نقاش:تاريخ إربد
تاريخ إربد القديم تأثر بالأحداث التاريخية التي مرت على المنطقة قديما وحديثا، وتمتعت كما تمتعت مدن بلاد الشام بمكانتها التجارية والعسكرية والجغرافية في العالم القديم . ونظرا لموقعها الذي تحتله من حيث استواء تضاريسها مقارنة مع التضاريس المعقدة لهضبة الجولان السورية التي تقع شمالها، فكانت اربد تمثل المعبر التجاري والعسكري الطبيعي بين الأردن وسوريا من جهة، وفلسطين من جهة أخرى، وتمثل حلقة الوصل بين جزئي بلاد الشام الشمالي والجنوبي، يشهد على ذلك ما يرتسم فوقها وفوق أراضي المنطقة المجاورة لها من آثار ،كالتلال الصناعية المنتشرة، وما زالت ارض معركة اليرموك، ومعركة فحل، وأضرحة الصحابة الكرام، وأم قيس وبيت راس وفحل شواهد تربض فوقها لتدل على مكانتها الخاصة، ومكانة المحافظة بعامة.
قبل التاريخ
إن من ابرز معالم مدينة إربد الأثرية هو (تل إربد)، حيث أشارت الحفريات الأثرية الى ان في جوفه بقايا مدينة إربد القديمة التي تعود الى العصرين البرونزي والحديدي حوالي سنة (3000 ) قبل الميلاد.
وقد وجد الإنسان الأول في كهوف ومغاور تل إربد، ولكي يحمي نفسه من أخطار الطبيعة ومن اعتداءات الأعداء أحاط ذلك التل بسور ضخم من الحجارة البازلتية السوداء ولم يبق منه اليوم سوى بقايا ظاهرة للعيان في الطرف الشمالي الغربي من التل، وقد هدمت تلك البقايا عام1937 عندما قامت البلدية بتوسيع الشارع المجاور لهذا السور. وعثر فيه على عدد من الكهوف في الجهتين الشمالية والشرقية، وفي أحدها وجدت قطعة من وعاء فخاري وعليها رسم صياد يحمل بيده رمحا، ويرتدي قميصا بدون الاردان، وشعر رأسه وذقنه كثيف وغزير. ورسمت عيناه بنقاط سوداء بيضوية الشكل.
وفي تقرير أثري أعده الدكتور "روبرت جوردن "من معهد الآثار في جامعة اليرموك عن حفريات تل إربد عام1985 ورد فيه:أن مدينة إربد تُعَدُ من المستوطنات البشرية القديمة في منطقة جنوبي الشام، وتل إربد يعد من أكبر التلال التي صنعها الإنسان في هذه المنطقة، إذ يبلغ مساحته مائتي دونم، ويرجع تاريخه الى 500 سنه قبل الميلاد. أي قبل بداية العصر البرونزي الأول، وهناك شواهد تدل على وجود مدينة سكنية ونشاطات بشرية في هذا الموقع تعود الى العصر البرونزي المتوسط ما بين (2000-1600 ق.م.)، وتشير الدلائل أيضا الى وجود مدينة كبيرة في هذا الموقع في العصر البرونزي المتأخر، وقد أظهرت الكشوفات الأثرية أن المدينة تعرضت للتدمير أكثر من مرة بسبب عوامل الحريق والزلازل أو ربما بسبب الحروب القديمة التي كانت تحدث بين التجمعات السكانية في هذه المنطقة،حيث شهدت بلاد الشام تحركات سكانية متعددة، كانت سببا في نشوب الحروب، وتدمير المدن وإحراقها.
وليست هناك دلائل أثرية عن الناس الذين أقاموا في إربد خلال الفترة الواقعة بين أوائل العصر البرونزي والعهد الروماني، وقد يكون دمار تلك الدلائل ناتجا عن إحدى الكوارث الطبيعية –كحدوث زلزال- مما أدى الى جفاف مصادر المياه. وبقي نقص المياه عائقا دون ازدهار المدينة حتى تغلبت عبقرية المهندسين الرومان عليه، عندما جلبوا المياه في قنوات باطنية من مكان قريب من الرمثا- ليس الى إربد فحسب- بل الى جدارا (أم قيس) أيضا.
وحديثا تم العثور على أدوات تمثل طقوس دينية من تل إربد في موسم حفريات 1985، وهذه الأدوات ترمز الى ممارسات دينية وثنية قديمة. عثر عليها في منطقة محددة تعود الى المرحلة الانتقالية ما بين العصر البرونزي الأخير والعصر الحديدي. وتشير الى التطور التدريجي في تصنيع الآنية الفخارية في هذه المنطقة من الأردن. وقد تم العثور عليها في الناحية الشمالية الغربية من التل أرخت الى حوالي 1200 ق.م. ويعتقد بأن التدمير ناتج عن حريق هائل بالمنطقة، وبسبب التطور المعماري الحالي في تل إربد فانه لم يتبق سوى مساحة صغيرة قابلة لإجراء الحفريات الأثرية.
أما الأدوات الدينية المكتشفة فتمثلت بقاعدة مبخرة مزينة بمنظر شجرة نخيل ،وكأس، وصحن صغير استعملت كمصباح، و مصباح فخاري، وقارورتين منتفختي البدن، وحامل من البازلت- موجودة اليوم لدى متحف التراث الأردني في جامعة اليرموك. حيث عثر على جميع هذه الأدوات في حجرة واحدة ، تغطي المنطقة المكتشفة تراكما تدميرياً مساحته 5ر2متر مربع.جاءت هذه التراكمات كنتيجة لانهيار بناء عام علوي مكون من عدة طبقات، وتتكون من الطوب الطيني والمواد التي استعملت في بناء السقف .عثر ضمن طبقات هذا الردم على أنماط مختلفة من آنية فخارية، تحمل مظاهر فترتي العصر البرونزي الأخير والعصر الحديد. ان دراسة الأدوات الدينية المكتشفة يمكن أن تعطي فكرة أولية عن الممارسات الدينية لسكان إربد القدامى، أما دراستها مع المخلفات الحضارية الأخرى التي عثر عليها في نفس الموقع فإنها تعطي صورة واضحة عن التطور التدريجي في تصنيع الآنية الفخارية في شمال الأردن.
وفي سنة 745 قبل الميلاد قام الآشوريون القادمون من بلاد ما بين النهرين باحتلال مدينة إربد في عهد ملكهم تجلت بلاسر الثالث (745-727) ق.م، ويقال انه تم في عصره تجديد بناء إربد، وأعيد بناء سورها القديم. ثم قام الفراعنة المصريين باحتلال إربد في عهد ملكهم(بسامتيك الثاني) سنة 590 ق.م. وتبعهم البابليون القادمون من بلاد ما بين النهرين باحتلال إربد سنة 586 ق.م، واستطاع ملكهم المعروف (نبوخذ نصر) أن يهزم المصريين ويطردهم منها.
ثم جاء الفرس من إيران وقضوا على البابليين، واستولوا على البلاد الخاضعة لهم بما فيها إربد التي أصبحت تحت سيطرتهم سنة 539 ق.م. وكانت ضمن الولاية الخاصة التي سميت (مزربانه عبر نهرا)، وبقيت المنطقة تحت حكم الفرس الى أن قام الاسكندر المكدوني باحتلال بلاد الشام ومصر بعد انتصاره على ملكهم داريوس سنة 333 ق.م، فأصبحت إربد حينئذ تحت سيطرة الإغريق اليونا نيين. وتظـــهر أهمية إربد في العصر الهلينستي عندما أعيد بناءها ومدن المنطقة على نمط جديد متأثرا بالأسلوب الإغريقي، وأطلقوا عليها اسـم اربيـلا (Arbela)، التي أراد مؤسسوها ان تكون مراكزاً لنشر الثقافة والحضارة اليونانية في الشرق، ومن أجل صهر تلك الشعوب في الثقافة اليونانية عن طريق التزاوج والصداقة والتحالف ، وإضافة الى وجود قواعد عسكرية لتحمي تجارتهم، ولتقف في مواجهة غارات القبائل البدوية القادمه من الشرق، وأصبحت اربد في قلب خطوط المواصلات والاتصالات التي تربط بلاد الرافدين وجنوب سوريا بالساحل الفلسطيني ومصر. وكانت إربد تحكم نفسها حكما ذاتيا على الطريقة اليونانية، وتسيطر على ما حولها من الأرياف والقرى والمزارع، فتشرف على الزراعة، وتجبي الضرائب ،ولا نستبعد ان اليونان أقاموا فيها المدرجات والمسارح والملاعب والمعابد والشوارع المحاطة بالأعمدة، وأحاطوها بالأسوار المنيعة. وان هذه المعالم الأثرية من يونانية ورومانية قد تعرضت في فترة ما الى الزلازل التي ردمتها، كما ان الإنسان الذي استوطن إربد قد ساهم في تدميرها من خلال إعاد استخدم حجارة هذه المعالم في بناء منازله مما ادى الى القضاء على تلك المعالم، كما جاء التوسع العمراني الحديث الذي شهدته منطقة التل بوجه خاص على بقاء هذه المعالم دفينة تحت ترابها.
