساي (1678)، فليس صحيحاً إذن أن مارس (إله الحرب) عشق فينوس يوماً ما. أما أبرز المصورين الجنوبيين الآن فكان اليساندرو مانياسكو، وقد نجد أنموذجا من فنه في لوحة "مجمع اليهود" المحفوظة بمعهد الفن بشيكاغو، أو لوحة "الغداء البوهيمي" المحفوظة باللوفر.
وواصلت البندقية إنجابها للأطفال والفنانين. وأي عمل أعظم بطولة من الدفاع عن كانديا ضد ترك؟ فطوال ربع قرن ظل جنود الباب العالي وبحارته يهاجمون كريت، وكانت يومها مستعمرة للبندقية، وهلك في تلك الحملات العنيفة 100.000 تركي(15)، ومع أن جيشاً عدته 50.000 مقاتل استولى على بعض المدن الصغيرة في الجزيرة، فإن العاصمة صمدت للحصار عشرين عاماً، وصدت اثنين وثلاثين هجوماً. وفي 1667 أرسل فرانشسكو موروزيني ليقود الحامية المشرفة على الموت جوعاً. وأخيراً سلمت (1668)، ولكن أحداً لم يعد يتكلم على تدهور البندقية. وفي 1693، عندما تقلد موروزيني إمرة الأسطول البندقي، تقهقر الأتراك حين اقترب منهم وقد روعهم اسمه فقط. وكان لا يزال من ذلك الطراز من الرجال الذي صره تنتوريتو وفيرونيزي-الشجاعة المجسمة التي لا تعرف الرحمة.
وكان بالداساري لونجينا رجلاً آخر من هذا الطراز السبعيني. فقبل سنوات كثيرة (1632) صمم كنيسة "سانتا ماريا ديللا سالوتي"-أميرة البحيرات الجليلة، أما الآن، وبعد سبعة وأربعين عاماً، فقد شاد قصر بيزارو على القناة الكبرى-قصراً متيناً بديعاً بأعمدته المزدوجة وكرانيشه المتعددة، ثم بنى (وهو في السادسة والسبعين) قصر ريتزونيكو، الذي سيموت فيه الشاعر براوننج. وهناك نبت آخر، صلب العود، حمل البذرة البندقية إلى نصف القارة، وهو سبستيانو ريتشي، الذي ولد (1659) بمدينة بللونو في إقليم فنيتسيا، وذهب إلى فلورنسة ليزخرف قصر ماروتشيللي، ثم سار على أقل الدروب ضنكاً-إلى ميلان، وبولونيا، وبياتشينزا، وروما، وفيينا، ولندن. وأنفق عشر سنوات في إنجلترا، ورسم صوراً في مستشفى تشلسي، وبيرلنجتن هاوس، وقصر هامبتن كورت، وكاد يظفر بمهمة زخرفة كنيسة القديس بولس الجديدة. ثم مضي إلى باريس، حيث انتخب عضواً في أكاديمية الفنون الجميلة. ولوحته "ديانا والحوريات(16)" غلمة كلوحات بوشيه، لطيفة كلوحات كوريدجو. وعمر ريتشي حتى 1734، وأسلم مهاراته للقرن الثامن عشر، ومهد الطريق للعصر الذهبي للتصوير البندقي أيام تيبولو.
أما المدرسة البولونية فلم تكن قد استنفدت قوتها تماماً. فاشتهر كارلو تشينياني برسومه الجصية في كتدرائية فرولي. وكشف جوزيبي ماريا كرسبي (لو سبانيولو) في "صورته الذاتية(17)" عن رجل مستغرق في الفن، متناس كل متاعبه إذا أتيح له أن يرسم. وقد صور جوفاني باتيستا سالفي ("الساسوفيراتو") في لوحته "العذراء تصلي(18)" ما في المحبة من إنكار للذات، وأرانا في لوحته "العذراء والطفل(19)" مجرد امرأة بسيطة، سعيدة بوليدها (البامبينو)، كأي امرأة تراها في أي يوم بين فقراء إيطاليا.
