منكر ونكير
منكر ونكير هم الملكين الذان يحاسبان المرء في قبره بسؤاله عن ربه ونبيه. ومن أدلة حقيقة وجود هذين الملكين في الكتاب والسنة ما يلي : ذكر القرآن: {النار ُ يُعرَضون عليها غدوّاً وعشياً ويوم تقوم الساعة أَدخلوا آل فرعون أشد العذاب} سورة غافر / 46. وقال صلى الله عليه وسلم: " إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم إذا انصرفوا أتاه ملكان فيقعدانه فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل محمد؟ فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقال له: أنظر إلى مقعدك من النار أبدلك الله به مقعداً من الجنة، فيراهما جميعاً، وأما الكافر أو المنافق فيقول: لاأدري كنت أقول ما يقول الناس فيه، فيقال لا دريت ولا تليت، ثم يضرب بمطرقة من حديد بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الثقلين". رواه البخاري ومسلم عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم. تناقلت الأخبار الصحيحة وهو ما اتفق عليه اصحاب المذاهب الإسلامية الصحيحة أن الله ينزل على نزيل القبر الجديد ملكين يقومون بمحاسبته في قبره فيسألانه عن ربه ودينه ونبيه وكتابه وامامة وعمره وماله، فأن أجاب بالحق استقبل من قبل الملائكة بالريح والريحان وكان قبره روضة من رياض الجنة وأن تلجج لسانه بالاجابة تكشف له منزله بالنار وأستقبلته الملائكة بنزل من حميم.
وبالتالي فإن منكراً ونكيراً هما الملكان اللذان يسألان العباد بعد خروجهم من الدنيا، وسبب تسميتهما هو نكارة العبد المسؤول لهما وعدم معرفته ورؤيته في السابق لمثل شكلهما، كذا قال المناوي والمباركفوري. وأما صفتهما فهما أسودان أزرقان كما ثبتت الأحاديث بذلك، ذكر ابن حجر في الفتح رواية عن الطبراني في الأوسط في بيان صفتهما قال فيها: أعينهما مثل قدور النحاس وأنيابهما مثل صياصي البقر وأصواتهما مثل الرعد، قال ونحوه لعبد الرزاق من مرسل عمرو بن دينار وزاد يحفران بأنيابهما ويطآن في شعورهما معهما مرزبة لو اجتمع عليها أهل أمتي لم يقلوها. انتهى.
وظاهر كلام المناوي أنهما يأتيان بنفس الصفة للمسلم والكافر، ولا مانع أن يكون الملكان نفسهما هما اللذان يسألان كل ميت كما أن ملك الموت هو الذي يقبض روح كل ميت، علما بأنا لم نطلع على نص يصرح بذلك.
وأما عذاب القبر فيقع على الروح والجسد كما رجح ابن تيمية، وقد ثبتت النصوص المفيدة لعذاب القبر ولقدرة الله تعالى، فعلى المسلم أن يصدق بذلك ويوقن أن الله تعالى لا يعجزه شيء في السماوات ولا في الأرض، فهو قادر على تعذيب فرعون بالنار وبما شاء، ولو كانت جثته ماثلة بين أيدينا، فعلى المسلم التصديق بما ثبت في الوحي ولو لم يشاهد وقوعه فعلاً، ولا يحكم عقله القاصر في المغيبات.
وأما اسوداد وجه من مات على الكفر عند موته فلا نعلم فيه نصاً، علماً بأنه يذكر الناس وقوعه كثيراً، ولكن الثابت في النص هو اسوداد وجهه يوم القيامة يوم تبيض وجوه وتسود وجوه كذا قال ابن كثير والقرطبي، ويدل له قول الله تعالى: وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ {الزمر:60}، وراجع في بقية السؤال وللمزيد الفتاوى ذات الأرقام التالية: 32415، 15269، 16778، 35799، 2112، 4314، 27340، 48308.
وراجع كتاب الروح لابن القيم، وشرح الطحاوية[1][3].