ولا نشك ان الكثير من آثارها العمرانية لا زالت مدفونة في بطن تلها الكبير التي قامت عليه إربد الحديثة، حيث تربض فوقه اليوم العديد من المؤسسات الحكومية والمباني الأهلية، ولم يبق من آثار التل سوى بضعة أحجار منحوتة، ونواويس وتمثالين منتصبان بلا رأسين أمام مدخل مدرسة وصفي التل الصناعية القائمة على ذلك التل، وهناك تمثالان نصفيان واحد من البازلت الأسود والآخر من الحجر الجيري عثر عليمها في التل موجودان في متحف التراث الأردني في جامعة اليرموك.
ثم خضعت إربد لحكم الرومان سنة64 ق.م فأصبحت خاضعة لولاية سورية وعاصمتها إنطاكية. وقام الرومان بتجديد بنائها مرة ثانية، وضموها الى حلف المدن العشر (الديكابوليس)، وأطلقوا عليها اسم (اربيلا)، ومنحت الاستقلال الداخلي على النمط اليوناني، فاستفادت من هذا الوضع الجديد في تحسين تجارتها مع مدن الحلف الأخرى كجراسا (جرش)، وديون ( ايدون أو الحصن)، وكابتولياس (بيت راس)،وجدارا (أم قيس)، وبيلا ( طبقة فحل)، وابيـــــلا ( القويلبه)، و بيسان و دمشق.وحمت نفسها من غارات البدو القادمين من الصحراء، ومن الأنباط في الجنوب، ومن اليهود في فلسطين، وكان لوقوعها وإشرافها على سهول حوران الممتدة بجوراها من جهة الشرق التي تمتد حتى دمشق أهمية كبرى لدى الرومان خاصة في إنتاج الحبوب، إذ كانت تمدهم بالقمح الجيد، فكانت سهول حوران ومعها سهول إربد تسمى"اهراء روما "، أي مخزن الحبوب.
كما حُلَّت مشكلة المياه فيها من قبل المهندسين الرومان بواسطة جر المياه عبر الأقنية المحفورة تحت الأرض من " تل الرميث " الواقع على مسافة كيلو مترين جنوبي مدينة الرمثا الى إربد وأم قيس.
كما عثر علماء الآثار عام1906 على نقش حجري اسفل تل إربد يرجع تاريخه الى(238-239م)، وتبرز كتابته سيطرة الرومان عليها، ويحمل أسماء شخصيات رومانية شاركت في ذلك العمل. وتدل هذه الكتابة على ان الرومان أقاموا في إربد بناء ضخما بمناسبة قدوم الإمبراطور الروماني (ماركوس أنطونيوس اغسطس) إليها. وهو يشبه أقواس النصر التي كانت تقام للأباطرة في مداخل المدن الرومانية، لكن هذه البوابة غير موجودة في إربد اليوم.كما كانت فيها مغائر، وبركة ماء رومانية اندثرت بسبب التطور العمراني الحديث.
وخلال الفترة الرومانية خضعت إربد لحكم الأنباط في الجنوب الذين امتد حكمهم في وقت ما حتى أبواب دمشق، لكن دولتهم سقطت على يد الإمبراطور الروماني ترجان سنة 106م، وانشأ الولاية العربية الجديدة وجعلوا من "بصرى "عاصمة لها . وبذلك انتهت رابطت المدن العشر – ومعها إربد- التي كان قد أنشأها بومبي عام 64 ق.م.
وفي القرن الخامس والسادس الميلادي، سكنتها قبائل غسان التي بلغت مجدها أيام الحارث بن جبلة الذي استطاع وبدعم من الإمبراطور الروماني جوستنيان ان يمد سلطانه على القبائل العربية في بلاد الشام الجنوبية سنة 529م لمواجهة خطر المناذرة في العراق، لكن قوتهم تراجعت بعد ذلك وخاصة بعد الغزو الفارسي للمنطقة سنة611، وكانت شمالي الأردن واقعة ضمن نفوذ الغساسنة وخاصة بلدة (بيت راس) التي اشتهرت بإنتاج العنب والخمور، وتغنى بخمرتها شعراء العصر الجاهلي كحسان بن ثابت، والنابغة الذبياني.
دخول إربد في ظل الحكم الإسلامي
دخلت إربد في ظل الحكم الإسلامي بعد معركة اليرموك سنة15 هـ/636م على يد القائد شرحبيل بن حسنه الذي يعد فاتح حصون ومدن الأردن الشمالية بغير قتال. وأصبحت إربد- منذ سنة 18 هجري- تابعة إداريا الى جند الأردن وعاصمته طبرية، والذي كان يخضع له الجزء الشمالي من الأردن الحالي (لواء عجلون سابقا)، ولم ترد اربد ككورة من كور هذا الجند، ونظرا لقربها من بيت راس فمن المرجح أنها كانت تابعة لها من الناحية الإدارية.
ثم خضعت إربد للحكم الأموي، ونالت حظا من الازدهار بحكم قربها من عاصمتهم دمشق، ونالت الاهتمام الخاص من الخليفة الأموي يزيد بن عبد الملك بن مروان الذي استلم الخلافة سنة(101هـ/720 م)، وبنى فيها قصرا كان ينزله متى أراد ، وكان يستخدمه للهو والسرور والاستراحة في رحلات الصيد التي كان يقوم بها في الصحراء الأردنية، وفي احدى المرات قام برحلة تنزه الى بيت راس واخذ يلهو هناك مع جاريته (حبابه) ويأكلان الرمان والعنب، حتى شرقت هذه الجارية بحبة عنب فلفظت أنفاسها بين يديه، فجن جنونه على موتها بهذه الصورة المفجعة، فأبقاها ثلاث ليال وهو يشمها ويقبلها، ويذرف الدمع على فراقها، حتى عاب عليه أقاربه وحاشيته ما يصنع، فأذن لهم بغسلها ودفنها في ثرى بيت رأس. أما الخليفة يزيد فقد رجع الى قصره في إربد، ومكث بعدها أربعين يوما، ثم لفظ أنفاسه حزنا عليها، وقيل انه دفن حيث مات في إربد، والأرجح أنه نقل على أكتاف الرجال الى دمشق ليوارى هناك في حدود سنة 105هـ/724 م.
وفي العصر العباسي تراجعت مكانة إربد بسب انتقال عاصمة الخلافة الاسلامية من دمشق الى بغداد، وبعد ذلك خضعت لحكم الدول التي بدأت بالانفصال عن الدولة العباسية كالدولة الطولونية، والاخشيدية، والفاطمية، والسلاجقة، ثم الفاطميين مرة أخرى، فالأيوبيين، والمماليك.
إربد في العصر الأيوبي
عادت الأهمية الى مدينة إربد في العصر الأيوبي كونها أصبحت في تماس مباشر مع الوجود الصليبي في فلسطين، وصارت طريقا لتنقل جيوش صلاح الدين الى الأغوار وخاصة الى القصير المعيني (الشونة الشمالية)، والى سهول الأقحوانة المطلة على بحيرة طبرية وبيسان وكوكب الهوى.
كما اصبح لها أهمية خاصة في حركة الاتصالات والمواصلات بين دمشق شرقا ، وعكا غربا على الساحل الفلسطيني، وكان من يريد الوصول الى عكا عليه ان يسلك طريقا آخر يمر عبر مدينة إربد الى القصير( الشونة الشمالية)، ثم الى جسر الصنبرة، فطبرية ليصل الى عكا، كما خدمت طرق إربد القوافل التجارية التي كانت تجوب المنطقة خلال فترة الحروب الصليبية، فكانت تسلك طريق إربد قوافل الجمال باعتباره اقل وعورة من طريق بانياس المخصصة لقوافل البغال التي تجيد السير في تلك الشعاب، وعبر سهولها مر الناصر صلاح الدين الأيوبي بجيشه وجحافله الى شمال فلسطين والتقى بجحافل الصليبيين في سهل حطين لتشهد تلك المعركة الحاسمة التي أنهت الوجود الصليبي في المنطقة.