وقد حكم فلورنسة وبيزا وسيينا خلال هذه الفترة اثنان من كبار أدواق توسكانيا، فرديناند الثاني وكوزيمو الثالث. وفي 1659 بدأت سيينا مهرجان الباليو (المعطف) المشهور: فكانت أحياؤها العشرة تنظم موكباً بملابس بهية يسير في شوارع زينت بالعمائر، والرايات، والزهور، ونساء مرحات لابسات ثياباً جذابة، ثم يتبارى فرسان الأحياء بجنون في سباق على معطف السيدة العذراء التي كرست المدينة التقية نفسها وحياتها له منذ أمد بعيد. ولم تملك فلورنسة الآن من المصورين إلا الصغار. وواصل كارلو دولتشي، بفن أضعف، صور رينو جيدي العاطفية، المتأملة في السماء، التي رسمها للعذراء والقديسين، والعالم كله يعرف لوحته "القديسة سيسيليا(20)". ورسم يوستوس سوسترمانس، الذي هاجر من فلاندر غلى فلورنسة، لوحات تعد من العجائب التي تشد الانتباه في قاعة بيتي-وليس أقلها رأس جاليليو الرائع الجليل. كذلك كان يبدو موسى وهو يشرع الناموس، لا كما نراه في وحش ميكل أنجيلو ذي القرون.
وكان الفن في روما يفيق من قيود الحركة المعارضة للإصلاح البروتستنتي. فعاد البابوات بقدر أخف إلى روح النهضة، وشجعوا الأدب، والدراما، والعمارة، والنحت، والصوير. ورمم إنوسنت العاشر الكابيتول وكنيسة سان جوفاني في لاتيرانو. وكلف الاسكندر السابع برنيني بأن ينحت نطاقاً رباعياً من حراس مصنوعين من الجرانيت حول ميدان القديس بطرس (1655-67)-فنحت 284 عموداً و88 ركيزة، ووفق في صنعها إلى تحويل الذهب إلى حجر. وفي عهد هذا البابا أعاد بييترو داكورتونا بناء كنيسة سانتا ماريا ديللا باتشي، حيث كانت عرافات رفائيل لا تزال تتأمل القدر. واشترك جيرولامو دينالدي مع ابنه كارلو في تشييد كنيسة سانتاجنيزي الجميلة في ميدان نافونا. واشترك الوالد والولد ثانية في تصميم كنيسة "يسوع ومريم"، وبنى كارلو هيكل سانتا ماريا في كامبيتللي ليضم تمثالاً للعذراء اعتقد الناس أنه أوقف طاعون 1656. وكان الكرادلة والنبلاء يبنون مساكنهم ومدافنهم في فخامة القصور. وارتفع الآن قصر دورياً وبهو قصر كولونا ذو الزخارف الباروكية المسرفة، وفي كنيسة "يسوع ومريم" حفر فرانشسكو كافالليني لأسرة بولونيتي مقبرة لا بد أنها أثارت حسد الأحياء للأموات.
