مياه النيل.. أطماع ومؤامرات صهيونية لا تتوقف (مقال)


إعداد: على القماش

13 06 2013 42039523321 44544.jpg

<< التنصل من اتفاقية تقسيم مياه النيل جاء بمخطط وضغوط أمريكية

<< إعلام مبارك سعى لتلطيف تنصل دول المنبع من اتفاقية تقسيم المياه بوصفه بحث إطار قانونى جديد

<<أمريكا أعلنت عن إعادة تقسيم المياه عقب حرب الخليج

<< أطماع العدو الصهيونى في مياه النيل ترتكز على دعوى «أرض الميعاد»

<< الصهاينة يحلمون بتنفيذ مشروع «يائير» لتوصيل مياه النيل إلى «إسرائيل»

أطماع إسرائيل في مياه النيل ليست بأمر جديد، بل تمتد جذورها مع الأساطير الدينية اليهودية والتى ترتكز على دعوى أرض الميعاد، وفقا لما يزعمونه بأن التوراة أوردت أن الرب قطع العهد لإبراهيم وأولاده بأن يأخذوا الأرض الممتدة من نهر مصر إلى نهر الفرات وجاءت الحركة الصهيونية لتطويع المزاعم الدينية اليهودية لترابطها بمخططها الخبيث وهى نجحت بالفعل في التغلغل في الفرات أو العراق، بينما قدمت الدول العربية خاصة مصر في عهد المخلوع كافة التسهيلات لغزو الأمريكان والصهاينة الخليج لمجرد اختلافه مع الرئيس العراقى صدام حسين.

ومنذ زيارة هرتزل -أبو الصهيونية- مصر عام1903، لم تتوقف المخططات والأطماع الصهيونية لنهب مياه النيل، وقد برز هذا بقوة في مشروع المهندس الإسرائيلى «إليشع كالى» عام 1974 بطلب توصيل مياه النيل عبر أنابيب مياه يتم تمريرها أسفل قناة السويس، ويحصلون فيها على نسبة 1% من مياه النيل من خلال مشروع أو حلم أطلق عليه مشروع «يائير»، وعرض المشروع شراء هذه الكميات من المياه مع إمداننا بتكنولوجيا لجعل الحصة المتبقية تكفينا في مصر، وقد تصادف بعدها بسنوات أقوال مجاملة من الرئيس السادات عن وصول المياه إلى القدس مرورا بالنقب، وهو ما أثار حملة عاصفة وضعت حاجزا قويا لعدم استغلال إسرائيل تلك الأقوال أو ترجمتها.

ورغم هذا لم تتوقف محاولات إسرائيل؛ إذ حضر إلى مصر وفد إسرائيلى عام 1980 وأجرى مباحثات وعرض التعاون في مشروع لاستصلاح الأراضى بالصالحية غرب قناة السويس وتطرق الحديث عن تعاون مائى بعرض مشروع «شاءول أرلوزدرف» مدير هيئة تخطيط المياه الإقليمية الإسرائيلية وقتذاك بتحويل مليارى متر مكعب لتعاون زراعى مصرى إسرائيلى في سيناء والنقب عن طريق ثلاث قنوات تمر من تحت القناة حتى منطقة ضخ رئيسية بالقرب من مدينة بالوظة بسيناء.

ثم تكرر هذا عام 1986 في مؤتمر «أوماندا همر» للتعاون الاقتصادى في الشرق الأوسط، وبعد سنوات جاء مشروع ترعة السلام، وحسنا ما تم من تعديلات أو السير بحذر غثر انتقادات الخبراء الوطنيين. وإذا كانت المحاولات الإسرائيلية فشلت من قبل في الحصول على المياه مباشرة من مصر، فالأيدى الصهيونية لم تتوقف عن العبث في منابع النيل خاصة إثيوبيا، وفى هذا المقام تجدر الإشارة إلى أن العلاقة مع إثيوبيا شهدت تدهورا خطيرا في عهد السادات حتى وصل الأمر وقتها إلى تصوير الإعلام إمكانية خوض حرب لتحرير المياه، فيما كان يرى الجانب الآخر أن ما يجرى هو احتلال جديد لإثيوبيا!!

ولم تتوقف المحاولات الإسرائيلية في التغلغل في مياه النيل عن طريق إقامة مشروعات وسدود في روافد النيل خاصة إثيوبيا، ولعل في تصريحات «جيمس بيكر» وزير خارجية أمريكا خلال حرب الخليج وقوله إن النظام العالمى الجديد المزمع إقامته عقب انتهاء أزمة الخليج سوف يراعى مسألة إعادة توزيع المياه بين إسرائيل وجيرانها العرب- ما كان يستوجب النظر بحذر إلى ما وراء أى تعاون أمريكى مزعوم بالمنطقة؛ إذ إنه لا بد أن يصب في صالح إسرائيل وأن الارتكاز على وجود اتفاقيات أمر يمكن أن تتغلب عليه الصراعات والاضطرابات فتحولها إلى روابط هشة، خاصة مع التوتر الذى يحدث من وقت لآخر حول الإطار القانونى بشأن استخدام مياه النيل بدعوى ضرورة تجديده، ومع الأسف تم الإعلان عن تصريحات عجيبة من وقت لآخر عن إمكانية خصخصة مياه النيل، كان أعجبها ما نسب إلى الصادق المهدى زعيم حزب الأمة السودانى.