إربد في العصر المملوكي
لعبت إربد دورا بارزا في العصر المملوكي، إذ كانت إحدى محطات الحمام الزاجل، والأبراج، والمنارات، ومركزا هاما للبريد، ومركزا لنقل الثلج من الشام الى مصر، وممر التجار وقوافلهم القاصدين الى الديار المصرية، وكانت إربد آنذاك تابعة لنيابة دمشق، واعتبرت ضمن الصفقة القبلية، وقد وصفها القلقشندي بقوله" وهي جل البلاد الشامية، وبها أرزاق العساكر الإسلامية، وطريق الحاج الى بيت الله الحرام، وزيارة نبيه عليه افضل الصلاة والسلام، والى الأرض المقدسة، التي هي على الخيرات مؤسسة، والى الأبواب الشريفة السلطانية، وممر التجار قاصدين الديار المصرية، ومنازل العربان، ومواطن العشران". وهكذا يتبين لنا ان مدينة إربد شكلت قلب شبكة الاتصالات والمواصلات بين الشام ومصر في العصر المملوكي، بالإضافة الى حركة القوافل التجارية والجيوش والمسافرين من والى القاهرة ودمشق، وقد أدى ذلك الى ازدهارها تجاريا، فأقيمت بها الخانات لخدمة المسافرين والتجار، كما وجدت بها بركة ماء كبيرة لتزويد القوافل بالماء، وبقيت هذه البركة قائمة الى وقت ليس ببعيد عندما طمرت و أقامت فوقها مجمعاً للباصات، ولا يزال الحي المجاور لهذا المجمع يعرف باسمها(حي البركة).
كما بنى المماليك فيها المسجد الغربي الذي لا يزال قائما الى اليوم، وبنوا فيها برجا تطير منه حمائم البريد التي تحمل الرسائل من دمشق الى القاهرة. وقد برز من إربد والقرى المحيطة بها في هذا العصر مجموعة من علماء الدين والخطباء، كان من أشهرهم:
- أحمد بن سليمان الإربدي (000-776هـ=000-1374م)، تفقه على يد ابن خطيب
يبرود وغيره، مهر في الفقه والأصول والأدب، وكان محببا الى الناس، لطيف الأخلاق، اخذ القضاء عن الفخر المصري، وكانت له أسئلة حسنة في فنون العلم.
- حسن بن أحمد بن أبي بكر بن حرز الله الإربدي (000-763هـ=000-1360م)،
عالم بالفقه واللغة، كان عارفا بالشروط، ولي قضاء الحج، وكان قد سمع دالج من التقي سليمان، وابن سعد، سمع منه الحسيني وابن سند.
- قاسم بن محيسن الإربدي (700؟-764هـ=1300؟-1362م)، فقيه، سمع من ابن شرف،
وحفظ المنهاج، واشتغل الى ان ناب بالاتابكية، وحدث. وناب في الحكم باذرعات(درعا)، وفي كرك نوح بلبنان حتى توفي فيها.
- يحيى بن عبد الله بن محيي الدين الإربدي (847-922هـ=1466-1516م)، ولد
بإربد، وتلقى العلم والفقه على يد مشايخ دمشق، ولقب بالشيخ العالم الصالح. سكن دمشق، وتوفي فيها.
- العالم الصالح يوسف الدجاني الإربدي، من علماء القرن العاشر
الهجري.والدجاني ربما يرجع الى بلدة "الدجنية "الواقعة اليوم بين المفرق وعجلون .
- عبد الغني بن الجناب العجلوني الإربدي الجمحي (873-953هـ=1468-1546م)،
زاهد ومتصوف ،اصله من جمحا إحدى قرى إربد اليوم. كان صحيح العقيدة، زار دمشق مرارا وسكنها نحو ثلاث سنوات، فكان يقرئ الأطفال بالترابية بالمزار، ولي إعادة الشامية البرانية، وكانت له منزلة خاصة لدى العلماء ورجال الحكم في دمشق.
- العالم النحوي عبد الله بن زين الدين الإربدي العمري (من احفاد نعمان العمري)
العصر العثماني
في بداية الحكم العثماني للمنطقة تشكل لواء عجلون أو سنجق عجلون سنة 1517م، ليحل مكان نيابة الكرك وعجلون المملوكية، وكان تابعا إلى ولاية دمشق الشام، وشملت حدوده كافة أراضي الأردن الحالي، باستثناء المنطقة الواقعة بين وادي الطيبة حتى نهر اليرموك، التي كانت تشمل نواحي بني الأعسر( بني عبيد)،و بني جهمة (إربد)، وبني كنانة، وكانت تابعة إداريا الى قضاء حوران، أو الى لواء الشام.
وكان للواء عجلون أهمية خاصة في سيطرته على جزء من طريق الحج الشامي ، وبه استقرار سكاني، وإنتاج زراعي كبير، وكان يمد الدولة بكمية لا باس بها من الحبوب، و بعدد من أفراد الجيش.
وكان يتبع اللواء النواحي التالية: عجلون، السلط، علان، طوائف عربان عجلون، الكرك.
أما نواحي بني جهمة وبني عبيد وبني كنانة فكانت تابعة إلى قضاء حوران. أما المناطق التي كانت تابعة له من شمالي الأردن فهي ناحية عجلون التي كانت تضم قرى ناحية الكورة.
وكانت عاصمة لواء عجلون الإدارية مدينة "عجلون " التي حمل اسمها، لكن هذه المدينة تراجعت إداريا وسياسيا بعد تعرضها للخراب والدمار بفعل بعض السيول الجارفة، فنقل المركز الاداري الى مدينة إربد من القرن التاسع عشر وحتى العصر الحديث .
ناحية بني جهمة(البطين)- بلاد إربد. نسبت بلاد إربد الى قبيلة بني جهمة، و"جهمة " كما وردت في كتب الأنساب العربية قبيلة عربية، وبطن من العنبر بن عمرو بن تميم بن مر بن أد، من العدنانية، وكان فرع منها يسكن هذه المنطقة في القرن العاشر الهجري/السادس عشر الميلادي، فعرفت المنطقة باسمهم (ناحية بني جهمة)، وقد هاجروا في النصف الأول من القرن العشرين من إربد الى كل من الرمثا والزرقاء وعمان بعد حادثة قتل جرت مع احدى عشائر المنطقة.
وكانت ناحية بني جهمة في بداية الحكم العثماني تابعة إداريا الى قضاء حوران أو لواء الشام من سنة 1517 حتى عام 1868 عندما تشكل قضاء عجلون وأصبحت إربد مركزا له، وكانت تشمل منطقة إربد وقراها، ومنطقة الرمثا وقراها، وبعد ذلك انقسمت الناحية الى ناحيتين: ناحية البطين- نسبة الى عشيرة البطاينة، وتشمل إربد وقراها، وناحية الصويت (الرمثا وقراها)، وهي المنطقة الشرقية من الناحية القديمة.
أما ناحية البطين فكانت حدودها ما بين "وادي الشومر" الحد الجنوبي لقرية كفريوبا وبامتداده شرقا حتى يصل حد الناحية الى وادي عين راحوب شرقا، ومن الشمال فان حدود الناحية تسير مع امتداد" وادي عش الغراب "الى الشمال من قرية "كفرجايز". وفي سنة 1871 كانت الناحية تضم أربعة عشر قرية وهي: إربد (مركز القضاء)، كفريوبا ، جمحا، البارحة، تقبل، كفرجايز، بيت راس، حكما, علعال، المغير،زبدا، سال ، بشرى، حوارة.
أما حال إربد في منتصف القرن التاسع عشر فيصفه لنا الرحالة الأمريكي (إدوارد روبنصون ) الذي زارها عام 1852 بقوله:"أمامنا أكوام من خرائب البيوت العادية ، حجارتها مربعة الزوايا ولكنها غير منحوتة، ولاشيء يستحق الذكر، سوى أطلال صرح واحد، يدخل الى الصرح من الشرق، من باب مزين بالنقوش وفي الداخل عمود قائم، وعمود آخر مزدوج، وعدة أعمدة مرمية أرضا، وتاج كورنثي". ثم ازداد اهتمام العثمانيون بالمنطقة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر من خلال فرض التقسيمات الإدارية، وإنشاء مراكز حكومية مزودة بالموظفين ورجال الأمن والدرك، وقامت بتشكيل قضاء عجلون سنة 1849، ثم أعادت تشكيله 1851م، ثم حولته الى قضاء عجلون في 9 حزيران 1868م، وعينت قائمقاما له يكون مركزه في إربد ، وأنشأت عددا من الدوائر الحكومية، ودعمت سلطاتها بقوة عسكرية، وارتبط بلواء حوران التابع لولاية دمشق.
وقد تعرض قضاء عجلون الى تغيرات عديدة، فعندما تشكل القضاء عام1868م الحق بلواء حوران، ثم فصل عنه والحق بلواء البلقاء عام1871م باستثناء منطقة الرمثا التي بقيت تابعة للواء حوران، ثم أعيد إلحاقه الى لواء حوران مرة ثانية عام1872م، وبقي على هذا الوضع حتى نهاية الوجود العثماني عام 1918م. وعرف القضاء أولا باسم "إربد أو عجلون"، ومنذ عام 1871 اخذ يعرف باسم" كورة عجلون"، ولكنه بعد سنة1872 استقر اسمه على "قضاء عجلون" حتى نهاية الدولة العثمانية 1918.
وتألف سنجق عجلون عام1851م من النواحي التالية: الكورة ، وبني جهمة ، والسرو، والوسطية، وبني عبيد في الشمال، وفي الجنوب كانت حدوده تمتد الى نهر الزرقاء، أما الرمثا فكانت تابعة الى سنجق حوران، أما الغور بكامله الى شونة جسر المجامع فكان تابعا لقائم مقامية طبريا.
