مطلق بن محمد المطيري

مطلق بن محمد المطيري (توفي 1813م/1228هـ) أحد قادة الدولة السعودية الأولى وقائد الجيوش في ساحل عُمان.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الصراع النجدي العُماني

حين ظهرت الدولة السعودية الأولى في 1744 وأخذت تتوسع شيئا فشيئا في الاتجاهات الأربعة من الجزيرة العربية، وبالتحديد حين سيطرت على الأحساء في شرق الجزيرة العربية، أصبح الطريق مفتوحا للتعمق في الجنوب الشرقي في عُمان وساحل عُمان، فأمر عبد العزيز بن محمد بن سعود قائده مُطلق المطيري بغزو ساحل عمان حيث تسكن قبائل بني ياس، لكن مطلق لم يفلح في حملته بادئ الأمر، لذا أولى عبد العزيز الأمر إلى قائد آخر هو إبراهيم بن عفيصان الذي لعب دورا بارزا في دخول المنطقة الشرقية، فقاد إبراهيم حملته إلى الصير ضد بني ياس منذ سنة 1795، وقد نجح في إرغامهم على الخضوع للسيادة السعودية، ثم سرعان ما لحقت بهم قبائل النعيم الذين كانوا يسكنون واحات البريمي، تلك الواحة التي أضحت بمرور الوقت قلعة السعوديين الحصينة لفرض سيادتهم على ساحل عُمان (الإمارات اليوم) وعُمان الداخلية ومسقط.


تعود المحاولات النجدية لمد النفوذ إلى الإقليم العُماني التاريخي الذي يضم عُمان الراهنة مع كافة الأراضي الشمالية حتى قطر؛ والمسمَّاة تاريخياً بـ "ساحل عُمان" إلى بداية القرن التاسع عشر الميلادي، ووصلت ذروتها في عهد مُطلق المطيري بين عامي (1222هـ/1807م و 1228هـ/1813م).[1] وكان الهدف من الوجود السعودي في تلك المنطقة نشر الأيديولوجية الوهابية، وتبعية تلك المناطق للدولة السعودية؛ لذا لم تكتفِ الدرعية بإرسال الحملات العسكرية دون إرفاقها "بعلماء الدعوة"، الذين بدأوا بالفعل في تدريس مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب مثل كتاب التوحيد وغيره، ومنذ عام 1795 بدأت قبائل بني ياس في دفع الزكاة إلى السعوديين، ثم لحقها قبائل النعيم، وهما القبيلتان اللتان كانتا تنتميان إلى التحالف الغافري السني، وربما أرادت من وراء خضوعها للسعوديين تقوية مركزها ضد حلف القبائل الهنائي الإباضي.


وكان لتمركز السعوديين في البريمي وإخضاعهم لأهم قبائل المنطقة، وعلى رأسهم حاكم رأس الخيمة صقر بن راشد القاسمي زعيم القواسم، كان يعني أن الهدف القادم والمباشر للحامية السعودية مواجهة سلطنة مسقط، وكان الحاكم آنذاك سلطان بن أحمد بوسعيد، الذي خرج في العام 1800 على رأس حملة بحرية إلى البصرة في العراق للاتصال بالسلطات العثمانية وتفاوض معهم لدفع الخطر الوهابي، وهو الحاكم الذي كان يقود القبائل الهنائية المؤيد للمذهب الإباضي، ثم اتجه إلى الحج سنة 1803 للتفاوض مع الأشراف حكام الحجاز لكيفية التخلص من النفوذ الوهابي المتنامي بالنسبة للسعوديين فقد كان هدفهم الأساسي إخضاع إمارات الساحل العماني (الإمارات العربية المتحدة اليوم) لنفوذهم، تارة بالقوة الناعمة عن طريق دُعاتهم إلى الوهابية، وأخرى عن طريق "الغزوات" العسكرية، فعلى سبيل المثال كان أمير القواسم سلطان بن صقر قد رفض الانضواء تحت السيادة السعودية في بادئ الأمر، لكنه عاد وقَبِل نظرا لقوة السعوديين المتنامية التي أجبرتهم على ذلك. وهذا ما يؤيده مؤرخو الدولة السعودية الأولى مثل الريكي في "لمع الشهاب" الذي يقول: "وأما أطراف قواسم رأس الخيمة مثل زعاب وأهل الجزيرة الحمراء فلم يؤدوا الطاعة لمطلق (قائد السعوديين في تلك المناطق)، وكذا طنيج أهل الرمس، فإنهم حاربوا آل سعود بعد إطاعة القواسم بأربع سنين، ثم أطاعوا بعد ذلك".

