مصرع الوزير المفوض
مصرع الوزير المفوض أو مصرع وزير-مختار Смерть Вазир-Мухтара رواية كتبها يوري تنياكوڤ سنة 1928. وقد تحولت إلى مسلسل تلفزيوني روسي شهير جداً في 1969 ثم في 2009. وتدور حول أحداث آخر سنة في حياة ألكسندر گريبويدوڤ، الدبلوماسي والكاتب الروسي، حيث كان يعمل وزير مفوض لروسيا في طهران.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
خلفية الرواية
في العام 1928 كانت المسألة الإسلامية في الجمهوريات والمناطق الجنوبية من الاتحاد السوفيتي، في شكل عام، قد بدأت تقلق السلطات الستالينية. كانت تلك هي الفترة التي ساد فيها ارتباك في علاقات موسكو مع مسلميها، حتى وإن كان كثر من هؤلاء قد دنوا حثيثاً من الأفكار البولشفية، إذ رأوا في الكثير منها نوعاً من التطبيق المعاصر لأفكار اشتراكية وإنسانية بدت لهم واردة في تراثهم الديني العريق. ومن الواضح أن مصير الشيوعي المسلم (من باشكيريا) سلطان گالييف (أو علييف) كان فصيحاً في هذا المجال. فهذا الزعيم والمنظّر لنوع جرى الحديث عنه بكثرة من الشيوعية الإسلامية على النمط الآسيوي الفعال، والذي كانت أفكاره برزت بقوة في مؤتمر باكو، سرعان ما وجد نفسه على خلاف حاد مع موسكو، فعزل وطرد وسجن للمرة الأولى في العام 1923، ثم انه حين أطلق سراحه، واصل ممارساته النظرية ومساعيه بين 1923 و1928، فكان أن طرد من الحزب وسط غضب ستاليني صاخب عليه من جديد وهذه المرة في شكل نهائي واختفى من الساحة السياسية تماماً. بل اختفى هو نفسه إذ كانت له نهاية لا تزال محاطة بالألغاز حتى زمننا الراهن هذا.
إذاً، في العام 1928، عام «نهاية» سلطان گالييڤ، كانت سلطات موسكو قد بدأت تدرك أن الرجل لا يمثل ظاهرة فردية، بل يرمز الى معضلة أساسية يجب التعاطي معها: معضلة التوفيق بين ايديولوجية الدولة، ووضعية مسلميها وإيمانهم. ومن هنا كثرت الكتابات النظرية والبحوث من حول أوضاع هؤلاء المسلمين. وما كان يمكن الفنون إلا أن تتبع هذا التيار، سواء في تأييد لتنظيرات السلطة أو في استفادة من المناخ العام لرسم أجواء أدبية.
أما بالنسبة الى الكاتب يوري تنيانوڤ، فإنه رأى في ذلك كله فرصة تضعه في مكان آمن، أدبياً، بعدما كانت أعمال له أولى قد وُسمت بأنها شكلانية ودينت من جانب الرقابة الرسمية كما من جانب الحزب وبيروقراطيته، ما كاد يعرّضه لمشاكل. ومن هنا كانت الفرصة سانحة أمام هذا الكاتب المتمرّس كي يرى في الرواية التاريخية التي تستقي موضوعها واهتمامها من حياة المسلمين الآسيويين، مكاناً يمكنه من خلاله أن يعبّر عن مواقفه من دون أن يُغضب السلطات. ولطالما خدم التاريخ الأدباء والفنانين في هذا المضمار.
إنطلاقاً من هنا ولدت، إذاً، رواية «موت الوزير المفوض» - والتعبير الرسمي في الفارسية هو "وزير-مختار"، لكن المعنى في التعابير الروسية المنتمية الى تلك الأزمنة كان يكاد يماثل الوزير المفوض. وهي رواية تاريخية/ سياسية كتبها تنيانوف ونشرها في العام 1928 تحديداً. ولئن كانت أجواء الرواية هي أجواء عالم الإسلام في أواسط آسيا، فإن موضوعها الأساس هو العامين الأخيرين من حياة الشاعر الليبرالي ألكسندر گريبويدوڤ، الذي كان في زمنه فناناً مرموقاً، لكنه مارس مهمات ديبلوماسية عدة في مناطق المسلمين داخل المناطق الإسلامية التابعة لروسيا أو المجاورة لها أوصلته لأن ينتهي به الأمر اغتيالاً في شكل فجائعي في فارس حين كان يزورها لأداء مهمة رسمية فيها.