وتألف قضاء عجلون عام 1867م من سبع نواحي طبيعية وعشائرية، وهي: بني جهمة (البطين)، السرو، الكفارات، بني عبيد، الوسطية، الكورة، الجبل أو المعراض، وفي عام1888 كان القضاء يتبعه سبع نواحي و 120 قرية، وفي عام1900 كان يتبعه ناحيتين و102 قرية ومزرعة، وفي عام1902 كان يتبعه ناحيتي كفرنجه والكوره، وله 102 قرية ومزرعة(44). وقد أرسلت الدولة العثمانية حاكم" متسلم "الى إربد واستقر في بلدة " كفريوبا "حوالي سنة 1264 هـ/1847م تقريبا، وأصبحت أول مركز للمتسلم. وفي وقت لاحق انتقل مركز المتسلم الى إربد، وكان أول متسلم فيها هو درويش تفاحة، وجاء بعده داود عبادة، ومحمود آغا ، وطاهر بك بدرخان، وتحسين بك جركس. وكان المتسلم حاكما بأمره، فهو يحكم ويسجن، ويأمر وينهى، ويجمع الأموال، ويعود بعد جمع المال والغلال الى دمشق.
ومن الأحداث البارزة في هذا العصر خضوع بلاد إربد لسيطرة الإمارة المحلية الزيدانية التي أسسها ظاهر العمر الزيداني في شمالي فلسطين بين سنوات(1760-1775م)، واختيارهم قرية ( تبنه) كعاصمة إقليمية للمنطقة بزعامة ابنه احمد ظاهر العمر الزيداني، وفي شهر آب عام 1775م سقطت هذه الإمارة وعادت المنطقة ثانية الى الحكم العثماني.
وفي عهد أحمد باشا الجزار (1776-1804م) تزعمت عشائر قبيلة العمري اربد.
الخضوع للحكم المصري
ومن الأحداث البارزة في العهد العثماني خضوع بلاد الشام للحكم المصري مابين الفترة (1831-1841م)، ومن ضمنها بلاد إربد - لواء عجلون- وفي سنة 1839 قامت ثورة ضدهم من قبل سكان جبل عجلون وجبل حوران، مما دفع البيكباشي محمد آغا الولي لحصر التمرد، فأمر 150 جنديا لحماية سرايا إربد، وخلال غياب القوات المصرية هاجم المتمردون إربد مستغلين غياب المتسلم عنها، ونهبوا السرايا (دار الحكومة)، واخذوا دفاترها وأوراقها ومستنداتها. على اثر ذلك كلف إسماعيل عاصم بك حكمدار حلب بإخماد الثورة باللين والمهادنة، وأعطى الأهالي الأمان إن هم سلموا الأسلحة والخيول التي نهبوها من مخازن إربد، فاستجاب أهالي قرية الطيبة، أما أهالي قرية تبنه فرفضوا العرض و أصروا على المقاومة، فسار إسماعيل بك الى تبنه واقتحمها بالقوة، ونهب أموالها ومواشيها بعد أن فر السكان خارج القرية، واستطاع بسط سيطرته على المنطقة، واتخذت قواته من تبنه معسكرا لها، ثم عينت يوسف الشريدة متسلماً لعجلون.
وبعد فترة، انسحبت القوات المصرية من بلاد الشام عام1840م، وأصبحت البلاد تحت سيطرة الزعامات المحلية ، وانفلت حبل الأمن وعمت الفوضى، وانتشر اللصوص وقطاع الطرق، وأصبحت البلاد عرضة لاعتداءات البدو على سكان القرى، ونهبوا مزروعاتهم ومواشيهم، ولهذا قل العمران، وهجر الناس القرى، وتعرضت المزروعات الى الخسائروعانى السكان من كثرة الضرائب، وتجبر الولاة والحكام الإداريين الأتراك، وابتزازهم.
وقد زار الرحالة السويسري يوهان بيركهارت إربد عام 1812م، وكتب عنها يقول: "بلاد إربد أو بلاد بني جهمة،وتدعى أيضا البطين، وهذا الاسم مشتق من عائلة البطاينة التي لرجالها المكان الأول في البلاد. والقرى الرئيسية في بلاد إربد هي:إربد، مكان إقامة الشيخ ، البارحة ، كفرجايز، تقبل، علعال، كفريوبا ،جمحه. أما القرى والمدن الخربة فيها زبده، بيت راس ، عين الجمل". الأعمال العمرانية في إربد.
أقامت الدولة العثمانية في إربد العديد من المباني الحكومية، فقد بنى سنان باشا عام1855 قلعة صغيرة (سرايا ) ومسجدا على تلها المعروف، ولكن العناية بهذه القلعة كانت غير سليمة مما أدى الى اندثارها، أما المسجد فلا يزال قائما الى اليوم في إربد ويعرف باسم - المسجد الغربي- وقد بني من الحجارة البازلتية السوداء المتوفرة في المنطقة.
وفي عام1884 شيدت في إربد دار الحكومة (السرايا)، وكان في ساحتها بركة لجمع مياه الأمطار يستقي منه الأهالي، ولا تزال سرايا إربد قائمة الى اليوم حيث جرى ترميمها من قبل دائرة الآثار العامة، وقد استخدمت السرايا كمركز لادارة قضاء عجلون منذ تلك الفترة حتى ترك العثمانيون إربد يوم 27 أيلول 1918، وكان يوجد في اربد دارا للبلدية- التي تأسست عام1881، وفرعا للبنك العثماني- أنشي عام 1900. وإدارة الغابات ( اورمان إدارة سي)، ومحكمة بداية، وبريد، ومأمور طابو (أراضي)، ومكتب تحصيل الضرائب، والعديد من الدوائر المدنية والعسكرية، ومدرسة لتعليم الصبيان أسســـت عام (1850م).
وقام محمد طاهر بدرخان قائم مقام قضاء عجلون ( 1883-1884 م ) بالعديد من الإصلاحات في القضاء كان من أبرزها تعمير الجامع الغربي في إربد، وبناء مكتب ابتدائي، ومدرسة ابتدائية مكونة من أربع غرف تتسع لحوالي مائة وخمسين تلميذا، وأعاد ترميم بركة إربد حيث استعان بالأهالي لحمل الأتربة الموجودة فيها وتم تشيدها بالكلس، وتولى بعده حسن شوقي بك الذي اكمل الأعمال العمرانية التي بدأها طاهر بك، فاكمل في عهده بناء الجامع والبركة والمكتب السلطاني عام1882. وكانت إربد في هذه الفترة قرية صغيرة تضم 130 بيتا، ولا يتجاوز عدد سكانها(700) نسمة.
كما وجدت في قضاء عجلون إدارة الغابات "اورمان إدارة سي" ويعود سنة تأسيسها الى عام1306هـ/1888م للإشراف على الغابات والاحراج التي تغطي مساحات واسعة من أراضي عجلون، وعينت لها موظفين، وفي الحرب العالمية الأولى تعرضت غابات عجلون الى تقطيع من قبل الدولة العثمانية لاستخدام الأخشاب كوقود للقطارات.
كما أنشئت عدة دوائر حكومية مختلفة في قضاء عجلون ، بعضها عسكرية وبعضها مدنية مثل" بولنار سيار تحرير"، و"البوليس".
سفر برلك أو التجنيد الإجباري
قبل نشوب الحرب العالمية الأولى 1914 فرض التجنيد الإجباري على الأهالي شرقي عجلون باستثناء متصرفية الكرك (70) وهو ما عرف في الذاكرة الشعبية باسم"سفر برلك" أي النفير العام وحمل السلاح، وسيقت الشباب الى جبهات القتال في البلقان والأناضول ومصر وقضى الكثير نحبه هناك.
وتشدد قائمقام عجلون سنة 1913 بالإجراءات العسكرية، واخذ من قضاء عجلون وحده طابورا ونصفا من الشباب لساحات معارك الدولة العثمانية البعيدة، حيث يموتون هناك. وكان يتم اخذ الجنود عن طريق( القرعة)ممن بلغ العشرين من العمر، وكانت القرعة تجري في إربد بمقر للشعبة العسكرية (شعبة اخذ عسكر)، وكان يمكن اخذ بدل نقدي بدلا من الخدمة العسكرية.وظل لواء عجلون يمد الدولة بالمجندين حتى قامت الحرب العالمية الأولى وأعلن"النفير العام" في آب 1914م. ويذكر الحاج سعيد جمعة أحد كبار تجار إربد في (مذكراته) سنة 1914ان مطالب الجيش التركي من حبوب وأقمشة وسكر وغيرها كانت ترهق تجار قصبة إربد، وكانت الحاجات تباع بأضعاف الأثمان، وبقدر ما يلفظ التاجر ثمن البضاعة يقبض، حتى ان أرباح دكانه التي كان يعمل بها في سوق إربد كانت تبلغ شهريا ما يزيد عن ثلاثمائة إلى أربعمائة ليرة ذهبا(72).