وأقام مصورون كثيرون الدليل على أن فنهم ما زال حياً في روما. وقد خطب أهلها ود كارلو ماراتي، في النصف الثاني من القرن السابع عشر، باعتباره زعيم المصورين في الباروك الحديث. وصورته لكلمنت التاسع(21) كانت مذكرة بصورة فيلاسكويز لإنوسنت العاشر، ولكنها انتهت نهاية طيبة، وصورته "العذراء مع القديسين في الفردوس"(22) تكرار لعشرات مثلها، ولكنها صورة جميلة. وحين أراد كلمنت الحادي عشر ترميم لوحات رفائيل الجصية في الفاتيكان عهد إلى ماراتي بهذه العملية الدقيقة الخطرة على المرمم خطرها على الرسوم، فأداها بكفاية. واختار اليسوعيون جوفاني باتيستا جاوللي (الباتشتشو) ليرسم قبو كنيستهم الأم "الجيزو"، ولكن كان من بين أبناء طريقتهم راهب من أقدر فناني عصره، هو أندريا بوتسو، الذي التحق بالطريقة وهو في الثالثة والعشرين، وصمم في تلك الكنيسة مذبح القديس اجناتيوس-وهو من روائع الباروك. وفي 1692 نشر بوتسو مقالاً عن المنظور في التصوير والعمارة أثار ضجة في عدة لغات. واستهواه موضوعه كما استهوى أوتشيللو موضوعه قبل قرنين، فطور دراساته بلطائف "الخداعية"، كما يرى في صوره الجصية في فراسكاتي. ودعاه الأمير فون ليشتنتشتين إلى فيينا، فأفنى نفسه بكثرة المهام التي اضطلع بها، ومات هناك في 1709 بالغاً من العمر سبعة وستين عاماً.
كان أعظم المصورين الإيطاليين الآن في نابلي. فكل شيء أينع وازدهر هناك-الموسيقى والفن، والأدب، والسياسة، والدراما، والجوع، والقتل، وشيء آخر لا يكف عنه الرجال الهائجون أبداً، وهو مطاردتهم لجسد المرأة ومفاتنه، المطاردة المرحة، العنيفة، الشجية. وتأثر سلفاتور روزا بكل عناصر الحياة هذه. وكان أبوه معمارياً، وعلمه عم له التصوير، وكان زوج أخته تلميذاً لريبيرا، وقد أذن لسلفاتور نفسه في الوقت المناسب بالالتحاق بذلك المرسم الجليل. وعلمه أستاذ آخر تقنية مناظر المعارك الحربية. واشتهر سلفاتور على الأخص بهذه الصور التي ترى في متحف نابلي القومي أو في اللوفر. ومن المعارك انتقل إلى مشاهد الطبيعة، ولكن هنا أيضاً آثرت روحه الوحشية رسم الطبيعة في سوارت غضبها، كما يرى في لوحة باللوفر صور فيها الغيوم الكثيفة والأرض المظلمة يضيئها فجأة برق يحطم الصخور ويطوح الأشجار في طرفة عين. وأقنعه لانفرانكو بالذهاب إلى روما والتودد للكرادلة، فذهب وأثرى هناك، ولكنه هرع قافلاً إلى نابلي 1646 ليشترك في ثورة مازانيللو. فلما فشلت عاد إلى روما، وصور كبار رجال الكنيسة، وكتب هجاءً ساخراً تهكم فيه بالترف الكنسي. ثم قبل دعوة الكردينال جانكارلو دي مديتشي ليذهب ويعيش معه في فلورنسة، وهناك مكث تسع سنوات، يرسم، ويعزف الموسيقى، ويقرض الشعر، ويشارك في التمثيليات. وحين عاد إلى روما ثانية، سكن بيتاً في التل البنسي، حيث عاش بوسان ولوران من قبل. وتقاطر عليه أقطاب الكنيسة، ليصورهم مغضين عن هجائياته، مؤثرين فرشاته على قلمه، وكان أحب الفنانين إلى الناس في إيطاليا طول عشر سنوات. وقد رسم صور القديسين والأساطير المألوفة، ولكنه في محفوراته استسلم لعطفه على الجنود المساكين والفلاحين المعذبين، وهذه المحفورات من أبدع آثاره.
