نواقيس الإنذار المبكر (كتاب)
المؤلف | محمود عبد الفضيل |
---|---|
البلد | مصر |
اللغة | العربية |
الناشر | دار العين للنشر |
الإصدار | 2008 |
عدد الصفحات | 114 |
نواقيس الإنذار المبكر هو كتاب من تأليف محمود عبد الفضيل، نشرته دار العين للنشر في 2008.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
إستعراض الكتاب
يسعى مؤلف هذا الكتاب لتقديم رؤية واقعية وتشخيصية للأزمات الاقتصادية والاجتماعية، التي يمر بها المجتمع المصري في المرحلة الحالية، كما يحاول أن يبث هواجسه ومخاوفه من التأثير السلبي لتلك الأزمات على مستقبل الوطن وصحة المجتمع.
وتتجلى خبرة الكاتب كمتخصص في الاقتصاد السياسي، في وصفه الدقيق لمظاهر الأزمة التي يعيش فيها الوطن، وكيفية الخروج منها، مؤكداً أنها تحتاج لمزيد من الأمانة والشجاعة في التشخيص، والبحث عن سبل العلاج القويم، قبل أن تتفاقم وتصيب المجتمع والأمة في مقتل.
ورغم أهمية الموضوع المطروح في هذا الكتاب، والحاجة إلى الإسهاب والإطالة، فإن المؤلف استخدم أسلوب الكتابة التلغرافية السريعة، والعبارات والجمل العميقة والمركزة، للوصول مباشرة إلى الهدف، حتى لا يتيه القارئ.[1]
ويتحدث المؤلف في النصف الأول من الكتاب عن الواقع ومشكلاته، وفي النصف الثاني يتناول المستقبل وتحدياته، وفي البداية يقول إن الفئات الرأسمالية الجديدة في مصر تعتمد في تمويل جانب مهم من أنشطتها الاقتصادية على الاقتراض المفرط من القطاع المصرفي أو الحصول على توكيلات تجارية من الشركات ذات النشاط الدولي لتسويق المنتجات الأجنبية. وبالتالي الاعتماد على وجود درجة عالية من "الاحتكار" في السوق المحلية، تساعدها على تحقيق أرباح احتكارية وغير تنافسية، وتقوم هياكلها القانونية والتنظيمية على نظام الشركات العائلية المفتوحة، وكل هذه العناصر تؤثر بدورها على مرجعيتها الفكرية ومنطق تطورها الاقتصادي والاجتماعي.
دور غائب
والمطلوب أن يشعر المستثمرون بأن هناك دوراً أساسياً منوطاً بالرأسمالية الوطنية في مسيرة التنمية والنهوض الاقتصادي والاجتماعي, وهذا لا يتم إلا من خلال الربط الوثيق بين ربحية المشروع الخاص والمنافع العمومية, التي تعود على الوطن في مجموعه.
ولعل سر نجاح التجربة الآسيوية في التنمية خلال العقود الماضية، هو وجود طبقة رأسمالية وطنية قوية تعتد بنفسها وتنسق بانتظام مع السلطات الاقتصادية العامة، في إطار مخططات توجيهية مستقبلية، وهذه خبرة كوريا الجنوبية وماليزيا والهند والصين. ويشير المؤلف إلى أن الاندفاع الجنوني نحو الاستثمار العقاري، دليل على خلل كبير في الاقتصاد المصري، خاصة أنه لا يسهم حقيقة في حل مشكلة الإسكان للفئات الوسطى والفئات محدودة الدخل، التي ما زالت تعاني من مشاكل التكدس، وعدم القدرة على دفع الإيجارات الجديدة.
ويؤدي سوء توزيع الدخول والثروات إلى سوء نمط توزيع الاستثمارات، حيث يتجه معظم فوائض القطاع العائلي وقطاع الأعمال الخاص إلى المضاربة على العقارات والأوراق المالية في البورصة، دون أن تتوجه بشكل جدي نحو القطاعات الإنتاجية والصناعية.
مشروع النهضة
إن مصر بلد لا تنقصه الأموال القابلة للاستثمار، والطاقات البشرية الهائلة التي تمكن تعبئتها في مشروع النهوض القومي، الذي يجب أن تشارك في صياغته القطاعات الاقتصادية الثلاثة: العام والخاص والأهلي، كل حسب طاقته وجدارته، من خلال رؤية عصرية للظروف المصرية، تحقق مزيداً من التنمية والعدل الاجتماعي.
ويتحدث المؤلف عن الغسل الاجتماعي للثروة فيقول: إن المشكلة التي تواجه المجتمع والاقتصاد المصري الآن، هي مدى مشروعية الثروات وآليات الثراء السريع, حيث يتحول فرد رقيق الحال إلى مليونير في زمن وجيز وبسرعة البرق.