الأحوال العامة في لواء عجلون في العهد التركي
بالنسبة للأحوال الاقتصادية فقد كان سكان إربد وقراها يعتمدون على الزراعة وتربية الماشية في معيشتهم، ولكن الإنتاج قل والأراضي هجرت بسب قلة الأمن، وغارات البدو المتواصلة على الأهالي ومزروعاتهم.وكثرة الضرائب التي ترهق كاهل المزارعين.
أما التجارة فكانت تتم عبر تجار سوريين ولبنانين وفلسطينيين، وقد كان الاستيراد مقتصرا على بعض الحاجات البسيطة من الدولة المجاورة. وتمثلت تجارة أهالي البلاد بتصدير فائض هذه المنتجات الى البلاد المجاور كفلسطين، وشراء حاجاتهم من المواد الغذائية من التجار الوافدين من الشام وفلسطين. أما الصناعة فكانت بدائية ومقتصرة على بعض الصناعات اليدوية والحرف المحلية من حدادة ونجارة وخياطة.
أما عن الأحوال الاجتماعية، فقد كان سكان قرية إربد و لوائها لا يتجاوزن الخمسة آلاف نسمة غالبيتهم من الفلاحين يقيمون في القرى ويمارسون الزراعة وتربية الماشية. أما بالنسبة للتعليم فقد كانت مدرسة ابتدائية في إربد ، وبعض الكتاتيب في القرى، وبعض مدارس الإرساليات للطوائف المسيحية في إربد والحصن.
أما الوضع الصحي فقد كان سيئا، ولم توجد مراكز صحية تهتم بأحوال الناس، باستثناء بعض البلديات التي عين فيهل طبيب، وكان الناس يذهبون إلى مدن فلسطين المجاورة كطبرية وبيسان للعلاج.
وفي نهاية القرن التاسع عشر الميلادي، كانت إربد قرية صغيرة بنيت منازلها من الحجر والطين والقناطر، وتعتمد على الزراعة وتربية الماشية، وكانت محصورة في المنطقة الجنوبية الغربية من التل، ومع ذلك كان لها وزنها الإداري والتجاري في المنطقة، ولم يتجاوز عدد سكانها الألف نسمة.
الأتراك مروا من هنـا؟
بعد الهزائم المتلاحقة التي مني بها الجيش التركي على جبهتي القتال في فلسطين وشرقي الأردن، لجاء الجيش الرابع المتقهقر الى شمالي الأردن، وأصبحت إربد أحد معابر الجيش التركي المتقهقر من فلسطين، فقد عبرت الجيوش التركية الغور بقيادة مصطفى كما ل باشا( اتاتورك فيما بعد)واستأذنت بالمرور من قرية ايدون، فأذن لها محمد الحمود الخصاونة –الذي كان رئيسا لبلدية إربد في العهد العثماني – ودخلت القوات البلدة، وبقيت فيها ثلاثة أيام، ثم غادرتها دون حدوث أية مشاكل(76).فواصلت سيرها الى الرمثا ومنها الى سوريا فتركيا. ثم قامت فرقة الفرسان الرابعة البريطانية بالزحف على إربد، فسارت من يافا الى العفولة الى بيسان، واستولت على جسر الشيخ حسين وجسر المجامع، وقتلت عددا كبيرا من الجنود الأتراك، فأصبحت الطريق سهلة لتقدم هذه القوة الى شمالي الأردن.
وفي يوم 26 أيلول 1918 هاجم اللواء العاشر البريطاني الجبهة التركية الممتدة من زبده- إربد- بيت راس، وقد تولى الدفاع عن إربد ضابط عثماني من اصل عربي اسمه(منيب الطرابلسي)، وكبد الإنجليز خسائر في الأرواح، وفي ليلة 26وصباح يوم 27 أيلول انسحب الجيش العثماني من إربد، فوصل الجيش البريطاني إلى أبوابها ودخلوها قي صباح يوم 27 أيلول 1918م. وفي عام 1924 غادرت إربد مفرزة من الجيش البريطاني كانت متمركزة فيها.
وبعد انسحاب العثمانيون من إربد تولى الشريف سعد السكيني الذي عهد إليه تنظيم شؤون الحكم فيها خلال العهد العربي الفيصلي.
إربد أيام الحكم الفيصلي السوري 1918-1920
بعد نهاية الحكم العثماني عن بلاد الشام عام 1918، شكل الأمير فيصل بن الحسين حكومة عسكرية في دمشق بتاريخ 5 تشرين الأول من عام1918، وكانت هذه الحكومة تبسط سيطرتها على سورية الداخلية و شرقي الأردن من حلب شمالا حتى العقبة جنوبا، وبعد انسحاب الجيش البريطاني(لواء وفرقة الخيالة الرابعة) من إربد في 19 أيلول 1919، بقيت الأردن تحت حكم الملك فيصل بن الحسين لمدة سنة وتسعة شهور حتى انتهت بمعركة ميسلون التي جرت يوم 24 تموز 1920. وقد جرى في هذا العهد إلغاء التقسيمات العثمانية الإدارية للمنطقة، وأصبحت سوريا مقسمة الى ثمانية ألوية، وشرقي الأردن موزعا على ثلاثة ألوية هي: الكرك ، البلقاء، حوران ومركزه درعا، واتبع إليه اللواء الشمالي ( لواء عجلون ) الذي اصبح مقسما الى قضائي عجلون وجرش. وبقيت إربد مركزا لقضاء عجلون.
وعندما تشكل المؤتمر السوري الأول، وافتتح أعماله في دمشق في 7/6/1919 سارع أبناء الأردن الى إجراء الانتخابات، وإرسال مندوبيهم للمشاركة في أعمال المؤتمر، وقد مثلت منطقة عجلون –إربد- كل من :سليمان السودي الروسان، وعبد الرحمن رشيدات.
وفي المؤتمر السوري الثاني الذي عقد بين 6-8/3/1920م، شارك أبناء الأردن في حضور هذا المؤتمر، وحضروا الاحتفال الذي أقيم في دمشق بمناسبة إعلان الحكومة العربية، وتتويج فيصل بن الحسين ملكا على سورية، والمناداة بالاستقلال الناجز.
وقد مثل قضاء عجلون في ذلك المؤتمر كلا من الزعامات التالية: الشيخ ساري العبد القادر الزقوط العمري، الشيخ علي الشريده العمري، سعد العلي البطاينة، سليمان السودي الروسان، ناجي العزام، محمود الفنيش النصيرات، كايد المفلح العبيدات، سالم الهنداوي، كليب الشريدة حيث شاركوا في الاحتفال، وقد قدمت لجنة التبرعات في عجلون الى كل واحد منهــم 600 قرش(80). كما سعت الحكومة الفيصلية بدمشق الى الشروع في بناء مدرسة للإناث في إربد عام،1920وطرحت إعلانا رسميا للمناقصة . ولكن هذه الحكومة كانت غارقة في تنظيم إدارتها المركزية، ولهذا لم تعتني بهذه المنطقة، حيث انتشر فيها الفوضى وغمرتها القلاقل والفتن، فانتشر اللصوص وقطاع الطرق، وعاد الغزو بين القبائل والعشائر على ما كان عليه في السابق.
احتجاجات ومظاهرات في عجلون ضد قرار التقسيم
لما شاع خبر تقسيم سوريا ما بين فرنسا وسوريا ، كان الأردنيون من أوائل الذين تنبهوا الى خطورة هذا الأمر، حيث عبروا عن ذلك عبر إرسال البرقيات والاحتجاجات والمظاهرات، وجمع التبرعات، فقد بعث مشايخ قضاء عجلون البرقية التالية الى الأمير فيصل، والى مؤتمر الصلح في باريس ،والى دمشق بتاريخ1/11/1919، قالوا فيها:
"إن تواتر الإشاعات عن تقسيم البلاد قد جعلنا في هياج عظيم. نحن عشائر قضاء عجلون ومشايخه ، وجميع أهاليه على اختلاف الملل نحتج بكل قوانا على اقل تقسيم يمس البلاد العربية ، نحن متهيئون للدفاع، لنا أسوة بالأمم المتحررة وكأمة لها حظ من النصر الأخير نؤكد طلب استقلالنا المطلق وندافع حتى نلقى الله، تكرموا بإبلاغ عواطفنا الى مؤتمر الحلفاء. الأهلون في هياج عظيم .عشرات الألوف في عجلون ينتظرون الجواب". وقد وقع عليها المشايخ : كايد المفلح العبيدات، سعد العلي البطاينة، ناجي العزام ، شيخ فالح . شيخ بشير(الحسن الغزاوي)، كليب اليوسف (الشريدة)، شيخ سليمان السودي الروسان ، شيخ إبراهيم ، رئيس بلدية عجلون مصطفى حجازي، راشد الخزاعي ، محمود الفنيش النصيرات، شيخ شلاش العزام ، شيخ محمد أمين المومني.
كما أرسل مشايخ عجلون برقية الى الصحف احتجوا فيها على تجزئة البلاد السورية، ونشرتها جريدة "العاصمة" بدمشق ،وجاء فيها: " تواترت الإشاعات عن تقسيم البلاد مما جعلنا بهياج عظيم ، ونحن رؤساء عشائر ومشايخ وعموم أهالي قضاء عجلون على اختلاف مللهم نحتج بكل قوانا على تقسيم يحصل لبلادنا، نحن متهيئون للدفاع حتى الموت لنا أسوة بالأمم المحررة التي كان لها حظ من النصر الآخر، ونؤكد طلب استقلالنا المطلق وندافع عنه حتى الموت.
كما تشكلت لجان وطنية في بعض المدن الأردنية ومنها عجلون بهدف جمع الإعانات والتبرعات، وتشكيل كتائب مجهزة بالسلاح للدفاع عن الوطن. وقد تبرع المواطنون في (قضاء)عجلون بـ (36) ألف قرش مصري، والجمعية النسائية ب 300 مجيدي، وتبرع المشرفون على ضريبة الويركو ب(35 )ألف قرش مصري(86). وبعد نهاية العهد الفيصلي في سوريا أثر معركة ميسلون عام1920 استمرت العلاقة قائمة بين شرقي الأردن والعاصمة دمشق ، ففي 16/8/1920 صدر كتاب رئيس الوزراء رقم 94 بالموافقة على تسمية "علي نيازي التل" وكيل قائم مقام بعلبك لمدينة جرش(89).
عهد الحكومات المحلية
بعد سقوط حكومة فيصل في سوريا عام 1920، أصبحت شرقي الأردن تشكل جزءاً من منطقة الانتداب البريطاني، وكان على بريطانيا أن ترعى اهتماما خاصا بالأردن لملء الفراغ السياسي الذي تركته حكومة الفيصلية ، وان الأردن اصبح بالنسبة لها يشغل جسرا بريا يوصل بين العراق والخليج العربي ، ووضع حد لاعمال الغزو والسلب التي تدور بين أهالي شرقي الأردن ضد المصالح الاستعمارية . واتفق البريطانيون على إرسال ضباط سياسيين بريطانيين الى مناطق الأردن بشرط ألا يكون هناك ضرورة لوجود حاميات عسكرية لتحافظ على سلامتهم. فجاء المندوب السامي البريطاني في فلسطين –هربرت صموئيل-الى السلط يوم 12 آب 1920واجتمع مع زعماء ومشايخ شرقي الأردن من البلقاء والكرك ،أما نائبه سمرست فقد اجتمع بأعيان اللواء الشمالي في أم قيس في 2 أيلول 1920.وأسفر الاجتماعان عن الدعوة الى تشكيل حكومات محلية في كل من عجلون و السلط والكرك، ويدير شؤونها أحد رجال الإدارة بالتعاون مع مجلس استشاري أعضاؤه من وجوه المنطقة واعيانها، وكان يمثل بريطانيا لدى كل حكومة من هذه الحكومات معتمد بريطاني.
حكومة عجلون
تألفت هذه الحكومة في إربد برئاسة القائمقام العسكري علي خلقي الشرايري بعدما انسحب مع الملك فيصل من درعا الى حيفا ،وقد طلب إليه فيصل أن يعود إلى إربد لتنظيم الأهالي بعد أن اعلمه المندوب السامي برغبة بريطانيا في إنشاء حكم وطني في شرقي الأردن تحت ظل الانتداب، فقام بالاجتماع مع وجهاء وأهالي اللواء الشمالي لتشكيل حكومة وطنية للاحتفاظ بطابع الأردن الوطني، وافهم أن الانتداب البريطاني حل محل الحكم العربي، وانتخب المجتمعون عددا من زعماء اللواء للاجتماع بالمندوب السامي البريطاني بعد ذلك، ومن المعروف ان زعماء اللواء الشمالي لم يتمكنوا من الاجتماع بالمندوب السامي في السلط يوم 21آب 1920 بسبب الخصومات العشائرية بينهم وبين بعض عشائر البلقاء، ولان اللواء الشمالي اكبر مساحة وسكانا من السلط.
لذا اتفق على الاجتماع في يوم 2 أيلول 1920 مع الميجر سمرست- "اللورد رجلان " فيما بعد- نائبا عن المندوب السامي في قرية أم قيس لكونها تقع في منطقة متوسطة بين إربد مركز قضاء عجلون وبين طبريا مكان إقامة سمرست، وفي ذلك اليوم المرسوم اجتمع الميجر سمرست مع زعماء اللواء الشمالي، وتباحث المجتمعون في علاقة منطقتهم ببريطانيا وتحديد تلك العلاقة، ونتيجة للمباحثات التي جرت آنذاك قدم أولئك الزعماء مطالبهم الى سمرست في عريضة موقعة منهم فأجابهم عليها خطيا.وعرفت المطالب والأجوبة فيما بعد باسم "معاهدة أم قيس". أما الزعماء الذين لم يتمكنوا من حضور اجتماع أم قيس فقد عقدوا في البارحة اجتماعا مع سمرست وابلغوه انهم سيشكلون حكومة منفصلة عن حكومة إربد.وقد اتضح أن سمرست كان يعمل على تشجيع الفوضى والانفصالية رغبة منه في جلب قوات هندية للسيطرة على البلاد ، كما صرح بنفسه.
ثم انقسمت حكومة عجلون إلى العديد من الحكومات الأخرى ،مثل: - حكومة دير يوسف أو(قضاء المزار) مركزها قرية دير يوسف بزعامة كليب الشريدة، طلب من عشائر العمري بان يجعلوه زعيم لقيام زعامه عشائريه قويه لان العمريه زعامه اربد والاقوى في ذلك الوقت وجعلوه زعيم وبعد مده اخذ شيخ من العمريه الزعامه. حكومة ناحية عجلون ومركزها عجلون بزعامة راشد الخزاعي الفريحات. - حكومة جرش بزعامة آل الكايد. - حكومة ناحية الوسطية ومركزها بلدة قم بزعامة الشيخ ناجي العزام. -أما الرمثا فقد كانت ملحقة بلواء حوران حتى 15/12/1921 حين تم الاتفاق بين بريطانيا وفرنسا على إلحاقها بقضاء عجلون(96).
ولكن حكومة إربد كانت ماضية في استكمال أسباب سيادتها وكيانها، فعملت على المطالبة من حكومة الانتداب البريطاني بالعمل على تعيين الحدود بينها وبين فلسطين، فأوفدت في أواخر شهر شباط وفدا الى القدس مشكل من أربعة من أعضاء المجلس التشريعي للتداول مع المندوب السامي في هذا الأمر ، وطالبت حكومة فلسطين أيضا بتعيين حصتها من الواردات الجمركية.
وكانت ميزانية هذه الحكومة اضخم موازنة في تاريخ الحكومات المحلية الأخرى، وأخذت على عاتقها مد الثوار العرب في سوريا ضد الفرنسيين ،والثوار الفلسطينيين ضد الإنجليز مما اقلق مضاجع الاستعمار الفرنسي والبريطاني من هذا المد البشري والمادي والمعنوي ، فلجأت بريطانيا الى تقسيم المنطقة وتشجع الحكومات الانفصالية في الكرك و السلط وعجلون، ، وعدم مد العون المادي والعسكري لكل منها، واخذ الصراع يحتدم بين هذه الحكومات ،واصبح كل رئيس حكومة يحكم كما يريد ، دون تفكير أو دراسة عسكرية ،حتى الإدارة كانت مفقودة. واستمرت حكومة إربد تمارس أعمالها حتى يوم11 نيسان 1921 عندما تشكلت الإمارة رسميا ،وعرف ان حكومة إربد كانت تدفع لأعضاء المجلس التشريعي راتبا شهريا مقداره أربع ليرات.
واشاد بحكومة إربد المجاهد السوري الكبير تيسير ظبيان بقوله: "كانت حكومة إربد التي ترأسها السيد علي خلقي اكثر تلك الحكومات استقرارا، وأحسنها تنظيما ،وأبعدها نفوذا، و أقواها مادة، فقد بلغ الوفر الذي كان موجودا في خزانتها في العام الأول من تأسيسها عشرة آلاف دينار(جنيه مصري)، وهو مبلغ جسيم بالنسبة لتلك الظروف والأوضاع".
تاريخ إربد في العصر الحديث
في ذلك اليوم المشرق من تاريخ الأردن الحديث وهو يوم 2 آذار 1921وصل سمو الأمير عبد الله بن الحسين – طيب الله ثراه - إلى عمان قادما من معان، وفي 27 منه توجه إلى القدس وقابل وزير الخارجية البريطانية المستر ونستون تشرشل ، وفي اليوم التالي من هذه المقابلة اعترفت بريطانيا بالأمير عبد الله بن الحسين أميرا على شرقي الأردن.