وحين ضمن السعوديون تحالف القواسم وغيرهم من قبائل ساحل عُمان، والجبور في سمائل والجعلان في الداخل العُماني، أرسل الأمير عبد العزيز بن محمـد آل سعود رسائله إلى القواسم في رأس الخيمة والعتوب في البحرين والكويت للانضمام إلى حملته الجديدة على عُمان، وقد قَبِل هؤلاء الانضمام إلى الحلف السعودي على مضض بسبب انشغالهم بموسم صيد اللؤلؤ، ووقف سلطان بن أحمد البوسعيدي أمام هذا التحالف الجديد وحيدا، ورغم هزيمته للعتوب، وجد نفسه أعجز من أن يقوم بعمل هجومي وأن يحمي شواطئه من الهجوم البحري في الوقت نفسه، واستطاعت فرقة من السعوديين وحلفائهم النزول في جزيرة قشم التي كانت تابعة ذلك الوقت لعُمان، وكان هذا الخبر من أهم أحداث الحرب البحرية بين الفريقين.

وأحسّ القواسم بتغير معاملة السعوديين لهم وبعض التهميش، ويؤكد مؤرخ تلك الحقبة ابن رزيق أن القواسم قرروا الخروج عن حلفهم مع السعوديين بعد مساعدتهم على احتلال عُمان، مما جعل سلطان بن صقر أمير القواسم يدخل في حلف جديد مع سلطان مسقط سعيد بن سلطان البوسعيدي، الأمر الذي جعل رجل السعوديين مُطلق المطيري "يحشد أقواما كثيرة، وكتب لأعوانه أن يأتوه في صُحار" في الداخل العماني، لتبدأ المواجهة التي انتهت بهزيمة العمانيين والقواسم الثقيلة أمام السعوديين.


وبسبب هذه الهزيمة المفجعة توغّلت القوات السعودية بقيادة مُطلق في عُمان، فتقدم إلى منقطة مَطْرح التي استولى عليها ومنها استطاع الوصول على العاصمة مسقط فاحتلّها، ومن ثم فإن مدن عُمان سرعان ما خضعت للسيادة السعودية، ولم يجد سلطان البوسعيدي بُدًّا سوى اللجوء إلى الإنجليز الذين نزلت بعض قواتهم على ساحلها للتمشيط، لكنّ نفوذ السعوديين كان كبيرا في عمان، خصوصا عند الغافريين السُّنة في منطقتي الظافرة وجعلان، وكان كبيرهم حميد بن ناصر الغافري ومعه محمد بن ناصر الجبري من كبار المؤيدين للتدخل السعودي الوهابي في عُمان.[2]


في النهاية رضخ سعيد بن سلطان، سلطان عُمان، لمطلق المطيري الأمير السعودي الذي أخضع عمان وساحل عمان للنفوذ السعودي في نهايات القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر انطلاقا من واحات البريمي الإستراتيجية التي كانت قوات السعوديين قادرة من خلالها على مد أيديها إلى عُمان والإمارات على السواء، والعودة إلى نجد بسهولة إذا لزم الأمر، وذلك بالطبع بمساعدة مهمة وقوية من حلفائهم القواسم في رأس الخيمة والشارقة بزعامة سلطان بن صقر القاسمي.


والتقى سعيد بن سلطان مع مطلق المطيري في منطقة المصنعة قرب مسقط على شاطئ بحر العرب، وطلب منه الصلح ودفع كما تشير بعض المصادر العُمانية مبلغا ضخما قُدّر بأربعين ألف ريال، فانسحب مطلق من الباطنة وهي منطقة صحار الآن، واتجه منها إلى عاصمة السعوديين في الدرعية، وقد ثبت فيما بعد أن هذه المفاوضات كانت بنصيحة من القنصل الفرنسي في عُمان.


ولم يجد سلطان عُمان بُدًّا سوى الرضوخ للسعوديين، وأرسل في طلب الصلح، وتم الاتفاق بين الجانبين على هدنة مدتها ثلاث سنوات مقابل أن تدفع عُمان جزية سنوية قدرها 12 ألف روبية، وأن يسمح لممثل سياسي عن السعوديين والوهابيين بالإقامة في مسقط، ونظرا للعداء القديم بين القواسم وبين سلطان فقد كمنوا عند عودته من البصرة، فقتلوه في 30 نوفمبر 1804، فتولى الحكم بعده ابن أخيه بدر بن سيف بالنيابة عن ولي العهد سعيد بن سلطان.