منذ بداية الرواية، وحتى انتهاء نصفها الأول، نتابع حياة ألكسندر گريبويدوڤ ونجاحه في الحلقات الأدبية في بطرسبرغ خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر، ولا سيما بعد ظهور مسرحية له منعت من أن تُقدّم على الخشبة فكان ان قرأها الناس سراً. بعد انتشار تلك المسرحية على شكل كتاب، تحاكم السلطات ألكسندر بتهمة التواطؤ مع «الديسمبريين» الذين كانت ثورتهم قد قُمعت في العام 1825 - ولسوف يكتب اديب الروس الكبير ليڤ تولستوي عنهم واحدة من رواياته الكبرى -. ومن حول محاكمة الشاعر إذاً، تصف لنا رواية «موت الوزير المفوض»، الحياة الخاوية والصاخبة التي تحياها الطبقة المثقفة في پطرسبورگ في ذلك الحين. ولكن بعد ذلك، سنعود الى ألكسندر وقد تعمّد أن يتناسى بعض الشيء ماضيه الأدبي ومتاعبه، لنراه الآن ديبلوماسياً يتفاوض في طهران مع سلطاتها حول انهاء تلك الحرب التي كانت مندلعة في ذلك الحين، بين روسيا وفارس وتجرى محاولات حثيثة لوقفها بالطرق الديبلوماسية. والحقيقة ان تلك المفاوضات التي قادها بطل روايتنا بشكل حاذق انتهت بمعاهدة رجّحت كفة روسيا على كفة الانكليز في تنافسهما حول السيطرة على فارس وعلى غيرها من مناطق وسط آسيا. حيث إن ذلك الحين كان زمن مغامرات الغزو الأجنبي الكبرى للمناطق الآسيوية، وبالتحديد زمن التنافس الاستعماري بين الدولتين العظميين الطامعتين بتلك المناطق الآسيوية من العالم في ذلك الحين، بريطانيا العظمى والإمبراطورية الروسية. وضمن هذا الإطار ولترسيخ أقدام روسيا، كان لا بد - وفق الكسندر - من الاهتمام بالمناطق الإسلامية الخاضعة لروسيا، لإبعادها من إغراءات التقارب مع الإنكليز من ناحية، والالتحام بالجوار الإسلامي من ناحية ثانية. ومن هنا نرى الكسندر يصيغ لقيصره نيقولاي الأول مشروعاً متكاملاً لتنمية مناطق القوقاز. لكن نيقولا ومستشاريه ليسوا مهتمين بتطوير مناطقهم الإسلامية قدر اهتمامهم بخوض الحروب عند حدودهم الجنوبية: كانوا يرون أن فرض منطق القوة على المسلمين في الخارج، وبالتالي على مسلميهم في الداخل، أنجع من التطوير والتنمية للسيطرة عليهم. وبالتالي أكثر فائدة في لعبة اقتسام المستعمرات. ومن هنا ما ان تهدأ الحرب مع ايران حتى تندلع مع تركيا، في وقت ترى فيه بطرسبرغ أن من الضروري لعب كل من الورقتين (طهران والآستانة) ضد بعضهما بعضاً.
إذاً، ضمن هذا الإطار يرسل الكسندر گريبويدوڤ الى فارس كوزير مفوض، وتدور على هذا الأساس، أحداث النصف الثاني من الرواية بين تفليس (جورجيا) وتبريز وطهران (فارس). ونلاحظ هنا في هذا القسم من الرواية ان السياسة ستبتعد بعض الشيء عن مقدمة الأحداث ليمعن الكاتب في وصف الحياة الشعبية وحياة القصور في المناطق التي يتنقل فيها شاعره الديبلوماسي. إذ إن هذا سرعان ما يجد نفسه غارقاً في حياة الترف، وفي لعبة المقارنة بين برودة الحياة الغربية وجحيمها ورفاهية الحياة الشرقية، على نحو ما كان يتفنن غلاة المستشرقين في وصفه والحديث عنه بشكل صائب أو بكثير من المبالغة في ذلك الحين ومن ثم ينعكس في الفنون والآداب ليصل الى المخيّلات الشعبية. وهكذا يجد القارئ نفسه في مواجهة العادات الشرقية، ويكتشف مدهوشاً مع بطل الرواية، نقاط التلاقي بين الشرق المسلم وأوروبا الشرقية، في وقت غالباً ما يهرب فيه العسكريون الروس من جيوشهم ليضعوا أنفسهم في خدمة شاه ايران. وتفضل الألمانيات الشابات حياة قصور الحريم، على حياتهن السابقة كمزارعات بسيطات في أوطانهن.
وكل هذا يشهده بطل الرواية ويصفه الكاتب بأسلوب دافئ ممتع يحفل بالحسناوات وبالمخصيين وبرجال السياسة والارهابيين وأبناء الشعب البسيط وما إلى ذلك. ويخيّل الى القارئ أن هذا كله سيظل على حاله هكذا، حتى تقترب الرواية من نهايتها، فتكون نهاية في غاية العنف: ذلك أن الكسندر يقع، بدوره، ضحية للمؤامرات وللصراعات حين يأمر رجال الدين في طهران رجالهم بقتله على رغم حصانته الديبلوماسية. فكيف يكون رد فعل حكومة سانت بطرسبرغ: بكل بساطة، تعلن بعد أسابيع ان موته انما كان قضاء وقدراً، ذلك أن اللعبة الديبلوماسية ولعبة التحالفات كانت تقتضي ذلك.
الكاتب
- مقالة مفصلة: يوري تينيانوڤ
درس يوري تينيانوڤ (1894 - 1943) الأدب في جامعة پطرسبورگ (پتروگراد أيامه) ثم تخرج مترجماً ليعمل في صفوف الكومنترن بعد انتسابه الى الحزب الشيوعي، حتى العام 1923، حين أصبح مدرساً للأدب الروسي وبحوث الشعر في الجامعة، واهتم خصوصاً بتحليل أعمال پوشكين وگوگول ودوستويڤسكي، وكانت تلك هي الفترة التي اتهم فيها بالشكلانية فلجأ الى الرواية التاريخية مبدعاً فيها أعمالاً نالت نجاحاً فائقاً مثل روايته هذه التي نحن في صددها، والتي قرئت على نحو واسع على أنها رواية الصراعات الأوروبية من حول الشرق. وقد اشتهرت له رواية أخرى هي «المحروم» التي روى فيها حياة الشاعر الديسمبري ڤلهلم كوخلبكر.