إثيوپيكا
إثيوپيكا (Αἰθιοπικά؛ Aethiopica) (القصة الإثيوپية) أو ثياجنيس وخاركليا هي رواية رومانسية يونانية قديمة. كتبها هليودورس الحمصي وهي العمل الوحيد المعروف له.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الوصف
تعد رواية هليودوروس أضخم رواية وصلت من العصور القديمة فهي تتألف من عشرة كتب (أجزاء) تدور أحداثها في زمن السيطرة الفارسية على مصر. بطلتها خاريكليا Charikleia ابنة الملك الإثيوبي، التي ولدت بيضاء اللون فتخلصت منها أمها خوفاً من شكوك زوجها فأخذها الكهنة وجيء بها إلى مدينة دلفي في بلاد اليونان فنشأت هناك وصارت كاهنة لإله الشمس والحكمة أبولون Apollo. وفي أثناء الألعاب الدلفية تعرفت شاباً نبيلاً يدعى تياگنيس Theagenes وقع في حبها وبادلته حباً بحب. وذهبت معه في رحلة بعيدة برفقة الرجل العجوز كلازيريس Kalasiris الذي أرسلته الملكة الإثيوبية للبحث عن ابنتها. وفي طريق العودة إلى وطنها خاضت خاريكليا وصحبها سلسلة من المغامرات وتعرضت لأخطار على أيدي القراصنة الذين اختطفوهم. وأخيراً وعند اقتيادها مع تياغِنيس للتضحية بهما يتم تعرفها بوصفها ابنة الملك وتزف إلى حبيبها باحتفال ملكي كبير.
تتجلى في «الإثيوبية» السمات الأساسية المعهودة للرواية قديماً من قبيل العرض الملحمي الواسع ووضوح الوصف والمحافظة على عنصر التشويق حتى النهاية. وتعد الرواية شاهداً مهماً على القيم الأخلاقية في ذلك الوقت، فالعفاف اقتناع داخلي أصيل، والحكماء الإثيوبيون يكادون يستنكرون تقديم الضحايا البشرية، وتبدو في مجرى أقدار البشر ظاهرة عدالة إلهية. ويتمثل هنا تأثير الشرق في تصوره السامي لإله الشمس العالمي الشامل (المرتبط بأپولون)، مثلما يتمثل في ظاهرة السحر والتنجيم والاعتقاد بالأحلام. ويظهر أيضاً دور الكهنة وطقوس عبادة الشمس في جوانب أخلاقية أخرى مثل إدانة الانتحار والابتعاد عن حب الغلمان والتوبة وطلب الغفران لأقل الذنوب. وهكذا تكتسب الرواية أهمية كبيرة على صعيد التاريخ الثقافي بوصفها جزءاً من المساعي المبذولة في ذلك الزمن لجعل هليوس الحمصي إله الامبراطورية الرومانية.
تطورت الرواية المنمقة تطورات شتى على أيدي پترونيوس في رومة وأپوليوس في أفريقية، ولوشيان في بلاد اليونان، ويامبليكوس في سوريا، ولم تكن في بادئ الأمر تعنى بالحب عناية خاصة، حتى إذا كان القرن الأول بعد الميلاد امتزجت رواية المغامرات برواية الحب، ولعل هذا الامتزاج كان استجابة منهما لزيادة عدد القارئات من النساء.
وأقدم الأمثلة الباقية من هذه الروايات هي "إثيوپيكا Aethiopica" أو القصص المصرية التي كتبها هليودورس الحمصي، وقد ثار الجدل الكثير حول تاريخ هذه القصص، ولكن في وسعنا أن نعزوها إلى القرن الثالث، وتبدأ بأسلوب خلع عليه قدم العهد ثوباً من الجلال:
"أفتر ثغر النهار عن بسمات البهجة، وأرسلت الشمس أشعتها فأنارت قلل التلال، حين وقف جماعة الرجال يبدو من أسلحتهم وظهرهم أنهم قراصنة، وأخذوا ينظرون إلى البحر بعد أن صعدوا إلى قمة أحد المنحدرات المطل على مصب النيل الهرقليوتي. ولكنهم لم يجدوا هناك شراع سفينة يبشرهم بالغنيمة فوجهوا أبصارهم نحو الشاطئ الممتد من تحتهم، وكان هذا هو الذي رأوه(37).