وبعد عودته إلى عمان تلاشت الحكومات المحلية وحل محلها حكومة مركزية، عهد الأمير في تأليفها إلى رشيد بك طليع وكان برنامجه توحيد البلاد وهكذا فعل. أما بالنسبة لإربد فقد شهدت إصلاحات هامة في عهد الإمارة وخصوصا على يد المتصرف عبد المهدي الشمايلة ( 1933- 1937)، الذي اخذ على عاتقه تحويلها إلى مدينة عصرية على حد تعبير المؤرخ محمود العابدي ، ومن هذه الإصلاحات الت قام بها:
1- قطع أشجار الصبر الشوكي التي كانت تطغى عليها وتشوه منظرها. 2- هدم الأبنية القديمة المبنية من الطين. 3- شق الشوارع العريضة. 4- تزويدها بالماء من عيون راحوب التي تبعد 18 كم إلى الشمال منها. 5- إضاءة الشوارع بمصابيح الكاز.
ومما ساعد على عمران المدينة هو موقعها المتميز بين مدينة طبرية والقدس غربا، وبين طريق دمشق وبغداد شرقا وشمالا من جهة أخرى.
تطور مدينة إربد تاريخياً
لاشك ان مدينة إربد كان لها أهمية كبيرة في العصور الغابرة، وان تاريخها لايزال مدفونا في جوف تلها المزروع بالعمارات والمنازل التي تحول دون البحث عن ذلك التاريخ، ورغم ذلك فهناك إشارات ودلائل تشير إلى ان إربد كانت مستوطنة زراعية في العصور القديمة، وقائمة على تلها الكبير، ومحاطة بسور ضخم لا تزال بقاياه ماثلة للعين في الطرف الغربي.
وفي العهد الروماني أصبحت مدينة تجارية مزدهرة كونها أصبحت من إحدى مدن الحلف التجاري المشهور باسم(الديكابولس)، وتسمى باربيلا، وفي العصر الإسلامي كانت لها حضوة عند الخليفة الأموي يزيد بن عبد الملك الذي بنى على تلها قصرا كان ينزله متى يشاء، وفيه قضى نحبه.
وفي العصر الأيوبي كانت معبرا لجيوش البطل الإسلامي الخالد صلاح الدين الأيوبي وهو يقارع الصليبين في فلسطين غربي إربد ، وفي العصر المملوكي صار لها مكانة بارزة، فقد أصبحت محطة للقوافل التجارية، حيث أقيمت بها الخانات ، ومحطات للحمام الزاجل، وأبراج للمراقبة،ومنارات للاتصالات بين دمشق والقاهرة.
ثم تراجع دورها في العهد العثماني إلى ما بعد منتصف القرن التاسع عشر الميلادي عندما أنشئت الدولة العثمانية التنظيمات الإدارية في شمالي الأردن عام1851، وشكلت قضاء عجلون واتخذت من إربد مركزا له، وأقيمت بها أعمال عمرانية مثل:بناء السرايا (دار الحكومة) سنة1884.وكان في ساحتها حوض ماء"بركة" يستقي منها أهلها، ولم يكن يتجاوز عدد سكانها عام 1884عن (700)نسمة، كما بنى الأتراك المسجد الغربي او جددوا بناءه، ورمموا بركتها ، وانشئوا مدرسة ابتدائية، ودارا للبلدية عام1883، وفرعا للبنك العثماني عام1900، وكل هذا أعطى المدينة بعدا عمرانيا وحضاريا ، وشكل بداية للنمو السكاني المتزايد في البلدة.وتبع ذلك قيام حركة تجارية نشطة أحدثها التجار الشاميين مع المنطقة في مطلع القرن العشرين، حيث أقاموا في المنطقة بشكل مؤقت ثم استوطنوا المدينة واخذوا يتوسعون في تجارتهم، كما قام تجار إربد وقراها بأعمال التجارة مع دمشق التي شكلت لهم السوق الرئيسي لبيع منتجاتهم ومحاصيلهم وشراء ما يحتاجونه منها ،ومما ساعد الناس على الاستقرار والتوطن فيها قدوم عناصر إدارية وعسكرية وامنية إليها في مهمات مؤقتة ، وظلت مدينة اربد مركزا لادارة قضاء عجلون حتى غروب العهد التركي عام1918 (104).
واستمر الحال في العهد الفيصلي السوري عندما أصبحت إربد مركزا لقضاء عجلون التابع إلى لواء حوران ومركزه مدينة درعا، بالإضافة إلى وجود الدوائر الحكومية والعسكرية فيها خلال الفترة القصيرة من1918-1920.
وفي عهد الحكومات المحلية اتخذ من إربد مركزا لحكومة عجلون المحلية برئاسة القائم مقام علي خلقي الشرايري حتى عام1921 .
وفي عهد الأمارة بقيت مركزا لمتصرفية لواء عجلون أو لمتصرفية إربد حتى عام1966 ،حينما أصبحت تسمى ب"محافظة إربد "وبقي مركزاً إدارياً لمحافظة إربد منذ ذلك الوقت إلى اليوم.
وعن تطور إربد يقول الأستاذ ملحم التل في مذكراته: أما إربد فكانت مركزا للواء ومرجعية رسمية لأهله على الرغم من أنها في تلك الأيام لم تختلف عن باقي قرى لواء عجلون. إلا بصفتها مركزا للقائم مقامية، فقد كانت بلدة صغيرة اتسعت رويدا رويدا ، وبتسارع اكبر من سواها ، إذ كان لتوجه العديد من أبنائها للدراسة في الجامعات المدنية والعسكرية في اسطنبول ومدرسة عنبر الشهيرة في دمشق اثر بالغ في تقدم إربد ونهضتها، وقد شكل هؤلاء الخريجون نقلة خاصة في حياة إربد وازدهارها، وكانوا مؤثرين في الحياة السياسية والاجتماعية والأدبية في الأردن فيما بعد،أمثال: الشيخ تركي العمري ، الشيخ الحاج عبد القادر ناجي العمري، علي خلقي الشرايري، ومحمد صبحي أبو غنيمة، ومصطفى وهبي التل(عرار)، وأمين الخصاونة، واحمد التل (أبو صعب)، والشيخ عمر الملكاوي ،وكثيرين غيرهم محور حركة قومية ومقاومة ضد الحركات الاستعمارية التي استهدفت المنطقة من الانتداب الفرنسي في سوريا ولبنان والانتداب البريطاني في فلسطين".
وبعد عام 1923 ازدهرت المدينة وانتشرت فيها المدارس والأسواق التجارية ،والدوائر الحكومية وتوسعت البلدة عمرانيا وسكانيا، وتطورت وسائل النقل والمواصلات بحكم توسطها بين قرى اللواء ووقوعها على إحدى الطرق الرئيسية التي تصل شرقي الأردن بميناء حيفا مارة بطبرية والناصرة أيام الانتداب البريطاني على فلسطين ، ونتيجة لذلك كانت مركزا مهما من مراكز التجارة. كما إن شهرتها في ذلك الوقت في إنتاج الحبوب أصبحت مركزا لتجارته وتصديره إلى مدن وقرى فلسطين عبر استخدام وسائط النقل كالجمال إلى ان تطورت إلى استخدام العربات، وهكذا أخذت إربد تنمو وتكبر كمركز للواء عجلون ثم كعاصمة لمحافظة إربد، مما جعلها مركزا إداريا وسياسيا واقتصاديا وتجاريا مميزا لمحافظة إربد خاصة ولمنطقة الشمال عامة. وبعد حرب عام 1948 ضعف موقعها التجاري بسبب خسرانها لاسواق ومواني فلسطين وانقطاع الاتصال بها،ورغم ضياع هذه المزية فان مدينة إربد استمرت في الازدهار والنمو، وكان العائق دون ازدهارها سابقاً هو عدم وجود مورد طبيعي للماء قريب منها، وعدم وجود أموال كافية لجلب المياه اللازمة ، حتى حلت المشكلة وتم جلب المياه إليها عام1932 من عين راحوب ،ثم ضخت المياه إليها تباعا من الأزرق ووادي العرب فكان إيصال المياه عاملا قويا في ازدهارها التجاري والعمراني والسكاني.
وجاءت الهجرة الفلسطينية الأولى إلى إربد بعد نكبة 1948، حيث ساهم المهاجرون الفلسطينيون في زيادة النشاط التجاري والزراعي والعمراني في المدينة، و أعقبها الهجرة الثانية من أهالي فلسطين بعد حرب عام1967، حيث ساهموا مرة ثانية في نهضتها العمرانية والتجارية والسكانية. وفي فترة السبعينيات استفاد أبناء المدينة من الطفرة البترولية في دول الخليج، مما شجع أبناؤها وخاصة الفلسطينيين على السفر إلى تلك الدول والعمل بها، وكان لتحويلاتهم المالية الأثر الكبير في عمران وتطور المدينة وازدهارها تجاريا وعمرانيا، وأخذت إربد تنمو بسرعة كبيرة في فترة الثمانينات والتسعينيات من القرن الماضي حتى غدت مركزا صناعيا وتجاريا وزراعيا وتعليميا وثقافيا واسع النطاق، وعاصمة إدارية لمنطقة الشمال كلها، وثالث مدينة في المملكة في عدد السكان، فانتشرت فيها المطاعم والفنادق والملاهي والمصارف، وكليات المجتمع ومراكز التدريب المهني، والجامعات مثل: جامعة اليرموك،وجامعة العلوم والتكنولوجيا ، وجامعة إربد الأهلية. كما أصبحت مدينة إربد مركزا للمواصلات، وحلقة وصل بين قرى المحافظة من جهة ، ومع باقي المحافظات الأخرى من جهة ثانية. ومع الدول المجاورة كسوريا والعراق وفلسطين من جهة ثالثة.