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
صفاتهما
عن ابن عباس في خبر الاسراء : ان النبي صلى الله عليه وسلم : قال يا جبريل وما ذاك ؟ قال : منكر ونكير ياتيان كل إنسان من البشر حين يوضع في قبره وحيدا، فقلت: يا جبريل، صفهما لي، قال:نعم من غير ان اذكر لك طولهماوعرضهما, ذكر ذلك منهما افظع من ذلك, غير ان اصواتهما كالرعد القاصف واعينهما كالبرق الخاطف وانيابهما كالصياصى لهب النار في افواههما، ومناخرهما ومسامعهما، ويكسحان الأرض باشعارهما ويحفران الأرض باظفارهما، مع كل واحد منهما عمود من حديد، لو اجتمع عليه من في الأرض ماحركوه، ياتيان الإنسان إذا وضع في قبره ,وترك وحيدا يسلكان روحه في جسده باذن الله تعالى، ثم يقعدانه في قبره فينتهرانه انتهارا يتقعقع منه عظامه وتزول اعضاؤه من مفاصله فيخر مغشيا عليه، ثم يقعدانه فيقولان له: يا هذا ذهبت عنك الدنيا وافضيت إلى معادك فاخبرنا من ربك ؟ وما دينك ؟ ومن نبيك ؟ فان كان مؤمنا بالله لقنه الله حجته, فيقول :الله ربي، ونبي محمد، وديني الإسلام، فينتهرانه عند ذلك انتهارا يرى ان اوصاله تفرقت وعروقه قد تقطعت ويقولان له :ياهذا تثبت انظر ما تقول، فيثبته الله عنده بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الاخرة في قوله تعالى ((يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة))ويلقنه الامان ويدرأ عنه الفزع فلا يخافهما، فاذا فعل ذلك بعبده المؤمن استانس اليهما واقبل عليهما بالخصومة يخاصمهماويقول: تهددني كيما اشك في ربي وتريدان ان اتخذ غيره وليا وانا اشهد ان لا اله الا الله, وهو ربي وربكما ورب كل شيء, ونبي محمد وديني الإسلام ؟ ثم ينتهرانه ويسالانه عن ذلك فيقول:ربي الله فاطر السموات والأرض ,واياه كنت اعبد ولم اشرك به شيئا ولم اتخذ غيره احدا ربا افتريداني ان ترداني عن معرفة ربي وعبادتي اياه؟ نعم هو الله الذي لا اله الا هو:قال:فاذا قال ذلك ثلاث مرات مجاوبة لهما تواضعا له حتى يستانس اليهما انس ما كان في الدنيا إلى اهل وده ويضحكان اليه, ويقولان له: صدقت وبررت اقّر الله عينيك وثبتك ابشر بالجنة وبكرامة الله، ثم يدفع عنه قبره هكذا وهكذا فيتسع عليه مد البصر ويفتحان له بابا إلى الجنة فيدخل عليه من روح الجنة وطيب ريحهاونضرتها في قبره ما يتعرف به من كرامة الله تعالى، فاذا راى ذلك استيقن بالفوز فحمد الله، ثم يفرشان له فراشا من استبراق الجنة ويضعان له مصباحا من نور عند راسه ومصباحا من نور عند رجليه يزهران في قبره ثم تدخل عليه ريح أخرى, فحين يشمها يغشاه النعاس فينام، فيقولان له:ارقد رقدة العروس قرير العين، لا خوف عليك ولاحزن، ثم يمثلان عمله الصالح في احسن ما يرى من صورة, واطيب ريح فيكون عند راسه، ويقولان :هذا عملك وكلامك الطيب قد مّثله الله لك في احسن ما ترى من صورة واطيب ريح ليؤنسك في قبرك فلا تكون وحيداويدرأ عنك هوام الأرض وكل دابة وكل اذى فلا يخذلك في قبرك ولا في شيء من مواطن القيامة حتى تدخل الجنة برحمة الله تعالى، فنم سعيدا طوبى لك وحسن مآب، ثم يسلمان عليه ويطيران عنه.[2]
والكافرالله اعلم ما قد يحل به من عذاب الله
المصادر:
1.كتاب الروح لابن القيم
2.كتاب الأسراء والمعراج لأبن العباس : رضي الله عنه
3.شرح الطحاوية