نقاش:عنصرية
العنصرية
تُعد العنصرية أحد الأمراض المتفشية في عصرنا هذا، وهي عبارة عن مجموعة من الممارسات الخاطئة التي تتم من خلالها معاملة مجموعة معينة من الناس بشكل مستبد ومختلف، حيث تُسلب حقوقهم ويُتحكم بهم حسب الجنس، أو اللون، أو اللغة، أو الدين، أو حتى المستوى الاجتماعي والطبقي. وقد حارب ديننا الإسلامي العنصرية بشتى أنواعها وأشكالها، وذكر أن التفاضل بين البشر لا يكون إلا بميزان التقوى، ودعا إلى القضاء على كل الفوارق والطبقات، وجعل الناس كلهم سواسية. وقد تسببت العنصرية في تفرقة الناس واندلاع الحروب في قدم الزمان، وتعرضت الفئة المظلومة لأقصى درجات التمييز والتهميش والاستبداد فقط لاختلاف الدين والعرق وحتى اللون وغيرها من الأسس التي وضعها بعض البشر واعتمدوها في تطبيق عنصريتهم. ويسعى هذا المقال الى توضيح مفهوم العنصرية وأسبابها ومدى تأثيرها على الأفراد والمجتمعات.
مفهوم العنصرية
هي الاعتقاد بأن العرق والأصل هو المحدد الأساسي لصفات وقدرات الإنسان، وينطوي تحت هذا المعنى أنّ بعض الأفراد هم أفضل بالفطرة من أفراد آخرين فقط لأنهم ينتمون لعرق معين. قد ورد تعريف العنصرية في المؤتمر العالمي لمكافحة العنصرية تحت رعاية الأمم المتحدة فيما نصه أن العنصرية والتمييز العنصري وكره الاجانب وما يتصل بذلك من تعصب يحدث على أساس العنصر، أو اللون، أو النسب، او الأصل القومي، أو العرق، وأن الضحايا يعانون من أشكال متعددة ومتفاقمة من التمييز استناداً إلى أسس أخرى ذات صلة مثل الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي السياسي. العنصرية، والتمييز العنصري، وكره الأجانب، وما يتصل بذلك من تعصب هي أمور تشكل انتهاكات خطيرة وعقبات أمام التمتع الكامل بجميع حقوق الإنسان، وتمثل إنكاراً لحقيقة بديهية هي أن جميع البشر قد ولدوا أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق، وتعد عقبات أمام قيام علاقات ودية سلمية فيما بين الشعوب والأمم، وتعتبر من الأسباب الجذرية لكثير من النـزاعات الداخلية والدولية، بما فيها النـزاعات المسلحة، وما يترتب عليها من تشريد قسري للسكان.
وقد بدأت العنصرية منذ قديم الزمان عندما خلق الله آدم وقصته مع الشيطان الرجيم كما ذكرها الله سبحانه وتعالى في كتابه من خلال آيات كثيرة منها: قوله تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ - قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ). (سورة الأعراف آية 11-12). وقوله تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَٰٓئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لِءَادَمَ فَسَجَدُوٓاْ إِلَّآ إِبْلِيسَ قَالَ ءَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا). (الإسراء - 61). القصص القرآنية قد يراها البعض على أنها سرد لأحداث، ولكن القرآن الكريم ذكر أن هذه القصص عبرة للتعلم منها والتدبر فيها، قوله تعالى: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ). (سورة يوسف آية 111).
فقصة الخلق كما نرى ألقت الضوء على قضية مهمة في القرآن ألا وهي رفض التكبر والعنصرية. وكما ذكر القرآن أيضاً فأن أبشع جريمة فعلها فرعون هو أنه ظن أنه أعلى وأعظم من بني إسرائيل وقسم البشر تبعاً لذلك إلى "شيع" وطوائف، قوله تعالى: (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا). (سورة القصص آية 4).
مظاهر وأسباب العنصرية
لقد تعددت أشكال ومظاهر العنصرية ومن أهمها ما يلي:
العنصرية العرقية والجنسية: كان الاعتقاد السائد من القدماء وما زال حتى عصرنا هذالدى معظم الشعوب أنها الجنس من غيرها وقد ذلك إلى ظهور فكرة الاستعلاء والتفضيل.
اللون: لم تظهر العنصرية المرتبطة باللون بشكل واضح الا مع بداية القرن التاسع الميلادي وتقوم هذه الفكرة على أن تظل للرجل الأبيض السيادة والتغلب على أصحاب البشرة السوداء وانتقاص حقوقهم وحرياتهم.
الأقلية: وقد عرفتها الموسوعة الفرنسية بأنها مجموعة من الأشخاص تكون جزءا من الشعب، ولكنها تختص باعتقادها أنها تمتلك مقومات ذاتيةتختلف عن بقية الشعب. وقد تكون الأقلية ذات عدد صغير وقد تكون أغلبية مسحوقة مغلوب على أمرها. ومحكومة من غيرها، كما كان الحال في جنوب إفريقيا.