ونلتقي على حين غفلة بثياجينس Theagenes الشاب الغني الوسيم وبالأميرة خاركليا Chariclea الجميلة الباكية. وكان القراصنة قد قبضوا عليهما، وحلت بهما كثير من ضروب الشدائد المختلفة، من سوء التفاهم، والوقائع الحربية، والقتل واللقاء، تكفي لأن تكون مادة لجميع والقصص التي تصدر في فصل من فصول السنة في هذه الأيام.
وتختلف هذه القصة عن قصص بترونيوس وأبوليوس في أن عفة العذارى في رواية هليودورس مسألة غير ذات خطر كبير، ويمر عليها القارئ بسرعة، بينما هي عند بترونيوس وأبوليوس جوهر القصة ومحورها الذي تدور عليه فترى هليودورس يحافظ على عفة كركليز وينجيها من عشرات الأخطار ويدبج عدداً من العضات القوية المقنعة في جمال الفضيلة النسوية ووجوب المحافظة عليها. ولعلنا نجد هنا شيئاً من تأثير المسيحية؛ بل إن الرواية المتواترة تجعل مؤلف القصة أسقف سالونيكي المسيحي فيما بعد. ولقد كانت الأثيوببكا، على غير علم أو قصد من مؤلفها، منشأ عدد لا يحصى من الروايات التي نسجت على منوالها؛ فلقد كانت هي أنموذج قصة سرفنتيز Cervontes المسماة Pesileey Sigismunda وقصة كورندا في رواية إنقاذ أورشليم لتاسو، وقصص السيدة ده اسكوديري Mme de Scudery. ففي هذه الرواية نجد جريمة الحب، ودلائله، والتوجع والإغماء، والخاتمة السعيدة التي نجدها في مئات الآلاف من القصص الممتعة؛ وهنا نجد رواية كلارسا هارلو Clarissa Harlowe قبل كاتبها رتشاردسن Richardson بألف وخمسمائة عام.
الأسلوب
وتحفل لغة الرواية بالاستعارات الجريئة والمجازات والعناصر الفنية والبلاغية التي تصل أحياناً إلى درجة التصنع. ويتجلى فن الوصف عند هليودوروس في وصف ألعاب دلفي والطبيعة عند مصب النيل. وقد أجاد في وصف الأمور الخارجية، أما في وصف الأحاسيس والحياة الروحية فهو أقل مهارة وحيوية. ويتجلى في اقتباساته وتلميحاته الذكية اطلاعه الواسع على الأدب الإغريقي.
لقد ضمّن هليودوروس روايته كل العناصر التقليدية المألوفة: الجمال الفائق للأبطال، الانفصال القسري للحبيبين، تعارض الأشرار والأخيار، الدسائس والمكايد، وأخيراً النهاية السعيدة. ولكن ما يرفع المؤلف فوق مستوى الروائيين القدماء الآخرين إنما هو فنه القصصي الذي لا يبارى، بسيطرته التامة على تطور حبكة الرواية. وهو يدخل القارئ في جو الرواية مباشرة ويستأثر باهتمامه، فعنصر التشويق والتوتر لا ينقطع أبداً. فلا عجب إذاً أن حظي هليودوروس بالإعجاب والتقدير لدى الأدباء البيزنطيين. وقد ورث عصر النهضة هذا الإعجاب فأثنى كبار الأدباء عليه أبلغ ثناء وصاغ شعراء كبار مثل تاسو Tasso وثربانتس Cervantes بعض شخصيات أعمالهم على شاكلة شخصيات «الإثيوبية». وبعد صدور الطبعة الرئيسة لهذه الرواية عام 1547 ظهرت أعداد لا تحصى من الترجمات التي نقلتها إلى معظم اللغات الحديثة الحية، وكان لها تأثير كبير في الأدب الروائي والدرامي الأوربي والعالمي.
انظر أيضاً
روائيون يونانيون قدماء آخرون:
- خاريتون - The Loves of Chaereas and Callirhoe
- زنوفون من إفسوس - الحكاية الإفسوسية
- Achilles Tatius - Leucippe and Clitophon
- لونگوس - دافنيس وكلوي
المصادر
- ديورانت, ول; ديورانت, أرييل. قصة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود.