نقاش:اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار

المياه الداخلية والبحر الإقليمي والمضايق

اتضح لى بعد دراسة موضوع المياه الاقليمية و المياه الداخلية و المضايق أن مصر رفضت عام 1958 التوقيع على الاتفاقية الدولية للمرور فى المضايق و التى كانت تنص على عدم جواز منع السفن الأجنبية من المرور البرىء فى المضايق المؤدية الى البحر العالى و هو نص يرى مؤلف الكتاب – و هو أستاد مصرى فى كلية الحقوق – أنه وضع خصيصا لمعالجة الحالة الاسرائيلية فى مضائق تيران علاجا يروق لاسرائيل. و تماما مثل كل أمور القانون الدولى العام طالما أن دولة لم تنضم لأحد المعاهدات و لو توقع و لا تصدق عليها فهى تعد غير ملزمة بما ورد بها من أحكام. ( راجع موضوع الانتفاع غير الملاحى بمياه الأنهار و الدى امتنعت مصر فيه عن التصويت 1997 ). أى أنك ان امتنعت عن التصويت أو اعترضت فلا حكم لهده المعاهدة عليك.

لاحظ الفرق بين هدا المنطق و منطق محكمة الجنايات الدولية التى أنشئت لملاحقة مرتكبى جرائم الحرب و الجرائم ضد الانسانية و يبدو أن هدا هو السبب فى جعل وجودها و اختصاصها قائم حتى على الدول التى لم تنضم لها مثل السودان. أما أمريكا وإسرائيل فوضعهم متميز لا بفعل القانون و لكن بفعل القوة.

المهم أن موضوع البحار و المرور العابر و المرور المطلق و المرور البرىء موضوع ملىء بالتفاصيل و معقد و تحديد بدء قياس البحر الاقليمى هو موضوع هندسة مدنية مساحية - من أعمال الجنزير المختل - فلو أردتم أن أطلعكم على بعض من خباياه أرجو أن تكتبوا لى و الا فالكتابة فى المساحة هى فى الواقع من دواعى عدم السرور بالنسبة لى. لو أننى كنت عضوا فى احدى لجان تحديد الخطوط الأساسية التى منها يقاس عرض المياه الاقليمية و بمعرفتى بشئون الجنزير و كيفية اصلاح خلله و اغلاق خطأ قفل ترافرسه لكنت قد أصبحت أفضلهم بما جمعت من الحسنيين. لقد تخلت مصر عام 1990 عن الخط المتعرج الأساسى الدى منه يقاس عرض البحر الاقليمى وأخدت بنظام الخطوط المستقيمة و هو نظام صحيح قانونيا و أسهل مساحياً.

قانون البحار

مند فشل مؤتمر لاهاى عام 1930 فى التوصل الى اتفاق لتحديد البحر الاقليمى عقدت من بعد الحرب العالمية الثانية ثلاثة مؤتمرات دولية كبيرة لبحث قوانين البحار و المياه الاقليمية فى نطاق الأمم المتحدة كان أولها عام 1958 فى جنيف و ثانيها عام 1960 و هذا لم يكتب له النجاح و كان آخرها عام 1982 و فيه خرجت للوجود أحدث اتفاقية حازت على وفاق دولى.

كان العنصر المختلف عليه هو تحديد عرض البحر الاقليمى لكل دولة و فى النهاية قبلت معظم الدول النص الجديد ( المادة 3 و المادة 4 ) و القاضى بأن لكل دولة الحق فى تحديد عرض بحرها الاقليمى بمسافة لا تتجاوز 12 ميلا بحريا مقاسة من خط الأساس.

لمعرفة النقطة أو بالأحرى الخط الذى يقاس منه عرض البحر الاقليمى الذى يبلغ فى العادة 12 ميلا بحريا تؤخد أبعد نقطة عن الشاطىء تنحسر عنها مياه البحر فى حالة أدنى جزر طوال العام و تعتبر هى بداية العد حيث أنه من المفترض قانونيا أن هذه هى آخر نقطة برية فى اقليم الدولة حتى و لو كانت مدة تغطيتها بالمياه أطول من مدة ظهورها.

فى الماضى كانت تؤخذ خطوط الأساس من هده النقطة ثم يرسم خط داخل البحر موازى للشاطىء يتعرج معه دخولا و خروجا و بروزا ثم يقاس من هذا الخط عرض البحر الاقليمى – 12 ميل بحرى مثلا - و المساحة البحرية المحصورة بين الشاطىء و هذا الخط تعتبر هى البحر الاقليمى للدولة.

يلاحظ أن البحر الاقليمى يختلف فى تعريفه و طبيعته عن المياه الداخلية لأى دولة حيث المياه الداخلية ليس لباقى الدول فيها حق المرور البرىء بل لابد من الموافقة المسبقة للدولة قبل الدخول اليها ، أما البحر الاقليمى فالدخول اليه متاح طالما كان ذلك لأغراض المرور البرىء و لكن لا بد من مراعاة القوانين السارية فى الدولة لأن هذا هو بحرها الاقليمى.

الآن اختلف الوضع قليلا حيث سمحت اتفاقية 1982 باتباع طريقة الخطوط المستقيمة الواصلة بين النقاط المختلفة و هذه تسمى الخطوط الأساسية ويقاس منها عرض البحر الاقليمى و تكون المياه المحبوسة بين خط الأساس و الحد الخارجى للعرض المتفق عليه – 12 ميل مثلا –هو البحر الاقليمى للدولة و ما يقع خارجه ليس تابع للدولة. و لكن طريقة تحديد هذه النقاط التى تنتج فى النهاية الخط المكسر البوليجون الدى نراه على بعض الخرائط لم تتغير ، أبعد نقطة عن الشاطىء تنحسر عنها المياه فى حال الجزر ثم يقاس منها.

تلتزم كل دولة بأن تصدر خرائط معتمدة يبدو واضحا عليها شكل البحر الاقليمى و النقط المكونة له و احداثياتها والتى يبدأ منها الحساب و تودع هذه الخرائط لدى سكرتارية الأمم المتحدة. يرد على البحر الاقليمى لكل دولة قيد قانونى و هو حق المرور البرىء و هذا يعنى أن السفن الأجنبية عن الدولة صاحبة السيادة على البحر الاقليمى من حقها الثابت أن تمر مرورا غير متلف و لا مهين للدولة و لا مخالف للقوانين السارية فيها و غير مضر بمصالحها و هو ليس رخصة تمنح من الدولة صاحبة البحر الاقليمى بل هو حق ثابت من حقوق السفن الأجنبية.

و يشمل حق المرور البرىء أيضا حق التوقف و الرسو فقط اذا كانا مترتبين على الملاحة العادية أو صارا ضرورة لازما من جراء القوة القاهرة أو المحنة. فى الاتفاقية الجديدة فقرة لم تكن موجودة فى اتفاقية 1958 و هى النص على أن يكون المرور البرىء متواصلا و سريعا. جدير بالذكر أن الاتفاقية الجديدة لعام 1982 ترتب حق المرور البرىء أيضا للسفن الحربية الأجنبية و دلك من مفهوم المخالفة أى أن الاتفاقية لم تنص بصراحة على وجوب الحصول على اذن مسبق من الدولة صاحبة البحر الاقليمى قبل دخول السفن الحربية الى مياهها. أفردت الاتفاقية توصيفا للسفن الحربية و وظائفها و ما يجب أن تحمله من علامات و ذلك كله تحت باب المرور البرىء مما يفهم منه أن هدا الحق ينسحب أيضا على السفن الحربية. ذكرت المعاهدة أن للدولة البحرية أن تطلب من أى سفينة حربية أن تغادر بحرها الاقليمى فور خرقها لأى من القواعد أو اللوائح التى وضعتها الدولة و أعلمتها بها من قبل الدخول. أما بالنسبة للغواصات فتحتم عليها مواد الاتفاقية الجديدة – كما فى القديمة – أن تعبر البحر الاقليمى لدولة أجنبية و هى طافية على سطح البحر و رافعة أعلامها وشاراتها بالكامل.

من الطبيعى أن للدولة صاحبة البحر الاقليمى أن تسن من القواعد و اللوائح ما تراه مناسبا لحفظ الأمن و سلامة الملاحة و منع التلوث و حماية الكابلات و خطوط الأنابيب و الموارد الحية و الثروة السمكية و الحفاظ على البيئة و الموارد السيادية من ضرائب و جمارك و خلافه و تنشر هده اللوائح لعلم كافة السفن العابرة للبحر الاقليمى. ان كان هدا هو الوضع على الشواطىء فان البحر الاقليمى يمكن أن يشمل ما هو أكثر من الشواطىء فهناك الخلجان والمضايق و الموانىء و الجزر و الأرخبيلات و خلافه.


الخلجان

التعريف الدى حددت به كل من الاتفاقيتين الخليج هو كالتالى : هو دلك الانحراف الحاد الدى يكون عمقه و فتحة فمه فى نسبة تجعله يحتوى مياها محبوسة بالأرض و بحيث يعتبر أكثر من انحناء عادى فى الشاطىء و لا يعد الانحراف خليجا ما لم تكن مساحته مساوية أو تزيد على مساحة شبه دائرة يكون قطرها الخط المرسوم بين فتحتى هدا الانحراف.

و لتقريب التعريف الى الواقع العملى فى أمر تحديد البحر الاقليمى لدولة تشاطىء الخليج أضافت الاتفاقية الأولى 1958 البند التالى : اذا كانت المسافة بين علامتى الجزر المنحسر فى نقطتى المدخل الطبيعى للخليج لا تزيد على 24 ميلا بحريا فانه يرسم خط يغلق ما بين علامتى الجزر المنحسر و تكون المياه المحصورة داخل هذا الخط مياها داخلية ( ليس بحر اقليمى ). أما ان زادت المسافة عن 24 ميلا فيتم مد خط بطول 24 ميلا بين أى نقطتين على الخليج بحيث تكون المساحة المائية خلف هذا الخط أكبر ما يمكن الحصول عليه و تصبح المياه داخل هذا الخط مياها داخلية ( ليست بحر اقليمى ). ولا تتناول هذه المادة السابعة من اتفاقية جنيف 1958 الا الخلجان التى تعود سواحلها الى دولة واحدة.

المضايق

استأثر النظام المستحدث للمرور فى المضايق باهتمام كبير من جانب اتفاقية 1982 و كانت أهم معالمه استحداث حق المرور العابر و هو حق وسط بين حق المرور البرىء و حق المرور المطلق الذى يطبق فى أعالى البحار. ممارسة حق المرور العابر – خلافا لحق المرور البرىء - لا تخضع لرقابة الدولة الساحلية المشاطئة للممر و كدلك فان الغواصات تستطيع ممارسة هذا الحق و هى غاطسة و يترتب على هذا الحق أيضا حق الطيران العابر فوق الممر لكل الدول و هى ميزة جديدة لم تكن موجودة قبل اتفاقية 1982. يلاحظ هنا أن حق المرور العابر لا يطبق الا فى حالات أن يكون المضيق واصلا بين منطقة من البحر العالى أو منطقة اقتصادية خالصة و منطقة أخرى من البحر العالى أو منطقة اقتصادية خالصة. أما لو كان المضيق يفصل بين منطقة بحر عالى أو منطقة اقتصادية خالصة و بحر اقليمى لأحد الدول فيكون الحق المستخدم هو حق المرور البرىء المذكورة شروطه آنفا. لا يمارس حق المرور العابر كما ذكرنا الا فى المضايق و لهذا فقد أوجدت الاتفاقية الجديدة 1982 تعريفا محددا للمضايق هو كالتالى: المضيق هو ممر مائى طبيعى غير صناعى يفصل بين اقليمين و يصل بين بحرين. اذا كان المضيق واقعا بين بر أحد الدول و جزيرة تتبع هده الدولة و ان كان هناك طريق آخر من خارج الجزيرة يصلح للملاحة فان الطريق الآخر يكون هو المضيق المحمل بحق المرور العابر أما الممر المحصور بين شاطىء الدولة و الجزيرة التابعة لها فيكون محملا فقط بحق المرور البرىء.

الوضع الخاص بمضيق تيران

نصت معاهدة السلام فى عام 1979 أن مضيق تيران و خليج العقبة من الممرات المائية الدولية المفتوحة لكافة الدول دون عائق أو ايقاف لحرية الملاحة و العبور الجوى و يحترم الطرفان حق كل منهما فى الملاحة و العبور الجوى من أجل الوصول الى أراضيه عبر مضيق و خليج العقبة.

الواقع أن وجهة النظر المصرية الرسمية فى شأن هدا النص هى أن وصف دون عائق أو ايقاف هى تطبيق لفظى لحق المرور العابر الذى استحدث بعيد توقيع المعاهدة فى اتفاقية 1982 و بذلك يكون المطبق هو هدا النوع من العبور رغم اتجاه نية الأطراف الى اعتبار مياه المضيق و الخليج مياه اقليمية مصرية. يبدو أن ذلك كان تنازلا من مصر لأن أعمال اللجنة التحضيرية لاتفاقية 1982 كانت ماثلة أمام المتفاوضين و كان من الممكن لمصر أن تصر على تحميل مياهها الاقليمية فقط بحق المرور البرىء حسب اتفاقية جنيف عام 1958 .

المنطقة المتاخمة

المنطقة المتاخمة هى منطقة من البحر العالى تقع خارج البحر الاقليمى للدولة مباشرة و يعترف للدول فى نطاقها بحقوق تتعلق بالعمل على حماية البيئة و الثروة البحرية الحية و غير الحية و الحفاظ على النظام العام للدولة و ملاحقة المهربين و المهاجرين بصورة غير شرعية و المتهربين من الجمارك و شئون الصحة و ذلك لا ينفى عنها كونها منطقة بحر عال. أعلنت مصر أن المنطقة المتاخمة يبلغ عرضها 12 ميلا بحريا تبدأ حيث ينتهى البحر الاقليمى أو بعبارة أخرى فان نهاية المنطقة المتاخمة كما أعلنت عنها مصر هى 24 ميلا مقاسة من خطوط الأساس .


الجرف القارى

الجرف القارى يعتبره الفقهاء الامتداد الجيولوجى الطبيعى للدولة و قد تم الاتفاق فى عام 1958 على تحديد نهايته بالنقطة التى يبلغ عندها عمق الماء تحت سطح البحر 200 مترا و هو منطقة تقع أسفل البحر العالى أى خارج البحر الاقليمى ثم تم التخلى عن هذا التعريف فى اتفاقية 1982 الجديدة ليحل محله اعتبار الجرف القارى هو الرصيف الملاصق لأرض الدولة الشاطئية و دلك حتى نهايته أو حتى عرض 200 ميل بحرى من خطوط الأساس و فى حالات امتداد الجرف الى أكثر من ذلك فأقصى حد هو 350 ميلا بحريا من خطوط الأساس. من النظرة الأولى يبين أن المنطقة الاقتصادية الخالصة التى تم استحداثها فى اتفاقية 1982 من شأنها الغاء العمل بنظرية الرصيف القارى و لكن الدول تمسكت فى مفاوضات 1982 بالابقاء على الجرف القارى و دلك لوجود عناصر داخل الجرف القارى لا تغطيها المنطقة الاقتصادية الخالصة حيث يتعامل الجرف القارى فى الأساس مع قاع البحر و كل ما يقع تحت قاع البحر من ثروات بينما تغطى المنطقة الاقتصادية الخالصة عامود المياه حتى القاع.

المنطقة الاقتصادية الخالصة

هى المنطقة خارج المياه الاقليمية أو البحر الاقليمى لكل دولة ساحلية و هى منطقة وضعها القانونى أنها منطقة بحر عالى و لكن تترتب فيها حقوق استغلال الثروات البحرية و الأسماك و حفر البترول و كل هذه الأعمال و هى من مستجدات اتفاقية 1982 و تقاس من خط الأساس بعرض لا يزيد عن 200 ميل أى أن أقل عرض لها هو 188 ميلا بحريا باعتبار البحر الاقليمى عرضه 12 ميلا بحد اقصى. جدير بالذكر أن مصر حددت و فى نفس الوقت لم تحدد منطقتها الاقتصادية الخالصة على البحر المتوسط فقط و أودعت ذلك القرار الجمهورى لدى الأمم المتحدة بدون تسمية العمق و اكتفت بالاشارة الى اتفاقية 1982 بدون اشارة الى العمق الدى تريد الحصول عليه و لكنها فى نفس الوقت توصلت مع قبرص الى اتفاق عام 2005 على أخذ خط المنتصف بين البلدين كحد خارجى للمنطقة فى كل بلد و يرجع فى ذلك الى الخريطة لمعرفة العرض الدى ارتضته مصر لمنطقتها الاقتصادية. أما فى البحر الأحمر فلم تصدر مصر بشأنه حتى الآن أية بيانات و يبدو أن دلك لم يناقش بعد مع السعودية و السودان. من حسن حظ مصر أنها تقع فى زاوية من القارة الافريقية بحيث أن جيرانها من الغرب و الجنوب واقعين على نفس البحار أى أنه لا تترتب لهم حقوق الدول الحبيسة على المنطقة المصرية الاقتصادية الخالصة . بالمناطق الاقتصادية لكل من ليبيا أو فالسودان أو الجزائر – مثلا - محملة بحقوق الدول المغلقة الواقعة خلف الدول الشاطئية. هذه الحقوق ترتبط بصورة وحيدة بصيد الأسماك و استغلال الثروات الحية و لكن فى حدود ما تنظمه الدولة الساحلية من طرق و قواعد هذا الاستغلال.