الدينية: تعد العنصرية الدينية من أخطر مظاهر العنصرية حيث تتجه نحو طوائف دينية معينة وقد تتطور تلك العنصرية الى أعمال عنف، وأفعال عدائية ضد هذه الطوائف بسبب معتقداتها الدينية، مما يؤدي بصفة خاصة تقييد حقها في ممارسة معتقداتها بحرية.
وقد أخذت هذه العنصرية أشكالاً عدة ضد المسلمين منها: القتل الفردي، والابادة الجماعية، وإجبار المسلمين على ترك دينهم، وهدم المساجد، والمدارس الدينية والملاحقة، ورافق هذه الأساليب حملات إعلامية منظمة، وأخرى فكرية تدفع العنصريين إلى مزيد من التعصب والاستمرار بالقمع العنصري الواسع.
كل هذه الأسباب وغيرها يمكن أن تثير خصال العنصرية في النفس البشرية، وتختلف آثارها باختلاف الظروف التي تنشأ فيها.
الآثار السلبية للعنصرية
تنعكس سلبيات العنصرية على الفرد والمجتمع على حدٍ سواء، فالفرد لبنة المجتمع، إذا صلح حاله صلح المجتمع بأسره، والعكس صحيح.
سلبيات العنصرية على الفرد:
-يتم رفض الشخص الذي يتعرض للعنصرية في كافة الاجتماعات واللقاءات.
-تجعل الفرد الذي يتعرض للعنصرية شخصاً وحيداً منبوذاً يعيش بعيداً عن الآخرين.
-تولد العنصرية الحقد والكراهية بين الشخص العنصري والشخص الذي تمارس عليه السلوكيات العنصرية.
-تعمل العنصرية على تضييق فكر من يمارسها لاهتمامه بنفسه بعيداً عن الإحساس بالآخرين.
سلبيات العنصرية على المجتمع:
-تولد العنصرية النزاعات بين أفراد المجتمع.
-تخلق العنصرية جواً من الحقد والكراهية بين أبنائها.
-تخلق العنصرية أجواءً يسودها الخوف والكبت وعدم الاستقرار.
-تجعل العنصرية المجتمع مفككاً غير مترابط.
-قد تعمل العنصرية على إشعال شرارة الحرب في المجتمع، لتعصب كل طائفة لأفكارها.
علاج ومناهضة العنصرية
ظاهرة العنصرية ليست عصية على العلاج، ولكن علاجها يتطلب جهداً كبيراً، إذ تتوزع المهام بين الأفراد والمجتمع ككل والسلطات أيضاً. وقد سبق وتخلصت أمم من هذه الآفة، وتمكنت من علاجها، ويمكن اقتراح سرب من الحلول لعلاج ومناهضة العنصرية، لعل أهمها:
-تعتبر الأسرة النواة الأولى في المجتمع، لذا يتوجب عليها زرع أفضل القيم في نفوس أبنائها، وتربيتهم على حب الآخرين، ونبذ التفاخر واحتقار الآخرين. وأيضاً يقع على عاتق المدارس والجامعات والمؤسسات التعليمية دور كبير في توعية الجيل الجديد وتثقيفهم وزرع الأفكار الصحيحة في عقولهم ونفوسهم.
-تلعب تقوية الوازع الديني في نفوس الأفراد أحياناً دوراً جيداً في نبذ العنصرية.
-فرض عقوبات على من يثير الفتن والنزاعات بين أبناء المجتمع الواحد.
-للإعلام دور كبير جداً في التأثير على المجتمع، وعلينا أن نحرص أن يكون هذا الدور إيجابياً في نبذ العنصرية والتمييز.
الخاتمة
وفي الختام نستطيع أن نقول إن التفرقة العنصرية لا تنبع من البشر، بل من العقل البشري، وبالتالي فإن الحل للتمييز العنصري والنفور من الآخر وسائر مظاهر عدم المساواة ينبغي أولاً وقبل كل شيء أن تُعالج الأوهام العقلية التي أفرزت مفاهيم زائفة، على مر آلاف السنين، عن تفوق جنس على آخر من الأجناس البشرية. ففي جذور هذا التعصب العرقي تقبع الفكرة الخاطئة بان الجنس البشري مكون من حيث الأساس من أجناس منفصلة وطبقات متعددة، وأن هذه الجماعات البشرية المختلفة تتمتع بكفاءات عقلية وأخلاقية وبدنية متفاوتة تستوجب أنماطاً مختلفة من التعامل. والحقيقة أنه لا يوجد سوى جنس بشري واحد. فنحن شعب واحد يسكن كوكباً واحداً: نحن أسرة بشرية مرتبطة بمصير مشترك ومرهونة بأن "تكون كنفس واحدة".
المراجع
-الأمم المتحدة: المؤتمر العالمي لمكافحة العنصرية، والتمييز العنصري، وكره الأجانب، منشورات الإعلام بالأمم المتحدة، نيويورك، ط ٢٠٠٣م، ص٨
-د. مختار سلامى: معاملة غير المسلمين، ومعاملة الأقليات الإسلامية، المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، بحث منشور بتاريخ ٢٣/٦/٢٠١٩م، ص٢