وبالفعل تصاعدت بعد حرب الخليج الأولى حدة التغلغل الصهيونى والتواطؤ الإفريقى لتقسيم السودان، وهو ما انتهى إلى استقلال جنوب السودان ووجود خطر تقسيم «دارفور» وبدت مظاهر الخطر في محاولات عدد من دول حوض النيل التنصل من اتفاقية تقسيم مياه النيل المبرمة عام 1929 وتزايدت الخطورة مع الضبابية وعدم الشفافية من المسئولين والإعلام الرسمى، رغم أن مشكلة المياه مشكلة أمن قومى وتمس كل مواطن وبشكل مباشر.

فبينما كانت وسائل الإعلام العالمية عام 2004 تعلن بوضوح أن دول حوض النيل تبحث في أوغندا تغيير اتفاقية تقسيم مياه النيل، حاول الإعلام الحكومى في مصر -وقتذاك- تلطيف الخبر، وهو ما نراه فيما نشرته جريدة الأهرام المعبرة رسميا عن الحكومة بأن دول حوض النيل تبحث إطارا قانونيا جديدا بشأن استخدام مياه النيل!.

وبخلاف هذه الملاحظة الشكلية، فإن المتابعة الموضوعية أوضحت التهديد بالخطر الداهم، فوفقا للتصريحات المعلنة نجد أن دول حوض النيل التى بدأت في عنتيبى بأوغندا اجتماعا بدأ في 31 من مايو حتى 4 من يونيه من عام 2004 للبحث عن إطار قانونى ليحل محل المعاهدة التى تعود إلى عهد الاحتلال بشأن استخدام مياه النيل.

وقالت وزيرة المياه الأوغندية «مارى موتا جامبا» -وقتذاك- إن المفاوضات ليست سهلة وتواصلت اجتماعات دول المنبع في أديس أبابا وغيرها، وهو ما انتهى إلى مطالب.

محاولات عدد من الدول التنصل من اتفاقية تقسيم مياه النيل، وليس بخافٍ أن ما يحدث كان يجرى بتخطيط وضغوط أمريكية وإسرائيلية، وما تعبث به أيديهم الملوثة من إقامة مشروعات مشبوهة بدول حوض النيل أو إثارة حروب تنتهى إلى تحقيق أهدافهم.

ومن العجيب أن مطلب تغيير الاتفاقية جاء بدعوى أنها تعود إلى عهد الاحتلال المباشر وقت توقيع الاتفاقية، رغم أن مساحة وحدود مصر كانت أكثر امتدادا داخل الدول الإفريقية، سواء في السودان وغيرها في عهد الفراعنة وفى عهد محمد على وابنه إبراهيم، بل إن مقياس النيل المصرى والذى أقامه الفراعنة في قلعتى قمنة رسمنة أبعد من التقسيم الحالى للحدود بكثير من إثيوبيا إلى سيناء.

جانب آخر يجب التنبه له، وهو ربط ما يحدث في إثيوبيا وأعلى النيل بما يحدث في سيناء؛ ففى وقت انعقاد مؤتمرات دولية أعالى النيل 2004 أعلنت وزارة الموارد المائية والرى على لسان وزيرها محمود أبو زيد رفضها ابتزاز إسرائيل ووجودها في دول حوض النيل، وقالت إن قيام بعض الدول بالتلويح بإقامة مشروعات في أعالى النيل ابتزاز لمصر وتهديد لأمنها القومى. وكشفت تقارير رسمية ما تواجهه إسرائيل من مشكلة خطيرة في الحصول على المياه، وتنظر إلى نهر النيل على أنه مصدر مائى كبير، وأنها تحاول الحصول على حصة من مياه النيل، وأصبح لها وجود دائم في حوض النيل.

وتزامن مع ما يجرى وقتذاك الإعلان عن تقرير -أصدره مركز الدراسات الدولية والاستراتجية بواشنطن- بالغ الأهمية عن السودان، مجددا ما جاء في تقرير سابق للمركز ذاته عن الموضوع نفسه عام 2001، وأشار فيه إلى ضرورة تغيير السياسة تجاه السودان من سياسة الاحتواء والضغط إلى سياسة التفكيك، وهو ما حدث في السنوات التالية، وها هى دارفور تصارع الانفصال بعد أن تم اقتطاع الجنوب بدعم «جارنج حليف» إسرائيل بالمنطقة.

كما تسربت أيضا وقتذاك معلومات عن مشروع إسرائيلى يرى اتفاق السلام الإسرائيلى الفلسطينى يجب أن يكون اتفاقا إقليميا يضم مصر مع قبول تغيير وتذويب في الحدود بمنح مصر مساحة 600 كيلومتر مربع في سيناء لاستيعاب اللاجئين الفلسطينيين مقابل إعطاء إسرائيل مصر أرضا قريبة في صحراء النقب إلى جانب دعم مالى تقدمه الولايات المتحدة والبنك الدولى.

وقد تزامن مع تلك التصريحات والمعلومات والأحداث وقوع تفجيرات طابا، وها هو الأمر يتكرر حاليا بصور متعددة للصهاينة ومحاولات زعزعة الأمن في سيناء.

إن ما يجرى من عبث في أعالى النيل وفى سيناء مخطط صهيونى ودعم أمريكى غربى ليس وليد اليوم.