ونمى العمران بها بشكل رهيب، حتى اتصلت بقرية البارحة غربا فغدت جزءا منها ، وامتدت جنوبا حتى التقت ببلدة ايدون، وامتدت شرقا حتى اتصلت بقريتي حوارة وبشرى وسال، وامتدت شمالا حتى التقت بقريتي بيت راس وحكما. وأصبحت إربد سوقا ومركزا تجاريا كبيرا يفد إليها التجار وأهالي القرى المجاورة لبيع منتوجاتهم ومحاصيلهم الزراعية من الحبوب والخضار والفواكه ، وشراء ما يحتاجون إليه من سلع وبضائع مختلفة بشكل يومي وعلى مدار العام. بالإضافة إلى وجود مدينة صناعية كبرى يقومون بأعمال الصيانة للسيارات على مختلف أنواعها وأشكالها، وانتشار محلات خدمات للطلبة الجامعيين، ووجود مصانع متعددة، ومشاغل مختلفة.
إربد في كتب الجغرافيين
ورد ذكر اربد في العديد من كتب الجغرافيين العرب والمسلمين، فقد ذكرها ياقوت الحموي (1179-1229م) ، وقال عنها " أربد بالفتح ثم السكون والباء الموحدة، قرية بالأردن قرب طبرية عن يمين طريق المغرب"(6).
كما ذكرها ياقوت أيضاً بلفظ آخر هو (ازبد)، وقال بأنها قرية من قرى دمشق، بينها وبين أذرعات (درعا) ثلاثة عشر ميلاً، توفي فيها الخليفة الأموي يزيد بن عبد الملك بن مروان سنة105 هـ/723م. عندما كان خارجا للنزهة فمرض وتوفي فيها، ثم نقل جثمانه الى دمشق ودفن فيها"(7).وهذا الوصف لاربد صحيح جغرافيا وتاريخيا، لكنه ابدل حرف الراء زينا فقال ازبد بدلا من اربد. وذكرها ابن شاهين الظاهري كإحدى مراكز الثلج الذي يحمل على الهجن(الجمال) في أيام السلطان المملوكي الظاهر برقوق، فقال:" والمراكز من دمشق الى الصنمين، ثم منها الى طفس، ثم الى إربد، ثم منها الى جنين، ثم منها الى قاقون، ثم منها الى لد ، ثم منها الى غزة، ثم منها الى العريش وهو آخر ما قررت إقامته على مملكة الشام"(13).
كانت إربد قرية منفصلة عن مدينة إربد، وقد مر بها الرحالة الألماني شوماخر عام1887م وقال: البارحة، قرية حديثة فيها 60 غرفة، و 300 نفس، وأهلها ميسورو الحال، تربتها خصبة وبيت الشيخ بني بناية حسنة، وفي ساحة الدار عدد من النواويس الحجرية، وبعض الأعمدة ولكن النقوش عليها متآكلة. والأهلون يستعملون المياه التي تتجمع في آبار قديمة وكبيرة، والطريق بين إربد والبارحة كانت مرصوفة في القدم، كما تدل بقايا الحجارة. وقد قيل لي ان البلدتين كانتا متصلتين في السابق، كما توجد بينهن أكوام من الحجارة صالحة للبناء". وذكر المؤرخ سليمان الموسى أن بقايا الطريق الروماني بين إربد والبارحة كانت ما تزال موجودة حتى عام 1940، وكانت تتآلف من حجارة صغيرة مربعة مرصوفة إلى جانب بعضها البعض بصورة محكمة ومتينة. وقد انضمت البارحة إلى إربد في حدود عام 1945 بعد أن اتصل العمران بينهما أصبحت تؤلفان مدينة واحدة. ويقال انه في العام 1962 جرى دمج البارحة في المدينة واصبحت تشكل المنطقة الغربية من المدينة.
حرب الجندلية (تاريخ الرمثا)
كان اهل الرمثا رقمًا صعبًا بالنسبة للبدو الذين يمارسون الغزو ولم تشهد قرية أردنية ما شهدته الرمثا من حرابات مع "العَرب"، وحين كانت قبائل مثل ولد علي والزيادنة والعدوان والصخور والسردية والسرحان تطوف القرى في عمان وتسلب قمحها كانوا يفكرون طويلًا قبل دخول الرمثا.. هذه ليست بشوف الحال ولا غرور معركة واحدة دخل فيها العدوان والصخور على الرمثا وكانت ميدانًا لاستعراض قوة القبيلتين المتنازعتين على أرض الرمثا وكان عيال صويت لهم في الميدان وبالمرصاد.[1]
أقام اهل الرمثا وعشائرها أحلافًا مع عشائر كبيرة كعشائر قبيلة العمري، وكان فيها أكبر رجال السياسة الداخلية والخارجية أمثال الزعيم فواز الزعبي كبير الرمثا والزعيم عمر الحسين كبير حوران كلها ومعهم عدة وجهاء من المنطقة..
وكانت قبيلة السردية قوة ضاربة ولا تقرب الرمثا (لا مع ولا ضد) بينما كانت قبيلة بني خالد داعمة لكل مواقف الرمثا والقبيلة الوحيدة التي رفضت الهجوم على الرمثا في حرب الجندلية الطاحنة..
وحرب الجندلية التي حدثت عام ١٩٢١ ميلادي شارك فيها المئات من فرسان سهل حوران والرمثا وردوا الغزو القادم من تحالف سبع عشائر من البدو ولم تتمكن هذه العشائر من النيل من الرمثا ولو لمره واحده بسبب رباطة جأش أهلها رجالها وحرائرها وأيضاً كانوا اهل قرى حوران في درعا واربد يمدون قرى حوران والرمثا بالسلاح والمال والمعونه لمواجهة هذه الغزوات..[2]
وما زال أهل حوران والرمثا يتغنون الى يومنا هذا بحرب الجندلية بأبيات تبعث في القلب الطمأنينة والسرور وهي :
لم تقع الرمثا تحت الانتداب الانجليزي أو الفرنسي، لم تنقل أوراق الطابو والنفوس الرمثاوية من درعا حتى مطلع الثلاثينات، لن تجد عشيرة في الرمثا إلا ولها أختها في الجانب الآخر إنما خيط وهمي قطفها من حوران..
وكان الرماثنة وبني معروف (الدروز) في علاقة طيبة وكانت العلاقة سيئة من قبائل كثيرة أبرزها السرحان، والسرحان فرسان لا يهابون الموت وانشغلوا زمنًا طويلًا بحرابات الدروز وكان حلفهم متأرجح مع الصخور وفق العلاقات التي تحكم وادي السرحان بين الصخور والحويطات وكبار البدو والرمثا ليست بعيدة عن هذا..
من غرائب السياسة الخارجية الرمثاوية علاقتها بجاراتها في إربد أو كما كان يسمى (الدير/ امغرب) فكانت أبواب الرمثا تفتح صوب الشرق أكثر من باقي الاتجاهات إلا أن الرماثنة كانوا يعقدون الأحلاف مع العمري والبطاينة والروسان والعبيدات وكانت تسمى هذه الأحلاف (الباب الغربي) فقد كانوا يمنعون الغزو من أرضهم إلى الرمثا لأن كل الحرابات والمعارك (قرابة 10) الموثقة بالشعر وبأسماء الشهداء كانت على أطراف الرمثا. لم تشتعل معركة في وسط الرمثا حتى أكبر المعارك وهي "الجندلية" ضد سبع قبائل بدوية كان محيطها "بركة الدم" حتى منطقة "دن" وهي اليوم حيث مثلث الرمثا ومحيط جامعة العلوم..
لا أحبُّ "الهَبد" ودائمًا أسخرُ من مبالغات "الهبيدة"، لكل مدينة خصوصيتها لكن لواء الرمثا له خصوصيه مختلفة..
يُعَرِفُ سائقوا الشاحنات الرمثاوية عن أنفسهم في تركيا وأوروبا والخليج قائلين:" رمثاوي يا خال"، بل ويكتبونها على ظهور الشاحنات وبجانبها "بحمّى الرحمن"..
بحمّى الرحمن يا رمثا ويا سهل حوران وشكرًا لكل من لم يستغل الأزمة ولم يرفع الأسعار ولم يركب الموجه ويتاجر بالمواطنين.