وآن الأوان لتفكيك منظومة الفساد، ووضع الضوابط السليمة لمنع الاحتكار في أسواق السلع الأساسية مثل الأسمنت وحديد التسليح واللحوم، الأمر الذي يساعد على حصد أرباح احتكارية بواسطة كبار رجال الأعمال.
المشكلة الجوهرية التي تواجه المجتمع المصري وتضعف معنوياته، هي انفصال العائد عن الجهد، واختلاط المعايير الفاصلة بين الحرام والحلال، وبالتالي أصبحت الثروات الجديدة خليطاً من المشروع والممنوع أو الأبيض والأسود، وحيث إغراء الكسب السريع يدغدغ مشاعر الجميع.
ويرى المؤلف أن ضعف الحراك الاجتماعي خلال العشرين سنة الأخيرة، يرجع إلى تراكم الآثار السلبية لسياسات التعليم والتوظف وتوزيع الدخول والثروات، وعلى الصعيد السياسي تأخذ الأزمة شكل الجمود والتيبس في أطر العمل السياسي نتيجة ضعف التجديد المؤسسي وترهل كوادر العمل السياسي، سواء لدى السلطة أو لدى أحزاب المعارضة على السواء. ونلاحظ جميعاً إعادة تدوير عناصر النخبة الحاكمة نفسها بين المناصب ومواقع المسؤولية المختلفة، دون تجديد يذكر خلال ربع القرن الماضي.
المأزق المزدوج
ويلخص المؤلف ما يسميه "المأزق المزدوج" الذي يعاني منه المجتمع المصري حالياً على الصعيد السياسي، في إصرار الحزب الحاكم على الاحتكار الكامل للسلطة من ناحية, وعدم قدرة القوى السياسية الأخرى على تجديد كوادرها وبرامجها من ناحية أخرى. وعلى صعيد المجتمع فإن الطبقات الثلاث الرئيسية في المجتمع لحقت بها تحولات وتشوهات جوهرية خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، فالطبقة العليا تزخر بالأغنياء الجدد الذين جاءت ولادتهم غير طبيعية في عصر النفط والعولمة ودون رصيد تاريخي يذكر.
والطبقة الوسطى ترهلت وتشرذمت وفقدت جانباً كبيراً من قوة شكيمتها وكبريائها, إذ ضاق بها الرزق وفقدت مكانتها الوظيفية والاجتماعية المتميزة.
أما الطبقات الشعبية فهي تعاني من عمليات مستمرة من التهميش الاجتماعي والبلبلة الفكرية وتعقد سبل الكسب والعيش, التي تصل أحياناً إلى حد تسول الرزق والتحايل على الحياة اليومية.
في موضوع الخصخصة يناقش المؤلف عمليات بيع شركات القطاع العام، ويضرب مثلاً بشركة عمر أفندي، والجدل الذي دار حول بيعها, فالأمر لا يتعلق ببيع هذه الشركة أو تلك، بل بمزيد من الشفافية والتمحيص والمراجعة حول أساليب تقييم المال العام، وخاصة بالنسبة لما هو قادم. وهذا بلا شك مطلب لفئات الشعب وممثليه وجماعات المجتمع المدني كافة, إذ لا يوجد تفويض على بياض للحكومة ولجانها المغلقة لتفعل ما تشاء بهذه الأصول العامة التي هي ملك للشعب بمجموعه.
والدرس المستفاد هو أنه لابد من تشكيل لجنة فنية عليا لمراجعة التقييمات لحصص رأس المال العام, المعروضة للبيع والمعتمدة من قبل لجان البت، من أكبر الخبرات في مجال المحاسبة والمراجعة والاقتصاد والهندسة، لتكون بمثابة صمام أمان وضمان للمجتمع, لكي يطمئن الجميع إلى حسن التقدير والتدبير معاً.
ويحذر المؤلف من الأعباء المستقبلية للاستثمارات الأجنبية، إذ المعروف أن المستثمر الأجنبي عادة ما يقوم بتحويل جانب مهم من أرباح استثماراته إلى الخارج بشكل دوري, وهذا يدفع الكثير من الاقتصاديين في مجال التنمية إلى الحذر من مخاطر الاعتماد المفرط على الاستثمارات الأجنبية المباشرة، حيث تؤدي أعباء خدمة الاستثمارات الأجنبية إلى ضغوط مستقبلية على الحساب الجاري لميزان المدفوعات.
وليس معنى هذا إغلاق الباب أمام الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وإنما الوعي تماماً بالتبعات المستقبلية التي تترتب على قدوم هذه الاستثمارات. وتضاف إلى ذلك ضرورة التدقيق في العائد التنموي لهذه الاستثمارات، أي قدرتها على توليد المزيد من الوظائف، وزيادة الحصيلة من النقد الأجنبي، والمساهمة في عملية التحديث التكنولوجي في المجتمع المصري، وكذلك المساهمة في توليد مزيد من علاقات الترابط بين فروع النشاط الاقتصادي المختلفة.