ولم ينافسه في شهرته غير رجل من أهل نابلي، هو لوكا جوردانو. وكان فناناً وهو بعد في الثامنة، ثم رسم في كنيسة سانتا ماريا لانوفا ملاكين بلغ من الجمال والرشاقة مبلغاً جعل الحاكم يأخذه العجب حين رآهما، ويرسل للصبي بعض القطع الذهبية مع توصية لريبيرا. وظل يدرس على يد ذلك الأستاذ الغارق في تأملاته، ويدهش كل إنسان بسرعة نسخه للروائع وتقليده للأساليب. وتاق للذهاب إلى روما وفحص رسوم رفائيل الجصية المشهورة، ولكن أباه عارض في ذهابه، لأنه يرتزق من بيع صور لوكا ورسومه. ففر لوكا سراً، وسرعان ما أخذ ينسخ بحماسة في الفاتيكان، وفي كنيسة القديس بطرس، وفي قصر فارنيزي. وتبعه أبوه، وحصل على قوته هنا أيضاً ببيع صور ابنه العارضة، ويروي أن السر في تقليبه "فا-برستو" هو حث أبيه على السرعة. فلما استوعب فن روما مضي إلى البندقية ورسم على طريقة تيشان وكوريدجو صوراً لا تكاد تختلف عن روائعهما. ولكنه رسم إلى ذلك صوراً أصيلة ظفرت بالاستحسان، وفي وسعنا الحكم عليها من لوحته "إنزال المسيح عن الصليب" المحفوظة بأكاديمية البندقية. ولما عاد إلى نابلي زخرف اثنتي عشرة كنيسة بكفاية وسرعة لم يجد معها منافسوه حيلة إلا أن يتسقطوا له الهنات. ثم دعاه كوزيمو الثالث إلى فلورنسة (1679) حيث ظفر بالاستحسان لصورة الجصية في كنيسة كورسيني.
وأصاب صديقه كارلو دولتشي غم شديد حين رأى ما أحرزه لوكا من نجاح، فمات بعد قليل(23)، وتروي لنا إيطاليا المحبة لفنانيها من الأساطير الكثيرة عنهم قدر ما ترويه عن قديسيها. وفي رواية أخرى أن نائب الملك الأسباني في نابلي أوصي برسم حشوة كبيرة لكنيسة القديس فرانسس زافير، وثار غضبه حين وجد أن شيئاً لم ينجز في هذا التكليف رغم التأجيلات الطويلة، وما راعه بعد يومين إلا أن يجد العمل كاملاً وجميلاً. وقال نائب الملك "إن راسم هذه الصورة أما ملاك وأما شيطان(24)".
وطبقت شهرة الملاك الشيطاني الآفاق حتى بلغت مدريد، وسرعان ما تكاثرت الدعوات على لوكا من شارل الثاني لينضم للبلاط الأسباني. ومع أن الملك كان مشرفاً على الإفلاس فإنه وصل الفنان بألف وخمسمائة دوكاتيه، ووضع سفينة ملكية تحت تصرفه للرحلة. فلما بلغ جوردانو مدريد (1692) استقبلته ست مركبات ملكية على الطريق. وما لبث أن بدأ العمل في الأسكوريال وهو في السابعة والستين. فزين بالصور الجصية سلم الدير الكبير، وعلى قبو الكنيسة رسم "صورة طبق الأصل" من السماوات، ترينا شارل الخامس وفيليب الثاني في الفردوس-وقد غفرت ذنوبهما كلها تحية من الثالوث الأقدس لآل هابسبورج. وفي السنتين التاليتين رسم عدداً كبيراً من الصور الجصية يعدها مؤرخو الفن الأسباني خير ما رسم في الأسكوريال(25). وفي "القصر" بمدريد، وفي بوين ريتيرو، وفي كنائس طليطلة والعاصمة، رسم صوراً بلغت من الكثرة، وأنفق فيها من الجهد، ما جعل منافسيه يعيرونه بأنه يعمل ثماني ساعات في اليوم وفي أيام الأعياد. كذلك ساءهم أنه جمع ثروة بطرق غير لائقة، وأنه يضيق على نفسه ولكنه يشتري الجواهر الغالية استثماراً آمناً لماله لأن كل شيء في هذه الدنيا سيتغير ويتبدل إلا غرور الإنسان. وقد كرمه كل البلاط، ووصفه شارل الثاني في لحظة صفاء بأنه أعظم من ملك.
