مقالة في العبودية المختارة
فأما الآن فلست أبتغي شيئاً إلا أن أفهم كيف أمكن هذا العدد من الناس،من البلدان، من المدن، من الأمم أن يحتملوا أحياناً طاغية واحداً لا يملك من السلطان إلا ما أعطوه، ولا من القدرة على الأذى إلا بقدر
احتمالهم الأذى منه، ولا كان يستطيع إنزال الشرّ بهم لولا إيثارهم الصبر عليه بدل مواجهته. إنه لأمر جلل حقاً -وإن انتشر انتشاراً أدعى إلى الألم منه إلى العجب- أن نرى الملايين من البشر يخدمون في بؤس، وقد
غُلّت أعناقهم دون أن ترغمهم على ذلك قوة أكبر، بل هم)فيما يبدو( قد سحرهم وأخذ بألبابهم مُجَرَّد الاسم الذي ينفرد به البعض، كان أولى بهم ألا يخشوا جبروته، فليس معه غيره، ولا أن يعشقوا صفاته، فما يرون منه إلا خُلوَّه من الإنسانية ووحشيَّته. إن ضعفنا نحن -البشر -كثيراً ما يفرض علينا طاعة القوة ونحن محتاجون إلى وضع الرجاء في الأرجاء ما دمنا لا نملك دائماً أن نكون الأقوى. فلو أن أمة أجبرت بقوة الحرب على أن تخدم واحداً)مثل أثينا الطغاة الثلاثين() 4( لما وجب الدهش لخادِمِيّتِها بل الرثاء لنازلتها، أو بالأحرى ما وجب الدهش ولا الرثاء بل الصبر على المكروه والتأهُّب لمستقبل أفضل.
مقالة في العبودية المختارة هو كتاب صغير من تأليف إتيان دلا بويسي
ترجمة مصطفي صفوان
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
إقتباسات
-- ولا أظنني أسلك مسلكاً حكيماً إذا أردت أن أسدي هنا الموعظة إلى الشعب بعد أن فقد كل معرفة منذ أمد طويل، وصار فقدان حساسيته بالألم دليلاً كافياً على أن مرضه قد صار مميتاً.
--. فلو كانت الحرية لها مراتب لجعلت من الحرّيّة عنوان نبالتها
-- هناك ثلاثة أصناف من الطغاة: البعض يمتلك الحكم عن طريق انتخاب الشعب، والبعض الآخر بقوة السلاح، والبعض الثالث بالوراثة المحصورة في سلالتهم.
-- الإنسان فهو- يقيناً- لا ينساق إلى العبودية إلا عن أحد سبيلين: إما مكرهاً وإما مخدوعاً. مكرهاً إما بسلاح أجنبي مثل مدينتَيْ إسبرطة وأثينا، إذ قهرتهما قوات الإسكندر، وإما بطائفة من مجتمعه، مثلما حدث في أثينا في زمن أسبق حين استولى بيسيسترانس على مقاليد الحكم) 14 (. فأما الخديعة من حيث تؤدّي أيضاً إلى فقدان الحرّيّة فمرجعها إلى تغرير الغير في أكثر الأحيان من مرجعها إلى كون الناس يخدعون أنفسهم بأنفسهم. مثال ذلك شعب سيراقوصة)عاصمة صقيلة
-- إن الناس يسهل تحوُّلهم تحت وطأة الطغيان إلى جبناء مخنَّثين.
--إن يعلن ملك عن استبداده بالحكم حتى تلتفّ حوله كل أسقاط المملكة وحثالتها، وما أعني بذلك حشد صغار اللصوص والموصومين الذين لا يملكون لبلد نفعاً، ولا ضرّاً، بل أولئك الذين يدفعهم طموح حارق وبخل شديد) (، يلتفون حوله ويعضدونه لينالوا نصيبهم من الغنيمة، وليصيروا هم أنفسهم طغاة مصغَّرين في ظل الطاغية الكبير. هكذا الشأن بين كبار اللصوص
-- إن الغباوة تلازم الطغاة دائماً، حتى حين يريدون إسداء الحسن إذا أرادوا إسداءه،
--