تحديات المستقبل
ويطرح المؤلف في الجزء الثاني من الكتاب تحديات المستقبل كما يراها, فيقول إن مصر اليوم في حاجة إلى مجلس نيابي قوي، يحاسب السلطة التنفيذية حساباً عسيراً على أدائها في حل مشكلات الاقتصاد والمجتمع، ومصر أيضاً في حاجة إلى صدور قانون استقلال السلطة القضائية, حتى يتحقق الفصل بين السلطات بشكل جاد.
وخلاصة القول هي أن الاختبار الحقيقي لمستقبل التطور الديمقراطي في مصر, يقاس بثلاثة معايير أساسية ويمر عبر قنوات:
1- مدى استقلال الجامعة، وإعادة الاعتبار لدورها العلمي الريادي في البحث والتعليم.
2- مدى استقلال السلطة القضائية، ليقوم القضاة بدور صمام الأمان في محاربة الفساد.
2- مدى نزاهة الانتخابات البرلمانية والبلدية وسلامتها، لإحداث نوع من التوازن السياسي في المجتمع، حتى تخرج البلاد من دوامة الإحباط واحتكار السلطة.
ويؤكد المؤلف أن التحدي الرئيسي الذي يواجه مصر الآن، يكمن في ضرورة أن تتم عملية التحول الديمقراطي بشكل نظامي وتدريجي لدفع مخاطر الفوضى، ويقتضي ذلك العمل على إعادة توزيع السلطة والثروة ومحاربة الفساد، ورفع الكفاءة المؤسسية في إدارة أمور البلاد، إذ إن جذور المشكلة تكمن في:
1- انعدام تداول السلطة، وضيق آفاق التغيير الديمقراطي بالوسائل السلمية.
2- تزايد الفجوة بين الثراء الفاحش والفقر المدقع.
3- وجود آليات للفساد والمحسوبية على جميع المستويات.
4- الفشل المؤسسي في عملية الإدارة، نتيجة سوء اختيار القيادات والمعاونين. وتفتح تلك الأمراض المزمنة الباب أمام الضغوط الخارجية، التي تتقاطع أحياناً مع حالة السخط الداخلي، مما يؤدي إلى خلط كبير للأوراق، ويفتح الباب أمام مخاطر كبرى تتعلق بتشكيل معالم المستقبل في بلادنا.
وينبه المؤلف إلى أن تماسك النسيج الاجتماعي يعتبر من أهم مقومات الأمن القومي, لأنه يقوي المناعة المجتمعية، وهذا يستدعي صياغة عقد اجتماعي جديد تشارك فيه منظمات المجتمع المدني من نقابات وأحزاب سياسية وجمعيات غير حكومية، بالإضافة إلى المثقفين والأكاديميين ورجال الأعمال، بهدف بناء تراض وتوافق وطني عام، حول جملة السياسات الاقتصادية والاجتماعية اللازمة لحسن توزيع ثمار النمو وتحقيق أكبر قدر من العدالة الاجتماعية.
ويرتبط بذلك توسيع رقعة ممارسة الديمقراطية، بما يحقق قدراً أكبر من المشاركة السياسية لجميع القوى الاجتماعية والتيارات السياسية دون مصادرة أو تزييف.
نظام للإنذار المبكر
ويمكن استحداث نظام للإنذار المبكر، يهدف إلى رصد عدد من مصادر التهديد للمناعة والتماسك المجتمعي، مثل: اتساع أعداد الفقراء وتطور معدلات البطالة ومؤشرات تراجع أو تحسن الصحة العامة وتطور مساحات المناطق العشوائية وسكانها ومدى تحسن أو انتهاك حقوق الإنسان.. الخ
ويعترف المؤلف بأن الفترة القادمة من الحياة السياسية في مصر، سوف تكون فترة للملاحة في بحار صعبة، والنظام السياسي يواجه مجموعة من المعادلات الصعبة المطلوب حلها حلاً متزامناً ومرضياً، وهذه المعادلات هي: الخبز مع الكرامة والاستقرار مع التغيير والأمن مع الديمقراطية وتشجيع القطاع الخاص مع إقرار العدل الاجتماعي.
وبحل هذه المعادلات الأربع بشكل متزامن، يخرج المجتمع المصري من عنق الزجاجة، ومن حالة الركود السياسي والإحباط التاريخي، ومفتاح الحل يكمن في تغليب الهدف المأمول على القيد الذي يشل التحرك، ويشد حركة المجتمع إلى الوراء. وفي الختام يؤكد المؤلف أن ذلك يستدعي حشد كل الطاقات الوطنية وتلاحم القوى الاجتماعية والسياسية، في إطار مشروع جديد للنهضة والبناء الوطني على أساس من التعددية والديمقراطية. مشروع يتجاوز سلبيات الماضي وأخطاءه وحساسيات الحاضر وعثراته، ويستنهض الهمم ويفك الحصار المضروب حول مستقبل البلاد.