وكان بدر بن سيف البوسعيدي مؤيدا للسعوديين، وبسبب ذلك ثارت عليه الأسرة البوسيعيدية، وقتلوه سنة 1806، وتولى أمر عُمان من بعده سعيد بن سلطان، يقول صاحب "لمع الشهاب في سيرة الشيخ محمد بن عبد الوهاب" عن تأييد بدر للسعوديين: "أرسل بدر رسلا إلى سعود عن طريق القطيف، وأرسل معهم تحفا وهدايا كثيرة، وكتب له كتابا جاء فيه: إني أُعاهدك على هذا الدين ومُطيعا له. هذا كل ما تأمرني به من الأوامر والجهاد أفعل لا محالة".


بعد مقتل بدر قرر العُمانيون التخلص من الاستبداد السعودي، واجتمعت أسرة آل بوسعيد على قلب رجل واحد، وتحارب الحاكم الجديد السيد سعيد بن سلطان مع السعوديين واتحد معه ابن عمه قيس بن أحمد، وكان هم سعيد أن يُخرج القوات السعودية من عُمان، وأن لا يدفع الزكاة للدولة السعودية، لكن القوات السعودية كانت أقوى بفضل تحالفها مع إمارات الساحل العماني، وانهزمت القوات العُمانية في موقعة خورفكان، وقُتل أحد كبار أسرة آل بوسعيد قيس بن أحمد البوسعيدي في هذه الموقعة.


ولم يعتمد السعوديون على قبائل إمارات الساحل وإنما امتد نفوذهم إلى نشر الوهابية بين القبائل العُمانية ذاتها، لا سيما في سمائل بين الجبور قرب مسقط، وبين الجعلان في جنوب الشرقية بعُمان، وقد تولى الشيخ سالم بن علي بن سلطان آل حمود زمام الأمر، وكان قد توجه إلى الدرعية فدرس تعاليم الشيخ محـمد بن عبد الوهاب وتأثر بها، وعاد إلى بلاده عازما على التأثير في قومه الجعلان، وقد نجح في ذلك بالفعل، وكانوا عونا فيما بعد للقوات السعودية حين دخلت عُمان، لذا عمدت الإستراتيجية السعودية إلى اللعب بورقتي الدعوة الوهابية والقوة العسكرية في استمالة وإخضاع عُمان والإمارات على السواء.[3]



لاحقا استنجد إمام عمان سعيد بن سلطان بشاه إيران فأمده بعسكر وحصلت بعدها وقعة في 1809 هزمهم فيها ثم قتله الحجريين عام 1813 في وقعة معهم.


وبحسب كتاب تحفة الأعيان الذ أورد عن قدوم المطيري :

"ومن جملة الأحوال الواقعة في زمانه قدوم مطلق بن محمد المطيري وهو عامل من قبل سعود بن عبد العزيز. جاء إلى عمان بالجيوش بواسطة الغافرية (يعني قبائل القواسم والنعيم وغيرهم) من أهل عمان الظاهرة وأهل جعلان، وبايعه عدد من الأفراد على المذهب الإباضية. فقدم سنة 1222هـ وكان قدومه على عُمان عذابا واصبا وبلاء وبيلاً، وتردد على عمان ثلاث سنين، يسير عنها ويرجع إليها، وأعد له السلطان سعيد الرجال للقتال فما أغنوا شيئا، وجاء له بالعجم والعرب فهزمهم بـ "أزكى " وسار إلى "مطرح" ونهبها، وأدى إليه السلطان الخراج ليدافع عن البلاد حين لم تعن الرجال شيئا. واتخذ توام وهي "البريمي" معقلا وبقي فيها عمال أهل نجد حتى أزالهم الله على يد الإمام عزان بن قيس".[4]


مصادر

  1. ^ محمد بن سعيد الحجري. "مُطلق المطيري.. وجهة نظر الحقائق التاريخية". السياسات الخليجية.
  2. ^ ""شهوة السيطرة".. لماذا حاول السعوديون احتلال عُمان؟". الجزيرة.
  3. ^ ""شهوة السيطرة".. لماذا حاول السعوديون احتلال عُمان؟". الجزيرة.
  4. ^ "مطلق المطيري". alriyadh.