ومات شارل في 1700، ومكث جوردانو في أسبانيا رغم ما تلا ذلك من حرب الوراثة الأسبانية، ولما ارتقى العرش فيليب الخامس ظل يتلقى تكليفات سخية عسيرة. ثم عاد إلى إيطاليا في 1702، وتخلف في روما ليلثم قدم البابا، ووصل إلى نابلي والغار يكلله. وعلى أسقف التشرتوزا (دير الكرتوزيين) بسان مارينو، المطل على المدينة، رسم في ثمان وأربعين ساعة سلسلة من الصور الجصية أظهرت نشاطاً وحذقاً لا يكادان يصدقان في رجل بلغ الثانية والسبعين (1704). وفاضت روحه بعد ذلك بعام وهو يقول متأوهاً "إيه يا نابلي، يا نسمة حياتي(26)". ولم يعدله شهرة عند وفاته فنان آخر في جيله. ونافس الأعيان الهولنديون الأباطرة والملوك في شراء صوره، وفي إنجلترا النائية تغني مافيو برايور بمديح "جوردان الإلهي" وأعجب عامة الناس بغنى ألوانه، وبأس أشخاصه، وجلال أفكاره، وقوة عرضه. ولكن الفنانين-بعد أن أفاقوا من هذا الخدر العام-بينوا علامات التعجل في إنتاج لوكا فا-برستو، والخلط المتناقض بين الأفكار أو المواضيع الوثنية والمسيحية في المشهد الواحد، والمواقف المفتعلة، والإفراط في الإضاءة الساطعة، والافتقار إلى التناسق والهدوء. ولقد رد لوكا على ناقديه قبل ذلك بزمن طويل، إذ عرف المصور القدير بأنه ذلك الذي يحبه جمهور الشعب(27). ومن العسير تفنيد هذا التعريف ما دمنا نفتقر إلى معيار موضوعي للامتياز أو سلامة الذوق، ولكنا قد نجد أدنى محك ذاتي للعظمة في مبلغ تأثير إنسان ما في الزمان والمكان، وأدنى مقياس ذاتي للشهرة في قدرتها على البقاء. ولقد سعد جوردانو بحياة ناجحة، وهو لا يشعر بأي أذى من جراء شهرته الآفلة.
وكان الفنان فرانشسكو سولمينا يناهز الثامنة والأربعين حين مات فا-برستو، ولكن سني عمره التسعين بلغت بمدرسة الفن النابولية قرابة منتصف القرن الثامن عشر. وكان لوكا قد رسم صحن دير مونتي كاسينو، ورسم فرانشسكو الخورس، وتهدم هذا وذاك في الحرب العالمية الثانية. ولكن المتاحف تحتفظ بفن سولمينا، ففي فيينا "اغتصاب أوريثيا" وهي نشوة بضة من عضلات الذكر ومنعطفات الأنثى، وفي اللوفر نرى صدى وتحدياً لرفائيل في لوحته "هليودوروس" يطرد من الهيكل"، وفي كريمونا صورة "مادونا أدولوراتا" ويصحب العذراء فيها ملاك فيه من العذوبة ما يجعلنا نتقبل فكرة الخلود إذا كان في الجنة الكثير من أمثاله.
الأخلاقية
- مقالة مفصلة: الأخلاقية
الحداثة
الباروك
- مقالة مفصلة: الباروك الإيطالي
الروكوكو
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الانطباعية وما بعد الانطباعية
1900
التعبيرية
التكعيبية والمستقبلية
الحداثية الكلاسيكية في القرن العشرين
الفن الحداثي الإيطالي
الفن الإيطالي بعد-الحداثي
الفن المعاصر
وصلات خارجية
- Italian Art
- http://cgfa.sunsite.dk
- http://www.arounder.eu VRpanoramas of Italy by Tolomeus
- ItalianArtStudio.comItalian and Tuscan style Fine Art
- Italian Plasma Artist